لا تقاس ديمقراطية الشعوب بالتعددية الحزبية فقط، بل تقاس بمعايير ومميزات أخرى لا غنى عنها، من بينها حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير، وإشراك المواطن في الشأن العام وذلك في إطار الديمقراطية التشاركية. كما أن للبرلمان الديمقراطي معايير ومميزات أساسية، لابد من توفرها عندما نتحدث عن الديمقراطية، وذلك راجع إلى ما أصبح يلعبه الفاعلون الجدد من أدوار أساسية في تنمية و دمقرطة المجتمع مثل الإعلام والمجتمع المدني والأحزاب السياسية، هذه الأخيرة التي يرجع تاريخ ظهورها إلى سنة 1850. فالحزب السياسي هو إتحاد بين مجموعة من الأفراد، يهدفون إلى تحقيق أهداف معينة تخدم الصالح العام، وتسعى إلى تأطير وتمثيل المواطنين والدفاع عنهم، وهذه من أبرز الوظائف الدستورية التي منحها الدستور المغربي لسنة 2011 للأحزاب والتي يبلغ عددها 36 حزبا. إذ أعطى دستور المملكة لكل المغاربة الحق في تأسيس والإنتماء إلى الأحزاب السياسية وذلك حسب ما جاء في الفصل 29 منه وفق شروط يحددها قانون تأسيس الأحزاب بالمغرب، هذا من جهة حرية الإنتماء و التأسيس أما من جهة أخرى ولا هي جهة الوظائف والأدوار الممنوحة دستوريا للأحزاب السياسية فنجدها غائبة عن الساحة. فالأحزاب تأسست من أجل تحقيق غاية ومنفعة عامة، والقيام بوظائفها التي منحها لها المشرع. بحيث تكمن وظائف الأحزاب في الإتصال بالمواطنين، وشرح برنامجهم الإنتخابي، وتلقي الشكاوى منهم وتأطيرهم سياسيا وإجتماعيا، وتمثيلهم والدفاع عن قضاياهم وسط البرلمان، كما تعمل الأحزاب على تأطير المواطنين ليشاركوا في تسيير شؤون البلاد لهذا تعتبر مظهرا من مظاهر الديمقراطية،وذلك من خلال تأسيس ودعم المنظمات النسائية والجمعيات الشبابية من أجل النهوض والمشاركة في الحياة السياسية. وإذا حاولنا أن نكشف عن السبب الذي ساهم في عدم قيام الأحزاب السياسية بوظائفها، فنجد من أهم الأسباب تتجلى في التغطية الترابية والمجالية،وكذلك من حيث التنظيم الحزبي. فمن الناحية الترابية فالأحزاب المغربية لا تشمل تغطيتها كل ربوع المملكة ولا تتوفر على مكاتب محلية وجرائد ورقية ومواقع إلكترونية ولا شبيبات و منظمات نسائية، فمن بين 36 حزبا نجد حوالي 15 حزبا هم من يتوفرون على مكاتب محلية وإقليمية في كل أرجاء البلاد، بل هناك من لا يعرف بعض الأحزاب حتى تظهر يوم الحملات الإنتخابية، فيتسأل المواطن آنذاك متى تأسس هذا الحزب وأين كان ، مع العلم إذا رجعنا إلى تاريخ تأسيسه فنجده قد تأسس أكثر من 20 سنة. وهذا ما أدى إلى توليد نوع من الحقد وعدم الثقة من لدن المواطن المغربي في الأحزاب التي يجب أن تكون دائما معه وبجانبه، تفهمه ماذا يريد أن يقول وماذا يريد... حتى أصبحت لنا أحزاب فقط تكلخ الساحة السياسية بوظائفها، وهذا ما أدى بالمواطن إلى ممارسة الإنتقام من السياسة، وذلك من خلال مقاطعة الإنتخابات وعزوف عن العالم السياسي. فنحن في حاجة إلى أحزاب قادرة على الترافع من أجل القضايا الوطنية ومن أجل حاجيات المواطن وليس من أجل تحقيق مصالح أعضائها وليس من أجل تقسيم الكعكة كما أشار إلى ذلك صاحب الجلالة في خطابه من دكار.