شكلتْ زيارة ملك البلاد إلى مقر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، يوم الثلاثاء 24 أبريل الماضي، حدثاً بارزاً في رزنامة الأنشطة الملكية التي دأب الجالسُ على العرش على القيام بها؛ ذلكَ أن الحدثَ هذه المرة سابقةٌ في عهد الملك محمد السادس الذي قرّبَ عمومَ المغاربة من مؤسسة لطالما عُرفت بالسرية التامة التي تُحاط بكواليسها، أُسوةً بنظيراتها من البنيات الاستخباراتية في العالم. الزيارة تأتي لتؤكد على الحرص الملكي المتمثِل في التتبع المواكب والقريب لكل ما استُحدثَ على المستوى الأمني في البلاد، وتعزيز مأسسة السياسة الأمنية للمملكة في ظل ما يقتضي دستور 2011 في فصليه 42 و54. يحفلُ هذا الحدثُ إذن برمزياتٍ عديدة، أولها أنه أول خروجٍ في نشاط ملكي بعد الإجازة الخاصة التي قضاها الملك محمد السادس في فرنسا وقدْ تخللتها فترة النقاهة التي تلتْ العملية الجراحية التي خضعَ لها ملك البلاد على مستوى القلب بباريس يوم الاثنين 26 فبراير من السنة الجارية، التي كُللت بالنجاحِ، وفي ذلك تأكيدٌ على الرعاية التي ما فتئ يوليها بصفته رئيساً للدولة وضامن استقلال البلاد، وفق الفصل 42 من الدستور، لنساء ورجال المؤسسات الأمنية على اختلاف اختصاصاتها. في خطابه الذي وجهه إلى الشعب في الذكرى الثامنة عشرة لعيد العرش -من السنة الماضية-حثَّ عاهلُ البلاد المغاربة على وجوب الافتخار بأمنهم حينَ قال: "... في حين إن رجال الأمن يقدمون تضحيات كبيرة، ويعملون ليلا ونهارا، وفي ظروف صعبة، من أجل القيام بواجبهم في حماية أمن الوطن واستقراره، داخليا وخارجيا، والسهر على راحة وطمأنينة المواطنين وسلامتهم ومن حق المغاربة، بل من واجبهم، أن يفتخروا بأمنهم...". التدشين الملكي للمركب الأمني المُتكامل، الذي يتمثلُ بالأساس في المعهد الجديد للتكوين التخصصي على مساحة إجمالية تبلغ 35 ألف متر مربع، يأتي في إطار تطوير منظومة التكوين في الاستخبار؛ إذْ سبقتهُ توجيهاتٌ عليا بضرورة تعزيز وتقوية الأجهزة الأمنية بالمملكة بالإمكانيات البشرية والمادية اللازمة، ومِن ذلك ما جاء في خطاب العرش لسنة 2016 حينَ قال ملك البلاد: "... إن صيانة الأمن مسؤولية كبيرة، لاحد لها، لا في الزمان ولا في المكان. وهي أمانة عظمى في أعناقنا جميعا... كما أشيد بالفعالية، التي تميز عملها، في استباق وإفشال المحاولات الإرهابية التي تحاول يائسة ترويع المواطنين والمس بالأمن والنظام العام.... لذا، ندعو الحكومة لتمكين الإدارة الأمنية من الموارد البشرية والمادية اللازمة لأداء مهامها على الوجه المطلوب". وقد بدا جلياً خلالَ تفقد الجالس على العرش لمرافق المُركب الأمني اطلاعه المتمعن على الآليات والمركبات والمعدات اللوجستيكية التي تستخدمها مجموعة التدخل السريع التابعة للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في عمليات التدخل والاقتحام لمواجهة مخاطر التهديد الإرهابي ومختلف صور الجريمة المنظمة. مثلما بدا واضحاً حرصُ القناةِ الأولى في تقريرها على عدم إظهار وجوه الأطر المُنكبة على عملها في مقر "الديستي"، حرصاً على ما تقتضي مسؤولياتهم ومجالات عملهم من سرية وسلامة شخصية، ما عدا عبد اللطيف الحموشي، المدير العام لمراقبة التراب الوطني والأمن الوطني، الذي ظلَ ملازماً للملكِ في جولته التفقدية بصفتيه، كمدير عام لمراقبة التراب الوطني في مراسيم تدشين المعهد الجديد للتكوين التخصصي، ومدير عام للأمن الوطني في تقديمه للمشاريع المهيكلة المحدثة على صعيد المديرية العامة للأمن الوطني. توقيتُ الزيارة الملكية إلى المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني تزامنَ مع حدثٍ لا يقل أهمية بالنسبة لمصالح المملكة وسيادتها؛ إذ جاء عشية مناقشة مجلس الأمن لقراره السنوي بخصوص الصحراء المغربية، الذي خرج في مُجمله بعدد من النقط الإيجابية لصالح المغرب؛ حيثُ تضمن قرار مجلس الأمن رقم 2414 عدداً من الفقرات التي تصفُ استفزازات البوليساريو بالمنطقة العازلة ب "التحركات التي تهدد استقرار المنطقة"، وفي ذلك رسالة غير مباشرة مفادها أن الطرف الآخر -وهو المملكة المغربية- حريص من مكانه والتزاماته الدولية على ضبط النفس من جهة، وعلى محاربة الجماعات المسلحة والمنظمات الإرهابية من جهة أخرى، خصوصاً وأن الجبهة الانفصالية متورطة في أعمال إرهابية في منطقة الساحل والصحراء، حسب ما كشف عنه التقرير الصادر عن المشروع البحثي الدولي "بروجيكت سيفت"، قبل أسابيع قليلة، الذي مولته المفوضية الأوروبية. الولاياتالمتحدةالأمريكية التي صاغت قرار مجلس الأمن بخصوص الصحراء المغربية تعي جيداً دور المغرب كرائدٍ عالمي في وأد الخلايا الإرهابية والحركات المتطرفة في مهدها، وخير دليل على ذلك ما جاء في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في شهر يوليوز من سنة 2017، الذي أكد على أن "المملكة شريك للولايات المتحدة، يتميز باستقراره في شمال إفريقيا، ويعمل على استفادة الدول الصديقة من خبرته وتجربته في المجال الأمني"، وذلكَ ما يُميزُ تماماً استراتيجية المملكة متعددة الأبعاد في مجال مكافحة الإرهاب؛ حيثُ تبتغي تبادل المعلومات الاستخباراتية والخبرات بما من شأنه أنْ يستبقَ أي عملياتٍ إرهابية أو تخريبية في المنطقة، إفريقيا، أوروبا وباقي الدول التي تستهدفها المخططات الإرهابية، مع الحرصِ على التعاون المستمر مع الحلفاء الاستراتيجيين بشكلٍ يصونُ المناخ الأمني بالحوض المتوسطي وبمنطقة الساحل في ظل عدم استقرار بعض الأقطار بالمنطقة بما يُسهم في تنامي أنشطة الفصائل والتنظيمات الإرهابية والانفصالية والإجرامية. لا يتأتى إذن دوام أمن واستقرار المملكة وحفظ نظامها العام في معزل عن استراتيجية أمنية واضحة المعالم تقودها رؤية ملكية تبتغي الشفافية في التسيير والتدبير، بموازاة مع الحكامة الجيدة التي تنعكسُ بالإيجاب على الرفع من كفاءات ومردودية أطر وموظفي المؤسسة الأمنية. وفي ظل التحديات الإقليمية والمؤامرات، إرهابية كانتْ أو إجرامية، التي تُحاك ضد المغرب، كان لزاماً على المؤسسة الأمنية نهجُ سياسة التواصل والانفتاح على وسائل الإعلام والمجتمع المدني بهدف تعزيز ثقة المواطن في أمنه والتفاعل مع انشغالاته وانتقاداته وكذا تطلعاتِه. *مترجم وكاتب باحث