"طالما لم يتم حل النزاع، وبالتالي البت في موضوع السيادة، فلا يجب أن يجري أي استغلالٍ لثروات الصحراء الغربية بدون موافقة واستشارة الشعب الصحراوي عبر ممثله الشرعي والوحيد، جبهة البوليساريو"، الأمين العام لجبهة البوليساريو، الاثنين 27 نوفمبر 2017. فإلى أي أساس يستند السيد غالي في قولته؟ هل إلى القانون الأساسي لجبهة البوليساريو الذي ينص صراحة على أن الانخراط في الجبهة طوعي وإرادي، ما يفترض أن هناك من الصحراويين من لم ينخرط في الجبهة، أو قد يكون انخرط فيها فترة وتركها؟ قد يقول قائل من الجبهة إن هؤلاء قليلي العدد، وإن وجدوا فليس لهم جهة سياسية تمثلهم. لكنني ﻻ أعتقد أن البوليساريو يخدمهما النبش في موضوع الإعداد، وهي من يرفض إحصاء مناضليها اللاجئين. ومن حيث إنه ﻻ توجد حتى الساعة جهة سياسية غير البوليساريو تمثل الصحراويين، فذاك يعزى فقط وفقط إلى أن التواجد الأكبر للصحراويين مقسم بين: مخيمات اللاجئين فوق التراب الجزائري التي تديرها البوليساريو ويفرض دستورها في المادة 32 على كل الصحراويين أن يكونوا بوليساريو بالقوة. فنص المادة يقول: إلى غاية الاستقلال (انتهاء النزاع) تبقى جبهة البوليساريو الممثل الوحيد للصحراويين... وبين الأقاليم الصحراوية في المملكة المغربية التي يحرم دستورها تأسيس الأحزاب على أساس جهوي، ما يمنع تأسيس حزب ناطق باسم الصحراويين في المغرب. لكن صرخات مناضلين سابقين وحاليين في البوليساريو وصحراويين من خارج البوليساريو، آخرها المبادرة الصحراوية من أجل التغيير التي أطلقها قياديون من الجبهة، توحي بأن الصبر قد نفذ من وضع اللاّ حل الذي يؤجل استقرار ورفاه الإنسان الصحراوي إلى ما بعد حل نهائي لم يعد واضح المعالم، في مقابل هيمنة واستئثار فئة قليلة من جيل البدايات على كل المنافع، التي تتأتى من استغلال تمثيل الصحراوي الذي كبر ونضج ويريد أن يكون له حظ من عائدات استغلال اسمه، في غياب تنمية تلبي حاجاته بصفة عادلة دون وساطة تمن عليه بأبسط حقوقه كما الحال الآن. حال أن الصحراوي بسبب تغييبه عن المشاركة في تدبير شؤونه وتقرير مصيره، تحولت مشكلته من تقرير المصير الذي يحتكره الساسة إلى تحقيق الاستقرار الذي هو حاجة ومطلب شخصي، يجعل التغيير حتميا. وإن لم يبادر الجميع إلى تأطير هذا التغيير، فقد نشهد ردود فعل متطرفة على الواقع المعيش، قد تصل إلى درجة الإرهاب الذي يريد الكل إبعاد شبحه عنه. فإما أن تنفتح البوليساريو على كل التوجهات السياسية والتيارات الفكرية الصحراوية وتقبل الجزائر بتعددية سياسية في المخيمات تحت مظلة الجمهورية الصحراوية التي تدعمها وتأويها، أو في إطار حركي أوسع على شاكلة منظمة التحرير الفلسطينية تضم عدة فصائل، وهو أمر مستبعد جدا، لأنه يتناقض مع فكر وعقلية التحكم لدى العسكر في الجزائر؛ ما سيبقي المعارضة الصحراوية شريدة ومشتتة بين البلدان غير قادرة على تأطير الأجيال الصحراوية، وتوجيه طاقاتهم فيما يخدم سلم واستقرار وتنمية المنطقة، ويعمق من هامش استغلال الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة لشباب المخيمات الصحراوية. وإما أن نشهد حالة انقسام سياسي عميق داخل الساحة الصحراوية، على شاكلة ما وقع في مطلع السبعينات، حينما أسس بعض من أبناء صحراويي الشتات، بزعامة المرحوم الولي مصطفى السيد، حركة البوليساريو خارج الإقليم، ودخلت في صراع مع تحالف القوى المجتمعية التقليدية في الإقليم بزعامة المرحوم خطري ولد الجماني والحزب الوطني الصحراوي بزعامة خليهن ولد الرشيد، واستطاعت بدعم جزائري ليبي وانسحاب إسباني أن تنتزع منهم مشروعية التمثيل الصحراوي بالقوة. وهذا الخيار يبدو أقرب إلى النجاح من الخيار الأول. وقد وقف المحللون في البوليساريو والجزائر مطلع التسعينات على أنه وارد بعد انشقاق القائد عمار الحضرامي (العظمي) عن جبهة البوليساريو؛ فقد أمضوا فترة ترقب خوفا من أن يستغل المغرب شرعية الرجل التاريخية كأحد مؤسسي البوليساريو وامتداده القبلي القوي في الصحراء للتأسيس لحركة موازية للجبهة على شاكلة بدايات البوليساريو التي أسسها صحراويون هاربون من المغرب الذي لم يعرف وقتها كيف يحتضنهم ويؤطر تفكيرهم ليتلاءم مع مصالحه، فاحتضنهم خصومه. وأمام الجمود الحاصل في فكر حكام البوليساريو والجزائر، ورفضهم لأي رأي مخالف لتوجهاتهم التي أصبحت متجاوزة محليا ودوليا، مقابل تعالي أصوات الصحراويين بمطالب التغيير وتوسيع المشاركة السياسية لتشمل كافة الأطياف والتوجهات السياسية، وفي ظل الجدل المثار حول تمثيلية الصحراويين لتشريع استغلال موارد الإقليم المتنازع عليه، يبدو أنه بات من الوارد أن نشهد تجمعا سياسيا صحراويا جديدا خارج المغرب والجزائر، يستقطب صحراويي الإقليم كقاعدة له كما استقطبت البوليساريو ذوي الأصول الصحراوية من الجزائر وموريتانيا الذين شكلوا تقريبا نصف قاعدة مناضليها في المخيمات فوق التراب الجزائري. هكذا تجمّع سيجعل الأمين العام لجبهة البوليساريو يراجع مقولته التي تأسس عليها هذا المقال، وقد يجد فيه المغرب مفاوضا مرنا، ويسهل مهمة الأممالمتحدة في إيجاد حل. ولن تستطيع معه البوليساريو والجزائر البقاء على عنادهما، مما سيضطرهما إلى تقديم تنازلات كبيرة أو يجدا نفسيهما خارج معادلة الحل. *قيادي سابق في البوليساريو