ظل مفهوم «الحزب السياسي» في المغرب مرتبطا بمحددين أساسيين، المحدد الأول يحصر الحزب في مقاومة المستعمر وتنظيم «الرعايا» في سياق يبغي ترتيب مطالب معينة أساسها الاستقلال، والمحدد الثاني ماهية وجود الحزب في بلاد المغرب الأقصى هي المطالبة بدمقرطة الدولة والمجتمع وتحديث البنيات السياسية. التعبيرات الحقيقية لما ذهبنا إليه سلفا نعثر عليها في وثيقة الاستقلال أو بصيغة أخرى التوافق العام بين الوطنيين والمؤسسة الملكية حول خارطة الطريق آنذاك المحصورة في الحصول على الاستقلال والتوجه إلى بناء الدولة الديمقراطية . خمسون سنة مرت عن الاستقلال إلى اليوم، عرف فيها الحقل السياسي المغربي تجاذبات قوية، و تصادم بين مقولتين .. مقولة تشدد على حصر وظيفة الحزب في تدبير إداري محض لا يرقى إلى مستوى التفعيل الحقيقي للوظائف الطبيعية والتاريخية للمؤسسات الحزبية، ومقولة ثانية تتشبث بضرورة إعطاء الحزب مفهومه المتوافق عليه كونيا، وهو ممارسة السلطة الفعلية عبر تطبيق برنامج يستمد شرعيته من صناديق الاقتراع ومن نظام التمثيلية الديمقراطية. الشرعية التاريخية بلورت تصورها في صنع أحزاب قريبة من السلطة ولا تتمتع باستقلالية في صنع القرار السياسي وتصريفه، والشرعية الديمقراطية النضالية المؤمنة ببناء دولة الحق والقانون واحترام الحقوق المدنية والسياسية ركزت على ضرورة احترام التعريف الطبيعي للحزب وضرورة أيضا السماح بلعب الأدوار العادية في التأطير والوساطة والتداول على السلطة. وسط كل هذا .. لم تسمح طبيعة النظام السياسي المغربي ولا بنية السلطة السياسية بتنزيل المفهوم بشكله الطبيعي، هذا الإصرار الرسمي أنتج اختلالات واعتوارات في الحقل السياسي وخرب مضامين المفهوم، مما أعطى صورة مشوهة عن الحزبية في المغرب. في بحثنا عن مفهوم الحزب السياسي، لدى إعداد الجريدة لهذا الملف، وجدنا كتابات غزيرة عن الحزب ومن زوايا متعددة. استدعينا مقولات وتراكمات المدرسة الفرنسية في سوسيولوجيا التنظيمات السياسية وتعريف ومفهوم ووظائف الحزب السياسي، رؤية الباحث الأكاديمي المغربي، مقاربة السياسي الممارس. كل هذا لسبب وجيه وطبيعي وبسيط وعميق أيضا .. إنه حان الوقت لمساءلة التجربة الحزبية المغربية من مداخل متعددة وبطريقة هادئة ورصينة.. على أساس إحياء أسئلة ظلت معلقة ومؤجلة، خصوصا وأن السلطة السياسية التي طالبت وتطالب بتحديث وهيكلة الحقل الحزبي لابد أن تنضبط للمقولات التاريخية والعلمية التي تؤطر مفهوم الحزب، وتلك أسباب نزول هذا الملف.