صديقتي الصغيرة، لا تبالي بما يُروّجُ له دعاة التشدّد على حساباتهم الفايسبوكية من خطابات وأفكار رجعية يسوّقون من خلالها لفكرة أن من يُرسل بناته إلى الثانويات والإعداديات يُغامر بعرضه وشرفه والسبب حسب تعبيرهم "أنها فضاءات للاختلاط بلغتْ مستوى عال من الفساد". تالله ما هذا الغباء ! صديقتي، ليس لديهم الجرأة كي يكشفوا حقيقة الخلل الحاصل في منظومة التعليم عكس ما يسوّقون على أنها مشكلة الشرف، المعنى الذي يخالف لديهم تماما ما يعنيه المصطلح فالواقع وفي الكثير من الأحيان يريدون لك خيار الزوجة الصالحة في "مملكتها السعيدة" بيت الزوجية عوض المدرسة في ذلك السن المتأخر، لأنهم يروا فيك نموذج الزوجة المناسبة التي في منظورهم ستُجنّب الأمة البلاء داخل فضاء التدريس، وتكثر أيضا سوادها بموازاة مع ذلك التكلّف بوظائف أخرى مباشرة وأخرى "غير مباشرة" كخدمة أم الزوج وأسرته الصغيرة ! صديقتي، بخطاباتهم تلك يحذّرونك "أختاه" من خسارة دنياك وآخرتك ويختصرون كيانك بالكامل روحا وفكرا وعقلا وكفاءة في جسد يثير فقط الشهوة، فيصوروا لك الفضاءات التعليمية شبيهة بساحات معارك "الإغراءات الجنسية " بين الجنسين أو ما تُسمى بحروب النصف السفلي، فقط لكي يصيبك الإحباط و"فوبيا" الخوف من الآخر "زميلك في الدراسة" وتكُف عن المشاركة في جريمة الاختلاط الذي يُولد الفتنة والفسق والفجور، ودون وعي يجعلون منك زوجة جاهلة غير متعلمة توقفت مسيرتها الدراسية بسبب طرق تفكير متخلّفة، زوجة غير قادرة على مواكبة متطلبات الحياة كما ينبغي وغير مدّركة للتحولات التي يعرفها المجتمع. صديقتي، هم يسوّقون للجميع على أنك منبع الفتن والشر، تلك الأفكار السوداء تجعلك تضعين حداً لأحلامك التي كبُرتْ معك منذ الصغر، عندما كان يسألك أحدهم ماذا تريدين أن تصبحي عندما تكبرين؟ كنت حينها تُجيبين بحماس كبير: "أريد أن أصبح طبيبة" أو تخصص آخر حسب ميول كل شخص.. ها أنت اليوم تستبدلينها بأحلام أخرى بسيطة نمطية، محدودة الأفق لا تتجاوز حد أنفك. صديقتي، قد يضعون بين يديك مقارنة جاهزة بين جيل الأمس واليوم، مستشهدين بتجارب أمهاتنا وجدّاتنا اللّواتي تزوجن في سن مبكرة ولم تكن متعلمات واستطعن بالرغم من ذلك النجاح في تربية الأجيال؛ لكن صديقتي هناك تحولات عميقة شابت منظومة القيم اليوم وما نعيشه من تحولات اجتماعية هي أقرب إلى تشوهات منها إلى تحولات، تفرض عليك ترجيح منطلق العقل على الأقل والتزود بالعلم والمعرفة والتكوين، لضمان حظوظ عيش مستقبل آمن داخل مجتمع لا يرحم المرأة حين تكون ضعيفة مُحبطة لا حول ولا قوة لها، مجتمع يعشق تسويق الأفكار الجاهزة كلما اقتضى الحال ويتخلى عنها في أول تجرب إخفاء لها في الحياة ! *كاتب رأي مغربي