استأثر مؤتمر حزب العدالة والتنمية، المنعقد يومي السبت والأحد، تاسع وعاشر دجنبر 2017 تحت شعار: "جميعا لمواصلة البناء الديمقراطي"، باهتمامات وسائل الإعلام المغربية، خاصة منها الصحافة الورقية والصحافة الإلكترونية الصادرة نهاية الأسبوع الجاري. إلا أن ما يهمنا ليس الحديث عن الظروف التي ينعقد فيها مؤتمر "حزب المصباح" والسيناريوهات المحتملة وملامح القيادة الجديدة، والصراع بين ما يصطلح عليهما إعلاميا ب"تيار الاستوزار" و"جناح الممانعة"، أو ما يتعلق بسباق المسافات الطويلة الجاري لعضوية الأمانة العامة ل"الحزب الحاكم"؛ وإنما سينصب اهتمامنا بالأساس على العناوين التي تصدرت الصفحات الأولى للصحف الورقية الصادرة نهاية الأسبوع الجاري، المخصصة لحدث انعقاد مؤتمر "البيجيدي". "انتهى كلام بنكيران وبدأ عهد العثماني"، و"البيجيدى يدشن ما بعد بنكيران بمؤتمر مغلق" يعقد في "ظل تقاطب غير مسبوق" بين قيادات "حزب المصباح"، هي من جملة العناوين اختارتها صحف، منها أيضا التي فضلت نشر ملف ووضعت له عنوان "حزب العدالة والتنمية: أزمة تنظيم أم أزمة مشروع؟"، وعززته بكرونولوجيا لمسار "البيجيدي" منذ "الانتقال من المشاركة السياسية إلى المشاركة الانتخابية" سنة 1997، مرورا بتجربة "المساندة النقدية" ما بين 1998 و2000، وفترة "التهدئة والانكماش" الممتدة ما بين 2003 و2007، و"الحلم يتحول إلى حقيقة" سنة 2011 مع الدستور الجديد، و"عهد حكومات الصناديق" ما بين 2012 و2016، السنة التي أشرت لمرحلة "فوز بطعم الولادة الثانية للحزب"، وانتهاء ب"عام الأزمة" 2017. كما أن هناك من الصحافيين من ذهب إلى تصنيف الأحزاب المغربية إلى "تعساء ومحظوظين"، متجاوزا بذلك التقسيم العلمي الذي تواضعت عليه العلوم السياسية منذ المفكر مونتسكيو في مؤلفه الشهير حول السلط الثلاث. وفي ظل غياب دراسات علمية تتولى رصد وتحليل الخطاب الإعلامي المعتمد في المنابر الصحافية بمناسبة مثل هذه الأحداث السياسية، نعتقد من جهتنا أن وسائل الأعلام المغربية لم تتمكن في تعاملها مع حدث مؤتمر العدالة والتنمية من الانتقال من صحافة الرأي إلى صحافة الخبر؛ وعمل بالتالي جزء منها علي إعادة إنتاج ما هو شائع، خاصة التركيز على "شخصية وكاريزما" بنكيران الذي تحول، بفضل أسلوبه وطريقته في ما يمكن تسميته تجاوزا "التواصل السياسي"، وفي غياب منافسين له في المشهد الحزبي، إلى ظاهرة إعلامية أكثر منها سياسية، إلا أنها طبعت التاريخ الحزبي للبلاد ما بين سنوات 1997 و2016. كما بالغت الصحف في التفاعل إيجابا أو سلبا مع الجدل الدائر حول إشكالية الولاية الثالثة لزعيم "حزب المصباح"، و"الأزمة" التي دخل بها الحزب القائد ل"الحكومة الملتحية" مؤتمره الحالي؛ وهو ما يشكل، حسب ما خلصت إليه افتتاحية إحدى الصحف الواسعة الانتشار، "مفارقة" هي أن "الأحزاب عادة ما تدخل إلى مدار الأزمات بعد الخسائر، أما "البيجدي" فدخل إلى حقل الأزمات في عز الانتصارات" الانتخابية، وفق ما خطه كاتب الافتتاحية. وإذا كان العنوان الصحافي "دليل القارئ الأول، وسبيله إلى المادة" التي تثير اهتمامه ونهمه في القراءة، فإن الصحافة المغربية، وكما هو شأن الإعلام العربي، لا تولي كبير شأن للعنونة، وكأنها "ترف لا يخضع إلا لمزاج الصحافي"، كما وصف ذلك الأستاذ عبد الوهاب الرامي في مؤلفه الهام "العنوان الصحفي .. أقصر الطرق إلى القارئ". غير أن الأمر يتجاوز قضية إشكالية "العنوان الصحفي" في الإعلام الوطني، ووظائفه ومواصفاته وأصنافه ومكوناته، وقواعده وحيويته، وأيضا مزالقه وارتباطه بأخلاقيات مهنة المتاعب، إلى ما يمكن وصفه بأزمات معيارية في الممارسة المهنية وبالاستخدام السياسي، وحدود استقلالية الوسيلة الإعلامية وخطها التحريري، و أيضا الصحافي عن كافة السلط بتجلياتها المختلفة. انطلاقا من ذلك، فالحاجة تزداد إلى "إعلام الحقيقة" باعتباره المصدر الرئيس الذي يمكن أن يستقي منه المواطنون المعلومات التي يحتاجونها من أجل المساهمة في الحياة العامة، خاصة عندما تفقد مصداقيتها وجاذبيتها الإطارات التقليدية، وفي مقدمتها الأحزاب والنقابات التي تتولى عمليات التطبيع الاجتماعي.