ما شهده مؤتمر حزب الاستقلال ليس جديدا على المشهد الحزبي المغربي؛ فقد عرفت مؤتمرات سابقة عنفا مماثلا يؤشر إلى غياب الرشد الديمقراطي والتشبع بالروح الديمقراطية. أن صراع الأفكار والأطروحات أمر مرحب به ولا يمكن أن يفضي إلى مشاهد بئيسة لكن حين تتدخل الأيادي الخارجية لصناعة تركيبة الحزب القيادية في تجاوز صارخ لإرادة المناضلين، وحين يتم احتطاب الأعضاء على طريقة مسيرة الحمير وولاد زروال، وحين تبيع نخب قيادية روحها للشيطان المتربص بالفعل الديمقراطي، فطبيعي أن يتولد العنف كوسيلة للحسم. الأحزاب كلها ليست محصنة من هذا الداء؛ فدرجة نخره لأجسادها متفاوتة. وتحضرني هنا قصة حكاها لي صديق إعلامي؛ فالصين بنت السور العظيم ليحميها لكن المغول اشتروا حراسه وتسللوا للداخل، فما أغنت عنهم حجارتهم شيئا. إن البناء الداخلي للهيئات على قيم الديمقراطية والحرية بعيدا عن التقديس البليد للزعامات وتكوين النخب القادرة على تجديد دماء الحزب بنِسَب معقولة بحيث لا تتحول قمرة القيادة إلى خزنة حديدية تتعفن بداخلها جثت قيادات تحلم بأن تصير حجرا تنبو الحوادث عنه وهو ملموم. لنكن أكثر وضوحا مع ما للوضوح من كلفة، بالمغرب كما باقي بلدان الدنيا تتصارع إرادتان؛ إرادة الديمقراطية وما يستتبعها من تمكين للشعب عبر مؤسساته وتوسيع لصلاحيات المؤسسات لبلوغ المستويات العالية من الحكامة وإرادة النكوص عن مكتسبات دستور 2011. لا يخفى على فطنة رجل الشارع أن آلية الشائعة وتحريك الملفات/الفزاعات في حق رئيس جماعة أو مناضل حقوقي هي تدخل إرباكي تخويفي لزعزعة حرية الاختيار وشد الأذن لمن تسول لهم نفوسهم التغريد خارج المرغوب فيه أو القريب من المرغوب فيه. وهنا لا بد من التأكيد على أولوية تحرير الإرادة الحزبية من أي إملاء أو توجيه. ليس من حق أَي كان أن يملي على حزب ما مواصفات أمينه العام كما تحدد مواصفات ملكات الجمال! فقد يختار مناضلو حزب خارج محددات شركات الرشاقة والجمال لأن البشاعة لها أسرار!!! إن توهين الأحزاب بتحويلها إلى غرف تسجيل ومحطات استقبال سيسطح الساحة السياسية الوطنية وسيغتال السياسة كفعل إثراء لازم الديمقراطية. والأسوأ أننا سنمثل مسرحية الديمقراطية بثوب شفاف يكشف عورة التحكم البشع، أي سنتلبس بحالة النفاق الديمقراطي. ومحصلة هذه الممارسة البليدة أن العزوف سيرتفع والثقة ستنهار في الثوابت والتعبيرات العنيفة ستتصاعد. لا عاصم من هذا الطوفان إلا باعتبار الشعب راشدا والانصياع لاختياراته مهما خالفت هوى الأفراد واللوبيات. وبالعودة إلى الشأن الحزبي لا بد من تنبيه مناضلي الهيئات إلى رفض أي تدخل في صناعة قرارها الداخلي وأي استجابة لذلك بأي تعلة أو ذريعة غير مسوغ؛ إذ لا يمكن الحرص على الوجود الفيزيائي والتضحية بالروح فنتحول واجهات زجاجية خادعة. إن سقف هذا التدافع اللازم مؤطر بتوجهات الدستور وهي الوثيقة الأسمى الملزمة. وبمناسبة انعقاد مؤتمر حزب العدالة والتنمية القريب أبسط رأيا في قضية انتخاب الأمين العام وغيره من المناصب الأمامية في هيئات الحزب، ومفاده أن يكون التنافي حاصلا في حق من يتولون مسؤوليات تنفيذية أو تشريعية بما يحرر الموقع الحزبي من أي ارتهان أو ضغط، وهي أمور طبيعية في حياة الأفراد والجماعات.