اعتبر ميلود بلقاضي، أستاذ علم السياسة والتواصل بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن مشروع القانون التنظيمي للأحزاب السياسية لم يكن موضوع نقاشات عمومية، ولم تمنح الوزارة الوصية الأحزاب السياسية الوقت الكافي لتقديم التعديلات. لذلك كانت الردود الأولى مبنية على نقد منهجية إنجاز هذا المشروع. وحسب الباحث، يتبين من القراءة الأولية للمشروع هيمنة وزارة الداخلية على الشأن الحزبي من خلال هذا المشروع، في الوقت الذي كانت فيه بعض الأحزاب السياسية تنتظر إبعاد وزارة الداخلية على تدبير الشأن الحزبي، وترك ذلك للقضاء كسلطة مختصة لوحدها في التأسيس والتوقيف والحل والابطال. وتساءل بلقاضي: هل الإطاران الدستوري والقانوني قادران لوحدهما على حل الازمة الحزبية؟ وشدد بلقاضي على أن أهم ما جاء به الدستور الجديد هو ما نص عليه الفصل 61 الذي وضع حدا لأخطر الأمراض الحزبية بالمغرب. ألا وهو آفة الترحال الحزبي. قضايا أخرى تجدونها في متن الحوار، وإليكم نصه: ● الردود الأولية الصادرة من قبل قيادات الأحزاب السياسية تشير إلى أن هناك عدم رضى على مقتضيات مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية. هل الأمر يرتبط في قرائتكم بالمنهجية المتبعة من قبل وزارة الداخلية في إخراج هذا القانون، أم يتعلق الأمر بصلحة كل طرف حزبي؟ ●● جوابا عن سؤالكم، نقول إن هذا المشروع هو مبادرة من الدولة، وبالخصوص من وزارة الداخلية، وليس مبادرة من الأحزاب السياسية، شأنه في ذلك شأن القانون المنظم الحالي للاحزاب السياسية رقم 04-36 الذي جاء هو أيضا كمبادرة من الدولة. الأمر الذي يطرح سؤالا عريضا وأساسيا حول إرادة الأحزاب السياسية ذاتها في تأهيل ذواتها وإصلاحها. أولا: جاء إنزال مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية في سياق دقيق، يميزه دستور جديد وحراك سياسي مكثف وتيه حزبي واضح. ومن الطبيعي أن تكون ردود الأفعال الأولية لزعماء الأحزاب السياسية اتجاه هذا المشروع متعددة، لكنها تلتقي حول نقد منهجية إنجاز هذا المشروع. خصوصا وأنه لم يكن موضوع نقاشات عمومية، ولم تمنح الوزارة الوصية الأحزاب السياسية الوقت لكافي لتقديم التعديلات. ثانيا: إذا قارنا بين هذا المشروع وبين القانون المنظم حاليا للاحزاب السياسية رقم 04-36 فإننا نجد أن المشروع الجديد أفضل بكثير من القانون الحالي المنظم للاحزاب شكلا ومضمونا، وإن كان هو أيضا قد حافظ على نفس ثغرات قانون رقم 04-36 في بعض المواد. ثالثا: حتى في ظل الدستور الجديد، فوزارة الداخلية هي من سلم هذا المشروع للاحزاب السياسية. وهو ما يبرهن على أن وزارة الداخلية ما زالت هي التي تتحكم في إخراج مشاريع القوانين المتعلقة بالانتخابات أو بالاحزاب وتطالبها بالرد عليها في زمن قياسي. ويتبين من القراءة الأولية للمشروع هيمنة وزارة الداخلية على الشأن الحزبي، وعلى الأحزاب السياسية من خلال هذا المشروع، انطلاقا من مرحلة التأسيس الى بطلانها. في الوقت التي كانت فيه بعض الأحزاب السياسية تنتظر إبعاد وزارة الداخلية على تدبير الشأن الحزبي، وترك ذلك للقضاء كسلطة مختصة لوحدها في التأسيس والتوقيف والحل والابطال، لذلك كان عادي جدا أن يكون ردود فعل الأحزاب الأولية بخصوص مشروع القانون التنظيمي للاحزاب ردود متفاوتة، يجمعها عدم الرضى والقناعة. لكن في نهاية المطاف ستدخل نفس الاحزاب في مفاوضات علنية وسرية مع وزارة الداخلية لتقبل هذا المشروع كما صاغته وزارة الداخلية، مع إدخال بعض التعديلات الطفيفة على بعض مواده، لأن الدولة تعرف جيدا أن الأحزاب السياسية تعيش على ايقاع تدبير أزماتها الداخلية، وبأنها فوجئت بسقف الاصلاحات الدستورية، وبإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وبأن جل الأحزاب السياسية لم تكن تتوقع ظهور حركة 20 فبراير التي فاجأت الجميع بسقف مطالبها التي تتجاوز بكثير مطالب الاحزاب السياسية منذ 50 سنة. لذلك يبقى مشروع هذا القانون هو مبادرة الدولة، وليس مبادرة الأحزاب السياسية، شأنه في ذلك شأن القانون رقم 04-36 المنظم للاحزاب الصادر ب 14 فبراير 2006 والذي جرت في ظله الانتخابات التشريعية لسنة 2007 التي كانت كارثية بكل المقاييس، أبرزت الأحزاب السياسية خلالها ولو بدرجات مختلفة ضربها عرض الحائط مقتضيات قانون الأحزاب رقم 04-36 أمام تفرج الدولة واللامبالاة المواطن. ● ينطلق مشروع القانون التنظيمي للأحزاب السياسية من الفصل 7 من الدستور الجديد. في نظركم هل يتضمن المشروع ذلك النفس الديمقراطي الذي صاحب إقرار دستور2011؟ ●● على ضوء هذا السؤال، نقول إن تأهيل وإصلاح القانون المنظم للأحزاب، هو في الواقع انعكاس لجوهر وبنية النظام الدستوري والسياسي المغربي، بكل ما يحمله هذا النظام من تعقيدات سوسيولوجية وتراكمات تاريخية. لكن أهم ما يميز إنزال هذا المشروع هو السياق العام، وما يعرفه من مراجعة دستورية، ومن حراك سياسي، ومن شعارات مطالبة بتغيير الفساد الحزبي والانتخابي، وما ينتج من مؤسسات تمثيلية فاقدة للشرعية الشعبية. صحيح أن روح الفصل السابع من الدستور الجديد حاضرة في هذا المشروع، لكن إذا كان المشروع هو بناء قانوني، فانه يفترض في إعداد المشروع الجديد تقييم تأثيرات القانون السابق على المشهد الحزبي خطابا وسلوكا وسياسة وتدبيرا. وهل القانون السابق استطاع إعادة قلب علاقة الاحزاب السياسية بالسياسة؟ وإنتاج قواعد قانونية تطبق داخل الاكراهات القائمة في ممارسة الشان الحزبي. لذلك نتسائل نحن بدورنا: هل أزمة الأحزاب السياسية أزمة تاريخية أو بنيوية أو مؤسساتية أو تنظيمية ؟ وهل الإطاران الدستوري والقانوني قادرين لوحدهما على حل الازمة الحزبية؟ أم أن الأمر يتطلب مقاربة شمولية تؤسس على تحيين القوانين المنظمة للاحزاب السياسية، ووجود قناعة الأحزاب ذاتها بمبدأ التغيير، وتوفر الإرادة السياسية عند المؤسسة الملكية. مقاربة شمولية تتجاوز فلسفة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية الخاضع لمرجعية تقنية سياسية وقانونية محضة. ● يتحدث المشروع عن إشراك الأحزاب السياسية في ممارسة السلطة. هل يمكن أن يشكل هذا المعطى تحولا جذريا في وظيفة الحزب السياسي في الحياة السياسية المغربية؟ ●● لا أعتقد، ذلك فالفصل 7 من الدستور الجديد تحدث على أن الأحزاب السياسية تؤطر المواطنين، وتكوينهم السياسي، وتعزز انخراطهم في الحياة الوطنية، وتساهم في التعبيرعن إرادة الناخبين، وتشارك في ممارسة السلطة. نلاحظ هنا أن الفصل تحدث عن ممارسة السلطة وليس عن اقتسام السلطة أو التداول عنها. وهذا أيضا ما تؤكده مواد الباب الأول من الأحكام العامة للمشروع. لكن دعني أقول لك التحول الجذري في وظائف الأحزاب في السياسة المغربية يحتاج إلى أكثر من قانون. يحتاج إلى دستور واضح في مسألة فصل السلط ، يحتاج إلى ثورة ثقافية وسياسية حقيقة، وإلى إرادة سياسية فعلية، وإلى ترسيخ تعددية حزبية واضحة، وإلى بناء حزبي منبثق من مبدأ المعادلة الديمقراطية التشاركية المبنية على الحكامة، التي لا تؤمن إلا بالمردودية، وليس الاختباء وراء المرجعيات التاريخية أو الوطنية أو الإدارية أو استغلال العلاقات أو القرب من الملك أو من المحزن أو من صناع القرار أو خدمة اجندات سياسية. وأخيرا يجب أن لا نحلم كثيرا أن يناط للاحزاب السياسية المغربية الوظائف التي تقوم بها الاحزاب السياسية في الانظمة الديمقراطية. لأن الأحزاب السياسية المغربية محكوم عليها أن تلعب أدوارها حسب خصوصية نظام الحكم بالمغرب. طبيعة النظام الذي يؤثر بشكل مباشر على الأحزاب السياسية وعلى أدوارها. لأن مفهوم الحزب بالمعنى التقني والسياسي هو ممارسة السلطة. وهذا العنصر الوظيفي هو أهم ركن من أركان قيام الاحزاب السياسية. وطبيعي أن يخلو مفهوم الحزب السياسي في النظام السياسي المغربي من هذا العنصر. وهذا ما يحد من اندفاع الأحزاب السياسية، ويجعلها تدور في فلك السلطة. ● يعد منع الترحال السياسي، وتضمين إجراءات جديدة لتمويل الأحزاب، والرفع من القدرات التمثيلية للنساء، من الإجراءات الايجابية التي جاء بها المشروع. هل هي مقتضيات في رأيكم كافية لعقلنة المشهد الحزبي بالمغرب؟ ●● أعتقد أن أهم ما جاء به الدستور الجديد هو ما نص عليه الفصل 61 الذي وضع حدا لأخطر الأمراض الحزبية بالمغرب. ألا وهو آفة الترحال الحزبي. ذلك الداء الذي دمر آخر ما بقي للاحزاب السياسية من مصداقية ضئيلة أمام سكوت الدولة وذهول المواطن – حالات انتخابات 2007 التشريعية والانتخابات الجماعية 2009- لقد منع الدستور الجديد الترحال، وهو ما أعاده مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية في المادة 20 التأكيد عليه. بل المشروع عزز ذلك عبر التأكيد على منع الترحال ليس على مستوى البرلمان بمجلسيه، بل حتى على مستوى مجالس الجهات، أو مجالس الجماعات الترابية الأخرى. وهذا مكسب سيساهم بشكل كبير نحو إعادة الاعتبار للانتماء الحزبي، ولتخليق ولدمقرطة الفعل الانتخابي، الذي ميعه الترحال بشكل رهيب، وأثر فيه بشكل مباشر وهجين من خلال إفرز مؤسسات تمثيلية غير مستقرة وسلوكات حزبية شادة. أما على مستوى التمويل، فقد خص المشروع الباب الرابع لنظام تمويل الاحزاب السياسية، وكيفيات مراقبته. في حين ينص القانون الحالي للاحزاب في بابه الرابع على تمويل الاحزاب السياسية. ويمكن القول بأن مواد المشروع الجديد جاءت أكثر تفصيلا بالنسبة لتمويل الأحزاب السياسية، خصوصا في المواد 31 و32 من المشروع. لا سيما في ما يتعلق بالحصة الجزافية لجميع الأحزاب، وأيضا استفادتها في حالة حصلت على الأقل على نسبة 3 في المائة دون أن تصل الى 5 في المائة كما كان معمولا به من قبل. وأضاف المشروع أيضا معطى الاستفادة من دعم خاص بالتأطير، وربما هذا له علاقة بظهور حركة 20 فبراير التي كشفت بشكل رهيب ضعف الأحزاب السياسية اليسارية واليمينية والاسلامية والليبرالية القديمة منها والجديدة وعجزها في تاطير الشباب. أما بالنسبة إلى مسألة الرفع من التمثيلية النسائية كما نصت على ذلك المادة 26 من هذا المشروع، فقد جاءت وفق ما جاء في الخطاب الملكي الداعي إلى الرفع من هذه التمثيلية في وقت تتشبت فيه مطالب الحركات النسائية بالمناصفة . ونلاحظ كيف تعامل المشروع في هذه النقطة في المادة 26 منه بمرونة، إذ ترك الأمر لكل حزب اختيار التدابير الملائمة لضمان نسبة تمثيلية وازنة في أجهزته وطنيا وجهويا لا تقل عن الثلث في أفق التحقيق التدريجي لمبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. وهنا نتسائل هل فاقد الشيئ يعطيه؟ هل لأحزاب ذكورية وغير ديمقراطية قابلة أن تلتزم بهذا في غياب تنصيص واضح. صحيح أن كل هذه المقتضيات لها أهميتها، لكنها تبقى محدودة في تأهيل المشهد الحزبي نتيجة الطابع النيوباترمونيالي للأحزاب السياسية، وغياب الإرادة السياسية عند جل قادتها، وعدم احترامها مبدا تداول النخب والتدبير الديمقراطي، وتطبيق القوانين المتعلقة بالأحزاب السياسية. ● ما هي في قرائتكم المقتضيات التي أغفلها المشروع في سياق إعادة هيكلة وضع الأحزاب السياسية في المغرب في اتجاه مزيد من تكريس جودة وفعالية النخب الحزبية؟ ●● أعتقد ان هذا المشروع في حاجة الى ديباجة أعمق، تعرض أسباب نزول هذا المشروع وبهذا الشكل. وأيضا تعرض للمبادئ التي ترتكز عليها المواد المكونة له. كما يجب أن نشير إلى أن هذه المقتضيات القانونية التي جاءت في المشروع يجب أن تطعم بالالتزامات السياسية الحزبية للتدقيق في بعض الجوانب التي لم يتم التفصيل فيها في هذا المشروع بوضوح، مثل معايير التزكية في مسألة الانتخابات، تحديد نسب الشباب والنساء، التدبير الديمقراطي للحزب السياسي، التنصيص بشكل واضح عن جعل القضاء هو الجهاز المختص في التأسيس والتسيير والتوقيف والحل، وأيضا وضع اتفاق تلتزم فيه الدولة والادارة الترابية عدم التدخل في الشؤون الحزبية. مع الحديث وكيفية متابعة رجال السلطة في حالة ثبوت تورطه في افساد الانتخابات. وبصفة عامة، نقول إذا كان الهدف من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية هو إغناء الترسانة القانونية بقانون ينظم المشهد الحزبي، فان ذلك غير كاف إذا لم يطبق بمنهجية سليمة وبإرجاع الثقة للمواطن في الشأن الحزبي.