مشاركة الشباب في تدبير الشأن العام للمجتمع المغربي لا جدال أنها من أكبر تحديات المرحلة،بالنظر إلى أهمية شريحة الشباب داخل الجسم الاجتماعي، كيف لا و هي تشكل حصة الأغلبية ضمن هرم السكان كما حددها الإحصاء الجديد للسكان 2014، فالشباب في المغرب يشكلون ألان نسبة الأغلبية، رغم ذلك هناك من يحس أن مشاركة الشباب في تدبير الشأن العام منحة حكومة أو دولة للشباب، لكن الواقع و المواثيق الدولية تحكي غير ذلك، حيث تعتبر مشاركة الشباب السياسية حق إن لم تكن في الأساس واجب على هذه الشريحة الانخراط في تدبير شؤون المجتمع، من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بالخصوص في المادة 21 من الإعلان تم التأكيد أنه لكل شخص مهما كان سنه و جنسه أو مركزه الاجتماعي الحق في المشاركة الفاعلة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة أو عن طريق ممثلين يتم اختيارهم بكل حرية. أضف إلى ذلك و تأكيدا لما سبق تقر الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصدارة عن الأممالمتحدة سنة 1989 على أحقية -كل طفل لم يتجاوز سن 18 و القادر على تكوين أرائه الشخصية- التعبير عن أرائه الشخصية بحرية في جميع الأمور و المسائل التي تمس الطفل كما يفترض أن تولي كل الدول الموقعة على الاتفاقية بما فيها المغرب الاهتمام بآراء الأطفال أخذا بعين الاعتبار سن الطفل و نضجه، حيث تعتبر الدعوة الأممية لتعبئة الأطفال لأجل المستقبل حتى يتم تكوين شباب المستقبل على نحو يمكنهم من الاندماج السليم في وسطهم الاجتماعي على كل المستويات و الأصعدة مع ضمان حرية التفكير و التعبير. أضف إلى أن برنامج العمل العالمي للشباب حتى سنة 2000 و ما بعدها يؤكد على ضرورة إعطاء الأولوية و العناية التامة للمشاركة الفاعلة و الكاملة للشباب في حياة المجتمع وصنع القرارات، و يقترح البرنامج على الدول العمل وفق محددات متعددة لعل أبرزها تطوير و تعزيز فرص الشباب لمعرفة حقوقهم وواجباتهم تجاه وسطهم الاجتماعي، كما يقترح البرنامج تعزيز المشاركة الاجتماعية و السياسية للشاب و إزالة كل العقبات التي تؤثر على مشاركتهم التامة في الشأن العامة لبلدانهم. إنها دعوات صريحة من أجل مشاركة كاملة و فاعلة للشباب في تدبير شؤون مجتمعاتهم، بما أن المغرب صادق على هذه الاتفاقيات و البرامج فإنه ملزم أساس باحترام مقتضياتها القانونية، إنها ليست مسألة إلزام فقط بل يجب أن يكون التزاما سياسيا ينخرط فيه الجميع، خاصة الأحزاب و باقي المتدخلين و المنخرطين في العملية السياسية لغاية الرفع من جودتها. تضمن كذلك دستور 2011 دعوة صريحة من أجل أشارك فاعل و كامل للشباب في الشأن العام، على الخصوص في الفصل 33 من خلال دعوته السلطات العمومية إلى اتخاذ مجموعة من التدابير التي من شأنها تشجيع الشباب على الاندماج ضمن وسطهم الاجتماعي، كما أكد نفس الفصل على إحداث المجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي من أجل الرفع من جودة السياسات العمومية الموجهة للشباب. بعد حراك 20 فبراير 2011 زاد وعي الشباب بأهمية المشاركة خاصة أثناء صياغة الدستور و صناعة القوانين، غير أن تجاهل أصواتهم في مجموعة من القضايا سبب نكسة شبابية انعكست سلبا على نسب المشاركة في أول انتخابات تشريعية بعد صياغة الدستور، بل تأكد عزوف الشباب في الانتخابات الجماعية و الجهوية الأخيرتين 2015 . قد يفسر هذا العزوف أو يقرأ بطريقة خاطئة على انه لامبالاة أو غياب الوعي، لكن الواقع يحكي أن شريحة الشباب في المغرب هي أكثر الفئات العمرية وعيا بالنظر إلى ضعف نسب الأمية فيها و ارتفاع وعيها بواقعها أكثر من أي فئة أخر ضمن المجتمع. إننا إذن أمام واقع سياسي يحكي فشل المؤسسات السياسية في إغراء الشباب بالمشاركة في تدبير الشأن العام. وفق إحصاءات أخيرة لوزارة الداخلية لم يتجاوز عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية إلى حدود الانتخابات الماضية إلا 13 مليون ناخب من أصل أكثر من 26 مليون مواطن يمكنهم التسجيل و التصويت، مما يعني أن نصف المغاربة غير مسجل في اللوائح الانتخابية، كما أكدت وزارة الداخلية أن الفئة العمرية بين 18 و 34 سنة لا تشكل إلا 32 في المئة من عدد المسجلين ضمن هذه اللوائح، هذا وغني عن الذكر أن الفئة العمرية السابقة الذكر تشكل نسبة مهمة و أساسية ضمن هرم السكان. يتضح إذن أن هذه الفئة هي الأكثر عزوفا عن المشاركة في تدبير الشأن العام، على الرغم من أنها تشكل أغلبية السكان كما تعتبر مستقبل البلد اقتصاديا و اجتماعيا، هنا يستشكل علينا الموضوع و نتساءل، هل عزوف الشباب إرادي ؟ أم أن هناك تدخل عوامل خارجية فرضت على هذه الفئة المجتمعية الانزواء خلف الستار؟ عدم مشاركة الجميع في تدبير الشأن العام لأي بلد هو ضربة قاسية لديمقراطية الحكم كما أكد على ذلك المفكر الروماني شيشرون أن إرادة الشعب هي التي تشرع الأفعال و تستصدر الأحكام من خلال المصادقة على القوانين بغاية تحديد الحقوق و الواجبات الملزمة للجميع، يكفي التصويت عليها من طرف الأغلبية حتى تصبح مقياس للعدالة الاجتماعية، فعار سياسي أن تصبح المصادقة على القوانين من طرف الأقلية و تفرض على الأغلبية، حيث تصبح أراء من لا رشد لهم و لا وعي بأهمية التصويت، هي من تغير طبيعة الأشياء و تفرض واقع اجتماعي قد يكون مخالف لقواعد العدالة الاجتماعية، يصبح بمقتضى ذلك الفعل و السلوك الضار و السيئ هو الطيب و العادل. على سبيل المثال في المغرب من أصل أكثر 33 مليون مواطن، هناك فقط 13 مليون مسجل ضمن لوائح الانتخابات، يصوت في الانتخابات عادة أقل من 54 في المئة أي ما يقارب 7 ملايين مواطن و باحتساب عدد المليون و نصف المليون من الأوراق الملغاة، لن يبقى إذن إلا أكثر بقليل من 5 ملايين مواطن دون احتساب حركة الأسهم و البيع و الشراء التي تنشط في بورصة الانتخابات المغربية، هذا يعنى أن أربعة ملايين مواطن تقرر في مصير 33 مليون مواطن مغربي على الأقل أي أن نسبة 11.83 في المئة هي الأغلبية في المغرب و التي يتم تجنيدها للتصويت على نواب الأمة لاختيار الحكومة و اختيار رؤساء الجماعات و الأقاليم و الجهات، رغم كل هذه التحديات و العوائق إلا أن لا يمكن نكران ما قامت به الدولة تشجيعا للشباب على المشاركة السياسية، على الخصوص تخفيض سن التصويت إلى 18 سنة، و كذا دمج مجموعة من البرامج و المبادرات الهادفة إلى إغراء الشباب بالمشاركة، حين ساهمت مؤسسات الدولة و الأحزاب في إطلاق جمعية 2007 دبا لتوعية و تحسيس الشباب بأهمية المشاركة في تدبير الشأن العام . إن مشاركة الشباب السياسية لم تعد إذن فعل اختيار لتدبير الشأن الانتخابي المغربي، بل هي بالأساس ملح العلمية السياسية بكاملها، حيث يفترض أن تشتغل الأحزاب السياسية و الحكومة بل و كل أطراف العلمية السياسية من أجل تطهير الفضاء السياسي لإغراء الشباب، أنه تحدي يواجه الجميع بل يتجاوز في حدته جلب الاستثمارات الخارجية أو ما شابه ذلك من الإشكالات التي نسمع عنها الكثير في الإعلام الرسمي. غير أن مشاركة الشباب ليس للتجميل أو إشراكهم كلاعبين إضافيين كما أكد ذلك أحد الشباب بقوله « أتذكر عندما كان أشقائي الأكبر سنا يسمحون لي و للأطفال الآخرين مشاركتهم كلاعبين إضافيين، هذا يعني أنه من غير المسموح لنا أن نؤدي الدور الرئيسي في اللعبة لأننا كنا صغارا من حيث السن...فان تكون لاعبا إضافيا يشبه إلى حد كبير أن تكون لاعبا، لكن دون أن تكون جزءا من اللعبة بالفعل» هذه الكلمات تحكي جزاء من واقع الشباب في المغرب اليوم، فرغم الخطابات السياسية و المزايدات الحزبية التي تكاد تكون يومية في شأن مشاركة النساء و الشباب في العلمية السياسية، إلا أن الحقيقة تحكي غير ذلك. كوطة الشباب في مجلس النواب يتم التحايل عليها بدمج أبناء و أقارب الحرس القديم للأحزاب بل إن الشباب في لوائح الأحزاب يصل إلى سن الأربعين، فهل يعقل أن يمثل شيوخ الأربعين الشباب و حماس و تطلعات الشباب؟ أغلب دول العالم التي تحترم مواطنيها و بالأخص شبابها تحصر سن التمثيلية الخاصة بالشباب في مجالسها بين 18 و 24 سنة غير أن المغرب حالة خاصة في كل شيء، فقد تجد من اشتعل رأسه شيبا يترأس شبيبة حزب، رغم أن الشبيبة هي الأخرى لا تختلف في أفكارها عن باقي مكونات الحزب بل لا تغير شيئا في برامج و سياسة الأحزاب، فغياب التكوين الكافي للشباب ساهم هو الأخر في بقاء دار لقمان على حالها، كما أن مساهمة المدرسة المغربية في إعداد الشباب للمشاركة في تدبير الشأن العام تكاد تكون منعدمة، أضف إلى ذلك فشل السياسات الحكومية الموجهة إلى الشباب وضعف المرافق المحتضنة لهذه الفئة كذلك لها تداعياتها على المشهد السياسي بالمغرب. فالبطالة و الاهتمام الحكومي بالشباب يوضح بالملموس شيخوخة الوزراء، لان عجزهم واضح في الاهتمام بهذه الفئة العمرية المهمة، بل إن ملف الأساتذة المتدربين لم تجد له الحكومة أي حل عملي إلا بعد ضغوط نضالية للشباب، و كذا مصالح انتخابية لأحزاب الأغلبية و المعارضة، بالنظر إلى أن عقلية الشيوخ و الشباب تختلف كثيرا. كما أن حماس و تطلعات الشباب لا توازيها محدودية و بطء الشيوخ الذين يسيطرون على الشأن العام الوطني دون أدنى نية في التخلي على جزء من المسؤولية لصالح الأغلبية، كما أن الوزارة الوصية – وزارة الشباب و الرياضة- حصرت نشاطها في الرياضة و تركت الشباب في حال سبيلهم، دون قدرة على استيعاب تحديات و تطلعات هذه الفئة النشيطة و الدينامية من السكان، فلا هي استطاعت تطوير الرياضة ولا كان في قدرتها النهوض بالشباب. مشاركة الشباب في الحقل السياسي إذن تعتبر حق ديمقراطي بل دستوري كوني لكل شاب، و ذاك عن طريق إزالة كل العوائق و العقبات التي تواجههم. ليس فقط إشراك الشباب كرقم انتخابي للرفع من نسب المشاركة أو تغليب كفة حزب أو مرشح على أخر، بل الوعي و الإيمان بقدرة الشباب على التسيير و التدبير، من خلال إشراك هذه الفئة في تدبير الشأن العام و بالخصوص القطاعات التي تعنى بالشباب سواء في الحكومة أو الأحزاب و كذا البرلمان و باقي المؤسسات و القطاعات الأخرى. لنا في دول أخرى مؤمنة بكفاءة و قدرة الشباب خير دليل، حيث نجد على سبيل المثال الأحزاب السياسية في دولة عديدة مثل كندا و البرازيل و نكاراغوا تخصص للشباب أقل من 26 سنة حصص مهمة في برامجها و هيئاتها التنفيذية قد تصل في بعض الأحيان 40 في المئة. انعكس ذلك على الأحزاب و الحكومات التي تحتوي هي الأخرى على نسب مهمة من الشباب، كما استطاعت تلك الأحزاب ضمان نخب سياسية مكونة للمستقبل. بالنظر إلى أهمية الموضوع ساهم البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في عدة عمليات و مشاريع غايتها توعية الشباب عبر العالم بأهمية المشاركة السياسية داخل بلدانهم، لأجل لذلك توصلت إلى توصيات و مبادئ سبعة أساسية يجب الاشتغال عليها لإشراك الشباب في العلمية السياسية: تصميم برامج تعكس أولويات و تطلعات الشباب و إغرائهم للمشاركة فيها. تقديم التيسير و التدريب للشباب. تشجيع الأنشطة ذات المنحى العملي. تيسير الاتصال و التواصل بين الشباب و القيادات السياسية و المجتمعية. العمل في إطار التعددية الحزبية. الحرص على أن يكون نصف المشاركين من النساء. توطيد انضمام النخب و القيادات السياسية و المجتمعية و توافقهم في الآراء. كلها مبادئ يمكن تكيفها مع الواقع المغربي لصالح الشباب، بل لصالح المجتمع ككل. فقد أنتظر الشباب كثيرا لصياغة القانون التنظيمي لمجلس الشباب و العمل الجمعوي و مازال الشباب في قاعة الانتظار، ربما شهور أخرى أو سنوات، بعدها سيتم تفويت المجلس لجهات أو أشخاص بعينهم، قد يضم المجلس في هيئته من تجاوز الأربعين و اشتعل رأسه شيبا بحجة انه فاعل جمعوي كما ستسيطر على المجلس أغلبية كلها من الرباط و البيضاء و فاس... إنها أبسط أشكال الالتفاف على حقوق الشباب – لا يتجاوز 26 سنة – أما أسوءها فوعينا ربما غير قادر على استيعابها. في سريلانكا مثلا تم تأسيس البرلمان الوطني للشباب يضم 500000 شابة و شاب سريلانكي يمثلون كل مدن البلد بما فيها المدن الهامشية يعقد أعضاء هذا البرلمان جلستين في الشهر لمناقشة نفس القضايا التي تناقش في البرلمان الوطني، كما يعين برلمان الشباب ثلاثين من أعضائه بصفة وزراء شباب لمتابعة و مراقبة عمل الوزارات الوطنية، تتوفر لهم مكاتب داخل تلك الوزارات، كما تؤخذ بعين الاعتبار كل توصيات برلمان الشباب و دمجها في السياسة العامة للبلد. إنه شكل من أشكال إشراك الشباب في تدبير شانهم الوطني، حتى تتجنب البلدان ميل الشباب نحو مجالات أخرى سواء الاندماج داخل جماعات للعنف حسب ما يحصل اليوم في دول شمال إفريقيا و الشرق الأوسط، أو المخدرات كما هو الشأن في بعض دول أمريكا الجنوبية. تعتبر إذن المشاركة السياسية للشباب في أي بلد، معيار للممارسة الديمقراطية فيه، بالنظر إلى أهمية شريحة الشباب و تمثيليتها. بذلك يصعب حصر هذه المشاركة في مجرد أرقام أثناء فترة الانتخابات، بل هي تعبير على نضج المجتمع سياسيا و قدرته على احتواء كل الشرائح النشيطة و المؤثرة فيه، خاصة فئة الشباب و دمجها فكل برامجه و سياساته. هذا يلقي على عاتق النخب السياسية للأحزاب تحديات كبيرة لعل أبرزها يكمن في تكوين و تدريب الشباب أولا على الانخراط في العملية السياسية، ثم امتلاك الجرأة على التنازل عن المناصب الحزبية و القيادة لصالح الشباب، ليس انتقاصا من قيمة هذه النخب، لكنها جرأة سياسية للتغيير و الإيمان بقدرات الشباب، كما يفترض كذلك النضر إلى الشباب بنا هم جزء من الحل للمشاكل التي يتخبط فيها المجمع لتجاوز النظرة الضيقة و العدمية التي تعتبر الشباب أصل المشاكل داخل المجتمع بداية بالعنف ، المخدرات و الجريمة مرورا بالإرهاب، الهجرة و البطالة. النظام السياسي في أي بلد إذن ليس من حقه الحديث عن الديمقراطية ما لم يشرك و يعمل على إشراك كل الشرائح الاجتماعية لخلق مجتمع البناء و التنمية على أساس العنصر البشري الذي يعتبر داخل بعض المجتمعات الثروة التي لا تنضب أبدا. يجب كذلك على الشباب الاستعداد للمشاركة و العمل على الانفتاح السياسي بغاية المشاركة الفاعلة و الكاملة في تدبير الشأن العام، مع عدم إضاعة و هدر الزمن السياسي عن طريق الانفتاح على تجارب فضلى للمشاركة عبر العالم، هذا هو سبيل التعاون الشامل بين الجميع لصالح الجميع. *باحث في علم الاجتماع