يرى مصطفى الصوفي الباحث في العلوم السياسية أن مفهوم الحزب السياسي لابد أن يكون طرحا إشكاليا باعتبار أن هناك مغامرة أكاديمية لتوصيف مقولة الحزب، و هذا يرتبط في رأيه بإشكالات أعمق و أعقد تهم بنية السلطة السياسية في المغرب، و يعتقد في حواره مع الجريدة أن التطبيع الحقيقي هو احترام مداخل الانتقال الديمقراطي المتوافق عليها للوصول إلى هيكلة حقيقية لدولة ديمقراطية حقيقية هي الأخرى. يثير موضوع التمييز بين الحزب و النقابة و الجمعية عدة أسئلة ووجهات النظر و المقاربات، خاصة في ظل المهام التي تقوم بها هذه المؤسسات في الحياة اليومية للمواطنين. و يبقى أهم سؤال، في نظرنا، هو أين يبدأ مجال فعل الحزب السياسي و أين ينتهي في علاقته مع الفعل النقابي و الفعل الجمعوي؟ و تكمن أهمية الجواب عن هذا السؤال في ظل ما يشهده « الحراك الاجتماعي» على عدة مستويات، خاصة أمام تزايد حضور السياسي( Le politique) و نقصد به هنا « الشأن السياسي» كما حلله المفكر الالماني كارل شميت، من جهة، و «رجل السياسة» كما نظر له ماكس فيبر، من جهة اخرى، في الفعلين النقابي و الجمعوي. و دون الدخول في التفاصيل و الأمثلة نصطفي ثلاثة نماذج لمثل هذا النوع من التداخل: 1 - بزوغ الجمعيات كفاعل في حقل المطالبة بتعديل الدستور: «حركة المطالبة بدستور ديمقراطي بالمغرب» - و التي تضم في عضويتها الاحزاب السياسية و النقابات و الجمعيات - بعد أن كان هدا الموضوع يعد « مجالا محفوظا» للأحزاب السياسية . 2 - التدخل، إلى حد الصراع، للسياسي في الجمعوي، خاصة الحقوقي منه، و هو ما تعكسه حالة الجمعية المغربية لحقوق الانسان و الجدل/ الصراع القائم داخلها بين فاعلين سياسيين : حزب النهج الديمقراطي و حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي. 3 - إعلان الكنفدرالية الديمقراطية للشغل انسحاب مستشاريها من الغرفة الثانية : هل يعد من صميم الفعل النقابي أم تعبير عن موقف سياسي صادر عن حزب سياسي؟ هذه أمثلة فقط مما يقدم الدليل على أهمية البحث الأكاديمي/ الموضوعي في فهم هذه الظاهرة. لهذا الغرض و قع اختيارنا على المنهج الوصفي القانوني لبحث بعض العناصر الملاحظة في علاقة الحزب السياسي بالنقابة و الجمعية ، و سنسعى جاهدين إلى عدم الدخول في ما هو سياسي ، خاصة موضوع الفعل السياسي و استعمال الفاعل السياسي ( الحزب السياسي) للنقابة و الجمعية ( و سيلة) للوصول إلى السلطة ( الغاية) . من أجل ذلك طرحنا الاشكالية التالية : ماهي أوجه التشابه و الاختلاف ، من الناحية القانونية، بين الحزب السياسي و النقابة و الجمعية؟ أولا: المفهوم و الوظيفة يعد تحديد المفاهيم مسألة فقهية ، لذلك ليس من عادة المشرع ، عامة، و المغربي، خاصة، أن يعرف إلا في ما ندر- تجاوزا للتأويلات و التفسيرات المتضاربة - و في هذا الإتجاه عرف الجمعية بأنها: « اتفاق لتحقيق تعاون مستمربين شخصين أو عدة اشخاص لاستخدام معلوماتهم او نشاطهم لغاية غير توزيع الارباح فيما بينهم« ( الفصل 1 من ظهير تأسيس الجمعيات ). أما الحزب السياسي فيعني: « تنظيم دائم يتمتع بالشخصية المعنوية ويؤسس بمقتضى اتفاق بين أشخاص طبيعيين ، يتمتعون بحقوقهم المدنية والسياسية ويتقاسمون نفس المبادئ ، قصد المشاركة في تدبير الشؤون العمومية بطرق ديمقراطية ولغاية غير توزيع الأرباح.( الفصل 1 من قانون الاحزاب السياسية). و على خلاف الجمعية و الحزب السياسي، فإن المشرع المغربي لم يعرف النقابة و إنما اقتصر على إبراز هدفها في الفصل الاول من قانون النقابات المهنية (17 يوليوز 1957) حيث ينص على ما يلي: « القصد الوحيد من النقابات المهنية هو الدرس و الدفاع عن المصالح الاقتصادية و الصناعية و التجارية و الفلاحية الخاصة بالمنخرطين فيها»، و جاء الفصل 396 من مدونة الشغل أكثر شمولا بتأكيده على ما يلي : « تهدف النقابات المهنية، بالإضافة إلى ما تنص عليه مقتضيات الفصل الثالث من الدستور، إلى الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والمهنية، الفردية منها والجماعية، للفئات التي تؤطرها، وإلى دراسة وتنمية هذه المصالح وتطوير المستوى الثقافي للمنخرطين بها. كما تساهم في التحضير للسياسة الوطنية في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي. وتستشار في جميع الخلافات، والقضايا التي لها ارتباط بمجال تخصصها» . و تبعا لما سبق، فإن هذه المؤسسات الثلاث تلتقي في العناصر الاتية: 1 - الاتفاق القائم على عنصر التراضي، لذلك أكد المشرع فيما يخص الجمعيات على أنها تخضع فيما يخص تأسيسها لقواعد قانون الالتزامات و العقود: الاتفاق ( الفصل 19) و عيوب الرضى ( الفصل 33 من ق.ل.ع)، و ما يترتب عن ذلك من عدم إكراه أحد على الانخراط في هذه المؤسسات إلا برضاه التام. 2 - غياب الهدف الاقتصادي ( الربح) مما يجعلها تتميز عن الشركات التي تؤسس لغاية توزيع الارباح بين الشركاء، لكن هذا لا يعني عدم استفادتها من طرق التدبير المعمول بها في الشركات( الحكامة و العقلنة ...). 3 - مؤسسات للأفراد ( الاشخاص الطبيعيون) لاستخدام معلوماتهم ( الجمعية) أو المشاركة في تدبير الشؤون العمومية ( الحزب السياسي) أو الدفاع عن مصالحهم ( النقابة). ثانيا: التأسيس، الانخراط و العضوية إن الاصل في تأسيس هذه المؤسسات و الانتماء إليها هو الحرية. لكن هل هذه الحرية مطلقة؟ أم حرية مقيدة؟ ينص الدستور المغربي- 1996 - في فصله التاسع على أن « الدستور يضمن لجميع المواطنين ... حرية تأسيس الجمعيات و حرية الانخراط في أية منظمة نقابية و سياسية حسب اختيارهم و لا يمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون». تبعا لذلك فإن القيد الوحيد هو ما ينص عليه القانون باعتباره «أسمى تعبير عن إرادة الأمة، و يجب على الجميع الامتثال له » ( الفصل 4 من الدستور). هكذا، إذا كان تأسيس الجمعيات يجوز بكل حرية و دون سابق إذن شرط مراعاة مقتضيات الفصل الخامس، و الذي يخص مسطرة التأسيس ، و ذلك وفقا لما يسميه الفقه و القضاء ب «نظام التصريح» مما يعنيه ذلك من حرية للأفراد و الاكتفاء بمجرد إعلام السلطات المحلية ، عكس ذلك فإن تأسيس النقابات و الانخراط فيها ، و إن كان يحكمه مبدأ الحرية كأصل، يستثني ( في فصله الثاني فقرة ثانية) الاعوان المكلفين بالسهر على سلامة الدولة و الأمن العام . و هو نفس الاستثناء فيما يخص الانتماء إلى الاحزاب السياسية حيث حصرت المادة السادسة لائحة الافراد الذين لا يمكنهم الانخراط في حزب سياسي في: 1 - العسكريون العاملون من جميع الرتب ومأمورو القوة العمومية ؛ 2 - القضاة وقضاة المجلس الأعلى للحسابات وقضاة المجالس الجهوية للحسابات وحكام الجماعات والمقاطعات ونوابهم ؛ 3 - رجال السلطة وأعوان السلطة ؛ 4 - الأشخاص الآخرون غير المشار إليهم أعلاه الذين لا يستفيدون من الحق النقابي عملا بالمرسوم رقم 1465 -57-2 الصادر في 15 من رجب 1377 (5 فبراير 1958) في شأن ممارسة الموظفين الحق النقابي ، كما وقع تغييره بالمرسوم الملكي رقم 66-010 بتاريخ 27 من جمادى الآخرة 1386 (12 أكتوبر 1966). لكن المشرع و إن استثنى هؤلاء من الانخراط و العضوية في الاحزاب السياسية و النقابات، فإنه سمح لهم بتأسيس جمعيات فيما بينهم ، مثال: «الجمعية الاخوية التعاضدية لموظفي الأمن الوطني» . نخلص مما تقدم إلى ما يلي: 1 - الأصل في تأسيس الحزب السياسي، الجمعية و النقابة هو الحرية : مبدأ دستوري و دولي ( الشرعة الدولية لحقوق الانسان). 2 - القيد الوحيد على هذه الحرية هو القانون . 3 - قرارات الادارة لتقييد هذه الحرية يتم الطعن فيها بدعوى الشطط في استعمال السلطة أمام المحاكم الادارية ( المادة 20 من قانون رقم 90 41 المحدث بموجبه المحاكم الادارية ). مما يبين أن القضاء هو أهم ضامن لهذه الحرية. ثالثا: الشخصية المعنوية / الاعتبارية عندما يؤسس الافراد فيما بينم حزبا سياسيا ، جمعية او نقابة، فإن هذه المؤسسات تصبح قائمة بذاتها و منفصلة عن الاشخاص الذاتيين المكونين لها ، أي انها تصبح ذات شخصية معنوية. تعرف المراجع العامة في القانون الشخصية المعنوية بأنها :« جماعة منظمة من الافراد يهدفون لمصلحة مشتركة، و يعترف لهم كالاشخاص الذاتيين بالشخصية القانونية، التي تخول لهم عدة امتيازات، حيث يصبح بوسعهم إبرام عقود، او التملك أو التقاضي أمام المحاكم». فيما يخص الحزب السياسي و الجمعية و النقابة نميز بين الوضعيات الآتية: - الجمعية تتمتع بالشخصية المعنوية الخاصة و يمكن أن تتمتع بالشخصية المعنوية العامة في حالة الاعتراف لها بصفة المنفعة العامة بمقتضى مرسوم. - النقابة تتمتع بالشخصية المعنوية الخاصة و هذا ما نص عليه الفصل العاشر من ظهير 16 يوليوز 1957 : « تتمتع النقابات المهنية بصفة قانونية بالشخصية المدنية ...». و هو ما أكدته المادة 403 من مدونة الشغل:« تحصل النقابات المهنية، على الشخصية الاعتبارية، إذا تأسست وفق أحكام هذا القانون». - الحزب السياسي، حسب المادة الاولى من قانون الاحزاب السياسية، يتمتع بالشخصية المعنوية ، لكن طبقا للمادة 9 من الظهير الخاص بتأسيس الجمعيات لا يمكن أن يعترف له بصفة المنفعة العامة . ختاما ، بصرف النظر عن طبيعة الشخصية المعنوية خاصة او عامة، فإن لهذه الاخيرة عدة فوائد يمكن إجمالها كالتالي: 1 - استمرارية الشخص المعنوي بانفصال تام عن الاشخاص الذاتيين المكونين له ، أمثلة: حزب الاستقلال ( الاستمرارية منذ 1946) ، الاتحاد المغربي للشغل ( منذ 1955) و حركة الطفولة الشعبية ( منذ 1956). 2 - ذمة مالية مستقلة عن ذمة الاشخاص الذاتيين، لذلك نجد المشرع قد خصص حيزا مهما للحديث عن مالية هذه المؤسسات ( المصادر المالية مثلا). 3 - جعل من الشخص المعنوي مركز حقوق و التزامات يمكنه من التقاضي باسمه الخاص أمام المحاكم. رابعا: المسؤولية الجنائية إن أساس المسؤولية الجنائية هو و جود الارادة الحرة و التمييز لدى الجاني و هو ما نصت عليه المادة 132 من القانون الجنائي : « كل شخص سليم العقل قادر على التمييز يكون مسؤولا شخصيا عن الجرائم التي يرتكبها ... و لا يستثنى من هذا المبدأ إلا الحالات التي نص فيها القانون على خلاف ذلك». الاًصل في المجرم ، إذن، هو العقل و التمييز . بما أن الحزب السياسي- أوالنقابة أو الجمعية - لا يتوفر على الإرادة فهذا يعني عدم مساءلته و إنما يساءل مسيروه و هذا ما أكده المشرع المغربي في الفصل 126 من القانون الجنائي : « تطبق العقوبات و التدابير الوقائية المقررة في هذه المجموعة على الأشخاص الذاتيين» ، لكن استطرد في الفصل 127 : « إن الأشخاص المعنوية يمكن أن يحكم عليها ب : - العقوبة المالية كعقوبة أصلية ( أي يجوز الحكم بها و حدها). - المصادرة و الحل و نشر الحكم كعقوبة إضافية ( لا يمكن الحكم بها و حدها و إنما تكون دائما مضافة إلى عقوبة أصلية). - التدابير الوقائية العينية و هي إغلاق المؤسسة و مصادرة الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظورة لامتلاكها. و بالتالي ، فإن المشرع المغربي أقر مسؤولية الشخص المعنوي بنص صريح و حسنا فعل حسب الأستاذ الدكتور أحمد الخمليشي و من بين العقوبات نركز على عقوبة الحل القضائي و يعني حسب الفصل 27 من القانون الجنائي : « منع الشخص المعنوي من مواصلة النشاط الاجتماعي، و لو تحت اسم آخر و بإشراف مديرين أو مسيرين أو متصرفين آخرين و تترتب عنه تصفية أملاك الشخص المعنوي» . وفي ما يخص الاحزاب السياسية تختص المحكمة الإدارية بالرباط بالنظرفي طلبات الحل في حالة عدم الامتثال لأحكام هذا القانون ، وذلك بطلب يقدمه كل من يعنيه الأمر أو النيابة العامة حسب المادة 53 . إلى جانب الحل القضائي هناك الحل الاداري و تنص عليه المادة 57 : «يحل بموجب مرسوم معلل كل حزب سياسي يحرض على قيام مظاهرات مسلحة في الشارع أو يكتسي من حيث الشكل والنظام العسكري أو الشبيه به صبغة مجموعات قتال أو فرق مسلحة خصوصية أو يهدف إلى الاستيلاء على مقاليد الحكم بالقوة أو يهدف إلى المس بالدين الإسلامي أو بالنظام الملكي أو بوحدة التراب الوطني للمملكة» . في حالة الحل القضائي أو الإداري، حسب المادة 59 ، «يحدد القرار القضائي أو مرسوم الحل كيفيات التصفية وفقا للأحكام الواردة في النظام الأساسي للحزب أو خلافا لتلك الأحكام». و على عكس ذلك لا يمكن حل النقابة إلا من طرف القضاء و بالتماس من النيابة العامة ( الفصل 22 من قانون النقابات و المادة 426 من مدونة الشغل) و كذلك الحال بالنسبة للجمعية حيث تختص المحكمة الابتدائية في طلب حل الجمعية إذا كانت في وضعية مخالفة للقانون و ذلك سواء بطلب من كل من يعنيه الأمر أو بمبادرة من النيابة العامة ( الفصل 7 من ظهير تأسيس الجمعيات). من خلال ما تقدم نخلص إلى ما يلي: 1 - الشخص المعنوي حزب سياسي ، نقابة أو جمعية يمكن مساءلته جنائيا. 2 - المشرع المغربي حدد بشكل صريح نوع العقوبة ، سواء تعلق الامر بالقانون الجنائي، أو بالمقتضيات الخاصة بكل حالة : الحزب السياسي أو النقابة أو الجمعية. 3 - من بين العقوبات التي يمكن الحكم بها تبرز عقوبة الحل( أمثلة حل حزب الأمة و الحزب الديمقراطي الأمازيغي). خلاصة: نخلص مما سبق إلى ما يلي: 1 - إلى جانب مجالات التمييز بين الحزب السياسي و النقابة و الجمعية ، هناك عناصر للإلتقاء ، خاصة فيما يتعلق بالحق في تنظيم مظاهرات بالطرق العمومية حيث ينص الفصل 11 من الظهير بشأن التجمعات العمومية : «لا يسمح بتنظيم المظاهرات بالطرق العمومية إلا للأحزاب السياسية و المنظمات النقابية و الهيئات المهنية و الجمعيات المصرح بها بصفة قانونية و التي قدمت لهذا الغرض التصريح السابق». 2 - على عكس الجمعية و النقابة، يتميز الحزب بعدة مقتضيات خاصة ، نوجزها في الآتية: أ لا يجوز لأي شخص أن ينخرط في أكثر من حزب سياسي واحد( المادة 26 من قانون الاحزاب السياسية ). أما فيما يخص النقابة و الجمعية، فلم ينص المشرع على هذا المقتضى و إن أكد على أهمية الاختيار الحر للانخراط . ب - لا يجوز للحزب أن يتلقى دعما مباشرا أو غير مباشر من الجماعات المحلية أو المؤسسات العامة وكذا الشركات التي تملك الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العامة كلا أو جزءا من رأسمالها (المادة 30) لكن الاحزاب التي تحصل على نسبة 5% على الأقل من عدد الأصوات المعبر عنها في الانتخابات العامة التشريعية تحصل على دعم سنوي( من الدولة) للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها.يقيد المبلغ الإجمالي لهذا الدعم سنويا في قانون المالية( المادة 29 من قانون الاحزاب السياسية). ج - يجب أن تؤسس الأحزاب السياسية وأن تسير بأموال وطنية دون سواها.( المادة 31 ). 3 - ينص الدستور في الفصل الثالث على أن: « الاحزاب السياسية و المنظمات النقابية و الجماعات المحلية و الغرف المهنية تساهم في تنظيم المواطنين و تمثيلهم»، في حين لا تتمتع الجمعيات بنفس الامتياز( أي التمثيلية). و في الختام نخلص إلى ان مجالات التمييز بين الحزب السياسي و النقابة و الجمعية، تتعدد من الناحية القانونية، إلا أن هذه المؤسسات تلتقي حسب علم الاجتماع في الأدوار و الوظائف التي تقوم بها، خاصة الوظائف الآتية : - وظيفة الادماج و المشاركة ، فهذه المؤسسات تساهم في إدماج الأفراد و مشاركتهم. - وظيفة التسيير، حيث تمكن من تدريب الأفراد على التسيير الاداري و المالي و السياسي. - الوظيفة التعبيرية ، تعبير الأفراد عن آرائهم و الدفاع عن مصالحهم . (*) أستاذ العلوم السياسية بالكلية المتعددة التخصصات بآسفي - يعتبر الحزب مؤسسة مركزية داخل الحقل السياسي الحديث ومحور أساسي في البناء النسقي لأية ديمقراطية حقيقية، في تقديرك كأكاديمي باحث، ماهي المرجعيات التي تحكم فكرة الحزب و تؤطر مفهومه؟ - الحديث عن الحزب السياسي يحتاج إلى تثبيت بعض المقدمات و التوافق حول مجمل المفاهيم و المضامين التي تؤطر مقولة الحزب السياسي ، و كذا تحديد السياق العام الذي يحرك أي حديث من هذا النوع، و بالتالي فالتحديد المبدئي لمفهوم الحزب يمثل أهمية مركزية في فهم مجمل الإشكالات التي يطرحها، أما تحديد السياق الخاص منه والعام في طرح هذا النوع من المفاهيم للنقاش سيساعد لا محالة على صياغة الأسئلة المفترض تنزيلها في الواقع ، و هذا سيؤهلنا لتناول عمق إشكاليات الحزب في المغرب . من بين المقدمات التي يمكن إدراجها كمدخل لتناول مفهوم الحزب السياسي ، أن يرتبط بمقومات الدولة الديمقراطية في اتجاهات محددة ، كما تم إنتاجها على مستوى التجربة الغربية تنظيرا و ممارسة و التي تتلخص بالأساس في كون الحزب السياسي مؤسسة استراتيجية في تفعيل الآلية التي تلخص الفكرة الديمقراطية.. ألا وهي نظام التمثيلية بكل أبعادها القانونية والإجرائية، كما أن الحزب يشكل مدخلا لتصريف الاختلاف عبر الطرق السلمية في أفق سقف وحدة المجتمع و وحدة الدولة ، و من خلال هاتين المقولتين لابد أن يكون الحزب السياسي آلية حقيقية لتفعيل المشاركة السياسية و كذا مدرسة لإنتاج نخبة قادرة على تمثل كل مستلزمات الفعل الديمقراطي، و هو ما يؤهل الحزب ليشكل آلية لتأطير المواطنين و تمثيلهم في كل مستويات البنية التنظيمية للدولة، المركزية و المحلية . كما يتيح الفرصة للمشاركة الفعالة في تحديد الاختيارات الكبرى للدولة .. السياسية والاقتصادية منها و الثقافية، وفي كل ما يهم تدبير الشأن العام. ويبقى مدخل الحزب السياسي في النهوض بمسؤولياته قائم ? بفرض إمكانية ممارسته للسلطة السياسية. من خلال ما يعرضه من برامج تطرح على صناديق الاقتراع و هو ما يرتبط بفكرة التداول على السلطة ، التي هي الغاية الوجودية لفكرة الحزب السياسي. يبقى السؤال ..ما مدى تطابق مجمل هاته المقدمات التي تؤثت فكرة الحزب و السياقات التي أنتجته مع الحمولة التي اكتسبها هذا المفهوم في الفكر السياسي المغربي والسياقات التي يطرح فيها . - إذا انتبهنا إلى الوعاء القانوني الذي يؤطر مفهوم الحزب السياسي في المغرب، نجد أن السلطة السياسية في علاقتها مع باقي المؤسسات الدستورية، أخرجت الحزب من ظهير 58 و أعطته إطارا قانونيا منفصلا و هو ما يصطلح عليه اليوم بقانون الأحزاب ، كيف تشرح هذا السياق خاصة إذا ربطناه بمقولة أنه لا يمكن تغيير المشهد الحزبي في المغرب بنص قانون أو كما قال ميشيل كروزيه ذات مرحلة «لا نغير المجتمع بمرسوم» وارتباط كل هذا بإشكالية ممارسة السلطة في المغرب؟ - نؤكد منذ البداية أن طرح مفهوم الحزب السياسي في المغرب لابد أن يكون طرحا إشكاليا على اعتبار أن هناك مغامرة أكاديمية في توصيف مفهوم متفق عليه حول مقولة الحزب، و هذا يرتبط بإشكالات أعمق و أعقد تهم بنية السلطة السياسية في المغرب و تداعياتها على أهم المفاهيم المركزية الفاعلة في هذا الباب، سواء تعلق الأمر بمفهوم الدولة في حد ذاته أو مفهوم المؤسسة أو مفهوم المشاركة السياسية أو مفهوم نظام التمثيلية و باقي المفاهيم التي تدخل في هذا السياق ، و بالتالي لا يمكن التجزيء عند الحديث عن مفهوم الحزب السياسي وباقي الإعاقات التي تعترض الباحث حين يحاول التداول في باقي المفاهيم السياسية المرتبطة بذلك . إذا حاولنا مراجعة الموقع الذي يحتله الحزب مع مجمل المقدمات التي طرحناها كمدخل للقول بديمقراطية الدولة ، سنجد بأن هذا المفهوم محكوم بخصوصية بنية النظام السياسي في المغرب من جهة ، و بالتراكم التنظيمي و الممارسات الذي عرفته تجربة الدولة في بلادنا بكل خصوصيات هاته التجربة التاريخية منهاوالمؤسساتية، هو ما يستدعي وعيا تاريخيا و احتياطا لازما في أي تداول حول هذا المفهوم . دون إغفال معظم الإشكالات القانونية التي تحول دون التوافق حول مفهوم منضبط لمقولة هذا الحزب السياسي على مستوى البنية السياسية المغربية. فإذا كان مسلما به أن الغاية من وجود حزب سياسي في الدولة الديمقراطية هو ممارسة السلطة عبر احترام مقولة التداول الديمقراطي، لابد أن نبحث للحزب السياسي في المغرب عن وظيفة دون هاته ، و إلا دخل في باب العطالة السياسية. وهذا ما يجرنا للحديث حول الوعاء القانوني (المقدمات الدستورية)، التي تؤطر مؤسسة الحزب داخل المتن الدستوري . وهنا تطفو إلى السطح إشكالات كبرى تتعلق ببنية السلطة سواء شرعية وجودها أو بموقع السيادة داخلها ، و كذا الأدوار المسموح بلعبها لمجمل الفاعلين السياسيين. و بمراجعة نصوص الدستور.. نجد أن الحزب لا يعدو أن يكون هيئة إلى جانب هيئات أخرى تساهم في تأطير و تمثيل المواطنين بحسب محددات تحول دون تطلع الحزب لممارسة وظيفته الطبيعية و هي ممارسة السلطة عبر التداول . - أثرت في حديثك مفهوم الشرعية في الدولة الديمقراطية و علاقتها بالسيادة ونظام التمثيلية، ماذا تقصد بذلك؟ - إذا كانت شرعية السلطة السياسية في الدولة الديمقراطية قائمة بالأساس على تحديد مفهوم وموقع السيادة (التي هي للأمة)، وأن القانون هو تعبير عن الإرادة العامة ، فهذا يلخص نظام التمثيلية بمفهومه الدستوري على اعتبار أن هذا النظام هو المدخل عبر آلية الاقتراع لمشاركة كل مكونات المجتمع في تحديد صيغ ممارسة السلطة و ما تحوزه هاته السلطة السياسية من شرعية . و بالتالي فدور الحزب يكتنفه غموض بالدرجة التي يكتنف فيها نفس الغموض مفهومي السيادة و التمثيلية و يمكن الرجوع في هذا الصدد لمنطوق الفصلين 2 و 4 ومضمون الفصل 19 من الدستور المغربي ، و هذا الطرح كفيل بتوضيح الصعوبة القانونية التي تحول دون أن يلعب الحزب وظيفته الطبيعية على المستوى السياسي . و سيبرز لنا لماذا قلت أن مفهوم الحزب هو مفهوم إشكالي في المغرب. - الممارسة الحزبية تخترقها عوائق تنظيمية في مستويات متعددة قانونية وتاريخية ، والإنتاج الحزبي ظل محكوما في بداياته بفكرة مقاومة المحتل و تلك أسباب النزول الأولى ، و في مرحلة ثانية ارتبط السؤال الحزبي بالنضال على دمقرطة الدولة و تحديث بنياتها و تعميق النقاش حول الصيغ الديمقراطية لممارسة السلطة و هيكلة الثروة الوطنية؟ - على المستوى التنظيمي لابد أن يتأثر الحزب السياسي بالمرجعيات التاريخية للدولة في المغرب ، و في غياب فكرة المأسسة بشكلها العقلاني عن المرجعية التي تحكم البناء التنظيمي للدولة، سيؤثر هذا لا محالة على الفكرة التنظيمية التي تؤطر الحزب السياسي، وهذا ما يرجعنا إلى البدايات التي تحدثت عن فكرة الحزب و التي يتفق العديد من الباحثين على أنها وليدة سياق تاريخي معين مرتبط بالحماية في المغرب و ما استتبعها من مقاومة استلهمت مقومات البنية التقليدية التي عرفتها الدولة التقليدية أو المخزنية في المغرب وعلى رأسها الزوايا ، كما أن الحزب سيتأثر كذلك بالفكر الذي اشتغلت عليه أية بنية من أجل مقاومة المحتل. هذا ما أعطى حزبا مركزيا مقاوما معجونا بفكرة الزعامة و الرمزية التي تحول دون تجديد بنياته ومقاومتها لأي نفَس تغييري متأثرة في ذلك بفكرة الدولة المركزية ثرة في ذلك و وحدة المرجعية على مستوى هذه الدولة في بنائها التنظيمي. والخوف من أي انفتاح على اللامركزية أو الجهوية بالقدر الذي يسمح بالتفاعل بين بنيات مركزية موحِّدة و بنيات محلية متنوعة . - الحزب كمدرسة للتأطير على الفعل الديمقراطي و سيرورة دائمة لصناعة وعي تاريخي بالمحيط في تقاطعاته المختلفة ، و كموقع متميز لإنتاج النخب و تطوير الأسئلة الوطنية ، ماذا يتبدى لك الأستاذ الصوفي من خلال هاته المقولات؟ - تكمن أهمية الحزب فيما يفترض أن يقوم به من أدوار في اتجاه تأطير المواطنين عبر إعطاء النموذج في الفعل الديمقراطي من خلال تنظيماته و هياكله و الصيغ التي ينتهجها في اقتسام المهام و توزيع المسؤوليات بداخله ، و كذا الآليات المتبعة في إنتاج نخبه. و إذا لم يكن الحزب سباقا من خلال فعله على إعطاء النموذج لمنتسبيه على أهمية الالتزام بمقولة اللعبة الديمقراطية فسيكون من الصعب عليه أن يدعي نضالا ما في اتجاه دمقرطة السلطة السياسية و إلزام باقي الفاعلين باحترام آليات الفعل الديمقراطي . و ما ينقص بشكل واضح العلاقة بين منتسبي الحزب و نخبة الحزب هو عدم وضوح رؤيته فيما يخص أدواره كمدرسة موكول إليها مهام التكوين و التأطير على السلوك الديمقراطي ، و هو ما يؤدي إلى نتيجة عكسية تؤثر على الثقة التي يجب أن تكون للمواطن في أهمية الانتساب إلى الاحزاب السياسية و مسألة ثانية تصب مباشرة في عزوف هذا المواطن عن المشاركة السياسية. - من خلال هذا النقاش يتبين أن ادوار و وظائف الحزب السياسي ظلت محصورة في الدور المقاوماتي في مرحلة معينة و الدور السياسي المدافع عن الدمقرطة و التحديث دون النفاذ إلى تأصيل الوظيفة الحقيقية التي من أجلها وجد ، و هي ممارسة السلطة .. هل لك أن تتحدث لنا على البعد الإجرائي في تدبير الشأن العام و أهمية الحزب الاستراتيجية في أي حديث عن اللامركزية وانفتاحها على الأفق الجهوي؟ - بطبيعة الحال و كما سبق الذكر أحزاب الحركة الوطنية و التقدمية هي التي انخرطت في الجواب على هذه الأسئلة ، ما إن خرجت من صراعها ضد المستعمر وتثبيت علاقة واضحة مع التوابث الوطنية ، حتى وجدت نفسها في نقاش عميق ومرير لتنفيذ الشق الثاني من وثيقة الاستقلال المتعلق بالديمقراطية ، و قد أمضت خمسين سنة تقريبا تحاول جاهدة دفع السلطة السياسية إلى بناء دولة حديثة وعصرية وديمقراطية ، ولا حاجة للتذكير بالمسارات الصعبة التي قضتها هذه الأحزاب في الدفاع عن حقوق الإنسان و احترام المؤسسات و القطع مع بنيات الاستبداد. هذه الكرونولوجيا المظلمة و التي اخترقها الاعتقال و القمع و السجون السرية و التنكيل بالمقاومين و الزعماء من طينة المهدي بنبركة و عمر بنجلون وعبد الرحيم بوعبيد و عبد الرحمان اليوسفي و محمد بن سعيد أيت ايدر و آخرين ، لم يترك فيها الوقت لالتقاط الأنفاس التنظيمية لهاته الأحزاب حتى تتهيكل بعيدا عن المركزية في صناعة القرار الاستراتيجي للحزب و لا حتى أن تنفتح على فئات الشعب المغربي . في تقديري .. أن النقاش اليوم يجب أن يصب في تحديد ماهية الحزب السياسي ووظائفه الحقيقية ، و هذا النقاش يجب أن يبدأ داخل التنظيمات و وسط القيادات ، لأن التحديد سيحسم مع ضبابية ملازمة لهذا المفهوم ، و سيربط الحديث بتفاصيل السلطة السياسية و منظورها إلى بناء الدولة و دور الحزب في هذا البناء ، نروم للوصول إلى شكل طبيعي متوافق حوله كونيا ، و هو أن الحزب يدخل للانتخابات قصد تطبيق برنامجه و ممارسة السلطة و ليس فقط المساهمة في تدبير الشأن العام. - منذ 2007 لوحظ تحرك و دينامية آتية فقط من زاوية واحدة ، تقول بإعادة هيكلة الحقل السياسي و إيجاد تقاطبات جديدة و تنزيل «تطبيع سياسي» يتجاوز مقولات الانتقال الديمقراطي في تهميش تام للفكرة التاريخية و الديمقراطية لأية سيرورة حزبية ؟ - ما أظنه و ما حاولت فهمه ، أن أي حزب سياسي لا يمكن أن يصنع بقرار إداري أو رغبة نافذة ، و إلا سنكون أمام تجارب مكرورة ضيعت على المغرب السياسي الكثير من الوقت المهدور ، و أنتجت العديد من الاختلالات و الاعتوارات التي يعاني منها الحقل الحزبي اليوم ، إذا كان هناك من قيمة مضافة ، فالفيصل هو الميدان ، و لا يمكن الاستقواء بشرعية من الشرعيات، على أساس تحقيق مكاسب سياسية تغلف بمجهود وطني . كما أن التساؤل يصب في مفهوم التطبيع السياسي ، من سيطبع و مع من ؟ يجب العودة إلى استئناف أوراش الانتقال الديمقراطي خصوصا في بعدها الدستوري والسياسي و احترام المداخل التاريخية لذلك ، خارج هذا ، لا يمكن المغامرة بالقول إن هناك تغيير سياسي سيمس أسس السلطة والثروة الوطنية.