سنة أخرى تمر بعد آخر تخليد لليوم الوطني للمهاجر والإشكاليات المرتبطة بمغاربة العالم في دول الإقامة تزيد تعقيدا، سنة أخرى تمر ومظاهر مساهمتهم في تنمية وطنهم الأم تزداد بروزا، سنة أخرى تمر وغياب قضاياهم عن النقاش العمومي المغربي تطرح أكثر من تساؤل حول العلاقة التي نريد تأسيسها مع هؤلاء المواطنين باعتبارهم جزء لا يتجزأ من الوطن. يأتي تخليد اليوم الوطني للمهاجر هذه السنة بتزامن مع ظرفية خاصة من تاريخ المغرب المؤسساتي، ظرفية شخّصها صاحب الجلالة الملك محمد السادس بدقة في خطابه الأخير بمناسبة عيد العرش عندما نبه إلى الأعطاب التي تواجه الإدارة العمومية وتضعف مردوديتها وتؤثر على حكامتها. لن نتطرق لعمق الإشكاليات المتعلقة بالهجرة المغربية، سواء الاقتصادية منها أو الاجتماعية أو الثقافية بمختلف مجتمعات الإقامة، ولأن المناسبة شرط، وهذه الظرفية تجعل من الأهم أن نسائل أنفسنا كمؤسسات مكلفة بتدبير قطاع استراتيجي تزيد الفئة المستهدفة منه على خمسة ملايين شخص ويساهم ب 62.6 مليار درهم على شكل تحويلات مالية، بحسب آخر تقرير سنوي لبنك المغرب، دون احتساب إسهامهم في تنشيط الحركة التجارية في مختلف المدن التي ينحدرون منها، خاصة في فترة العطلة الصيفية، ناهيك عن دورهم في التعريف بصورة المغرب، وفي جلب الاستثمارات ونقل الخبرات... إن هدف البناء الديمقراطي الحداثي الذي يسعى إليه المغرب يقتضي إشراك جميع المغاربة في هذا الورش، ومغاربة العالم لا يشكلون الاستثناء؛ لأنهم أتبثوا في مناسبات عدة وقوفهم إلى جانب وطنهم الأم وارتباطهم به واستعدادهم لخدمته. ومن أجل الاستجابة إلى خصوصية الهجرة، فقد اختار المغرب تحت قيادة صاحب الجلالة إيلاء أهمية خاصة لمغاربة العالم، وهو ما تجسد عبر مجموعة من الخطابات الملكية وأيضا من خلال خلق مجموعة من المؤسسات للإحاطة بقضاياهم والإجابة على متطلباتهم وفهم عمق إشكالياتهم. وبعيدا عن العدمية، فإنه من الجحود إنكار ما راكمه المغرب في مجال تدبير جالياته بالخارج، أو عدم التنويه بالمجهودات المبذولة في مجال السياسات العمومية في هذا المجال التي بدأت تعطي أكلها ولو بشكل تدريجي. ونحيي هنا تجاوب الحكومة الجديدة مع مذكرة مجلس الجالية المغربية بالخارج بإدراج عدد من النقاط المرتبطة بمغاربة العالم في التصريح الحكومي الذي عرض على ممثلي الأمة، ليكون بمثابة التزام للسلطة التنفيذية بالعمل على الاستجابة إلى جزء من هاته الإشكاليات خلال الولاية الحكومة. وكذا ننوه باستحضار بعد الهجرة في إنجاز بعض القوانين، مثل تعديل المادة 4 من القانون المتعلق بالحقوق العينية الهادف إلى حماية الممتلكات العقارية للمغاربة، بمن فيهم مغاربة العالم الذين يعانون بشكل كبير من مشكل الاستيلاء على ممتلكاتهم في فترات غيابهم، وتداعيات ذلك على حقوقهم كمواطنين مغاربة وعلى مناخ الاستثمار في الوطن الأم. كما نطمح إلى المزيد من المقترحات التشريعية والمبادرات الحكومية وغير الحكومية من أجل إشراك مغاربة العالم في المؤسسات العمومية، والاستفادة من الكفاءات والمهارات التي يتوفر عليها مغاربة العالم وجعلها رافعة للتنمية، سواء على الصعيد الوطني أو الجهوي أو المحلي. لقد وضع صاحب الجلالة في خطابه الأخير الخطوط العريضة لسير القطاعات العمومية، ومن السذاجة الاعتقاد بأن تدبير قطاع الجالية في شموليته غير معني بالتوجيهات الملكية أو أنه منزه عن الأعطاب التي يعاني منها الجسم الإداري المغربي. فجميع من ائتمن على مصالح الناس فهو معني بشكل مباشر، وجميع الفاعلين مدعوون لوضع نصب أعينهم هدفا واحدا هو العمل بفعالية وبروح المسؤولية، كل من مركزه ووفق اختصاصاته، من أجل خدمة مصالح مغاربة العالم. ونجدد بهذه المناسبة التذكير بأن مجلس الجالية المغربية بالخارج، كمؤسسة استشارية واستشرافية، يضع خبرته رهن إشارة كافة الفاعلين من أجل التحسين من جودة الخدمات المقدمة لمغاربة العالم في جميع المجالات، والسهر، كل ما اقتضت الضرورة، على تعميق النقاش والترافع حول القضايا والإشكاليات التي تواجه مغاربة العالم داخل الوطن وخارجه.