لنتخيل آباء يذهبون إلى المدرسة يوميا نيابة عن أبنائهم، يحملون المحفظات، ويصطفون ويدخلون إلى الفصل ويشرعون في التعلم ! لو كان الآباء يعانون من آفة الأمية، لكان الأمر مقبولا، لكن كيف سيكون الوضع لو كانوا من المتعلمين؟ هذا يصدق على جعل الأفراد في سن الأربعين ضمن الشباب، فهل الشخص البالغ سن الأربعين يعتبر شابا، توضع له ومعه سياسات عمومية للشباب ويحظى بمحفظة التمييز الإيجابي في المجالات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية؟ وفق نفس منطق حصر الشباب إلى غاية سن الأربعين، لماذا لا نعتبر فئة الشباب إلى غاية نهاية العمر، ليكون الكل شباب وليس هناك شباب في نفس الوقت. مرد هذه التساؤلات تجدد النقاش العام في الموضوع إثر إصدار المجلس الوطني لحقوق الإنسان رأيا استشاريا موجها لمجلس المستشارين، بطلب من هذا الأخير، بصدد مشروع القانون رقم 89.15 المتعلق بالمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي. والغريب أن كل الرأي، في نظري، على مستوى عال من الأهمية بما في ذلك الدعوة لتضمين الفئات العمرية المستهدفة في مثن المشروع قانون، إلا أن موضوع سن الشباب يمثل حالة شرود غير مفهومة بالنسبة لهيئة حقوقية تتوخى الإنصاف الإجتماعي، حيث اقترح المجلس الوطني على مجلس المستشارين أن يكون سن الشباب لغاية سن الأربعين، مما يجعل عامل السن يفرغ كل الموضوع من مضمونه، لأنه يذكر الشباب لغة ويستهدف غيرهم عمليا. السؤال الجوهري، أصلا، لماذا صار موضوع الشباب يحظى بأهمية خاصة في المغرب وفي العالم أجمع؟ أصبح موضوع الشباب يتطلب سياسات خاصة نظرا لعدم انسيابية الحياة الإجتماعية بشكل طبيعي وتعدد العراقيل التي تواجههم. وأيضا بسبب محدودية تأثير "اليد الخفية" التي لم تعد قادرة على تنظيم وتأطير المجال الشبابي وخصوصا ضمان الولوج المبكر والتلقائي إلى سوق العمل، مما يستدعي التدخل الواعي للفاعل العمومي. ظهرت هذه الحاجة منذ عقود مما جعل الأممالمتحدة تطالب منذ سنة 1995 الدول الأعضاء باعتماد استراتيجيات مندمجة للشباب تجمع بين عدد من السياسات، وذلك في الذكرى السنوية العاشرة من السنة الدولية للشباب، حيث عززت هذه المنظمة الدولية التزامها تجاه الشباب باعتماد برنامج العمل العالمي للشباب، وهو استراتيجية تهدف إلى التصدي بفعالية لمشاكل الشباب وزيادة فرص مشاركتهم في المجتمع. وآنذاك، حدد هذا البرنامج 15 مجالا مرتبطا بالشباب وأوصى بأن يشاركوا في السياسات المعتمدة في إطار كل هذه المجالات، وهي: 1- التعليم، 2 التشغيل، 3- الفقر، 4- الصحة، 5- البيئة، 6- استعمال المخدرات، 7- جنوح الأحداث، 8- أنشطة أوقات الفراغ، 9- حقوق النساء الشابات، 10-المشاركة الكاملة والفعالة للشباب في حياة المجتمع وصنع القرار، 11- العولمة، 12- تكنولوجيا التواصل والمعلومات، 13- داء فقدان المناعة المكتسبة، 14- النزاع المسلح، 15- القضايا المشتركة بين الأجيال . بعد هذا، صارت السياسات العمومية الخاصة بالشباب، تعني كل هذه المجالات مجتمعة ومندمجة، بعدما كانت مقتصرة على الرياضة والأنشطة الترفيهية فقط. عدد من الدول طورت هذه المقاربة وأبدعت في هندسة السياسات وإبتكرت في آليات الإشراك والبرمجة والتنفيذ والتقييم، وفكت الإرتباط بين قطاعي الشباب والرياضة، لكن قبل كل هذا حسمت بقانون موضوع الفئة العمرية المستهدفة. المؤسف أننا في المغرب لم نحدد فئة الشباب بقانون وظل الموضوع تتقاذفه النصوص القانونية من خلال تناوله بشكل جانبي.أما السياسات العمومية للشباب، فلسيت هناك سياسات بهذا المعنى، والإستراتيجية الوطنية للشباب التي وضعتها وزارة الشباب والرياضة وصادقت عليها الحكومة، بالرغم من أهميتها كوثيقة، فهي مجرد حبر على ورق، أو بمفهوم ألطف مجرد أطروحة تفتقد لمفهوم الإستراتيجية القابلة للتنفيذ، ناهيك عن أن تكون وطنية بأبعاد جهوية ومحلية كما تدعي، لأن هذه الإستراتيجية بدون ميزانية وبدون إدارة تنفيذية خاصة بها. لكن إذا أردنا كمجتمع أن نتجاوز واحدة من المآسي التي يعيشها مجتمعنا المغربي بسبب غياب سياسات عمومية للشباب، وأن ننتقل إلى اعتماد هذه السياسات ونحدث المؤسسات من ضمنها المجلس الإستشاري للشباب، يجب أن نحدد أولا من هم الشباب، وكم عددهم وما هي وضعيتهم التعليمية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية بما يسمح بوضع سياسات متلائمة مع حاجيات وتطلعات الشباب. وهذا لن ينجح إذا أدخلنا الفئة العمرية من بداية 30 إلى نهاية 40 سنة، كما يقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لأنها فئة تهيمن على الشبان الحقيقيين (من بداية 15إلى نهاية 29 سنة). لما ندخل الأجيال في الثلاثينات وإلى غاية الأربعين ضمن فئة الشباب، فهذا يعني أن جزءً من السياسات العمومية التي ستحسب على الشباب غير موجهة للشباب. وإذا كانت هذه الفئة العمرية (بداية 30 إلى نهاية 40 سنة) تعاني من الهشاشة وبالتالي تستحق سياسات خاصة للمرافقة، فيجب إبداع مصطلح آخر، وإعطاء الموضوع ما يستحق من عناية، لأن استمرار الهشاشة إلى غاية السن الأربعين مؤشر اجتماعي واقتصادي خطير يتطلب سياسات استعجالية فورية، لأن الوضع أخطر من أن يبقى ضمن السياسات الخاصة بالشباب، علما أن ما تحتاجه هذه الفئة حتى في الأوضاع العادية ليس هو ما يحتاجه الشباب من حيث السياسات العمومية. يؤكد أغلب الباحثين في مجال علم الإجتماع أن الشباب هي الفترة الفاصة بين الطفولة والكهولة، وبالتالي فهي فترة تتمدد نحو الأعلى والأسفل حسب معطيات اجتماعية تختلف من مجتمع إلى آخر. وأهم العوامل المحددة للشباب هي: استمرار العيش في بيت الوالدين عدم الزواج و/أو الإنجاب استمرار الحياة الدراسية عدم العمل عدم أداء الضرائب فما هي الفئات الإجتماعية التي تتوفر فيها هذه العوامل، والتي تحتاج إلى سياسات عمومية داعمة تؤهلها للإنخراط الفعال في المجتمع لضمان الإنتقال الناجح من الطفولة إلى الكهولة؟ من بين كل العوامل أعلاه، يعتبر عدم العمل هو الأساس، لأن أغلب العوامل الأخرى لها علاقة سببية به. وحسب آخر البيانات التي نشرتها المندوبية السامية للتخطيط، ففي الدورة الثالثة من سنة 2017، نسبة البطالة العامة هي 10,7 في المائة، وتتوزع حسب الفئات العمرية كما يلي: الفئة 15-24 سنة نسبة البطالة وسطها تصل إلى 25,5 في المائة الفئة 25- 34 سنة نسبة البطالة وسطها تصل إلى 16,6 في المائة الفئة 35- 44 سنة نسبة البطالة وسطها تصل إلى 6,3 في المائة الفئة 45 سنة فما فوق نسبة البطالة وسطها تصل إلى 2,6 في المائة. من هنا يتضح أن الفئة الأولى التي يجب أن تستهدف بالسياسات العامة للشباب بشكل رئيسي هي الفئة التي يمتد سنها من بداية 15 إلى نهاية 24 سنة، لأنها الفئة الأكثر تضررا. أما الفئة الثانية، فيمكن تقسيمها إلى فئة بداية 25 – نهاية 29 سنة ثم فئة بداية 30 – نهاية 35 سنة، وبالرغم من عدم توفر معطيات دقيقة تخص كل فئة على حدة، فالملاحظ أن نسبة البطالة تنخفض كلما كبر السن، وبالتالي، فنسبة البطالة ستكون أعلى لدى الفئة الأولى (25-29)، وهذا ما يشجع على إدماج هذه الفئة العمرية ضمن فئة الشباب إلى حين تحسن أوضاعها الإجتماعية. يُذكِّر المجلس الوطني لحقوق الإنسان في رأيه الإستشاري لفائدة مجلس المستشارين بالقانون التنظيمي لمجلس النواب الذي حدد سقف أربعين سنة كحد أقصى لسن الشباب، وهذا بدوره خطأ لا قياس عليه، ويجب أن يُعدل في أقرب فرصة وخصوصا قبل انتخاب مجلس النواب المقبل سنة 2021، لتمكين الشباب فعلا من الوصول إلى المؤسسة التشريعية. الأنجع في موضوع سن الشباب أن يصدر قانون خاص يحدد سن الشباب، ومهم جدا أن يكون من بداية 15 سنة إلى نهاية 29 سنة، مع التأكيد على أن الفئة العمرية من بداية 15 سنة إلى غاية نهاية 17 سنة هي فئة الشبان الصغار، حتى لا يتم الخلط بين هذه الفئة وغيرها في ما يتعلق بسن الرشد الجنائي (مثلا). إن منح امتيازات لفئة الشبان، يدخل في إطار التمييز الإجابي، ويجب أن يكون بقانون أساسي يحدد من يمكن أن يستفيد ومن لا يمكن أن يستفيد، علما أن السياسات العمومية يجب أن تتضمن سلة من الإمتيازات للشباب في مجالات كثيرة من بينها في مجالات السكن والقروض والضريبة على الدخل. أما إذا كان الموضوع كله كلام في كلام، فلا بأس أن يكون الشباب من المهد إلى اللحد، ولا أعتقد أن الإرادة السياسية للفاعلين العموميين ولا مصلحة البلاد تسير في هذا الإتجاه. إن موضوع الشباب في غاية الأهمية، لأنه يتعلق بجيل مهمل في السياسات العمومية، وحصر الفئة المستهدفة بالنسبة للسياسات والمؤسسات الخاصة بالشباب عنصر حاسم لتحقيق هدف النهوض بالشباب وإشراكهم في اتخاذ القرار. ملاحظة لها علاقة بما سبق، من ناحية الصياغة القانونية لما يتم ذكر السن، أو الفئة العمرية من الأفضل ذكر بداية أو نهاية سنة (مثلا بداية 25 سنة، ونهاية 29 سنة)، حتى يتم حصر ذوي الحقوق و/أو الواجبات بدقة.