بعد مضي قرابة أسبوعين على إطلاق القمر الصناعي المغربي "محمد السادس"، ما زالت التساؤلات تثار حوله من لدن العديد من الدول، خصوصاً الأوروبية والجيران، على وجه الخصوص الجزائر وإسبانيا. والمثير في هذا الإطلاق هو التكتم الذي رافق هذا الإنجاز التكنولوجي، باستثناء تصريح صحافي لمصطفى الخلفي الناطق الرسمي باسم الحكومة الذي دعا إلى الافتخار بهذا القمر الصناعي، لم يكن هناك أي حديث حول الإنجاز. صحيفة "لوموند" الفرنسية قالت، في مقال لها، إن هذا القمر يتميز بتقنيات للمراقبة عالية الدقة؛ وهو ما جعل إسبانيا والجزائر في حالة تأهب، وجعل باحثين فرنسيين يعددون مزاياه على المملكة المغربية. وأشارت الصحيفة إلى أنه "في الوقت الذي تتباهى الدول عادة بشراء قمر صناعي من أجل تأكيد قوتها، فإن المسؤولين المغاربة ظلوا متكتمين حتى آخر لحظة". وكانت المملكة المغربية أطلقت، ليلة السابع والثامن من نونبر الجاري، أول قمر صناعي للمراقبة، يتضمن معدات عالية الدقة تتيح توفير صور في أقل من 24 ساعة من أي مكان في العالم. وقالت الصحيفة الفرنسية الرائدة إن "المغرب باستخدامه لهذه الأداة سيصبح أول بلد إفريقي يتوفر على هذا النوع من الأقمار الصناعية". ولفت المصدر إلى أنه في الوقت الذي تؤكد فيه المعلومات الرسمية القليلة حول هذا القمر على الاستخدام المدني، فإن هذا الساتل المغربي يتوفر على خصائص وتكنولوجيا يمكن استعمالها لأغراض عسكرية. وقال المركز الوطني الفرنسي للدراسات الفضائية إن القمر المغربي يتوفر على نظام التصوير الفرنسي "Pléiades"، الذي تتيح صوره تحديد مواقع المنشآت العسكرية للبلدان العدوة من أجل التخطيط لتدخل مسلح. وأوضح فرانسوا ماسون، مدير مشروع Pléiades بالمركز الوطني للدراسات الفضائية CNES، أن "القمر يتيح تتبع تطور الطرق والسكك الحديدية، كما يمكن أيضاً استخدامه استخباراتياً بمساعدة النظام الفرنسي الذي يتوفر عليه". وقد صمّمت هذا القمر الصناعي الشركتان الفرنسية والإيطالية "تاليس ألينيا سبايس" و"إيرباس"، وهو أول نموذج لنظام يضم قمرين صناعيين سيوضعان على المدار نفسه أي على بعد 694 كيلومترا عن الأرض بعمر يبلغ خمس سنوات، حيث سيتم إطلاق الثاني العام المقبل. ويقول مسؤولو المركز الفضائي الفرنسي إنه بمجرد اشتغال القمرين معا يمكن للمغرب أن يحصل على 500 صورة في اليوم، سيتم تلقيها من قبل فريق متخصص بمقر يوجد بالرباط. وذكرت "لوموند" أن عقد الحصول على القمرين وصل إلى 500 مليون أورو، وجرى توقيعه بتكتم بين المغرب وفرنسا على هامش زيارة قام بها فرانسوا هولاند إلى المغرب سنة 2013؛ لكنها أشارت إلى أنه بالرغم من إطلاق القمر الأول فإن الغموض والتكتم ما زالا يحيطان بهذا الإنجاز بخصوص المواصفات الفنية الكاملة للقمرين المغربيين. ولاحظت الصحيفة الفرنسية أنه لم يصدر، إلى حدود اليوم، أي بيان عن الحكومة المغربية أو عن المركز الملكي للاستشعار البعدي الفضائي؛ وهو ما ترى فلورانس سبوروفسكي، الباحثة في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية، أنه "يدخل في إطار ثقافة السرية الهادفة إلى التهديد بشكل غير مباشر، وهي أيضاً وسيلة للردع". وأوردت الصحيفة تصريحاً يعود لأحمد رضا الشامي، السفير المغربي لدى الاتحاد الأوروبي، والذي أشار فيه إلى أن "القمر المغربي سيسمح بمتابعة ما يحدث في التراب الوطني، خاصة فيما يخص الطقس والفلاحة، كما يسمح أيضاً بمراقبة الحدود"؛ لكنه قال إن "لا أحد ينبغي له أن يقلق لأن القمر له نوايا حسنة". في المقابل، قالت الباحثة سبوروفسكي إن "المغرب لديه خلافات مع إسبانيا والجزائر، كما أن الوضع متوتر على الحدود الموريتانية، وبالتالي فإن هذا القمر المغربي يعطي للرباط قدرة استخباراتية مستقلة لا توجد لدى دولة أخرى في المنطقة". ولم تخف إسبانيا تخوفها هي الأخرى من هذه الخطوة التي أحرزها المغرب، فقد عبّر مسؤولون عسكريون إسبان أياماً قليلة بعد يوم الإطلاق عن قلقهم إزاء هذا القمر المغربي، خصوصاً أن "بين البلدين مناطق نزاع، وهي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية الخمس قبالة سواحل المغرب". هذا الأمر يتعاظم بالنسبة إلى إسبانيا إذا علمنا أن مدريد لا تتوفر على قمر صناعي خاص بها للتجسس، حيث تتوفر فقط على نسبة 2.5 في المائة في برنامج المراقبة الأوروبية "هيليوس" إلى جانب فرنسا التي تتوفر على الأغلبية بنسبة 90 في المائة، ثم بلجيكا وإيطاليا واليونان. وذكرت لوموند" أن هذه الوضعية أثرت على إسبانيا خلال أزمة "جزيرة ليلى" سنة 2002، إذ لم تتمكن من الحصول على صور من الأقمار الصناعية آنذاك، وهو الحادث التي تسبب في أزمة مع المغرب. في المقابل، فإن هذا القمر الصناعي المغربي الجديد، حسب لوموند، يخدم موقف الأوروبيين، خصوصاً فرنسا؛ لأنه يخدم مصالحها الأمنية الخاصة في المغرب الكبير والشرق الأوسط.