بعد خرجتيه الإعلاميتين غير المسبوقتين، الأولى جرت الأسبوع الماضي عبر القناة الثانية، والخرجة الثانية التي جرت قبل يومين مع المجموعة الإعلامية "ميد راديو" و"الأحداث المغربية"؛ كشف رئيس التجمع الوطني للأحرار عن جلّ أوراقه السياسية. أخنوش، الذي نزع بذلة التكنوقراطي وأصبح رئيسا لحزب الحمامة مباشرة بعد ظهور نتائج انتخابات 7 اكتوبر 2016؛ بات يحمل رسميا المشروع السياسي الذي جرى تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة لإنجازه قبل أكثر من عشر سنوات، لكنه يخضع هذا المشروع لتعديلات تميّزه عما خرج الوزير المنتدب في الداخلية، فؤاد عالي الهمة، عام 2007 ليبشّر به، وما حاول خليفته على رأس الحزب، إلياس العماري، إنجازه في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة. أخنوش، الذي قاد عملية ال"بلوكاج" الشهيرة، والتي انتهت بإعفاء رئيس الحكومة السابق عبدالإله بنكيران وتعويضه بسعد الدين العثماني، لا يخفي توليه "مهمة" تحجيم حزب إسلاميي المؤسسات، حزب العدالة والتنمية، ورفع الفيتو في وجه أية عودة محتملة لزعيمه السابق عبدالإله بنكيران. مهمة كشف أخنوش في خرجتيه الإعلاميتين الأخيرتين، إدخال تعديلات على استراتيجية تنفيذها، من خلال العمل على احتواء حزب المصباح من الداخل، أي من داخل الحكومة وعبر استمالة تيار معين داخله، وتجنّب الدخول في تقاطب إيديولوجي مع مرجعية العدالة والتنمية الإسلامية. الباحث المتخصص في العلوم السياسية، عبدالرحيم العلام، قال ل"اليوم24″ إن أخنوش أبان عن وعي ب"أخطاء" ارتكبها حزب الأصالة والمعاصرة في محاولته سحب البساط من تحت أقدام حزب العدالة والتنمية. أخطاء جسّدها العلام في كون حزب ال"بام" أعلن مواجهة شاملة مع حزب العدالة والتنمية، "وهو ما مكّن عبدالإله بنكيران من الفوز بالأمانة العامة سنة 2008، وأدى إلى تقوية الحزب وتوحيد صفوفه في مواجهة الخصم الصاعد". استراتيجية أخنوش، حسب عبدالرحيم العلام، تقوم على مواجهة تيار داخل حزب العدالة والتنمية، هو الذي يجسده عبدالإله بنكيران، في مقابل استمالة ودعم التيار الذي يجسده العثماني ووزراؤه من داخل الحزب. "حزب التجمع الوطن للأحرار الذي يقوده أخنوش حاليا، لن يمكن حزب العدالة والتنمية من هذا الامتياز المتمثل في المواجهة الشاملة، وسيعمل في المقابل على تقوية تيار العثماني وإضعاف التيار الآخر"، يضيف العلام. باحث ومحلل سياسي آخر هو محمد مصباح، قال ل"اليوم24″ إنه و"بعد فشل حزب الأصالة والمعاصرة في مهمته الأصلية، إي إضعاف البيجيدي، ارتفعت أسهم السيد عزيز أخنوش لدى الدولة، لا سيما بعد تشكيل حكومة العثماني، لأنه الوحيد الذي استطاع تلجيم طموحات البيجيدي ونجح في إضعافه من الداخل". مصباح أوضح أن "الجديد في توجه أخنوش، هو تواري الصراع الإيديولوجي مع الإسلاميين مقابل بروز خطاب الفعالية والانجاز، وهي على كل حال ميزة للأحزاب التقنوقراطية والإدارية. لقد أدركت الدولة ونخبها أن الصراع الإيديولوجي مع الاسلاميين لم يكن مجديا وكان يأتي أحيانا بنتائج عكسية". الخرجتان الإعلاميتان اللتان قام بهما أخنوش، كشفتا حرصا كبيرا على التحضير الدقيق والمسبق للأجوبة التي قدّمها عن الأسئلة الحساسة. وزير الفلاحة ردّد الأجوبة نفسها في كل من اللقاءين الإعلاميين، خاصة ما يتعلق بإشكالية الجمع بين الثروة والسلطة وموضوع افتقاده للرصيد النضالي والسياسي… أجوبة أخنوش لم تخل من تناقضات رغم التحضير المسبق؛ حيث قال إنه لم يكن يسعى إلى إفشال بنكيران، بل كان "يساعده"، ثم عاد ليقول إن استمرار التحالف مع حزب المصباح رهين بوجود "شخص مثل السيد سعد الدين العثماني على رأسه". وعندما سئل عن وقوفه ضد دخول حزب الاستقلال إلى الحكومة، قال إن المشكلة كانت مع زعيمه السابق، أي حميد شباط، وهو ما يعني التدخل في اختيار قيادات الأحزاب قبل تمكينها من ولوج الحكومة. أخنوش اعترف، أيضا، بكونه وضع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تحت وصايته، وقال إنه "إذا كنت أنا حاضنا للاتحاد الاشتراكي أو غيره، فهم أيضا حاضنون للأحزاب التي كانت معهم". اللغم الكبير الذي بدا أخنوش حريصا على تجنبه، هو مهاجمة المرجعية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية، حيث قال إن الأحزاب المغربية كلها إسلامية، ثم عاد ليضيف: "بكل صراحة يمكن أن تقولوا مواجهة حزب سياسي معين، لكن الإسلام هو ركيزة لنا كلنا في الأحزاب السياسية". عبدالرحيم العلام قال ل"اليوم24″ إن استراتيجية أخنوش تقوم على شق حزب العدالة والتنمية أولا، وتقوية تيار الوزراء فيه، "ثم إن أي تقدم يقوم به حزب الأحرار فسيؤدي مباشرة إلى تراجع حزب الأصالة والمعاصرة، أي الحزب المحسوب على المكلف بالشق السياسي داخل الديوان الملكين المستشار فؤاد عالي الهمة". هذا الأخير قاد، حسب العلام، استراتيجية "ترشيد" الحقل الحزبي بما يخدم الدولة، "وهو ما آل إلى الفشل، دون أن يعني ذلك أن الهمة رفع يده على الحقل السياسي، وأنا لا أستبعد أن استقالة إلياس العماري من الأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، كانت نوعا من الاحتجاج على تفضيل أخنوش". وعن الخيار الإيديولوجي الذي أبداه أخنوش، والقائم على عدم التموقع، عكس البام الذي أبدى نزعة "يسارية"، قال العلام إن أخنوش يقوم حاليا بنفس ما قام به حزب الأصالة والمعاصرة في بداياته، "أي تقديم نفسه في صورة الحامل لفكرة الوطنية الجامعة، لكنه سيضطر حتما إلى الاصطفاف الإيديولوجي إذا تقوى الإسلاميون من جديد". محمد مصباح شدّد من جانبه على أن هناك اهتماما كبيرا من طرف أخنوش، "ببناء الآلة الحزبية والتنظيم الداخلي لحزب التجمع الوطني للأحرار. فقد عمل في الأشهر الأخيرة على إعادة هيكلة واسعة لمكاتبه الجهوية، وتم خلق مؤسسات موازية وهذا طبعا يؤكد رغبته في بناء "ماكينة" حزبية تمكنه من التنافس القوي في الانتخابات المقبلة، ويؤشر أيضا على تغيير الإدارة للحزب، الذي تراهن عليه لهزم العدالة والتنمية، من حزب الأصالة والمعاصرة إلى حزب الأحرار".