ولأنه كلما أصيبت باريس بالزكام فإن الرباط تعطس، يثير فقدان حكومة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أغلبيتها في مجلس الشيوخ لصالح اليسار، الكثير من القلق لدى الجانب المغربي، ولا سيما موقف فرنسا المستقبلي من الصحراء ومقترح الحكم الذاتي. ويرتقب أن تفرض سيطرة اليساريين الفرنسيين على مجلس الشيوخ الفرنسي خلال الانتخابات الأخيرة على الدبلوماسية المغربية إعادة قراءتها للوضع السياسي الفرنسي، حتى تستوعب تداعيات أي تبدل في الموقف الفرنسي من قضية الصحراء وباقي القضايا الاستراتيجية المغربية. وإذا كان المغرب مطمئن إلى الموقف الفرنسي الذي يدعم بقوة الاقتراح المغربي لحل نزاع في الصحراء عبر منح الأقاليم الصحراوية استقلالا ذاتيا في إطار نظام الجهوية الموسعة تحت السيادة المغربية، في شخص ساركوزي وحكومة حزب الاتحاد من اجل حركة شعبية، فإنه اليوم سينظر بعين الريبة إلى موقف اليسار الفرنسي المعروف بتعاطفه مع جبهة البوليساريو وقضايا "تقرير المصير". إن الانتصار الاستثنائي لأحزاب اليسار الفرنسي بعد فوزه وللمرة الأولى منذ أكثر من خمسين عاما بالغالبية المطلقة في مجلس الشيوخ، قد يكلف الموقف التفاوضي المغربي حول النزاع في الصحراء الكثير من التحديات لاسيما وأن أفكار عدد من أعضاء الحزب الاشتراكي تدعم جبهة البوليساريو، حيث سبق لعدد من منتخبيه أن زاروا مخيمات تندوف ووجهوا من هناك السنة الفارطة رسالة إلى الأمين العام بان كيمون يدعونه إلى منح الصحراويين الحق في تقرير مصيرهم، وذلك بتنفيذ قرارات الأممالمتحدة في هذا الشأن، كما طالبوا بإنشاء آلية لحماية حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية "المحتلة" على حد تعبيرهم. والأكيد أن الخطر الذي يهدد مصداقية الموقف التفاوضي المغربي من النزاع في الصحراء يكمن في مواقف الأحزاب اليسارية الأوربية المتصاعدة، كموقف الحزب الشعبي الإسباني، الذي يقدم كافة أنواع الدعم لجبهة البوليساريو. ويتوقع أن يخلق اليساريون الفرنسيون بتحالفهم مع أحزاب يمينية متصاعدة في أوربا متاعب حقيقية في قضية الوحدة الترابية المغربية، وهو ما يستدعي تحركا دبلوماسيا مغربيا لتأمين موقفه التفاوضي من قضية الصحراء بدراسة وتتبع كافة احتمالات المواقف السياسية الفرنسية من قضية الصحراء في المستقبل. وقد لا تختلف مواقف أحزاب اليسار الفرنسي عن نظيره الإسباني (الحزب الشعبي) من قضية الصحراء، ولذلك فمن الممكن أن يعمل على تجاوز العلاقات المتوترة بين فرنسا والجزائر في عهد ساركوزي، ولو على حساب قضايا الأمن القومي المغربي. وإن كان من المستبعد أن يحدث هذا التغيير في الموقف السياسي الفرنسي الداعم للمغرب في ملف الصحراء على المدى القريب، فإن في تبدله على المدى البعيد أمرا في غاية الخطورة لاعتبارات جيواستراتيجية ولطبيعة العلاقات الاقتصادية والثقافية بين المغرب وفرنسا، ذلك أن السياسة الفرنسية منذ القدم كانت تقوم على أن المغرب يجب أن يبقى مجالها الحيوي الطبيعي سياسيا واقتصاديا وثقافيا. وعليه فإنه؛ وإن تكن مواقف اليسار الفرنسي لا تنسجم مع المنظور المغربي فيما يخص ملف الصحراء فإن طبيعة العلاقات الاقتصادية والثقافية الجد الوثيقة بين المغرب وفرنسا، كفيلة بأن تفرض على الساسة الفرنسيين ومهما تكن توجهاتهم السياسية في حالة فوزهم بالرئاسيات الفرنسية التعاطي بكثير من البراغماتية مع القضايا الإستراتيجية المغربية في زمن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. وتظل فرنسا الشريك التجاري الأول للمغرب، إذ شكلت صادرات المغرب نحو هذا البلد 15 مليار و466 مليون درهم مقابل واردات بلغت 20 مليار و803 مليون درهم. وأفاد مكتب الصرف عن تحقيق فائض قي قطاع الخدمات بأكثر من 16 مليار و450 مليون درهم مع الخارج، هذه السنة، في مقابل 14 مليار و32 مليون درهم، في السنة الماضية. ومهما تكن مواقف فرنسا عقب صعود اليسار الفرنسي إلى الحكم، فإن المغرب سيحافظ لنفسه على مسافات من العلاقات مع شركاء آخرين، حتى لا يكون رهين المواقف الفرنسية والأوربية، ومن ذلك سعيه إلى توقيع اتفاقية التبادل الحر مع كندا على غرار اتفاقية التبادل الحر الموقعة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. ومن جهة أخرى لا يمكن الآن التكهن بسهولة فوز اليسار الفرنسي بالرئاسة الفرنسية خلال الانتخابات المقبلة لأبريل سنة 2012، في وقت ارتفعت فيه شعبية ساركوزي ولو بشكل طفيف في الأشهر القليلة الماضية. *محلل سياسي مختص في قضايا الصحراء والشأن المغاربي [email protected]