للأسف لا شيء: البلوكاج الممنهج لكل قيادة حزبية برنامج عمل يتضمن محورين أساسيين الأول تنظيمي يهدف إلى تعبئة كافة قواعده وتأطيرها وتوجيهها عبر الأجهزة التنظيمية محليا، جهويا ووطنيا. أما المستوى الثاني، فيهدف إلى تطوير المجتمع، كما تنص على ذلك القوانين المؤطرة للعمل الحزبي، بهدف إدماج مجهودات مختلف مكوناته في المشروع المجتمعي الذي يتبناه الحزب وفق التمثلات الجماعية لمناضليه والقناعة المشركة التي يتم تصريفها عبر تصور لإستراتيجية مندمجة ترتكز على مقاربة شمولية موصولة بجميع مناحي الحياة العامة، أي القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية... فهذه القيادات المنبثقة عن القواعد الحزبية بعد منحها الثقة في المحطات التنظيمية المنظمة دوريا مطالبة أخلاقيا بالتجاوب مع مطامح قواعدها وليس فقط مع مطامع قياداتها. وقد كان حريا بالقيادة الحالية لحزب الاتحاد الاشتراكي وأخص بالذكر ودون إشارات ملتبسة جميع أعضاء المكتب السياسي لحزب القوات الشعبية، أن تستفيق من سباتها الشتوي وتتفاعل إيجابيا مع مطالب القواعد الاتحادية التي عبرت عنها بصمت وذلك بانسحاب هذه القواعد من الواجهات التي كانت تتميز بريادتها، كالجمعيات المدنية والتنظيمات الشبابية والنقابات المناضلة. فغني عن التذكير بالدور التنظيمي المحكم الذي كان يقوم به أعضاء الشبيبة الاتحادية وخصوصا أعضاء القطاع الطلابي في تأطير رفاقهم بالاتحادات الإقليمية للكونفيديرالية الديمقراطية للشغل (في الثمانينات والتسعينيات) وخصوصا تنظيم مسيرات فاتح ماي المجيدة وتنظيم الإضرابات الكبرى التي كانت تهز أركان الفساد بالبلاد... كما كانت أطر هذا التنظيم الشبابي زيادة على تواجد الفكر الاتحادي بالجامعات المغربية (المشتل الوحيد لإنتاج النخب المغربية إلى حدود نهاية التسعينات بالمغرب) هي الدينامو الحقيقي للحملات الانتخابية الشعبية التي أوصلت مرشحين من مناضلي الحزب وليس من الأعيان إلى مختلف المؤسسات التمثيلية بالجماعات المحلية وبالبرلمان المغربي. يا صاح، راح ذلك الزمن النضالي الجميل واستبد بنا زمن الرداءة السياسية في أبشع تجلياتها. كيف ذلك؟ لن نضرب الخط الزناتي للكشف عن المستور، ولكن سنكتفي بعرض بعض المسلكيات اللاشعبية لقيادة حزب القوات الشعبية حتى نتمكن من تقفي آثار الخطوات التي آلت بنا إلى الصعود إلى الهاوية، والمتمثلة في بلوكاج شامل لكل التنظيمات الحزبية وعلى جميع المستويات. فبعد المؤتمر الوطني السابع للحزب، بدأت تتراءى لنا بعض المسلكيات الجديدة والغريبة عن السلوك الاتحادي الأصلي، يمكن تعريفها بإفرازات النكسة على غرار نكسة 1967 بمصر (النكسة في هذا السياق تعني الهزيمة النكراء). فيعد تولي بعض القيادات الحزبية للمسؤولية على رأس بعض المواقع والمؤسسات الرسمية، صدفة أو عن كفاءة (الله أعلم). فجأة ودون تدرج، تحول مستواهم المعيشي وليس الاجتماعي من جد متوسط إلى رفاه كامل، وبالتالي اختلطوا ببعض الأوساط المخملية المترددة على صالونات الرباط. فتذوقوا واستطابوا رغد العيش بمظاهره المادية متناسين أنهم في مناصب تنفيذية رسمية مؤقتة ولزمين بتدبير الشأن العام كمسؤولين وكذلك تأهبيل نخب جديدة من داخل عائلتهم السياسية لضمان استمرارية مشروعهم المجتمعي. ولإدامة هذا الوضع كان لزاما عليهم، ما أمكنهم ذلك (بالنواعر والقوالب) خنق الأجهزة التمثيلية لقواعد الحزب، ليتهربوا من محاسبة المناضلات والمناضلين الاتحاديين الفاعلين في اللجان القطاعية المتخصصة، والاكتفاء فقط بتلميع صورتهم لأولياء نعمهم وتقديم جميع أنواع الولاء والضمانات المطلوبة وغير المطلوبة لدرجة بهدلة أنفسهم أمام أصحاب الحال دون مطالبتهم لهم بذلك. فتشكلت لوبيات مصلحية من المسؤولين الرسميين المنتمين للحزب بشراكة مع الواقفين في صالة الانتظار(...)، ربما تتم مناداة أحدهم لتعيينه على رأس إحدى المؤسسات أو القطاعات الإنتاجية ومتناسين انها كما يسمونها الفرنسيون (le couloir de la mort politique)، فتم تكميم أفواه جل أعضاء المكتب السياسي. أما اللذين فقدوا الأمل أو تجاوزهم الركب، انقلبوا على جباههم وابتدعوا نضالا عبثيا في الوقت الميت (...) هذا على المستوى الوطني. أما على المستوى المحلي والجهوي، فقد أصر بعض المسؤولين السرمديين إطالة هذا البلوكاج في توافق غريب مع القيادات الوطنية حتى لا تتم محاسبتهم على مصائبهم التنظيمية المتمثلة في النتائج التي فاقت الكارثية خلال الانتخابات الجماعية الأخيرة، بحيث أصروا على فرض أنفسهم برفقة ذويهم وأصدقائهم في المواقع المتقدمة للوائح الانتخابية المحلية، فتمت بهدلتهم من طرف الناخبين الذين عاتبوهم على تقاعسهم وعدم تقاعدهم. فيما يخص أمل الحزب المتمثل في شبابه الذي كان معقود عليهم الأمل لتفجير ثورة تنظيمية من الداخل تلزم السباع التي شاخت وسقطت أنيابها لفرض احترام مطالب القواعد وإصلاح الحزب من الداخل بانسحابها بشرف من المسؤوليات التنظيمية، فقد تم ارتهان هذه الشريحة من المناضلين بالحجر عليهم واستغلال أوضاعهم الاجتماعية دون ذرة حياء. كيف ذلك؟ على عكس جيلنا الذي ذاق مرارة البطالة بعد حصوله على الشهادة الجامعية لكنه بالمقابل حافظ على جذوة نضاله و شجاعته السياسية ونزاهته الفكرية بمختلف الواجهات، فتم إغراء هؤلاء الفتية بمناصب تتجاوز كفاءاتهم العلمية والمهنية لكنها تدر عليهم مداخيل مادية مهمة، وهو ما انعكس على مستوى حياتهم اليومية، مما مكنهم دون عناء من ضمان مورد عيش رغيد وتكوين أسر تقتضي الحفاظ على هذا الموارد المادية مبدئيا، لهم الحق في ذلك، على غرار جميع المواطنات والمواطنين الذين تتوفر فيهم الشروط المطلوبة. لكن هذه الوضعية أفرزت حالة شلل تام بسبب ابتداع بلوكاج من نوع جديد، فهؤلاء الفتية الذين تم اسقاطهم عبر بارشوتات في مواقع قيادية بالحزب والشبيبة الاتحادية ، تم تكبيلهم من طرف أولياء نعمهم وتهديدهم إن لم يمتثلوا لأوامرهم بتشريدهم وإرجاعهم حفاة عراة... آسف على هذا التوصيف الذي يدمي القلب ويدمع العين، ولكنها الحقيقة التي ساهمت في هذا البلوكاج الممنهج. فنفس السيناريو ينطبق على مستوى الجماعات المحلية مع الطامعين في التزكيات الإنتخابية... وبالتالي لم يعد ممكنا بالبت والمطلق إنتاج أي دينامية تنظيمية قادرة على إصلاح هذا الوضع الحزبي الرديء الذي سيوصلنا في انتخابات 2012 إلى تفادي مواجهة الناخبين حتى لا يمطروننا بالبيض والطماطم الفاسدة. وإنا لله وإنا إليه راجعون...