يعود اليوم الوطني للمهاجر الذي يحتفل به المغرب في العاشر من شهر غشت من كل سنة ليعيد تسليط الضوء على موضوع الهجرة ومغاربة العالم، وهو الموضوع الذي يبقى على هامش النقاشات المجتمعية في المغرب رغم كل المجهودات المبذولة، ورغم أن الأمر يتعلق بأزيد من 10 في المائة من المواطنين المغاربة وارتباط جميع العائلات تقريبا بالهجرة عبر أحد أبنائها أو أقاربها. يأتي تخليد اليوم الوطني للمهاجر هذه السنة في ظروف خاصة أقل ما يمكن القول عنها إنها ظروف صعبة عاشتها الجالية المغربية. فبالإضافة إلى الإشكاليات الاقتصادية التي ما زالت تعاني منها بعض الدول الأساسية للهجرة المغربية، عاشت الجالية المغربية في مجموعة من الدول الأوروبية ظروفا حرجة جراء الأعمال الإرهابية التي عرفتها مجموعة من المدن، والتي جعلت من الجاليات المسلمة بصفة عامة محط اتهام داخل مجتمعات الإقامة التي انتعشت فيها تيارات اليمين المتطرف. وبذلك أصبحت الجالية المغربية في فرنسا وبلجيكا، على سبيل المثال، ضحية معاناة مزدوجة لهذه العمليات الإرهابية، لكون بعض أبنائها كانوا متورطين فيها، من جهة، وسقط بعض من أفرادها ضحايا لها، من جهة أخرى، فكان لزاما عليها التعبير عن تنديدها قولا وفعلا وامتصاص المضايقات التي بات يتعرض لها أفرادها في العمل وفي الشارع من جراء ارتفاع منسوب العنصرية والإسلاموفوبيا. إلا أنه وعلى الرغم من هذه الظروف، فإن مغاربة العالم أبوا إلا أن يبقوا حريصين على المشاركة الايجابية في كل ما يرتبط بالوطن الأم؛ ابتداء من تحويلاتهم المالية إلى ذويهم، والتي يعود لها الفضل في انتعاش الاقتصاد الوطني والرفع من الاحتياطي من العملة الصعبة، وصولا إلى وقوفهم، من الصين إلى أمريكا، دفاعا عن القضايا الوطنية في وجه المعادين لوطنهم الأم، وهو ما ظهر جليا في المسيرات التضامنية خلال الأزمة السياسية مع الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة. من جانبه، ولمقابلة الحب بالحب، حرص جلالة الملك، ككل خطاب العرش، على التذكير بأهمية مغاربة العالم وضرورة التحسين من الخدمات المقدمة لهم. وزاد من حرص جلالته على تكريم مغاربة العالم وإيلاء الأهمية لهم، توشيحه بأوسمة ملكية بمناسبة عيد العرش ثلة من كفاءات مغاربة العالم الذين سطع نجمهم في سماء دول الإقامة وتألقوا في مجموعة من المجالات العلمية والتقنية والثقافية؛ وهي إشارة منه إلى أهمية هذه الكفاءات والدور الذي يمكن أن تلعبه في مغرب اليوم والغد. لقد أصبحت مسألة الكفاءات المغربية المنحدرة من الهجرة خيارا استراتيجيا للمغرب. وليس هناك أفضل وأضمن لمستقبل عدد من الأوراش المفتوحة في المغرب من اختيار كفاءات من مغاربة العالم، وهو اختيار سيمكن المغرب من الحصول على خبرة عالمية هو في حاجة إليها. فبخبرتهم يمكن أن يشكلوا قيمة مضافة للوطن الأم ورافعة قوية في إنجاح ورش الجهوية والديمقراطية التشاركية ومجالس الحكامة والهيئات الاستشارية، وكذا المشاريع الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي تراهن عليها بلادنا، وهي خبرة تساوي أضعاف قيمة التحويلات المالية إذا تمت الاستفادة منها على الوجه الصحيح. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية أصبح لزاما على جميع الفاعلين التحرك والعمل على إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل التي يعاني منها مغاربة العالم، وهي مطروحة طيلة السنة وعلى رأسها مشاكل العقار والقضاء ومختلف المعاملات الإدارية، بما يتماشى مع خصوصية هذه الفئة، مع ضرورة مراجعة السياسات العمومية من أجل تمكينهم من المساهمة الفعالة في تنمية بلادهم بشكل أفضل، والإجابة على انتظاراتهم في مختلف الميادين. لذلك نتمنى أن تكون هذه السنة محطة فارقة في تقديم الحلول التي تستجيب لتطلعات مغاربة العالم. ونحن نخلد اليوم الوطني للمهاجر، لا بد من أن نقف وقفة تقدير وإجلال عرفانا بالتضحيات التي قدمها ومازال مغاربة العالم، واعترافا بمساهماتهم غير المحدودة في تنمية المغرب. وكل عام ومغاربة العالم بألف خير. *الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج