مقدمة على اعتبار أن الحزب فاعل أساسي في مشروع بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي، خاصة وأن تثبيت الممارسة الديمقراطية وتدعيم آليات اشتغالها يرتكز بالأساس على المؤسسات الحزبية مع ما يستلزم ذلك من ضرورة دعمها ومساندتها والارتقاء بها، باعتبارها مؤسسة للتمثيل والتأطير، وهذا ما يدفع الحزب كمؤسسة في أن تقوم بمجموعة مهام تجسد حقوق وواجبات المواطن من خلال ممارسة الفعل السياسي والإشراك في إدارة الشأن العام انطلاقا من فلسفة وفكرة تكريس المواطنة حقوقا وواجبات، من هنا تنطلق أهمية الوجود الحزبي باعتباره دعامة ضرورية لتفعيل النظام السياسي ودمقرطته. لذا من المرتكزات المهمة التي أقبل عليها الدستور المغربي ل 2011، هو تعزيز الآليات الدستورية الخاصة بالأحزاب السياسية، وبالتالي تقوية دور الأحزاب أي الانتقال من مجرد قنوات للتأطير إلى وجود ممارسة سياسية للأحزاب تطمح من خلال ممارستها إلى الحصول على السلطة، وتقوية دورها في تأهيل المشهد السياسي وتخليق الشأن العام والمساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة، كما ينص على ذلك الفصل السابع من دستور 2011. أولاً: قانون الأحزاب المغربي: الوظائف والتأسيس أطر الحرية الحزبية في المغرب ظهير 15 لسنة 1958 المؤطر للحريات العامة، إلى جانب الحرية الصحافية والجمعيات وحرية التجمع، على الرغم أنه لا يمكن أن نضع هذه الحريات في إطار تشريعي واحد، على أساس أن الحرية الحزبية تنفرد بخصوصيات عن غيرها، والتي يمكن اعتبارها من أهم الحريات السياسية؛ فالمغرب الذي تميز بإقرار تعددية حزبية منذ حصوله على الاستقلال، وأكد على ذلك منذ أول دستور سنة 1962، ظل مُتأخراً في ما يتعلق بوضع قانون خاص بالأحزاب السياسية، إذ لم يتم وضع هذا القانون إلا في عام 2006. وإذا اقتصرت واضائف الحزب السياسي سابقا على " المساهمة في تنظيم المواطنين وتمثيلهم"، وكانت اجراءات التأسيس هي نفسها التي تحكم مختلف الجمعيات فما هو الجديد بعد إقرار القانون 04-36 المتعلق بالأحزاب السياسية ؟ قانون رقم 04-36 المتعلق بالأحزاب السياسية يعتبر قانون رقم 04-36 بمثابة ثمرة توافق بين المؤسسة الملكية والأحزاب السياسية والفعاليات المجتمعية ليكون مدخلا حقيقيا يؤسس لحقبة سياسية جديدة في تاريخ المغرب المعاصر، وإطار قانونيا يوفر بيئة يصبح فيها الحزب مدرسة حقيقة للديمقراطية وللمواطنة. ويستمد هذا القانون مرجعياته السياسية والقانونية من فلسفة الإصلاحات العامة التي يعرفها عهد الملك محمد السادس من حيث تخليق الحياة السياسية وتأهيل المؤسسة الحزبية والدعوة إلى القطبية السياسية ومصالحه المواطن مع شأن الحزبي والسياسي وإصلاح المشهد الحزبي. توج مسلسل الإصلاحات السياسية عموما والحزبية خصوصا بإخراج القانون رقم 04-36 المتعلق بالأحزاب السياسية، وهو قانون يمثل آلية قانونية وإطاراً ضبطيا يلزم الأحزاب السياسية القيام بمهامها الدستورية والقانونية داخل المنظومة السياسية، حيث أنه يصعب تصور ديمقراطي بدون أحزاب ديمقراطية، ولا أحزاب ديمقراطية بدون قيادات ديمقراطية ومتشبعة يقيم التدبير المؤسساتي، وعلى هذا جاء هذا القانون بأحكام عامة تعرف الحزب وتحدد مهامه وكيفية ممارسة أنشطته وشروط تأسيسه، وكيفية تحديد أنظمة الحزب الأساسية وتنظيمها وتسييرها، وكيفية تمويله ومراقبة هذا التمويل، وتحديد شروط اتحاد الأحزاب السياسية واندماجها، وتحديد الجزاءات في حالة عدم التزام الأحزاب السياسية بمقتضيات الدستور وأحكام هذا القانون، وتحديد أجل الأحكام الانتقالية. ب القانون التنظيمي رقم 11-29 المتعلق بالأحزاب السياسية انطلاقا من العناصر التي حددها دستور 2011، تم الأخذ بعين الاعتبار في القانون التنظيمي رقم 11-29 المتعلق بالأحزاب السياسية، تحيين المقتضيات المرتبطة بتعريف الحزب وأدواره من خلال توسيع هذا المجال ليشمل مجالات التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، وتأطير المواطنين والمواطنات وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة العامة. وفي إطار البحث عن ضمان الاستقرار السياسي داخل جميع المجالس المنتخبة، تم الأخذ بعين الاعتبار لما جاء به دستور 2011 في فصله 61 من آليات كفيلة بمحاربة ظاهرة الترحال السياسي، مع تمديد جزاء التجريد من الصفة الانتخابية للأشخاص المتخليين عن انتمائهم السياسي ليشمل إضافة إلى غرفتي البرلمان المنصوص عليهما دستوريا، الجماعات الترابية والغرف المهنية. واستكمالاً لما جاء به قانون الأحزاب رقم 04-36 من تدابير تهم المساهمة في إرساء مبادئ الديمقراطية والشفافية والمساواة داخل هياكل الأحزاب السياسة، اعتمد القانون التنظيمي رقم 11-29 المتعلق بالأحزاب السياسة، بعض الآليات التي من شأنها المساعدة على إرساء وتقوية هذا الاتجاه، والتي يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط مركزية وهي: التنصيص على مقتضى يدفع الأحزاب السياسية إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء داخل الأجهزة المسيرة وطنيا وجهويا. إلزام الأحزاب السياسية بالتنصيص كذلك في أنظمتها الأساسية على تحديد دورات ومدة الانتداب للمسؤوليات داخلها. تحديد دورية عقد المؤتمرات في مرة واحدة في أربع سنوات على الأقل، مع ترتيب الجزاء في حالة المخالفة والمتمثل في الحرمان من التمويل العمومي بالنسبة للسنة الموالية. إن القانون التنظيمي11- 29 المتعلق بالأحزاب السياسية جاء من أجل عقلنة المشهد السياسي والنهوض بعمل الأحزاب السياسية للقيام بدورها الدستوري في تأطير المواطنين في تمثيليتهم وفي التداول على السلطة. ثانياً: التحديد الدستوري للوظيفة الحزبية يتضح من خلال قراءتنا الأولية للدستور المغربي، أن المشرع الدستوري تحول على مستوى ضبط التحرك الوظيفي للحزب السياسي من البعد العام في دستور 1962، إلى مستوى تقليصي ابتداءً من دستور 1970. فقد حدَّد البند الأول من الفصل الثالث من دستور دجنبر 1962 وظيفة الحزب داخل النظام السياسي المغربي في كون "الأحزاب السياسية تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم"، مختزلاً بذلك الوظيفة الحزبية في ثنائية التنظيم والتمثيل السياسي مع إضفاء بُعدٍ عام على المجال الوظيفي الحزبي، من خلال عدم إقحام تنظيمات أو هيئات أخرى غير المنظمات السياسية في هذا التحديد. مقارنة بالدستوري الفرنسي للجمهورية الخامسة 1958، ينص في بنده الأول من الفصل الرابع على أن " الأحزاب السياسية والتجمعات السياسية تساهم في التعبير عن الاقتراع"، كما ينص الفصل 21 من القانون الأساسي الألماني على أن الأحزاب السياسية تساهم في "تشكيل الإرادة السياسية والتعبير عنها". قام المشرع الدستوري المغربي، بدايةً من دستور 1970، ونحا نفس المنحى في دساتير (1972، 1992، 1996)، إلى تسييج وظيفة الحزب في النسق السياسي المغربي. حيث تحول الحزب السياسي إلى مجرد طرف في تنظيم المواطنين وتمثيلهم تماشياً مع ما جاء في البند الأول من الفصل الثالث من دستور 1996 الذي ينص على أن "الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجماعات المحلية والغرفة المهنية، تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم". إذن دور الأحزاب السياسية بقيت مُسيجة في الاسهام والمشاركة، والتحرك تنظيمياً وتأطيرياً، لبث نوع من الديناميكية في الحياة السياسية. أ الوظيفة التأطيرية للأحزاب السياسية من المرتكزات المهمة التي أقبل عليها الدستور المغربي 2011، هو تعزيز الآليات الدستورية الخاصة بالأحزاب السياسية، وبالتالي تقوية دور الأحزاب أي الانتقال من مجرد قنوات للتأطير إلى وجود ممارسة سياسية للأحزاب تطمح من خلال ممارستها إلى الحصول على السلطة، وتقوية دورها في تأهيل المشهد السياسي وتخليق الشأن العام والمساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة، كما ينص على ذلك الفصل السابع، من دستور فاتح يوليوز 2011 ما يلي: "تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية وفي نطاق المؤسسات الدستورية". لقد أوجب الفصل السابع من دستور 2011، بأن يكون تنظيم الأحزاب السياسية وتسييرها مطابق للمبادئ الديمقراطية غايتها الأساسية العمل على تقوية دورها في تأهيل المشهد السياسي وتخليق الحياة السياسية، ومن خلال تحميلها مسؤولية تأطير المواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام، والمساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة السياسية. في حين جاء في دستور 13 شتنبر 1996 في فصله الثالث: "والأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجماعات المحلية والغرف المهنية تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم، ونظام الحزب الواحد غير مشروع". أما صياغة الفصل الثالث من دستور 1962 فقد جاء فيه على أن الأحزاب تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم ونظام الحزب الوحيد ممنوع في المغرب، أما الفصل الثالث من دستور 1972 فتنص على أن "الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والمجالس الجماعية والغرف المهنية تساهم في تنظيم المواطنين وتمثليهم ونظام الحزب الوحيد نظام غير مشروع". إذن تقوم الأحزاب السياسية باعتبارها مظهرا من مظاهر الأنظمة الديمقراطية، لأهميتها في تأطير المواطنين، وفتح سبل المشاركة السياسية، كما تقوم بتكوين المواطنين سياسيا وتعرفهم بالقضايا الوطنية وإشراكهم في القرار السياسي، وإعدادهم للمشاركة في الاستحقاقات بواسطة الندوات والبيانات والإعلام. وتتمثل الوظيفة التأطيرية للأحزاب السياسية بشكل خاص في التنشئة السياسية ، وفي توجيه الرأي العام. وقد نصت المادة الثانية من القانون 04-36 المنظم للأحزاب السياسية بالمغرب على ما يلي: "تساهم الأحزاب السياسية في تنظيم المواطنين وتمثيلهم بهذه الصفة تساهم في نشر التربية السياسية ومشاركة المواطنين في الحياة العامة وتأهيل نخب قادرة على تحمل المسؤوليات العمومية وتنشيط الحقل السياسي". كما أن القانون التنظيمي 11-29 المتعلق بالأحزاب السياسية قد نص بدوره في الفقرة الثانية من الفصل الثاني على وظيفة الأحزاب التي تتجلى في التأطير والتكوين السياسي للمواطنات والمواطنين والعمل على إشراكهم في تسيير الشأن العام، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وذلك على غرار ما نص عليه الدستور المغربي لسنة 2011 في الفصل السابع. ب الوظيفة التمثيلية للأحزاب السياسية أصبحت القناعة بضرورة ترسيخ مكانة الحزب في المجتمع تستدعي تحديد مهام وآليات عمل جديدة تنقل الفعل الحزبي من مفهومه الضيق لينفتح أكثر على المجتمع، وهذا ما يتطلب القيام بقطيعة مع الظاهرة الحزبية بالشكل الذي نشأت وتطورت به إلى غاية اليوم، خصوصا في وقت عبر فيه ملك البلاد عن طموحه في توسيع دائرة نظام الحكم بالمملكة من نظام مملكة دستورية ديمقراطية واجتماعية إلى مملكة حداثية ومواطنة، مما أصبح يفرض ضرورة إيجاد إطار تشريعي جديد يتجاوز النموذج الحزبي الحالي واستبداله بنموذج حزبي يتناسب وطبيعة المرحلة وتحدياتها في إطار تشريعي يستمد فيه الحزب شرعيته القانونية من مشروعيته الديمقراطية (كما جاء في الخطاب الملكي) لذلك وضع هذا القانون تعريفا دقيقا للحزب السياسي بكونه تنظيما دائما يتمتع بالشخصية المعنوية ويؤسس بمقتضى اتفاق بين أشخاص طبيعيين لهم حقوقهم المدنية والسياسية ويتقاسمون نفس الأفكار للمشاركة في تدبير الشأن العمومي بطرق ديمقراطية ولغاية غير توزيع الأرباح، ومحدد في نفس الوقت مهام الأحزاب المنتمية إلى فئة المهام الدستورية التقليدية (التنظيم والتمثيل) وفئة المهام القانونية وهي نشر التربية السياسية وإشراك المواطنين في تدبير الشؤون العمومية وتأهيل النخب لتتحمل المسؤولية وتنشيط الحقل السياسي، نستنتج من تعريف الحزب السياسي أن المهام المنوطة بالأحزاب السياسية هي تنظيم المواطنين وتمثيلهم وهي مهام تنسجم وتوجه الدولة العام، وهو توجه يربط مهام الأحزاب بالتأطير والتمثيل. وتنبي وظيفة التمثيل التي يعمل الحزب السياسي على تجسيدها على ركيزتين أساسيتين: تشمل الأولى في الوسيلة التي تعمل بواسطتها الأحزاب على إنجاز هذه المهمة، وهي المشاركة في الانتخابات، في حين تتمثل الركيزة الثانية في تطبيق البرنامج السياسي للحزب. الخاتمة لخص الملك محمد السادس في معرض تشخيصه لاختلالات المشهد الحزبي المغربي أن هذه الأخيرة تتجلى في: "وجود هيئات قائمة عل تقسيم المجتمع إلى طوائف دينية أو عرقية وأخرى لا هم لها إلا الأغراض الانتخابية بدل التنافس على البرامج الملموسة وتكوين النخب الواعية المسؤولة ... وهيئات أخرى تركب في المواسم الانتخابية مواضيع وشعارات لا تسمن ولا تغني من جوع، والشعب المغربي ليس مستعدا لرهن التحديات الحقيقية لحاضره ومستقبله بشعارات ماض دفين ... والطبقة السياسية لا انشغال لها إلا بالمواعيد الانتخابية جاعلة من الانتخابات المعركة الوحيدة الحاسمة.. ويتم تأجيل البت في القضايا المهمة للأمة إلى ما بعد إجراء الانتخابات أو تعليق إنجاز مشاريع الإصلاح الكبرى بدعوى قرب الاقتراع. إن عدم الحسم في هذا الإشكال يضر بالديمقراطية ويغذي ادعاء خصومها بأنها عرقلة للتنمية". *باحث في سلك الدكتوراه