أعادت تُهم الفضائح الجنسية التي تُلاحق الداعية السويسري طارق رمضان، وهو حفيد مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حسن البنا، الجدل في المغرب حول تورط إسلاميين أو مقربين من التنظيمات الإخوانية في فضائح جنسية أو استغلال النفوذ لارتكاب جنحة التحرش والاستغلال الجنسي؛ وهو الأمر الذي بات يُثير تساؤلات كثيرة حول أسباب وانعكاسات هذه الفضائح على صورة "إخوان المغرب". حالات سابقة في المغرب، عاشت التنظيمات الإسلامية، سواء الراديكالية أو المعتدلة، على وقع فضائح جنسية تسببت في مواقف محرجة لدى كثير من القيادات الإسلامية أمام الرأي العام الوطني والقواعد المتعاطفة، خصوصا أن الخطاب الأخلاقي الذي يسبق المواقف السياسية حتى في الجانب الاجتماعي والاقتصادي يتسم ب"الحلال" و"الحرام" وبفرض الحجر والوصاية على الأفراد باسم "الدين" و"الأخلاق" في إطار ما يسمى ب"العفة الإسلامية"، حسب آراء الخبراء والمحللين. حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي يقود الحكومة المغربية للمرة الثانية على التوالي، وجد نفسه أكثر من مرة وسط زوبعة الفضائح الجنسية، وأبرزها فضيحة عمر بنحماد وفاطمة النجار، عضوي الجناح الدعوي للحزب حركة التوحيد والإصلاح، بعد أن جرى ضبطهما بشاطئ المنصورية ضواحي مدينة المحمدية، ليكشفا لاحقا خلال مرحلة التحقيق أنهما متزوجان زواجا عرفيا. وأثارت الواقعة حينها إحراجاً كبيراً لقيادة الإخوان بالمغرب، خصوصا أن عمر بن حماد متزوج وكان يشغل منصب النائب الأول لرئيس حركة التوحيد والإصلاح، وفاطمة النجار أرملة تتولى مهمة النائب الثاني لرئيس الحركة. قضية الصحافي توفيق بوعشرين، مالك جريدة "أخبار اليوم" المقرب من حزب العدالة والتنمية، أثارت بدورها حرجاً كبيراً "لإخوان العثماني"؛ ولكن طبيعة وحساسية الملف وغموضه دفعت الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة إلى أخذ مسافة من المحاكمة، والاكتفاء فقط بتكليف عبد الصمد الإدريسي، رئيس هيئة محامي "البيجيدي"، لتولي مهام الدفاع عن المتهم في القضايا الثقيلة. ولا تقتصر هذه الفضائح الجنسية فقط على التنظيمات الإسلامية المعتدلة الفكر، بل تتعداها لتصل إلى رموز "السلفية الجهادية" وجماعة "العدل والإحسان" المعارضة للنظام، حيث سبق أن تابعت المحكمة الابتدائية بمدينة سلا عبد الله الحمزاوي، العضو البارز في اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين وأحد المقربين من أحد شيوخ السلفية، بتهمة الخيانة الزوجية مع سيدة منقبة بعد اعتقالهما ليلة الوقوف بعرفة العام الماضي في منزله بالمدينة نفسها. كما قادت نزوات الشيخ السلفي محمد الفيزازي إلى التوقيف عن الخطابة من المسجد بأمر من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، بعد ضجة فضيحة الزواج التي أثارتها شابة تدعى حنان زعبول (18 عامًا)، قالت إن الشيخ أنكر زواجها منها، بعدما عاشرها لمدة 5 أشهر في منزل بمدينة طنجة، بدون وجود أيّ عقد زواج رسمي. في السياق نفسه، كشف مصدر مقرب من جماعة العدل والإحسان جواباً على سؤال لهسبريس حول مدى صحة تورط قيادات بالتنظيم ذاته في فضائج جنسية أثيرت سابقاً على وسائل إعلام، ومن ضمنها حالة الفنان رشيد غلام، الذي غادر الجماعة لأسباب غامضة، أنه "تم فعلاً العثور على بعض الفيديوهات والرسائل الصوتية تخص بلبل الجماعة، وللتحقق من صحتها قام الإخوان بإرسالها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، فتبين فعلاً تورطه في فضائح جنسية"، على حد قوله. الإسلاميون والفساد إدريس الكنبوري، الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية أحد الكتّاب الذين أثاروا مسألة المرأة عند السلفية الجهادية، يرى أن الخطأ الذي وقع فيه الإسلاميون بالمغرب هو تحويلهم للقضايا الأخلاقية إلى برامج سياسية، ولفت إلى أن "البيجيدي" ركز بشكل كبير على هذا المدخل الذي يهم المجتمع وليس التنظيمات السياسية. وأوضح الكنبوري أن المجتمع المغربي يُصاب بالدهشة لحظة ثبوت تورط إسلاميين في فضائح جنسية؛ "لأن ازدواجية هؤلاء تنكشف، إذ لا يعقل أن نخوض معارك ضد مهرجان موازين وبيع الخمور في المتاجر الكبرى، ولكن عندما نصل إلى السلطة نصمت على الملفات جميعها". ويُشير الباحث المغربي إلى أن "صورة الإسلاميين المغاربة تضررت كثيراً بسبب الفضائح الجنسية، حيث تبين أن هؤلاء مثلهم مثل سائر البشر وليسوا ملائكة كما حاولوا أن يروجوا بذلك عن نظافة اليد والأخلاق، حتى وصلنا إلى مرحلة بات فيها المجتمع مطالب بمحاربة الفساد داخل الإسلاميين، وليس العكس كما كان في السابق". ويُضيف الكنبوري، في تصريح لهسبريس، أن "المفارقة أن الفضائح الجنسية تورطت فيها قيادات إسلامية، وهم أنفسهم الذين ينتصبون لفرض الحجر والوصاية على الأفراد باسم "الدين" و"الأخلاق" وما يسمونه ب"العفة"، واعتبر أن أسباب الفضائح الجنسية مرتبطة عامة ب"الكبت الجنسي الموجود عند عامة الناس، وثانيا بطريقة التنشئة الاجتماعية لدى الإسلاميين". سقوط خطاب الطهرانية الناشط والباحث الإسلامي محمد عبد الوهاب رفيقي أبو حفص، والذي خبر التنظيمات الإسلامية من الداخل، وإن كان يرى أن مثل هذه التصرفات هي موجودة عند عامة الناس وكل التيارات؛ فإنه يؤكد أن صدورها من لدن شخصيات إسلامية، كحالة المفكر طارق رمضان أو حالات أخرى بالمغرب، هو ما يجعل الضوء مسلطاً عليها أكثر من غيرها. وتابع في تصريح لهسبريس: "التركيز على فضائح الإسلاميين أمر طبيعي بحكم أن هؤلاء كانوا يسوقون لخطاب أخلاقي فيه كثير من المثالية والطهرانية، خصوصا أن الأمر كان يعارض توجهاتهم الإسلامية"، مضيفا أن السنوات الأخيرة كشفت المستور عن إشكالات كثيرة متعلقة بالخطاب الطهراني الذي سوقت له الحركات الإسلامية بالمغرب. ويرى أبو حفص أن "صورة الإسلاميين عامة ستضرر في كثير من الدول بعد تفجر الفضائح تلو الفضائح، وستمحو تدريجيا الصورة التي طُبعت لسنوات عند الشعوب"؛ غير أن السلفي السابق يعتبر أن الجانب الإيجابي في هذه القضايا هو "اضطرار الحركات الإسلامية إلى تبني خطاب الحريات الفردية لحظة تورط أحد قياداتها في فضيحة جنسية معينة، حيث تُسارع إلى إطلاق تصريحات تدعي فيها أن الناس أحرار في أن يفعلوا ما يشاؤون، بينما كان المبدأ في السابق معارضة الحريات الشخصية". وخلص الباحث في القضايا الفقهية إلى أن الحركات الإسلامية مطالبة اليوم بإعادة النظر في تصورها لموضوع المرأة والجنس عموماً؛ "لأن بعض التصورات المغلوطة التي تربت عليها الأجيال هي التي تنتج مثل هذه التصرفات، بالإضافة إلى أن التربية على الازدواجية بين الخطاب والسلوك والتوجس الشديد في التعامل مع المرأة هو ما يُنتج هذه الفضائح الجنسية".