الساعة تشير إلى الثامنة والنصف صباحا، بدأ الطباخون المميزون التوافد على مطبخهم؛ اليوم أيضا سيمضون نهارهم بمكان يجعل للحياة طعما آخر بالنسبة لهم، إنه مطعم بالجمعية المغربية لمساندة الأشخاص ذوي التثلث الصبغي "أمسات"، وسط الرباط؛ وهم أناس شاءت الأقدار أن يصابوا بهذا المرض الذي يجعلهم مختلفين عن الآخرين. ما إن تطأ رجلاك مطعم "أمسات" حتى تلحظ وجودهم وعملهم بكل جهد وتفان، بل وأيضا بدقة تامة ونظافة عالية. وتصف الصباح خديجة، المسؤولة البيداغوجية عن ورشة الطبخ، المكان ب"الثكنة العسكرية"، في حين يعبر العاملون هناك من أطفال وشباب عن حبهم للطبخ، معتبرين أنه هوايتهم التي يحققون ذواتهم من خلالها. تقول الصباح في حديث مع هسبريس إن الهدف من الورشة هو أن يكون هؤلاء الأشخاص مستقلين في حياتهم، مضيفة: "أنا شخصيا أفتخر بهم حينما أرى أنهم يقومون بعدد من الأمور باحترافية"، مشيرة إلى أن المطعم بدأ العمل منذ حوالي ثماني سنوات. حال التحاق العاملين بالمطبخ يكونون على موعد مع تغيير ملابسهم والاهتمام بنظافتهم، ثم تأتي وقفة للتعرف على الحضور والغائبين، والتعريف بلائحة الطعام لليوم ومهمة كل شخص من بينهم؛ فهناك من يتكلفون بالطبخ، وآخرون بالتقديم، والبعض بغسل الأواني؛ فيما البعض الآخر بتزيين الأطباق. وتقول الصباح: "هناك أشخاص احترافيون في كل المجالات، ونحن نعمل من الاثنين حتى يوم الخميس"، مشيرة إلى أن ورشة الطبخ انطلقت قبل ثماني سنوات، وزادت: "كنا قد بدأنا بثمانية طباخين لاكتشاف قدراتهم في ورشة الطبخ..بدأت معهم لثلاثة أشهر لأفاجأ بعدها كيف أن بإمكانهم القيام بعدد من الأمور بمتابعتنا وحضورنا، ثم بدأت التجربة تكبر شيئا فشيئا". وتزيد المتحدثة ذاتها: "كنا نستقبل فقط المهنيين للأكل في المطعم، لكن أصبح بإمكاننا أن نستقبل حتى أصدقاء الجمعية وغيرهم..التجربة بدأت تكبر أكثر فأكثر إلى حين ربحنا تمويلا من طرف الاتحاد الأوروبي لإعداد برنامج استطعنا أن نكون فيه حوالي خمسين شخصا"، مضيفة: "بدأت التجربة تنتشر واستطاع أبناؤنا القيام بدورات تدريبية بمطاعم فخمة، وأيضا بتداريب مؤدى عنها". من بين الحاضرين للورشة أشخاص استطاعوا التفوق في مسابقات عالمية، مثل رشيد السياحي الذي تمكن بعد أن فاز بمسابقة للطبخ عام 2015 من قضاء تدريب بالإليزيه، وأن يلتقي بالرئيس الفرنسي حينها فرنسوا هولاند. يقول رشيد وهو يضع التوابل على قطع من الدجاج لإعداد طبق "الرفيسة": "منذ سبع سنوات وأنا هنا أطبخ وأتعلم، فهذه هوايتي..أحب أن أطبخ كل شيء"، مواصلا: "يمكنني أن أطبخ أي شيء، بداية من الكسكس والطاجين وحتى الرفيسة، وصولا إلى الأطباق العصرية". ويؤكد رشيد أنه أصبح اليوم يساهم في تدريب الملتحقين الجدد بالورشة قائلا: "أعلمهم ما اكتسبته هنا"؛ أما عن هوايته فيقول: "المطبخ هو كل شيء بالنسبة لي، بفضله تمكنت من اجتياز تدريب بالإليزيه والتقيت الرئيس السابق فرنسوا هولاند..كانت تجربة أحببتها جدا واستفدت منها"، وزاد: "اليوم أريد أن أطور قدراتي أكثر فأكثر لأضمن مستقبلا جميلا وأن يكون لي مطعم أشرف عليه شخصيا". الشباب العاملون بالورشة، وعلى الرغم مما يواجهونه من صعوبات يومية، إلا أن لهم أحلاما كبيرة يتشبثون بها ويعملون بكل جهد لتحقيقها، ومن بينهم صفاء، التي تأمل أن تشارك يوما ما في مسابقة "ماستر شاف" العالمية. وتقول صفاء أثناء توضيبها إحدى طاولات المطعم بابتسامة عريضة: "سبع سنوات وأنا أعمل هنا وأقوم بتقديم الطعام..أحاول الحفاظ على نظافة مطعمنا وأن يظهر في أحسن حلة". صفاء تتوجه اليوم إلى تحقيق جزء من حلمها، فقد استطاعت أن تفوز أخيرا بمسابقة عالمية ستتمكن بفضلها من اجتياز تدريب هي الأخرى بالإليزيه في مارس المقبل، معلقة بالقول: "أنا أعشق المطبخ وأتوق للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون".