يعرف الإبداع بأنه الاختراع والإجادة في العمل وإتقانه، وهو يمثل قمة العطاء الإنساني، وهناك من ربطه بمسلمات غيبية: إلهام، حدس فجائي قد يتكرر أو لا. وهذا الربط في الحقيقة، فيه تعطيل للإنتاج العلمي لأية ظاهرة. تعود بداية دراسة الإبداع من طرف العالم البيولوجي "غالتون" الذي ربط بين العبقرية والوراثة فقام بدراسة ميدانية إحصائية. وإذا كان لم يصل إلى نتائج قاطعة حول الترابط بينهما، فإنه أثار اهتمام العلماء لدراسة الإبداع والعبقرية بمناهج علمية. نتج عن ذلك ظهور نظريات الإبداع ومدارس لتربية المبدعين (مدرسة لتخريج الشعراء في الولاياتالمتحدة): - نظرية غالتون: سبقت الإشارة أن صاحب النظرية ربط بين العبقرية والوراثة، فرأى أن الإبداع يمكن أن يورث عبر الأجيال. يستنتج ذلك من خلال الأداء الحسي الذي يثبت ذلك. - نظرية سبيرمان: طرح مفهوم الذكاء العام والقدرات الخاصة أوائل القرن العشرين. - نظرية بريسون: صاغ القانون الرياضي لنظرية غالتون في الترابط حسب النتائج الميدانية التي توصل إليها. ومن العراقيل التي أعاقت دراسة الإبداع، اعتقاد علماء النفس بوجود ارتباط بين الذكاء لدرجة توحيدهم بين مفهومي الذكاء والتفوق، وبين القدرة الإبداعية بسبب إطلاق صفة العبقري على الشخص ذي الذكاء المتفوق. إلا أن نسبة الذكاء المرتفعة لا تعني بالضرورة القدرة على الإبداع. فكل مبدع يحمل نسبة ملحوظة من الذكاء إضافة إلى بعض السمات الشخصية المساعدة على إنجاز العمل الإبداعي، لكن في المقابل ليس كل من تفوق في الذكاء هو مبدع. تنطلق الأسس العلمية لدراسة الإبداع من مفهوم الاستمرارية كمبدأ أساسي، والذي يفترض وجود السمات النفسية والصفات العقلية بدرجات متفاوتة بين الأفراد. فالاستعدادات الإبداعية موجودة غالبا لدى جميع الافراد مهما كانت ضئيلة باستثناء المتأخرين عقليا وذوي الاضطرابات النفسية الكبرى. إن ما يميز المبدعين هو توفرهم على قدر أكبر مما لدى غيرهم من تلك الاستعدادات والتي تحققت على الصعيد الواقعي فأصبحت قدرات فعلية وظهرت كإنتاج إبداعي ملموس. ومن هنا نتساءل: ما هي العمليات التي يمكن أن تؤدي إلى الإنتاج الإبداعي؟ 1- السمة الشخصية: يرى جيفلورد أن المبدعين يتميزون بنمط خاص من السمات التي تظهر في سلوكهم: سمات شخصية خاصة ذات ميول واستشهادات وخصائص مزاجية خاصة بالمبدع، واعتمد في قياس تلك السمات على منهج التحليل العاملي. تعد نظرية أولبورت أوضح نموذج لدراسة السمات الشخصية، فهي تؤكد استحالة دراسة الشخصية الإنسانية من خلال المعرفة الإحصائية فلابد من دراسة علم النفس للشخصية. فالشخصية الإنسانية تتصف بخصائص مشتركة تلتقي فيها مع باقي الشخصيات، كما أن هناك سمات فردية واستعدادات فردية خاصة بكل فرد لأنها تنمو لديه وتصبح بمثابة استعداد دينامي حسب خبراته الخاصة. فلا مجال إذن للحديث عن التوزع الاعتدالي للسمة الفردية لأن كل استعداد شخصي خاص بفرد معين ومن ثمة كانت السمات الفردية أكثر تصويرا لبناء الشخصية. فهل السمة الفردية ثابتة؟ إن السمة الفردية حسب ألبورت تتضمن قدرا من الثبات والاتساق ليس ضروريا أن يكون كاملا، وهو يفترض وجود ما يوحد بين مختلف المظاهر السلوكية لدى الفرد بأسلوب يصعب الكشف عنه. وللسمة الفردية بعدان: - بعد ظاهري: مرتبط بالمواقف ذو دلالة بسيطة على السمة. - بعد باطني: ذو طبيعة أكثر عمقا وأكثر قدرة على تفسير الكثير من مظاهر السلوك التي تبدو متناقضة وعلى غير ترابط فيما بينها، وكلها تنم عن الاتساق الداخلي. 2- الإحساس بالمشكلات: يقصد بها قدرة الفرد على رؤية المشكلة بطريقة تقوده لطرح تساؤلات هادفة تصله لمكتشفات جديدة. يظهر هذا الإحساس على شكل الوعي بالحاجة للتغيير أو بالنقص أو بثغرات... وذلك في موقف محدد. 3- الطلاقة: فسمة المبدعين طلاقة الأفكار وغزارتها. وتتحكم فيها طلاقة الكلمات والتداعي اللفظي، وهي تقاس باختيارات معينة. 4- المرونة: ذات ارتباط وثيق بالإبداع. فالشخص المبدع له القدرة على تغيير منطلقات تفكيره والتحرر من جمود الأفكار في اتجاه معين. 5-الأصالة: مفتاح أساسي للإبداع، وتعني الجدة في التفكير. 6-التحليل: يعني تحليل الكل إلى أجزاء 7- التأليف: هو القدرة على تنظيم الأجزاء في كل منظم متكامل. وميزة الإنتاج الإبداعي أنه تنظيم جديد وإعادة تنظيم لأجزاء كانت موجودة أصلا في نظام مغاير 8- إعادة التجديد: استمدها جيلفورد من علم النفس الجشطالي، وهي عملية تشتمل على ما يفوق المرونة والتحليل والتأليف معا. أرى أن العامل الفردي للإبداع يحتاج لإطار ثقافي واجتماعي كي ينفتح، وهو ما يعرف بالسياق الاجتماعي الثقافي للإبداع، كما أن المواهب والاستعدادات بحاجة لوسائل التربية الملائمة كي تتحول لإنتاج إبداعي. ويبقى السؤال: ما الذي تستطيع التربية الجماعية الحالية توفيره لتفتيح الاستعدادات الإبداعية لدى الناشئة وتوجيهها؟ ثم هل تتوفر الشروط الضرورية والملائمة لتنمية المواهب الفردية في ظل المناهج المطبقة والطرق المعتمدة؟