لماذا لم يقدم الوزير الأول على تقديم اعتذار باسم الدولة أمام البرلمان إلى ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ؟ولماذا تقاعست الحكومة عن تنفيذ توصية الاعتذار لضحايا ما سمي ب"سنوات الرصاص" التي جاء بها التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة؟ ولماذا تأخرت الأحزاب السياسية في مطالبة الجهاز التنفيذي بتنفيذ التوصية المذكورة؟ وهل اعتذار الوزير الأول لوحده كاف لإنهاء ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وإقرار مصالحة شاملة خاصة وأن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لازالت تطالب باعتذار الملك؟ شكل موضوع تقديم الاعتذار لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا جدلا واسعا داخل الوسط الحقوقي، إذ عرف تباينات واختلافات في مواقف وآراء الفاعلين الحقوقيين. فهناك اتجاه يطالب بقيام الملك بتقديم اعتذار باسم الدولة على اعتبار أنه الرئيس الفعلي للجهاز الحكومي والممثل الحقيقي للدولة، ذلك أن أسمى قانون بالمملكة، أي الدستور يمنحه صلاحيات واسعة وقوية. أصحاب هذا المطلب يؤكدون أن اعتذار الملك، بشكل علني، سيعطي لعملية "المصالحة المؤسساتية" (التي صفق لها العديد من المراقبين السياسيين داخل وخارج المغرب) ثقلها الرمزي ومدلولها السياسي، حيث سيشكل اعترافا رسميا من قبل الدولة بمسؤولياتها عن جرائم الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي التي عرفتها البلاد منذ الحصول على الاستقلال. وقد دافعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عن هذا المطلب والتي سبق أن جاء على لسان رئيسها السابق عبد الحميد أمين أنها لا تقبل أقل من اعتذار الملك..، كما أكد في ذات الإطار أنه لا يمانع اعتذار الوزير الأول باسم الدولة، شريطة أن يتم قبل ذلك تغيير الدستور ويتم التنصيص فيه على أن الحكومة تتوفر على كافة الصلاحيات التنفيذية. فالجمعية المغربية لحقوق الإنسان كإطار فاعل يقود في الفترة الراهنة نضال الحركة الحقوقية سبق لها أن نظمت جلسات استماع عمومية داخل المغرب وخارجه ترى في مقاربتها التي ما فتئ يعبر عنها رئيسها السابق أن الحل الديمقراطي لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان يكمن في: الحقيقة الكاملة، أي كشف الحقيقة عن كافة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛ كشف المسؤوليات، بما فيها مسؤولية الدولة وعدم تمييع هذه المسؤوليات بالقول بأن أطرافا أخرى هي أيضا مسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة؛ المسؤولية المؤسساتية، بمعنى تحديد مسؤولية كل مؤسسة على حده: المؤسسة الملكية، الجيش، الدرك، مختلف الأجهزة الأمنية، وزارة الداخلية، وزارة العدل، القضاء... هذه المسؤوليات يجب تحديدها بدقه؛ وكذلك تحديد المسؤوليات الفردية في الانتهاكات الجسيمة. فعنوان الحل الديمقراطي لهذه الانتهاكات يكمن في الحقيقة والإنصاف وإجراءات المحاسبة لكي لا تتكرر مثل مآسي الماضي الأسود. أما المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف فقد تجاوب مع توصية الاعتذار، حيث طالب رئيسه محمد الصبار بتنفيذ التوصية المذكورة المتمثلة في اعتذار الوزير الأول للشعب المغربي عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان باعتباره الممثل القانوني للدولة المغربية. فالمصالحة الحقيقية لا تعني، في نظر الصبار، مصالحة الضحية مع جلاديه!! إنما هي مصالحة الدولة مع المجتمع. فهي إذن، حالة سياسية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا انتفت من الواقع كل الأسباب والمسببات التي تؤدي إلى الانتهاكات؛ بمعنى أن المصالحة لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود مجتمع ديمقراطي وبمراجعة مجموعة من التشريعات والقوانين، وبالقيام بإصلاحات شاملة تهم الجانب المؤسساتي والجانب التربوي، وتهم إصلاح المشهد الإعلامي؛ أي أن المصالحة ستتحقق عندما سيتحول المغرب إلى بلد يمكن أن يمارس فيه الصراع السياسي، وأن يتم تدبير هذا الصراع السياسي بشكل سلمي دون اضطهاد وخوف وقمع وإرهاب! وخلافا للرأيين المذكورين، هناك أطراف حقوقية( فعاليات فردية..) ترى أنه يجب الالتزام بما تضمنه التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة الذي يؤكد على ضرورة اعتذار الدولة المغربية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على لسان الوزير الأول وأمام البرلمان. ويؤكد أصحاب هذا الطرح الذين تجاوبوا على وجه الخصوص مع خطوات هيئة الإنصاف والمصالحة أن الخطاب الملكي الذي ألقي بهذه المناسبة تضمن أبعادا تاريخية وإقرارا بمسؤولية الدولة فيما وقع. لكن ما يؤسف له أن الدولة لا زالت لم تقدم على ترجمة الاعتذار لضحايا الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري كما جاء في توصية هيئة الإنصاف والمصالحة، في الوقت الذي عادة الروح إلى "المقاربة الأمنية" (التي اعتقدنا أننا تخلصنا منها إلى الأبد) ونشطت خلالها آلة القمع السلطوي.. وأخر ما عاشته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالعاصمة الرباط من قمع وصفته (في بيانها) بالوحشي.. وما يعيشه المعطلون وحاملو الشهادات العليا من عنف سلطوي.. وما يعرفه نشطاء داخل الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة من محاكمات قاسية.. وما يتعرض له معتقلو ما يسمى ب"السلفية الجهادية" ببعض السجون المغربية من تعذيب.. يؤكد أن التطور الحاصل في مجال حقوق الإنسان ببلادنا محدود وهش، ظرفي وليس بنيوي.. والأكثر من ذلك فإنه تطور غير مؤسس من الناحية القانونية والدستورية..، مما يفيد أن شبح العودة إلى الماضي بأساليبه السلطوية العتيقة والمخزنية المخيفة ممكن في أي فترة. مصطفى عنترة، صحفي وباحث جامعي [email protected] بعد تقديم رئيس موريتانيا اعتذارا باسم الدولة إلى الشعب "" في انتظار الاعتذار الرسمي بالمغرب لضحايا الماضي الأسود؟