بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات اعتقال بحق رئيس حكومة إسرائيل ووزير دفاعه السابق    البطولة الوطنية الاحترافية لأندية القسم الأول لكرة القدم (الدورة 11): "ديربي صامت" بدون حضور الجماهير بين الرجاء والوداد!    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية        "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    دراسة: تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    جمعويون يصدرون تقريرا بأرقام ومعطيات مقلقة عن سوق الأدوية    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرفض الديني والتاريخي للشذوذ بالمغرب-تتمة-
نشر في هسبريس يوم 25 - 12 - 2007

2- لكن ومع تسارع الأيام سيأخذ الفراغ بين السياجين في التقلص رويدا رويدا ،والتقارب بين الجنسين يتجاذب خطوة خطوة ،حتى وقع الاختلاط على مستوى المدارس والمؤسسات العمومية والشواطئ والمهراجانات السنوية المدرسية الرقصية والموسيقية ،فبدأت مظاهر الاختراق والالتصاق وفي النهاية شيوع رائحة الاحتراق.
قلت إن البداية الشذوذية كانت من منطلق سب الدين جهارا،فحينما لم يغر على الدين لم تعد بعده غيرة على الأعراض أو الأجساد والنفوس،فأصبح السباب يتم بين العامة على مرأى ومسمع في غالبه فحش وقذف ولواط لفظي ،هذا يهدد ذاك بالفعل به كذا وذاك يرد عليه بأسوأ منه ،فيكون السباب في البداية غيضا واعتداء،ثم سيصبح ردا بالمثل ودفاعا ،ومع مرور الزمن والتكيف مع الألفاظ البذيئة سيصبح تداولا ونكتا ونوادر يتضاحك بها في المجالس ويتبارى على من يأتي بأشدها إثارة واستفزازا وتعبيرا على شكل التنافس في إفراز الخبائث والعفونات فمويا من غير ناه ولا منته.
ومعلوم أن الذي يستسهل التصريح بالفواحش والتكيف مع مواضيعها وألفاظها تطبيعا ذاتيا يكون أقرب نفسيا وسلوكيا إلى ارتياد مجالها أو ممارسة مضامينها أو على الأقل استحلاءها واقعا وتمنيا،وهذا هو مبدأ الشر وأول خطوة لتحقيق الفعل،لأن كل عمل بشري يبدأ من الخاطر أي المتخيل ثم يترتب عنه التجسيد قولا أو إرادة وعزما ...
وكل هذه مراحل قد تكون متفاوتة من حيث تحميل المسؤولية للشخص،والقول هو تعبير عن النوايا في كثير من الأحيان شعوريا وغير شعوري كما قد يروى الحديث:"ما أضمر أحد شيئا إلا وأظهره الله على فلتات لسانه وصفحات وجهه".
من هنا فموضوع الشذوذ قد كان مبكرا كمظهر سلوكي قولي متداول عند الكثيرين وخاصة لدى ممتهني بعض الحرف الشاقة أو المتسخة أو ذات صلة بالروائح الكريهة والدونية في نظر المجتمع ،كما يذهب إلى ملاحظته ابن حزم الأندلسي في كتابه "الأخلاق والسير في مداواة النفوس".
وحينما لم يردع الكبار عن تداول هذه القاذورات والألفاظ المتفحشة والخاصة بالشذوذ الجنسي سيقتنيها تقليدا الأطفال الصغار وسيتنابزون بها فيما بينهم في الأحياء وعلى مستوى المدارس التي غيبت علم الأخلاق ومناهج التربية السليمة على قواعد إسلامية عميقة ابتداء من مقرراتها من برامجها .
هكذا، فسيصبح الشذوذ بين التلاميذ في الستينات وحتى السبعينات مسألة مطروحة بقوة سلوكيا وقوليا، بل حتى فعليا في كثير من الأحيان والمدارس المهمشة؛ وما أكثرها في بلادنا!
ومع ذلك فقد كان التغافل عن هذا الانحرافات قائما، إما بزعم استبعاد وقوعها أو اعتبارها حالات ناذرة لا تستحق متابعتها أو مراقبتها بشكل مركز.
بينما العكس كان حاصلا على أرض الواقع ،وذلك في غياب المراقبة الصارمة للآباء الذين كان غالب همهم توفير القوت لأبنائهم ،والمدرسين الذين كان غالب مستواهم ينتهي عند تعليم الحروف الأبجدية و"أكلة البطاطس" ومعهم المحسوبين على العلماء وكل المسئولين عن الانضباط الأخلاقي والسلوكي للمجتمع ،وكذلك السلطات الأمنية التي كانت شبه منعدمة في بعض الأحياء والخلوات من ضواحي المدن التي كانت في غالبها مفتوحة على البادية من غير سياج ولا مراقبة للداخل أو الخارج،تماما كما هو عليه الحال بالنسبة لمدينة القصر الكبير حاليا في بنائها العشوائي وفضائها المفتوح على المزارع والخلاء .
وبذلك بدأنا نسمع بتنامي النزعة الشذوذية في كثير من المناطق المغربية على نسب متفاوتة من التعاير والتنادر بين منحرفي هذه المدينة أو تلك ،وخاصة فيما بين المدن المتقاربة والمتناسبة في عدد السكان والمنافسات المختلفة من أهمها كرة القدم.
ناهيك عن أن في بعض المدن كان يعرف شواذ بعينهم اشتهروا بهذه الآفة الخبيثة إما فاعلين أو مفعول بهم تعرفهم السلطات ويعرفهم الجمهور،إما على مستوى الثبوت أو مجرد الإشاعات،ومع ذلك فلم يتعرضوا لا للمساءلة ولا للمراقبة أو المحاصرة،خاصة وأن مسألة الشذوذ صعبة الإثبات من الناحية الشرعية والقانونية القضائية،بل تركوا يعملون في الظلام ويغتصبون من يقع في أيدي بعضهم من الضحايا، وخاصة بعض الأطفال التلاميذ الذين يذهبون لوحدهم إلى مدارس بعيدة عن المجمع السكني أو في أحياء ملتوية الدروب ومظلمة المسالك وهكذا دواليك،حتى قد أصبحت بعض الأحياء في المدن المغربية يعاني أطفالها من الإرهاب الشذوذي أو الفوبيا الشذوذية ولا يستطيعون تخطي عتبة دربهم أو حيهم لوحدهم وإلا وقعوا في فخ أولئك الشاذين من حيث لم يدروا ولم يريدوا.
وحتى حينما كان يضبط بعض الشواذ متلبسين أو مبلغ بهم من طرف بعض الآباء فقد كان يعالج شذوذهم فيما كان يشاع بشذوذ أفظع منه قد ينتج شذوذا مزدوجا عند تطبيقه ،وذلك بالعمل على إجلاس الشاذ المغتصب على رأس قارورة كنكاية به على جنس فعلته وهو إجراء لا أصل له في الشرع ولا مناسبة له في العقل ولا نتائج تربوية له وإن كانت العقوبة نسبيا قد تبدو رادعة.
وفي حالة إيداع الشواذ في السجن قد يجدون بغيتهم أكثر من الخارج،وهو ما يشاع بقوة وتخرج روائحه من السجون بشكل خطير ،وتمارس فيها الفتونة بأجلى صورها والبلطجة في صورها السينمائية المصرية ،والقوي يكون هو العريس والضعيف هو العروس،فلا يكون حينئذ إصلاح ولا علاج،بل من لم يكن شاذا سيصبح كذلك بعد الخلوة والضغوط النفسية ونزعات الانتقام...
إضافة إلى كل هذه العوامل فقد ترك المستعمر بوابات مفتوحة ومرصودة لتكريس الفساد والانحلال في المجتمع المغربي عقديا وسلوكيا ونفسيا إما على مستوى الثقافات والإيديولوجيات، وهذا من جهة فرنسا خصوصا ،وإما من جهة ترك الباب مفتوحا لتسريب الخبائث السمعية والبصرية في شكل تلفاز أو مجلات بورنوغرافية مبكرة، وذلك عن طريق بوابتين عنيدتين وعاتيتين هما :باب سبتة ومليلية السليبتين كنقطتي استفزاز وابتزاز للمغاربة.
بحيث قد كانت وما زالت تدخل عبر مدينة سبتة خصوصا مجلات منحرفة وصور خليعة قبل حلول دور الفضائيات والأنترنيت في تعميمها ،كانت تباع ضمن الكتب والروايات الإسبانية المستعملة وكان من بين مستورديها بعض أصحاب الدكاكين بحي الملاح التي كان يقطنها اليهود بتطوان وغيرها .
وأيضا كانت بوابة طنجة والميناء الدولي مقصد المفسدين من الإباحيين الغربيين وغيرهم،قد كان من نتائج تغلغلهم في السبعينات وقوع فضيحة إفساد بعض التلميذات بإحدى الثانويات في القسم الداخلي وافتضاضهن وتصويرهن بورنوغرافيا من طرف تجار الجنس والدعارة من الأجانب ومعهم بعض المغاربة كان يشاع حينذاك بأن بطلة هذه الفضيحة والاستدراج امرأة تمارس القوادة هي: الحارسة العامة في تلك المؤسسة.
بحيث كما كنا نسمع في تلك الفترة بأن السلطات قد لجأت لاستدراك الفضيحة بعرض أولئك التلميذات للزواج مع تقديم إعانات من دقيق وزيت وغيرهما لكل من يقدم على التزوج بإحداهن.
فقد كانت الصدمة مروعة في الأوساط الشعبية وكان الاستنكار يتم على مستوى التهامس وتناقل الأخبار الشفاهية بسرية في غالب الأحيان،بحيث لم يكن الناس يخطر ببالهم مثل هذا المآل والسلوك المنحرف الذي بدأ يطال الجماعات وليس مجرد حالة فردية مستورة.
ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب كنا نسمع بوجود نزعات شذوذية متمركزة في مراكش الحمراء ونواحيها مما أصبح مجالا للتندر والتنكيت والتعاير بين الفساق والمجان في المقاهي والمجمعات البطالية،حتى أن زلزال أكاد ير قد كان يفسره البعض ويعلل حدوثه بكثرة المفاسد التي انتشرت بكثرة في المنطقة.
كل هذه الظواهر الشاذة سواء كانت فعليا أو قوليا أو مجرد إشاعات كان يزيد من تغذيتها وجود تيارات فكرية إباحية وإلحادية تزامنت مع توافد أفواج من السياح الهيبي hippyالمتسخين الذين كانوا يدخلون عبر البوابات المذكورة بشذوذهم الجنسي الموبوء وأمراضهم المعدية نساء ورجالا، مما كان له بالغ الأثر في ترويج الانحراف والمخدرات البيضاء وشتى السموم بين فئات عريضة من الشبان والشابات في الوطن المغربي العزيز.
إذ فتح الباب لمثل هؤلاء المتسكعين من غير شروط قد كان يتم تحت هلع ووهم السياحة القاتلة لكل القيم وتوهم تحسين العلاقات السياسية مع الدول الغربية واقتناص المال وتحريك الاقتصاد عبر أولئك المزاليط والصعاليك الذين لم يدخلوا إلى المغرب سوى القمل وفيروسات السفلس والسيلان وأخيرا:السيدا أو الإيدز المدمر.
لهذا فحينما فتح الباب على مصراعيه للإعلاميات والتواصل طفا هذا المخفي المنبوذ المتحفظ عليه في التاريخ إلى السطح في شكل استعراض شذوذي عبر الأنترنيت خاصة،والذي مهد لبعض الشواذ الراسخين والمدمنين لإعلان مرضهم الجنسي وخبائثهم على مرأى ومسمع .
وحينما لم يجدوا متابعة من طرف السلطات الأمنية والقضائية ،بل حتى العلمية والتربوية ،تمادوا في طلب التطبيع عبر وسائل الإعلام و المجلات والدعوة إلى إحداث جمعيات شذوذية وطرحها على البرلمانات كنقاش ثم كتقرير،وهذا كله بسبب الإهمال الرسمي والمؤسساتي للرائحة الأولى التي بدأت تفوح منذ فترات طويلة.
بحيث قد حدث لهؤلاء الشواذ والمسئولين عن الشأن السلوكي والأخلاق العامة في البلاد كالمثال المعروف عند العامة وهو:"الْعب مع الكلب يلحسْ لِكْ وجهك"،وهو ما وقع فعلا، حتى لم يعد هناك وجه محترم بسبب التلاعب على حساب القيم والأخلاق ومكتسبات الدين والحضارة والتاريخ.
إنها تراكمات يتحمل مسئوليتها كل الجهات المؤطرة للإنسان المغربي في هذا البلد ،والذي كما أجملنا من قبل: أن تاريخ المغرب كان أنظف من كل نظيف وشعبه أطهر من كل الشعوب بعربيهم وبربريهم أوأمازيغيهم،لكن التبعية الاستعمارية واختلاط الأجناس قد أدى إلى بروز مكثف لهؤلاء الأنجاس،وبالتالي توهموا أن المغاربة قد خمدت فيهم جذوة الغيرة والرجولة والأنفة والشرف ،ولكن هيهات هيهات.
3) فحادثة القصر الكبير ومظاهر الشذوذ الذي طفا فيها ليست سوى امتدادات محدودة لتلك التراكمات التي سبق وذكرنا باختصار .
ولهذا فلا ينبغي أن تعير مدينة دون أخرى ولاحي دون آخر بسبب بروز فاسق أو شاذ هنا وهناك،فما خفي كان أعظم وأسوأ،والفساد قد استوطن في السهول والوديان منذ زمن بعيد حتى أن بعض الجبليين كنكتة متداولة لما سمع قول الله تعالى :"ظهر الفساد في البر والبحر" عقب قائلا :حتى عَنْدْنا في الجبل!...
لهذا فلا ينبغي استغلال الحادثة سياسيا أو إيديولوجيا أو جهويا للعب على أوتار المشاعر الجماهيرية التي تستجيب بعفوية لكل تحريض أو استنكار.
وإنما ينبغي معالجة الموضوع من جذوره بتحكيم الشرع الحكيم والعقل الرصين والسير الفاضلة في ردع الآفة الزاحفة بعدما كانت محصورة في قمقمها حسب السيناريو الذي ذكرنا قبل.
في حين ينبغي أن نذكر بأن ما تداولته وسائل الإعلام وحكمت عليه بحكم اللواطة الفعلية يبقى في نظر الشرع والقضاء مجرد شبهة لا غير ،والحدود تدرأ بالشبهات والعقوبات توقع بالشهادات المرئية أو مشاهدة الفاعل ملتصقا بالمفعول به التصاق المرود بالمكحلة،وبالتالي يكون حكم اللواط نافدا أو يتم بإقرار المتهم صراحة وعلى تكرار اعترافه أربع مرات متتاليات حتى تتم إدانته شرعا وقانونا.
لكن مع ذلك،فلا دخان بغير نار ،فالشبهة قائمة وسد الذريعة يتطلب ردع أصحابها من طرف السلطة المختصة حتى لا يقلد المشتبه به ويعم الفساد وتقع اللعنة على الجميع.
فالشبهة هنا تتجلى في التشبه بالنساء لبسة وأصباغا وحركات وأقوالا،وهذا نوع من الخنوثة المفتعلة ،وهي مؤدية إلى الشذوذ الفعلي إن لم تردع،سواء من طرف الفاعل أو المفعول به ،ولهذا كان النص الشرعي يلعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات بالرجال من النساء درء للوقوع في المفسدة الكبرى ألا وهي اللواط أو السحاق .
وحيث أن الشواذ بفعل التراكمات التي ذكرنا وعدم مراعاة الأحكام الشرعية والأعراف في اللباس والحركات لم يزجروا ابتداء فقد تمادوا في الانحرافات حتى وصلوا إلى درجة الإشهار بانحرافهم ،ظانين ومتوهمين أن الجمهور قد يكون بجهتهم هذه المرة ،لأنهم كانوا يتوقعون أن الآفة قد عمت وهانت وحان الوقت للضغط على الزناد.
لكن العكس هو الذي حصل ،إذ مازالت هناك البقية من الشرفاء الغيورين في هذه الأمة لم تمت مشاعر الأصالة والأنفة والحمية العربية والإسلامية فيهم، وهي التي عبر عنها سكان القصر الكبير بتلقائية.
لهذا فلهم أن يفتخروا بمدينتهم وأهلها لا أن يُستنقصوا أو يخجلوا منها،وذلك لسبب بسيط وهو أنهم هم الذين كشفوا عن الفساد وحاربوه وليس أي حزب أو جماعة أو سلطة أو هيئة علمية رسمية.
فهنيئا لهم بهذا النصر والعز الذي ساقوه لمدينتهم بل للمغاربة قاطبة!.لأنهم حركوا النفوس والمشاعر والغيرة الكامنة في الوجدان المغربي عبر التاريخ وأرسلوا خطابا متحديا لكل شواذ العالم وكل مخططات الأعداء لتكريسه وتطبيعه في هذا البلد الطاهر، بلد الأولياء والصالحين والشرفاء والمجاهدين،وبهذا قالوا للشذوذ المعمم والمطبع"هذا ليس بعشك فادرجي".
فلقد حدث لهؤلاء الشواذ ومن وراءهم كما يحكى على سبيل النكتة :أن رجلا اسمه طالح كان أعمى قد ذهب عند امرأة يحسبها باغية ليرتكب الفاحشة معها ،فلما دخل إلى بيتها استقبلته للحظة وطلبت منه أن يتعرى كمقدمة، ثم افتعلت الدق بالباب لكي تفضحه أمام الملأ وتخرجه عريانا إلى الشارع.
وهكذا لما دقت الباب بنفسها من الداخل رعب طالح وأراد الاختباء ،فقالت له: تعال أدخلك الدولاب(الماريو)،ثم رمت به إلى الخارج مفضوحا وعريانا كليا وهو ما يزال يعتقد أنه في الدولاب.
بعد برهة مر به صديق له اسمه عبد الله ،فلما رآه على تلك الحالة ناداه مستغربا لافتضاحه:ماذا تفعل هنا يا طالح؟ أجابه ب:آه !حتى أنت معي يا عبد الله في الدولاب!!!.
فهذا السيناريو هو نفسه الذي وقع لهؤلاء الشواذ مع مدينة القصر الكبير في سوء تقديرهم وتعاملهم بعماء مع شذوذهم الخبيث وجرأتهم السخيفة على مشاعر المجتمع المغربي الأصيل،الذي مهما شذ بعض أفراده إلا وعاد إلى أصالته.
في المقابل فإن تعليل أو تبرير البعض من المنظمات والأوساط الرسمية على سبيل التخفيف أو التقليل من شأن الحادث وجعله يمر مر الكرام من دون محاسبة أو معالجة جذرية تختفي معها روائح الفساد بشتى صوره وأصنافه يكاد يتطابق مع هذه النكتة –وأستسمح القراء عن إيرادها بهذا الشكل لحساسية الظرف والضرورة الشعرية كما يقال-مفادها:أن جحا قد كان جالسا مع أحد أصدقائه فانفلت من هذا الأخير ضراط،فأخذ الصديق يضرب بيده على قطعة من الخشب لعله يخفي صوت الضراط، تفاديا لكي لا ينتبه جحا له.
فما كان من جحا الذكي إلا أن بادره بالقول الصريح:إذا أنت أخفيت الصوت فأين ستذهب بالرائحة؟!!!
فرائحة الشذوذ الجنسي وكذا البغاء بالمغرب لم تترك أنفا إلا وقد آذته وصوته لم يترك أذنا إلا وأصمه،والأنترنيت وما يعرض فيه من مواقع أبطاله المغاربة والمغربيات كفيل بالشهادة من غير عدول أو اعتراف قولي.
ومع هذا فلم تحرك السلطات ساكنا لمتابعة أصحاب تلك الأجساد المعراة علنا والممارسة للخبائث بالمرئي والمسموع،ولم توقع عليهم عقوبة الإخلال بالأخلاق العامة أو الفساد العلني،رغم أنه بإمكان التحريات الأمنية ضبط الأشخاص واعتقالهم من خلال صورهم ممن يوجدون داخل المغرب،وهذا مما ساهم في الخروج من دائرة جهاز الحاسوب إلى الشارع غير المحسوب،وبالتالي بدأ المجتمع يقترب من قوم لوط كما وصفهم الله تعالى فيما سبق وعرضنا عند بداية هذه الدراسة المحرجة:"أفتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون".
لهذا فالمسئولية في هذا الانفلات السلوكي والاجتماعي ومعه العقدي قد لا تقع على الشواذ وحدهم وإنما على الجميع من القاعدة إلى القمة ومرورا بكل الوزارات المكلفة بتأطير المجتمع وحماية أمنه الروحي والنفسي والجسدي والفكري والسلوكي وخاصة الوزارات الرئيسية :كالتعليم والأوقاف والشؤون الإسلامية والأمن والعدل والاتصال ،ومع هذا فالأحزاب تتحمل مسؤوليتها مع الجماعات والجمعيات والطرق الصوفية والمنتديات الشبابية والرياضية وغيرها .
كما تقع على الجمهور المتساهل مع شذوذ الأفراد في الأحياء والدروب والمنتديات بل له مسئوليته أيضا عن التفشي بشكل جماعي كما سبق وذكرنا عن بدايات الاستسهال القولي المؤدي إلى الفعلي استدراجا من الشيطان الرجيم وهوى الأنفس المريضة.
وأقول للجميع مكررا ما قاله هارون الرشيد لابن أبي مريم لكي يستقيم حال الجميع ولا يعم العذاب والفتنة كل من حضر أو اقترب أو جاور ولم ينبه على الخطأ:"إياك إياك والدين والقرآن!!!".
يقو الله تعالى:"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم،وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون،واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب وأنتم لا تشعرون" صدق الله العظيم وهو ولي المؤمنين الصالحين.
ثالثا:الشذوذ المرفوض ومراحله بالمغرب المقصود
كما سبق وقلنا أن العرب والبربر لم يكن لديهم شذوذ بالمستوى الذي قد يعتبر ظاهرة أو قضية تحتاج إلى العلاج والتحليل العلني الرسمي والعلمي ،وذلك لنزعة الأنفة الرجولية لدى الفريقين ولفضيلة الشجاعة والغيرة اللتان تتنافيان مع هذا الورم الشهوي الخبيث كما سبق وبينا باختصار شديد.
من ثم فقد كان العربي لا تسمح له نفسه بإهانة أخيه الذي تجمعه به رابطة العشيرة والقبيلة والدم والصهر وما إلى ذلك.
لكن حينما تختلط العناصر وتنتقل معها الثقافات وأنماطها السلوكية الموروثة فقد يتسرب الفيروس الفاتك بهذه المناعة من حيث لا يشعر هذا الفريق أو ذاك إلى الوسط المجتمعي وذلك على شكل دبيب ورذاذ أول سابق للسيل الجارف ومنذر به!
فقد لا يسع الوقت لتعقب آثار الشذوذ المرصود في تاريخ المغرب ماضيا وذلك لصعوبة الإثبات في هذا المجال ولاستحالة التدوين لأسباب دينية أخلاقية واجتماعية ونفسية وسياسية، وكذلك للتحفظ والاحتراز من أن يصبح الموضوع مشاعا رسميا متداو بشكل عادي عند العامة والخاصة.
فكل بلد لابد وأن يوجد فيه الصالح والطالح والتقي والفاسق والسليم والسقيم على مستوى التوجهات الفردية والانفلاتات الشخصية،لكنه على مستوى الدولة لم يكن هناك مما يشير من قريب أو بعيد إلى بسط النفوذ للمجان والشاذين بمحاذاة أو معاقرة مع الحكام والسلاطين.
1-إذ الغالب على الدولة المغربية أنها كانت ذات نزعة دينية في أغلب تكويناتها وتميل ابتداء إلى الزعامة الروحية المنافية لكل مظاهر الفسق والغلو المادي والشذوذ بأنواعه،ابتداء من الدولة الإدريسية حتى العلوية،وبهذا فقد حافظت على قوتها وهيبتها وصلابة عصبيتها كما وقع للعرب صدر الإسلام في الفتوحات –حسب تعبير ابن خلدون:"فكانت جيوش المسلمين بالقادسية واليرموك بضعا وثلاثين ألفا في كل معسكر وجمع فارس مائة وعشرين ألفا بالقادسية ومع هرقل على ما قاله الواقدي أربعمائة ألف فلم يقف للعرب أحد من الجانبين وهزوهم وغلبوهم على ما بأيديهم.
واعتبر ذلك في دولة لمتونة ودولة الموحدين ،فقد كان بالمغرب من القبائل كثير ممن يقاومهم في العدد والعصبية أو يشف عليهم ،إلا أن الاجتماع الديني ضاعف من قوة عصبيتهم بالاستبصار والاستماتة كما قلناه ،فلم يقم لهم شيء"المقدمة ص147
لكن مع هذا فقد تخلل التاريخ المغربي نوع من الشذوذ السياسي والمفارقات المذهبية من خلال دولة البورغواطيين ذات النزعات المنحرفة عقديا وبالطبع ستكون سلوكيا،وأيضا بعد سيطرة دولة العبيديين ومرورا بالسعديين وما ظهر فيهم من طائفة العكاكزة التي قد توصف بالانحراف وأنواع الشذوذ إن لم يكن جنسيا فسلوكيا عاما .
لكنه مع كل هذا فقد بقيت الدولة قائمة على أسس دينية وذهبية سنية تقاوم كل أنواع الدجل والزندقات من خلال الرأي العام ومن طرف الأولياء والصالحين الذين عرف بهم المغرب بكثرة على مر التاريخ،كان من أبرزهم تاريخيا الشيخ مولاي عبد السلام بن مشيش ومقاومته لأبي الطواجن في دعواه النبوة وما صحبه من دجل وزندقات.
غير أن التغير الكبير الذي سيحدث في هذا التوازن الاجتماعي والعقدي والسلوكي للمجتمع المغربي هو ما سيظهر في زمن ما يعرف بالسيبة وفرض الحماية على المغرب وبسط المستعمر نفوذه على أرجاء البلاد.
من هنا سيعم ويتعمق الجهل والتخلف الذي كان أصلا قد حل منذ زمن بعيد، أي عندما أقفل باب الاجتهاد ولم يعد من يستطيع معالجة النوازل والإفتاء الموضوعي فيها،في حين سيتسرب الانحلال السلوكي رغم المقاوم الذاتية من طرف الغيورين والمحافظين على أصالتهم.
لكن ،ورغم سيطرة المستعمر، فقد يحكي من عاصروا الفترة الاستعمارية أن الوضع الديني والسلوكي قد بقي أكثر استقرارا مما سيأتي بعيد الاستقلال ،بل إن البعض منهم كثيرا ما سيتمنى لو عادت الحياة الاجتماعية بوقارها إلى فترة الاستعمار ولكن بدون مستعمر طبعا،وسيعبر بمثل هذه الكلمات التي يعرفها أهل الشمال وخصوصا بتطوان:"الله يرحم الحْكام دْيال عشعاش"،نسبة إلى أحد الباشوات-فيما أظن- الذين مروا بالمدينة وحكمها بيد من حديد ،لغاية أنه في تشدده - فيما يزعم - قد كان إذا سمع امرأة تغني على الملأ يحلق شعر رأسها وغير ذلك مما قد يستساغ تأديبا أو يعتبر تطرفا أو مغالاة في قمع الحريات التي كان لها مبرر من جهة،وذلك للحفاظ على سلامة العرض المغربي من أن يصبح مطمعا وسهما جنسيا للمستعمر حينما يرى المرأة المغربية قد خرجت بنفسها لعرض مفاتنها وشهواتها.
من خلال هذا التحفظ وأمثاله لم يستطع المستعمر بقوته العسكرية أن يحدث تغييرا اجتماعيا جذريا لدى المغاربة يمكن من خلاله أن يسلبهم هويتهم وقيمهم رغم أن الأوروبيين في الضفة الشمالية للبحر المتوسط كانوا يمثلون مركز وبؤرة الشذوذ الإباحية بثقافاته وتنظيراتهم الرسمية ...
إذ في القرن العشرين ستعرف أوروبا ومعها أمريكا أنماطا من الدراسات الإنسانية كان غالبها يركز على الإشباع الغريزي المادي والشهوي بالدرجة الأولى على شكل ثورة جنسية على نمط الثورة الفرنسية وحدتها.
فكانت المدرسة الفرويدية ومذهب الفرويدية الجديدة انبثقت منها الرايشية نسبة إلى الباحث النفسي الأمريكي رايش والتي تدعو صراحة إلى الإباحية الجنسية ورفع القيود عن أية رغبة شهوانية سواء كانت شاذة أو طبيعية،شرعية أو غيرها، إنسانية أو بهيمية.
بعدما انسحب المستعمر عسكريا من المغرب سيخلف لنا استعمارا ثقافيا مبرمجا وذلك من خلال المجندين الفرنسيين خاصة أو ذوي الخدمة المدنية للتدرب على حساب عقول المغاربة والتدريس في مجالات حيوية وذات طبيعة مادية وأيديولوجية صرفة مع تسميتها بالعلوم البحتة من جهة والعلوم الإنسانية والموضوعية من جهة أخرى ،لكنها في الحقيقة كانت دائما محشوة بالنظريات الأوروبية الحديثة وفلسفاتها الوجودية والداروينية والفرويدية والرايشية ،قد كان أغلبها يبث ويلقن عبر العلوم الطبيعية والجيولوجية والبيولوجية والآداب،بل حتى عند ضرب الأمثلة في المجال اللغوي كان يكرس شرب الخمر والحب والغزل غير المقيد مازالت مع الأسف تدرس نماذجه لحد الآن في بعض مضامين الكتاب المدرسي الرسمي.
فمن بين مظاهر الشذوذ والدعوة المقنعة إلى سلوكه قد كانت تطرح أوهام فرويد بقوة وتركيز ماكر حول محورية الغريزة الجنسية في كل السلوك الإنساني ،وذلك بترتيبها على شكل خبيث وماكر بربط الرضاعة عند الطفل بالمرحلة الجنسية الفمية ثم بعها المرحلة الإستية(الشرجية)وهذا مربط الفرس في تكريس الشذوذ المبطن والممهد له.
كل هذه العوامل كان لها تأثير على المثقف المغربي ،وخاصة المراهق المنبهر بالثقافة الغربية والخالي ذهنيا من التكوين العلمي الشرعي وكذلك العقلي الرصين والفراغ الروحي الرهيب الذي خلفه لديه المستعمر
إضافة إلى هذا وجود عقدة الشعور بالنقص والشعور بالدونية تجاه المستعمر والمتجسدة بصورة التعظيم له والاعتقاد بامتلاكه الناصية المطلقة لكل العلوم تقنيها وطبيعيها ورياضيها وإنسانيها...
من هنا فقد اجتمعت لدى المثقف المغربي بعيد الاستقلال عدة عوامل مؤهلة لظهور بوادر الانحراف والشذوذ بأنواعه،منها الجهل والفسق والشعور بالنقص والتطلع إلى التحرر من القيود التي فرضها التشدد في الحفاظ على التقاليد التي في أغلبها لم تكن من فرائض الدين ولا من نوافله في شيء وإنما هي أعراف ومواضعات اجتماعية فرضتها ظروف الاستعمار والاحتياط من مباطشه.
كثير من هؤلاء المثقفين سيكرس وجهته إلى العدو التقليدي للغرب آنذاك الاتحاد السوفياتي الشيوعي المذهب و الإلحادي العقيدة.
كما أن منهم من دفعه الحنين بسبب الانبهار ورغبة في اللحاق بالركب المعاصر توهما لمواصلة التواصل مع كتلة الغرب التي تولت استعماره وطمس معالمه الحضارية التاريخية وسلوكه الأخلاقي والتشريعي الديني.
هكذا إذن اجتمع في المغرب لفيف من الماديين المتصارعين على السلطة والمال وامتلاك ناصية الثروات بالبلاد بأي وسيلة وأعمال ولو على حساب أصالتهم وطهارة أعراقهم ،رغم ادعائهم للوطنية والمقاومة المزعومة ،إلا من رحم الله من الوطنيين الصادقين والشرفاء الذين بقوا على العهد وقليل ما هم.
في حين بقي الجمهور الغالب يتخبط في العيش على الكفاف أو الفقر و الأمية والجهل وضعف التكوين،الذي كان يتم في بداية الاستقلال ارتجالا وملء للفراغ بكل من هب ودب وبمجرد أن المعلم يستطيع أن يقرأ أو يكتب جملة مفيدة أو يحفظ متنا لغويا ،وخاصة بعد طرد الأساتذة المصريين من المغرب لأسباب سياسية كان من ورائها الصراع الإقليمي الذي أججته الكتلتان آنذاك: الشرقية والغربية ،ما زلنا نجتر مرارته لحد الآن بسبب تعنت الجيران الخارجين عن دارة التاريخ من الجزائريين.
لهذا فالتباعد بين الشريعة من خلال غياب سلطة العلم وبين هيبة السلطان بسبب الضغط أو التقييد من الحريات في اتخاذ القرار ولو بعد الاستقلال سينتج عنه نوع من انفصام الشخصية لدى الكثير من المغاربة من حيث علاقتهم بالدين والتاريخ والقيم العامة للمجتمع ،كان من أبرزها - وهذا ما يتذكره أجيال الخمسينات والستينات وحتى السبعينات-هو أن بدأت تسمع ألفاظ شاذة على الملأ تتضمن السب واللعن العلني للدين نفسه بل قد يسب الرب سبحانه وتعالى في صورة إلحادية فسقية وحاقدة وهستيرية ،وهو الشيء الذي لم يكن يحدث أبدا ولو في مرحلة الاستعمار،بحيث كما يحكى أن بعض المستعمرين الفرنسيين وليس كلهم طبعا كانوا أحرص على احترام الدين الإسلامي وشعائره ومن يزاول العمل به - وخاصة من كانوا يعتبرون أولياء- من بعض المغاربة أنفسهم الذين ضعفت حرارتهم الدينية بفعل الجهل والانبهار بالكافر والطمع المادي...
بل إن نظام العلاقة بين الجنسين قد كان أكثر احتياطا واحتراما وحفاظا على مظاهر الحياء والوقار ولو في المصطافات والشواطئ،بحيث نتذكر ونحن صغار أنه كان بمدينة مرتيل في ضواحي مدينة تطوان بالشمال يوجد فصل عملي ومكاني بين الجنسين عند الاستحمام في الشاطئ،وهو ما كان يتم على شكل سياج من الأسلاك بطول مسافة الشاطئ حتى الرصيف العمومي،وبين السياجين كان يوجد فراغ على قدر إتلاف الرؤية الواضحة للأشخاص والأجساد المستحمة سواء من جهة الرجال أو النساء.
في حين قد كانت ألبسة العوم نوعا ما تميل إلى الستر الذي لا يسمح بالإثارة الشذوذية بين الجنسين على حد سواء،على عكس ما هو عليه الحال الآن.
بهذا فقد كان الناس رجالا ونساء أبعد ما يكونون عن مظاهر الشذوذ وتعويمه في المرافق العامة ،إلا ما كان يحدث من بعض الشواذ من مريضي النفوس المعدودين على الأصابع والحذرين من افتضاح أمرهم أشد حذر،وهذا لا يخلو منه عصر أو بلد مهما تسامى في الانضباط والمراقبة والتطبيق الشرعي ،لأنه من خبث بعض النفوس و بقايا الشيطان وحظه في كل مجتمع.
2- لكن ومع تسارع الأيام سيأخذ الفراغ بين السياجين في التقلص رويدا رويدا ،والتقارب بين الجنسين يتجاذب خطوة خطوة ،حتى وقع الاختلاط على مستوى المدارس والمؤسسات العمومية والشواطئ والمهراجانات السنوية المدرسية الرقصية والموسيقية ،فبدأت مظاهر الاختراق والالتصاق وفي النهاية شيوع رائحة الاحتراق.
قلت إن البداية الشذوذية كانت من منطلق سب الدين جهارا،فحينما لم يغر على الدين لم تعد بعده غيرة على الأعراض أو الأجساد والنفوس،فأصبح السباب يتم بين العامة على مرأى ومسمع في غالبه فحش وقذف ولواط لفظي ،هذا يهدد ذاك بالفعل به كذا وذاك يرد عليه بأسوأ منه ،فيكون السباب في البداية غيضا واعتداء،ثم سيصبح ردا بالمثل ودفاعا ،ومع مرور الزمن والتكيف مع الألفاظ البذيئة سيصبح تداولا ونكتا ونوادر يتضاحك بها في المجالس ويتبارى على من يأتي بأشدها إثارة واستفزازا وتعبيرا على شكل التنافس في إفراز الخبائث والعفونات فمويا من غير ناه ولا منته.
ومعلوم أن الذي يستسهل التصريح بالفواحش والتكيف مع مواضيعها وألفاظها تطبيعا ذاتيا يكون أقرب نفسيا وسلوكيا إلى ارتياد مجالها أو ممارسة مضامينها أو على الأقل استحلاءها واقعا وتمنيا،وهذا هو مبدأ الشر وأول خطوة لتحقيق الفعل،لأن كل عمل بشري يبدأ من الخاطر أي المتخيل ثم يترتب عنه التجسيد قولا أو إرادة وعزما ...
وكل هذه مراحل قد تكون متفاوتة من حيث تحميل المسؤولية للشخص،والقول هو تعبير عن النوايا في كثير من الأحيان شعوريا وغير شعوري كما قد يروى الحديث:"ما أضمر أحد شيئا إلا وأظهره الله على فلتات لسانه وصفحات وجهه".
من هنا فموضوع الشذوذ قد كان مبكرا كمظهر سلوكي قولي متداول عند الكثيرين وخاصة لدى ممتهني بعض الحرف الشاقة أو المتسخة أو ذات صلة بالروائح الكريهة والدونية في نظر المجتمع ،كما يذهب إلى ملاحظته ابن حزم الأندلسي في كتابه "الأخلاق والسير في مداواة النفوس".
وحينما لم يردع الكبار عن تداول هذه القاذورات والألفاظ المتفحشة والخاصة بالشذوذ الجنسي سيقتنيها تقليدا الأطفال الصغار وسيتنابزون بها فيما بينهم في الأحياء وعلى مستوى المدارس التي غيبت علم الأخلاق ومناهج التربية السليمة على قواعد إسلامية عميقة ابتداء من مقرراتها من برامجها .
هكذا، فسيصبح الشذوذ بين التلاميذ في الستينات وحتى السبعينات مسألة مطروحة بقوة سلوكيا وقوليا، بل حتى فعليا في كثير من الأحيان والمدارس المهمشة؛ وما أكثرها في بلادنا!
ومع ذلك فقد كان التغافل عن هذا الانحرافات قائما، إما بزعم استبعاد وقوعها أو اعتبارها حالات ناذرة لا تستحق متابعتها أو مراقبتها بشكل مركز.
بينما العكس كان حاصلا على أرض الواقع ،وذلك في غياب المراقبة الصارمة للآباء الذين كان غالب همهم توفير القوت لأبنائهم ،والمدرسين الذين كان غالب مستواهم ينتهي عند تعليم الحروف الأبجدية و"أكلة البطاطس" ومعهم المحسوبين على العلماء وكل المسئولين عن الانضباط الأخلاقي والسلوكي للمجتمع ،وكذلك السلطات الأمنية التي كانت شبه منعدمة في بعض الأحياء والخلوات من ضواحي المدن التي كانت في غالبها مفتوحة على البادية من غير سياج ولا مراقبة للداخل أو الخارج،تماما كما هو عليه الحال بالنسبة لمدينة القصر الكبير حاليا في بنائها العشوائي وفضائها المفتوح على المزارع والخلاء .
وبذلك بدأنا نسمع بتنامي النزعة الشذوذية في كثير من المناطق المغربية على نسب متفاوتة من التعاير والتنادر بين منحرفي هذه المدينة أو تلك ،وخاصة فيما بين المدن المتقاربة والمتناسبة في عدد السكان والمنافسات المختلفة من أهمها كرة القدم.
ناهيك عن أن في بعض المدن كان يعرف شواذ بعينهم اشتهروا بهذه الآفة الخبيثة إما فاعلين أو مفعول بهم تعرفهم السلطات ويعرفهم الجمهور،إما على مستوى الثبوت أو مجرد الإشاعات،ومع ذلك فلم يتعرضوا لا للمساءلة ولا للمراقبة أو المحاصرة،خاصة وأن مسألة الشذوذ صعبة الإثبات من الناحية الشرعية والقانونية القضائية،بل تركوا يعملون في الظلام ويغتصبون من يقع في أيدي بعضهم من الضحايا، وخاصة بعض الأطفال التلاميذ الذين يذهبون لوحدهم إلى مدارس بعيدة عن المجمع السكني أو في أحياء ملتوية الدروب ومظلمة المسالك وهكذا دواليك،حتى قد أصبحت بعض الأحياء في المدن المغربية يعاني أطفالها من الإرهاب الشذوذي أو الفوبيا الشذوذية ولا يستطيعون تخطي عتبة دربهم أو حيهم لوحدهم وإلا وقعوا في فخ أولئك الشاذين من حيث لم يدروا ولم يريدوا.
وحتى حينما كان يضبط بعض الشواذ متلبسين أو مبلغ بهم من طرف بعض الآباء فقد كان يعالج شذوذهم فيما كان يشاع بشذوذ أفظع منه قد ينتج شذوذا مزدوجا عند تطبيقه ،وذلك بالعمل على إجلاس الشاذ المغتصب على رأس قارورة كنكاية به على جنس فعلته وهو إجراء لا أصل له في الشرع ولا مناسبة له في العقل ولا نتائج تربوية له وإن كانت العقوبة نسبيا قد تبدو رادعة.
وفي حالة إيداع الشواذ في السجن قد يجدون بغيتهم أكثر من الخارج،وهو ما يشاع بقوة وتخرج روائحه من السجون بشكل خطير ،وتمارس فيها الفتونة بأجلى صورها والبلطجة في صورها السينمائية المصرية ،والقوي يكون هو العريس والضعيف هو العروس،فلا يكون حينئذ إصلاح ولا علاج،بل من لم يكن شاذا سيصبح كذلك بعد الخلوة والضغوط النفسية ونزعات الانتقام...
إضافة إلى كل هذه العوامل فقد ترك المستعمر بوابات مفتوحة ومرصودة لتكريس الفساد والانحلال في المجتمع المغربي عقديا وسلوكيا ونفسيا إما على مستوى الثقافات والإيديولوجيات، وهذا من جهة فرنسا خصوصا ،وإما من جهة ترك الباب مفتوحا لتسريب الخبائث السمعية والبصرية في شكل تلفاز أو مجلات بورنوغرافية مبكرة، وذلك عن طريق بوابتين عنيدتين وعاتيتين هما :باب سبتة ومليلية السليبتين كنقطتي استفزاز وابتزاز للمغاربة.
بحيث قد كانت وما زالت تدخل عبر مدينة سبتة خصوصا مجلات منحرفة وصور خليعة قبل حلول دور الفضائيات والأنترنيت في تعميمها ،كانت تباع ضمن الكتب والروايات الإسبانية المستعملة وكان من بين مستورديها بعض أصحاب الدكاكين بحي الملاح التي كان يقطنها اليهود بتطوان وغيرها .
وأيضا كانت بوابة طنجة والميناء الدولي مقصد المفسدين من الإباحيين الغربيين وغيرهم،قد كان من نتائج تغلغلهم في السبعينات وقوع فضيحة إفساد بعض التلميذات بإحدى الثانويات في القسم الداخلي وافتضاضهن وتصويرهن بورنوغرافيا من طرف تجار الجنس والدعارة من الأجانب ومعهم بعض المغاربة كان يشاع حينذاك بأن بطلة هذه الفضيحة والاستدراج امرأة تمارس القوادة هي: الحارسة العامة في تلك المؤسسة.
بحيث كما كنا نسمع في تلك الفترة بأن السلطات قد لجأت لاستدراك الفضيحة بعرض أولئك التلميذات للزواج مع تقديم إعانات من دقيق وزيت وغيرهما لكل من يقدم على التزوج بإحداهن.
فقد كانت الصدمة مروعة في الأوساط الشعبية وكان الاستنكار يتم على مستوى التهامس وتناقل الأخبار الشفاهية بسرية في غالب الأحيان،بحيث لم يكن الناس يخطر ببالهم مثل هذا المآل والسلوك المنحرف الذي بدأ يطال الجماعات وليس مجرد حالة فردية مستورة.
ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب كنا نسمع بوجود نزعات شذوذية متمركزة في مراكش الحمراء ونواحيها مما أصبح مجالا للتندر والتنكيت والتعاير بين الفساق والمجان في المقاهي والمجمعات البطالية،حتى أن زلزال أكاد ير قد كان يفسره البعض ويعلل حدوثه بكثرة المفاسد التي انتشرت بكثرة في المنطقة.
كل هذه الظواهر الشاذة سواء كانت فعليا أو قوليا أو مجرد إشاعات كان يزيد من تغذيتها وجود تيارات فكرية إباحية وإلحادية تزامنت مع توافد أفواج من السياح الهيبي hippyالمتسخين الذين كانوا يدخلون عبر البوابات المذكورة بشذوذهم الجنسي الموبوء وأمراضهم المعدية نساء ورجالا، مما كان له بالغ الأثر في ترويج الانحراف والمخدرات البيضاء وشتى السموم بين فئات عريضة من الشبان والشابات في الوطن المغربي العزيز.
إذ فتح الباب لمثل هؤلاء المتسكعين من غير شروط قد كان يتم تحت هلع ووهم السياحة القاتلة لكل القيم وتوهم تحسين العلاقات السياسية مع الدول الغربية واقتناص المال وتحريك الاقتصاد عبر أولئك المزاليط والصعاليك الذين لم يدخلوا إلى المغرب سوى القمل وفيروسات السفلس والسيلان وأخيرا:السيدا أو الإيدز المدمر.
لهذا فحينما فتح الباب على مصراعيه للإعلاميات والتواصل طفا هذا المخفي المنبوذ المتحفظ عليه في التاريخ إلى السطح في شكل استعراض شذوذي عبر الأنترنيت خاصة،والذي مهد لبعض الشواذ الراسخين والمدمنين لإعلان مرضهم الجنسي وخبائثهم على مرأى ومسمع .
وحينما لم يجدوا متابعة من طرف السلطات الأمنية والقضائية ،بل حتى العلمية والتربوية ،تمادوا في طلب التطبيع عبر وسائل الإعلام و المجلات والدعوة إلى إحداث جمعيات شذوذية وطرحها على البرلمانات كنقاش ثم كتقرير،وهذا كله بسبب الإهمال الرسمي والمؤسساتي للرائحة الأولى التي بدأت تفوح منذ فترات طويلة.
بحيث قد حدث لهؤلاء الشواذ والمسئولين عن الشأن السلوكي والأخلاق العامة في البلاد كالمثال المعروف عند العامة وهو:"الْعب مع الكلب يلحسْ لِكْ وجهك"،وهو ما وقع فعلا، حتى لم يعد هناك وجه محترم بسبب التلاعب على حساب القيم والأخلاق ومكتسبات الدين والحضارة والتاريخ.
إنها تراكمات يتحمل مسئوليتها كل الجهات المؤطرة للإنسان المغربي في هذا البلد ،والذي كما أجملنا من قبل: أن تاريخ المغرب كان أنظف من كل نظيف وشعبه أطهر من كل الشعوب بعربيهم وبربريهم أوأمازيغيهم،لكن التبعية الاستعمارية واختلاط الأجناس قد أدى إلى بروز مكثف لهؤلاء الأنجاس،وبالتالي توهموا أن المغاربة قد خمدت فيهم جذوة الغيرة والرجولة والأنفة والشرف ،ولكن هيهات هيهات.
3) فحادثة القصر الكبير ومظاهر الشذوذ الذي طفا فيها ليست سوى امتدادات محدودة لتلك التراكمات التي سبق وذكرنا باختصار .
ولهذا فلا ينبغي أن تعير مدينة دون أخرى ولاحي دون آخر بسبب بروز فاسق أو شاذ هنا وهناك،فما خفي كان أعظم وأسوأ،والفساد قد استوطن في السهول والوديان منذ زمن بعيد حتى أن بعض الجبليين كنكتة متداولة لما سمع قول الله تعالى :"ظهر الفساد في البر والبحر" عقب قائلا :حتى عَنْدْنا في الجبل!...
لهذا فلا ينبغي استغلال الحادثة سياسيا أو إيديولوجيا أو جهويا للعب على أوتار المشاعر الجماهيرية التي تستجيب بعفوية لكل تحريض أو استنكار.
وإنما ينبغي معالجة الموضوع من جذوره بتحكيم الشرع الحكيم والعقل الرصين والسير الفاضلة في ردع الآفة الزاحفة بعدما كانت محصورة في قمقمها حسب السيناريو الذي ذكرنا قبل.
في حين ينبغي أن نذكر بأن ما تداولته وسائل الإعلام وحكمت عليه بحكم اللواطة الفعلية يبقى في نظر الشرع والقضاء مجرد شبهة لا غير ،والحدود تدرأ بالشبهات والعقوبات توقع بالشهادات المرئية أو مشاهدة الفاعل ملتصقا بالمفعول به التصاق المرود بالمكحلة،وبالتالي يكون حكم اللواط نافدا أو يتم بإقرار المتهم صراحة وعلى تكرار اعترافه أربع مرات متتاليات حتى تتم إدانته شرعا وقانونا.
لكن مع ذلك،فلا دخان بغير نار ،فالشبهة قائمة وسد الذريعة يتطلب ردع أصحابها من طرف السلطة المختصة حتى لا يقلد المشتبه به ويعم الفساد وتقع اللعنة على الجميع.
فالشبهة هنا تتجلى في التشبه بالنساء لبسة وأصباغا وحركات وأقوالا،وهذا نوع من الخنوثة المفتعلة ،وهي مؤدية إلى الشذوذ الفعلي إن لم تردع،سواء من طرف الفاعل أو المفعول به ،ولهذا كان النص الشرعي يلعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات بالرجال من النساء درء للوقوع في المفسدة الكبرى ألا وهي اللواط أو السحاق .
وحيث أن الشواذ بفعل التراكمات التي ذكرنا وعدم مراعاة الأحكام الشرعية والأعراف في اللباس والحركات لم يزجروا ابتداء فقد تمادوا في الانحرافات حتى وصلوا إلى درجة الإشهار بانحرافهم ،ظانين ومتوهمين أن الجمهور قد يكون بجهتهم هذه المرة ،لأنهم كانوا يتوقعون أن الآفة قد عمت وهانت وحان الوقت للضغط على الزناد.
لكن العكس هو الذي حصل ،إذ مازالت هناك البقية من الشرفاء الغيورين في هذه الأمة لم تمت مشاعر الأصالة والأنفة والحمية العربية والإسلامية فيهم، وهي التي عبر عنها سكان القصر الكبير بتلقائية.
لهذا فلهم أن يفتخروا بمدينتهم وأهلها لا أن يُستنقصوا أو يخجلوا منها،وذلك لسبب بسيط وهو أنهم هم الذين كشفوا عن الفساد وحاربوه وليس أي حزب أو جماعة أو سلطة أو هيئة علمية رسمية.
فهنيئا لهم بهذا النصر والعز الذي ساقوه لمدينتهم بل للمغاربة قاطبة!.لأنهم حركوا النفوس والمشاعر والغيرة الكامنة في الوجدان المغربي عبر التاريخ وأرسلوا خطابا متحديا لكل شواذ العالم وكل مخططات الأعداء لتكريسه وتطبيعه في هذا البلد الطاهر، بلد الأولياء والصالحين والشرفاء والمجاهدين،وبهذا قالوا للشذوذ المعمم والمطبع"هذا ليس بعشك فادرجي".
فلقد حدث لهؤلاء الشواذ ومن وراءهم كما يحكى على سبيل النكتة :أن رجلا اسمه طالح كان أعمى قد ذهب عند امرأة يحسبها باغية ليرتكب الفاحشة معها ،فلما دخل إلى بيتها استقبلته للحظة وطلبت منه أن يتعرى كمقدمة، ثم افتعلت الدق بالباب لكي تفضحه أمام الملأ وتخرجه عريانا إلى الشارع.
وهكذا لما دقت الباب بنفسها من الداخل رعب طالح وأراد الاختباء ،فقالت له: تعال أدخلك الدولاب(الماريو)،ثم رمت به إلى الخارج مفضوحا وعريانا كليا وهو ما يزال يعتقد أنه في الدولاب.
بعد برهة مر به صديق له اسمه عبد الله ،فلما رآه على تلك الحالة ناداه مستغربا لافتضاحه:ماذا تفعل هنا يا طالح؟ أجابه ب:آه !حتى أنت معي يا عبد الله في الدولاب!!!.
فهذا السيناريو هو نفسه الذي وقع لهؤلاء الشواذ مع مدينة القصر الكبير في سوء تقديرهم وتعاملهم بعماء مع شذوذهم الخبيث وجرأتهم السخيفة على مشاعر المجتمع المغربي الأصيل،الذي مهما شذ بعض أفراده إلا وعاد إلى أصالته.
في المقابل فإن تعليل أو تبرير البعض من المنظمات والأوساط الرسمية على سبيل التخفيف أو التقليل من شأن الحادث وجعله يمر مر الكرام من دون محاسبة أو معالجة جذرية تختفي معها روائح الفساد بشتى صوره وأصنافه يكاد يتطابق مع هذه النكتة –وأستسمح القراء عن إيرادها بهذا الشكل لحساسية الظرف والضرورة الشعرية كما يقال-مفادها:أن جحا قد كان جالسا مع أحد أصدقائه فانفلت من هذا الأخير ضراط،فأخذ الصديق يضرب بيده على قطعة من الخشب لعله يخفي صوت الضراط، تفاديا لكي لا ينتبه جحا له.
فما كان من جحا الذكي إلا أن بادره بالقول الصريح:إذا أنت أخفيت الصوت فأين ستذهب بالرائحة؟!!!
فرائحة الشذوذ الجنسي وكذا البغاء بالمغرب لم تترك أنفا إلا وقد آذته وصوته لم يترك أذنا إلا وأصمه،والأنترنيت وما يعرض فيه من مواقع أبطاله المغاربة والمغربيات كفيل بالشهادة من غير عدول أو اعتراف قولي.
ومع هذا فلم تحرك السلطات ساكنا لمتابعة أصحاب تلك الأجساد المعراة علنا والممارسة للخبائث بالمرئي والمسموع،ولم توقع عليهم عقوبة الإخلال بالأخلاق العامة أو الفساد العلني،رغم أنه بإمكان التحريات الأمنية ضبط الأشخاص واعتقالهم من خلال صورهم ممن يوجدون داخل المغرب،وهذا مما ساهم في الخروج من دائرة جهاز الحاسوب إلى الشارع غير المحسوب،وبالتالي بدأ المجتمع يقترب من قوم لوط كما وصفهم الله تعالى فيما سبق وعرضنا عند بداية هذه الدراسة المحرجة:"أفتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون".
لهذا فالمسئولية في هذا الانفلات السلوكي والاجتماعي ومعه العقدي قد لا تقع على الشواذ وحدهم وإنما على الجميع من القاعدة إلى القمة ومرورا بكل الوزارات المكلفة بتأطير المجتمع وحماية أمنه الروحي والنفسي والجسدي والفكري والسلوكي وخاصة الوزارات الرئيسية :كالتعليم والأوقاف والشؤون الإسلامية والأمن والعدل والاتصال ،ومع هذا فالأحزاب تتحمل مسؤوليتها مع الجماعات والجمعيات والطرق الصوفية والمنتديات الشبابية والرياضية وغيرها .
كما تقع على الجمهور المتساهل مع شذوذ الأفراد في الأحياء والدروب والمنتديات بل له مسئوليته أيضا عن التفشي بشكل جماعي كما سبق وذكرنا عن بدايات الاستسهال القولي المؤدي إلى الفعلي استدراجا من الشيطان الرجيم وهوى الأنفس المريضة.
وأقول للجميع مكررا ما قاله هارون الرشيد لابن أبي مريم لكي يستقيم حال الجميع ولا يعم العذاب والفتنة كل من حضر أو اقترب أو جاور ولم ينبه على الخطأ:"إياك إياك والدين والقرآن!!!".
يقو الله تعالى:"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم،وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون،واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب وأنتم لا تشعرون" صدق الله العظيم وهو ولي المؤمنين الصالحين.
الدكتور محمد بنيعيش -أستاذ بكلية أصول الدين -جامعة القرويين
تطوان
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.