آيت واعزيق قرية نائية في تخوم الجنوب الشرقي، اشتهرت بنقوشها الصخرية القديمة التي تعود إلى أزيد من 7 آلاف سنة. كما اشتهرت محليا بولي صالح، يقصده الناس في منتصف ماي تقريبا من كل سنة للتبرك به والمبيت في ضريحه، وانتظار رؤيا ما، وتقديم هدايا للضريح وزواره إذا ما نجحت الزيارة وتم "قضاء الغرض". على بعد 22 كيلومترا من مركز تازارين بإقليم زاكورة يرقد جثمان الولي دَادّا واعْزيق، في قرية بلا طريق معبدة، أخذت اسمها من هذا المزار وعُرفت باسم آيت واعزيق. عديدة هي المزارات وقبور الأولياء في قرى الجنوب الشرقي، فالمسنون يتذكرون مواسم تقام بشكل سنوي في قراهم، لدرجة أنك تجد في كل شعبة وليا، وفي كل قرية أزيد من مزار يقصده المحليون، لكن ذلك بدأ يضمحل شيئا فشيئا منذ بداية الثمانينيات، بدخول أفكار جديدة إلى المنطقة، عبر أشرطة مسموعة، انتشرت وقتها في الأسواق والمنازل، بلغة محلية قريبة إلى الناس، تثبت لهم بأن تنظيم هذه المواسم وزيارة هذه المزارات كفر صريح وخروج عن الملة والدين. دادّا واعزيق من هؤلاء الأولياء الذين تأثرت زيارتهم بموجة التديّن الجديدة التي هبت على المنطقة، والذي شكل مزارا سنويا أزيد من 350 سنة، حسب مصادر محلية، ثم بدأ يقاوم دعوات التخلي عنه والهدم أحيانا. دعوات تصدر عن بعض رجال القرية أو من نواحيها. وكثيرا ما تعرض زائروه لهجمات "مجهولين"، لدرجة أنه لم يعد الكثيرون من زوار هذا الضريح يستطيعون قضاء ليلتهم في أمان بالمقبرة الشهيرة، في انتظار رؤيا تخبرهم بقضاء حاجتهم التي جاؤوا من أجلها، إلى أن تم تنظيم آخر موسم له سنة 2005. الوعد بهدية تقتضي زيارة الولي أن يقول الزائر في قرارة نفسه: "إذا تحقق لي كذا وكذا، أعد بأن أقدم هدية مقدارها كذا وكذا في الموسم المقبل". وتكون الهدية في الغالب عددا من رؤوس الأغنام (تِيمْعْلْمِينْ) أو مبلغا نقديا. كما أن الأمنيات تختلف حسب الذكور والإناث، وأغلبها مرتبط بالزواج والإنجاب ونجاح التجارة والسفر إلى الخارج. مْقدم الضريح "كنت من مسؤولي هذا الضريح لمدة تزيد عن 14 سنة تقريبا. كنت مْقدم الموسم، وأسهر رفقة آخرين من فخدات قبيلتنا، وشهدت على آخر سنوات أوج هذا الموسم، الذي يقصده عدد كبير من الزوار، كما كنت شاهدا على تعرض الضريح للهجوم، وتعرض صندوق الضريح للسرقة، وكذا تعرض ممتلكات الموسم للتخريب بدعوة من أصحاب اللحى". يقول الحو حسناوي، آخر الأربعة الذين تحملوا مسؤولية تسيير الموسم القديم. ويضيف، في تصريح لهسبريس الإلكترونية، أن "كل فخدة من الفخدات الأربع لقريتنا تعيّن مْقدم للمساهمة في تسيير هذا الموسم. وفي شهر أبريل قبل الموسم نأخذ المال من الصندوق، ونقصد الرحل لشراء عدد كاف من رؤوس الأغنام، حوالي 40 أو 60 رأسا، حسب الميزانية المتوفرة". وبعد ذبح "تيمعلمين" قرب مقبرة القرية، يتم تقسيم تلك اللحوم على الساكنة، في حدود 200 غرام للفرد، أي كيلوغراما لأسرة من 5 أفراد مثلا. وتبدأ عملية التوزيع من آخر منزل في القرية إلى أن توزع اللحوم على الكل، وإذا بقي منها شيء تعاد عملية التوزيع من جديد إلى أن تنتهي اللحوم. وأحيانا تحصل الأسرة الواحدة على ما بين 15 و30 كيلوغراما من اللحم من خلال عملية التوزيع هاته. يحكي الحو حسناوي، المولود سنة 1955، عن ذكرياته في خدمة الضريح وموسم دادا واعزيق الشهير في المنطقة، قائلا: "أذكر أن رجلا جاء من آيت خباش، يحمل إلينا جَدْيينِ كبِيرين، بِعناهُما معا بثمن 3 آلاف درهم، وأخبرنا بأن الله حقق أمنتيه، وأنه وعد بجديين مليحين إن تحقق له مراده. وقد سألناه عن أمنيته وغرضه عندما رأينا فرحته الكبيرة وابتهاجه بقضاء الغرض، فأخبرنا بأنه قصد الضريح السنة الماضية، وكانت زوجته عاقرا، ثم سمحت له بالزواج، وتمنى أن يرزقه الله بولد، ووعد أن يهدي لزوار الضريح جديين إذا تحقق له ذلك، وقضى ليلة في الضريح، والغريب أن زوجتيه أنجبتا له ولدين في الفترة نفسها". وبخصوص الذين لم يتحقق مرادهم من هذه الزيارة فهم لا يلامون ولا إثم عليهم إذا لم يقدموا شيئا للضريح، إذ يوضح الحسناوي أنه "مهما كان الوعد الذي أخذه الشخص على عاتقه أثناء زيارته هذا الضريح، فإنه لا شيء عليه إذا لم تتحقق أمانيه". لم يعد موسم دادّا واعزيق موعدا سنويا كما كان طيلة ثلاثة قرون. إذ يقول الحسناوي: "لا يزال بعض الزوار يأتون بين الفينة والأخرى، لكن بشكل عشوائي، وأحيانا يقدمون مالا للولي، فيضعونه فقط بجانب المقبرة فيأخذه عابر سبيل أو أي شخص، إذ لم يعد هناك أي مسؤول عن الضريح كما في السابق". وبخصوص رغبة الساكنة في إعادة إحياء هذا الموسم، قال الحسناوي: "يمكن أن أجزم أن أزيد من ثلاثة أرباع السكان لا يرغبون بتاتا في عودة هذا الموسم، ويعتبرون زيارته شركا وكفرا وبدعة، لكن هناك شبانا ومسنين يرغبون في عودة أيام هذا الولي". تِيمْعْلْمِينْ ويضيف "عودة الحياة إلى هذا الموسم لن تتم إلا بواسطة جمعية وتدخل صريح للسلطات لحماية الزوار وصندوق الضريح وممتلكات هذا المزار، وتنظيمه بشكل عصري وجيد". ويوضح ذلك بالقول: "لأن الزّوار لم يعودوا يملكون الشجاعة السابقة لزيارة الضريح خوفا من استفزازات بعض الشبان، الذين يتم تسخيرهم من طرف بعض الملتحين، لذلك يكتفي البعض بزيارة نهارية والمغادرة باكرا، تفاديا لأي مواجهة مع بعض المجهولين الذين يتعمدون استفزاز الزوار". مزارات متخصصة من جهته، قال وحيد أبو سهيل: "هناك مزارات بالمنطقة، سواء كانت أضرحة بها قبور حقيقية أو رمزية أو مزارات صخرية أو مائية أو شجرية. ومرادي بالقبور الرمزية، مثلا، ما يقال عن مولاي علي بن عمرو دفين غزوان بتلسينت إن له قبرا آخر بتامسلمت، ويقال له بوقبرين، فلا شك أن أحدهما حقيقي والآخر رمزي". وأضاف الباحث في الفقه والتراث المحلي بالمنطقة "تعلقت الزيارات بمعتقدات يراها الناس وسائط لقضاء مآرب، وهذه المزارات على شكل تخصصات طبية: مزار للأطفال، ومزار للولادة، ومزار لشفاء الأسقام، وقد يكون على شكل طب عام متخصص، كما في سيدي بويعقوب نوسول، وقد يكون متخصصا في الأطفال، كما في سيدي بوتروت بتلمي نايت سيدي، والأول قبر حقيقي والثاني رمزي على ربوة جبل. وقد يطلق التعميم أحيانا على مزار ما، كما في سيدي قضو حاجة بتغيغاشت، وهو قبر رمزي، وكذا بأمندار وهو مزار صخري بوادي السونتات بجماعة بوزمو". وأشار إلى أن "الناس يبالغون في معتقدهم أحيانا، كما في قولهم عن زيارة سيدي بويعقوب إنه حج المسكين، ولهذا كله ارتباط وثيق بالتصوف، والمتصوفة لا يرون بأسا في هذه الزيارات والمزارات، ويعتمدون على بعض النصوص الشرعية لتأكيد وتبرير فعلهم ذاك". وأوضح أن "بعض العلماء أمثال أبي سالم العياشي، وكذا أبي علي اليوسي، يرون تقييد هذه الزيارات بطلب الله عز وجل في المكان، فقد تكون فيه بركة، أما عن الرؤى والأحلام فقد كان هناك أحياء يلجأ إليهم للرؤى، وكانت لهم بعض الأمور الغريبة كما يحكى عن رجل اسمه "كْرَاش"، ما زالت عين ماء تسمى باسمه بتلمي نايت سيدي، كان يخبر عن بعض الأمور برموز الرؤيا وأشعار يسمعها فتقع. وقيل إنه كان رجلا ورعا وتقيا". أما فيما يخص ترك الناس هذه المزارات، فقال أبو سهيل إن ذلك "مرتبط بما يسمى الصحوة الإسلامية وحركة الإخوان والسلفية التقليدية من السبعينيات إلى الثمانينيات إلى يومنا هذا".