مرت أربع سنوات كاملة على نهاية أشغال هيئة الإنصاف والمصالحة، وإنجاز تقريرها الختامي وتقديمه للملك في 30 نونبر 2005. وبهذه المناسبة، فإن المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بعد وقوفه على تطورات ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبطة بالقمع السياسي، الذي يظل أحد الملفات الكبرى العالقة، وعلى التماطل الخطير في تفعيل توصيات الهيئة ومحاولة إفراغها من مضمونها الإيجابي للتملص من تطبيقها، يؤكد ما يلي: 1. إن ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبطة بالقمع السياسي، خلال المدة الممتدة من الإعلان عن استقلال المغرب إلى 1999، مازال مفتوحا نظرا لغياب الإرادة السياسية لمعالجته وفقا للمقاربة الحقوقية المبدئية التي طرحتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمعتمدة على الأركان الخمسة التالية: الكشف عن الحقيقة الكاملة بشأن كافة الانتهاكات الجسيمة وعن المسؤوليات بشأنها، ليس فقط المسؤولية العامة للدولة، ولكن كذلك مسؤولية مختلف المؤسسات والمسؤوليات الفردية الملموسة. المساءلة والمتابعة القضائية للمسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة. إنصاف الضحايا والمجتمع، مع ما يتطلبه ذلك على مستوى جبر الضرر المادي والصحي والاجتماعي بالنسبة للضحايا وعائلاتهم، وجبر الضرر الجماعي عبر إنصاف المجموعات السكنية والمناطق المتضررة من الانتهاكات الجسيمة، وحفظ الذاكرة، وتقديم اعتذار الدولة العلني والرسمي للضحايا والمجتمع. اتخاذ الإجراءات الدستورية والقانونية والمؤسساتية والتربوية والعملية لئلا تتكرر الانتهاكات الجسيمة مجددا مما يتطلب التأسيس لدولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة. الربط بين معالجة ملف الانتهاكات الجسيمة الناتجة عن القمع السياسي ومعالجة ملف الانتهاكات الجسيمة الناتجة عن الفساد الاقتصادي، وفي مقدمته نهب المال العام. 2. إن مقاربة هيئة الإنصاف والمصالحة لملف الانتهاكات الجسيمة ظلت جزئية سواء على مستوى الانتهاكات الجسيمة التي تم أخذها بعين الاعتبار، أو على مستوى الفترة الزمنية المحددة لأبحاثها، أو على مستوى استبعادها لمفهوم المساءلة، أو على مستوى الحقيقة التي أريد لها منذ البداية أن تكون مبتورة. كل هذا أدى إلى نتائج متواضعة للهيئة تجسدت في قرارات وتوصيات لم يكن من شأنها حتى في حالة تطبيقها أن تمكن من إغلاق ملف الانتهاكات الجسيمة المرتبطة بالقمع السياسي. ورغم ذلك، فقد اعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن نتائج أشغال الهيئة إيجابية، ومن شأن إعمالها أن يطور الوضع الحقوقي ببلادنا، وطالبت مع كافة شركائها في الحركة الحقوقية المغربية بتطبيقها دون تماطل. إلا أنه وبعد مرور أربع سنوات كاملة على انتهاء أشغال الهيئة وحلها وتكليف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بالعمل على تطبيق قراراتها وتوصياتها، يلاحظ الجميع ضعف أو غياب هذا التطبيق سواء على مستوى الكشف عن مصير سائر المختطفين، أو تحديد هوية الرفات وتسليمها للأسر الراغبة في ذلك، أو استكمال الحقيقة بالنسبة لمجمل الانتهاكات، أو جبر الضرر الفردي (المادي، الصحي، الاجتماعي، المعنوي) والجماعي، أو الحفاظ على الذاكرة، أو اعتذار الدولة للضحايا والمجتمع، أو إغلاق ملف الاعتقال السياسي، أو أجرأة التوصيات المتعلقة بالإصلاحات الدستورية والقانونية والمؤسساتية لتفادي تكرار الانتهاكات الجسيمة في المستقبل، خاصة منها تلك التوصيات التي لا تتطلب مجهودا تقنيا أو مسطريا مثل إلغاء عقوبة الإعدام والانضمام للمحكمة الجنائية الدولية أو الانطلاق في وضع استراتيجية لعدم الإفلات من العقاب. وهذا ما يؤكد توظيف الدولة المغربية لعمل الهيئة ونتائجها كخطاب موجه للاستهلاك الخارجي في غياب إرادة سياسية حقيقة لإقرار حقوق الإنسان في شموليتها بدءا بتنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. وقد سبق للجمعية أن انتقدت محاولة الالتفاف من طرف رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان على نتائج الهيئة لإفراغها من مضمونها (التملص من المسؤولية بشأن ملف المهدي بن بركة، الإعلان بأن اعتذار الدولة قد تم عندما تحدث الملك في خطابه ليوم 06 يناير 2006 عن "الصفح الجميل"، اعتبار أن العائلات هي التي لا تريد الكشف عن الحقيقة بشأن بعض ملفات الاختطاف العالقة، تجميد تفعيل الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان، التعرض القضائي لنشر بعض الحقائق من طرف صحيفتي الجريدة الأولى والحياة،...) مذكرة بذلك الإعلان المذهل لرئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بأن سنة 2008 ستشهد تطبيق كافة قرارات وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة!!. كما تسجل الجمعية استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مناسبات متعددة أبرزها أحداث سيدي إفني في تناقض سافر مع توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة نفسها، وتسجل استمرار عدد من المتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في تحمل المسؤولية وفي مواقع حساسة دون الخضوع لأية مساءلة، كما تسجل استمرار ممارسات الاختطاف والتعذيب والاعتقال السياسي والانتهاك السافر لحرية الرأي والتعبير والصحافة. 3. إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي تستعد مع شركائها في الحركة الحقوقية لعقد المناظرة الوطنية الثانية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان: تعتبر لأن ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مازال مفتوحا مؤكدة من جديد أن إعمال المقاربة الحقوقية المبدئية والشمولية لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عاشتها بلادنا منذ 1956، والتي ظلت الجمعية تدعو إلى الأخذ بها، هو الكفيل بالطي النهائي لهذا الملف وفتح الباب أمام عدم تكرار الإنتهاكات الجسيمة مستقبلا، وتؤكد بالخصوص إن إقرار دستور ديمقراطي هو المدخل نحو بناء أسس دولة الحق والقانون باعتبارها الإطار الضروري لعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة. تعبر عن تشبثها بتوصيات المناظرة الوطنية الأولى حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مع العمل على تطويرها على ضوء التجربة المكتسبة ومسار الملف الحقوقي ببلادنا، خاصة فيما يتعلق بالمساءلة وعدم الإفلات من العقاب. تؤكد عزمها على النضال مع كافة شركائها من أجل التطبيق دون تماطل إضافي لقرارات وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة مما يستوجب سحب مسؤولية إعمال التوصيات من المجلس الاستشاري باعتباره مجرد هيئة استشارية وتحمل السلطة التنفيذية لمسؤوليتها كاملة في هذا المجال وكذا البرلمان باعتباره مسؤولا عن الجانب التشريعي.