كشفت مقاربات ووقائع تعاطي الأممالمتحدة مع ملف نزاع الصحراء العديد من المعضلات التي قوضت فرص الوصول إلى حل متوافق عليه بين طرفي النزاع، وخلق بدائل جديدة محفزة لتجاوز مثالب الصراع. وعلى الرغم من طرح مبادرات عديدة لمبعوثي الأمين العام الشخصيين فقد دأبت على إثارة الجدل ولم تنعكس على هموم ومتطلبات أطراف الصراع، وقدرة الأممالمتحدة على ضبط حدود التنافس بينهم؛ وذلك في ظل حقائق أضحت موجودة وتتزايد بشكل مستمر في سبيل الهيمنة بين المناطق الحيوية، والجيو-استراتجية، بالأخص بين المغرب والجزائر. ويرى المغرب أنها السبب الرئيس والمعضلة أمام إيجاد حل ينهي أزمة عمرت لما يناهز 40 سنة، وأخذت مناحي جديدة على مستوى بلورة حل معين في إطار ازدواجية النطاق بين ما هو دولي أممي وإقليمي إفريقي. فإنتاج خريطة سياسية لتواكب الأوضاع الجديدة من قبل الأممالمتحدة أجبرها على إعادة ترتيب أوراقها مع ظهور مشاكل غير محسوبة العواقب، في إطار التهديدات اللادولتية وأثرها على حدود واستقرار بلدان المنطقة، سواء في منطقة الساحل والصحراء أو شمال إفريقيا. وقد لجأت الأممالمتحدة إلى تعيين المبعوث هورست كولر مكان روس، الذي شهدت حقبته تجاذبا وصراعا انفجر بعد انحياز الأمين العام السابق، بان كي مون، إلى موقف مبعوثه؛ وأدى ذلك إلى اتهامه من قبل المغرب بعدم الحياد المفروض في تسوية النزاع، ومحاباة جبهة البوليساريو وحليفاتها الجزائر في إطار خيار فرض أمر الواقع عليه، وكانعكاس لمواقف بعض الدول في المنتظم الدولي. وبشكل آخر، فرض هذا الأمر على المغرب تغيير سياسة المسارات وإعادة الانتشار في تجاذباته الدبلوماسية، سواء إقليميا بالعودة إلى عمقه الإفريقي أو دوليا مع روسيا والصين؛ وكمحاولة لامتصاص الاستحواذ على ملف نزاع الصحراء وفق منهج روس، المؤدي إلى فرض حل في نطاق الفصل السابع من الأممالمتحدة، والعمل على تقويض السيادة؛ والذي تزامن مع عدة أحداث، سواء في المعبر الحدودي الكركرات، أو داخل أروقة منظمات دولية وإقليمية على شكل سجالات قانونية وسياسية وحقوقية. وهذا الجانب قاد إلى البحث عن تطبيقات جديدة في واقع نزاع الصحراء، وعدم استنساخ نماذج حل بعيدة كل البعد عن سيناريوهات الأجرأة والتطبيق، كما هو الحال بالنسبة لنموذج مقترح روس الذي كان عاملا حاسما في إبعاده بسبب اتهامه من قبل المغرب بتغييب مبدأ المساواة وإعطاء الأفضلية لطرف دون الآخر. لذا يلزم هورست كولر، كمبعوث جديد يدشن جولته الأولى في المنطقة، ويعمل على إعداد تصوره لمواجهة مشكل نزاع الصحراء، أن ينطلق من تنمية روح الثقة مع أطراف النزاع، والإعداد القبلي والتنسيق معها، لحصول تأثير إيجابي في مسار المفاوضات، دون اتخاذ القرارات والمواقف بشكل شخصي ونزعة فردية، مع الأخذ في الحسبان عدة عناصر بديلة، كمؤشرات عند تقييم وتمحيص أبواب ومداخل حل نزاع الصحراء. أولا: مدنيا هناك مشكل مرتبط بوجود العديد من ساكنة المخيمات، يشكل معضلة إنسانية تطرح علامات استفهام حول توفر شروط القدرة على العيش (الفايبول) في ظل انحباس وتراجع المساعدات سواء من قبل الجهات المانحة أو بعض جمعيات المجتمع المدني، والتي يتهم بعض الأفراد ببيعها، وفق ما يتم تداوله سواء من طرف منظمات مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان بالمخيمات، أو الأطراف المعارضة لمسار جبهة البوليساريو (خط الشهيد، شباب التغيير). المبعوث الأممي الجديد مطالب بخلق دوائر لترتيب التداعيات المترتبة عن الأزمة الإنسانية، تقف عند حدود وفواصل ذلك من تعداد الساكنة إلى أبسط الحقوق، خاصة حق الحياة. ثانيا: سياسيا إن مواقف أطراف النزاع تتماشى مع أطروحاتها؛ فالمغرب طرح مبادرة الحكم الذاتي ويرى أنها أقصى ما يمكنه تقديمه، في ظل السيادة المغربية؛ وعلى النقيض من ذلك جبهة البوليساريو ترى أن تقرير المصير في إطار الاستفتاء لا محيد عنه. هنا المبعوث الأممي عليه تبني معايير تستند إلى قاعدة حل متوافق عليه أولا، وفي الوقت نفسه يأخذ في الحسبان أطروحات طرفي النزاع في إطار التفكير في إستراتجية بديلة تتجاوز مختلف الفواعل المتدخلة في نزاع الصحراء، وخصوصا البحث في تفكيك شفرة العلاقات المغربية الجزائرية كعامل حاسم في أطروحة نزاع الصحراء. ثالثا: أمنيا من الضروري استحضار الإشارة إلى المخاطر التي تهدد المنطقة، وخاصة ظاهرة الإرهاب اللادولتي، وتجارة المخدرات والهجرة، كتهديدات تهدد السلم والأمن الدولي. وهذا الأمر يلزم المبعوث الأممي بأن يطرح على الدول الفاعلة في نزاع الصحراء تجاوز الفكر التقليداني وعدم النزوع إلى القرارات الضيقة، وخاصة الجزائر، ومبدأ الثقة الزائدة، وما ترتب عنه في نطاق مبادرة "دول الميدان"، والعمل والتعاون والانسجام مع الجميع في جميع الملفات العالقة (مالي، ليبيا، النيجر،..) بفعل الامتداد المجالي ومخاطره على استقرار بلدان المنطقة. رابعا: تنمويا يعتبر هذا العامل حاسما في نزاع الصحراء في إطار الزيارات التي يقوم بها الأمين العام لأمم المتحدة، وجميع المنظمات المرتبطة بها، سواء في مجال حقوق الإنسان أو القضايا المرتبطة بها، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية. فالمبعوث الأممي عليه الدفع بإيجاد حل لنزاع الصحراء عبر طرح إمكانيات التعاون والتضامن والتكامل في تنمية المنطقة، وخاصة مؤشرات العمل التنموي بالصحراء في ظل التنافس الكبير بين مختلف القوى الكبرى حول مناطق النفوذ ومواقفها المرتبطة بذلك، والبحث عن صيغ أخرى كبدائل حقيقية لما يتم طرحه، وكإطار يدحض الصراع بين طرفي النزاع؛ وسواء بالنسبة للمغرب في شكل مبادرة التنمية الشاملة (مخطط تنمية الأقاليم الجنوبية) التي تهم تنمية الإنسان في نطاق المجال وخيار الاستقرار والأمن وتقر وجهة إعادة النظر في الانفصالself-determination، أو البوليساريو بورقة حماية استغلال الثروات وفصول من الحروب القانونية والاقتصادية، وبإيعاز من منظمات مدنية تتلقى الدعم من دول تعارض توجهات المغرب بالصحراء. وعلى الرغم من أن الحاجة إلى حل نزاع الصحراء أضحت ملحة، وقبل أي وقت مضى؛ ما يدفع المبعوث الأممي هورست كولر إلى طرح صيغ لإيجاد مساحات للتوافق بين أطراف النزاع، بعيدا عن خطابات لا تواكب المرحلة الجديدة في منظومة العلاقات بين أفراد المنتظم الدولي؛ فإن ذلك يظل محدودا دون وجود ضمانات قوية من طرف الدول المتدخلة في نزاع الصحراء، وفي ظل تحول جديد للاعتمادية الدولية في التعاطي مع ملفات على غرار ملف الصحراء؛ وكما هو الحال في أزمة إقليم كاتالونيا بإسبانيا وكردستان بالعراق، وغيرها من الحالات المشابهة، والتي تعطي للمبعوث الأممي نماذج قائمة الذات وتجارب جديدة سواء بالنسبة لنتائجها على مستوى الأمن والسلم الدولي، أو النزوع إلى كيانات هوياتية إثنية عرقية تجسد العلامة الجديدة لشكل الدول. *باحث في العلوم السياسية والإعلام