بمناسبة انعقاد الجلسة البرلمانية يوم 8 ماي الماضي التي خصصت لمناقشة وضعية الجالية المغربية، وفي اطار التواصل المستمر القائم بين جريدة رسالة الامة ومختلف الفعاليات الجمعوية والمدنية المغربية المتواجدة بالخارج، جمعنا لقاء بالسيد شكراط محمد عبد الكبير نائب رئيس فيدرالية وداديات العمال والتجار المغاربة بفرنسا حيث أجرينا معه الحوار التالي : ________________ اجرى الحوار من باريس عبد الحكيم محي الدين____________________ * السيد شكراط، عقد البرلمان المغربي يوم 8 ماي المنصرم جلسة خاصة حول وضعية المغاربة المقيمين بالخارج حيث أجاب خلالها رئيس الحكومة المغربية عن أسئلة النواب البرلمانيين المتعلقة بهذا الموضوع، فهل لكم من رأي بهذا الخصوص ؟ ** لقد سبق أن أعدت الحكومة المغربية في إطار برنامجها العام مخططا بقصد تدبير الشؤون المتعلقة بالهجرة والمهاجرين المغاربة، لكنها لم تقم بنشر وتعميم نتائج التشخيص المخصص لأحوال الجالية والإشكاليات المطروحة أمامها من أجل إبراز وضعيتها كقضية إنسانية ضمن ظاهرة كونية تحتاج إلى المزيد من العناية والرعاية والاهتمام من طرف جميع الأطراف المعنية، بحيث إن الجالية المغربية ظلت تعيش منذ سنوات وضعية عصيبة بين تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية واستمرارية المشاكل البنيوية المزمنة التي تعترض سبيلها داخل وخارج أرض الوطن، مما يجعل معالجة شؤونها اليوم في حاجة إلى وضع مقاربة شاملة تراعي ترتيب الأولويات والتركيز على الضرورات الملحة. فبخصوص انعكاسات الأزمة العالمية على وضعية الجالية المغربية بالخارج، سبق للحكومة المغربية ماقبل الحالية أن أحدثت في سياق الأزمة العالمية "لجنة اليقظة الاستراتيجية" التي كلفت بتتبع وقع هذه الأزمة على الاقتصاد المغربي ووضع آليات للتشاور واقتراح تدابير عملية لتجاوز آثار الازمة، وقد أبرزت الخلاصات الأولية التي توصلت إليها ٍآنذاك اللجنة المذكورة - وهي الخلاصات التي تم تسجيلها في بلدان الاستقبال - أن تصاعد نسبة البطالة يمس بالخصوص المغاربة المقيمين بالخارج ضمن الجاليات الأجنبية، وأن هناك منحى تنازليا لحجم التحويلات المالية للجالية نحو المغرب. وقد أصدرت الدولة المغربية على إثر ذلك عدة تصريحات على لسان المسؤولين الحكوميين فيما يتعلق بالمواكبة الاجتماعية لأفراد الجالية دعت إلى ضرورة مواكبة المتضررين من الأزمة من طرف الأبناك المغربية وذلك بإعادة جدولة الديون المستحقة، ونادت بالعمل مع سلطات دول الإقامة من أجل إيجاد حلول للمشاكل الناجمة عن فقدان العمل أو عدم تجديد وثائق الإقامة، وتعزيز وتعميم المصالح الاجتماعية في السفارات والقنصليات المغربية للتخفيف من المعاناة الاجتماعية للمتضررين من الأزمة العالمية، كما دعت السلطات الحكومية آنذاك إلى تخفيض الرسوم القنصلية بنسبة 95 % لفائدة المغاربة المهاجرين المتضررين من الأزمة العالمية، ودعت الإدارات والمؤسسات الحكومية إلى فتح شبابيك خاصة بمغاربة العالم. وقد تلقت الفعاليات الجمعوية والمدنية المغربية بالخارج بوافر الاعتبار تلك التصريحات نظرا لكونها صدرت عن المسؤولين الحكوميين ٍآٍنذاك في اتجاه التخفيف من حدة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على أفراد الجالية المغربية بالخارج، لكن تلك التصريحات لم تفلح في امتصاص ماعلق بوضعية المغاربة المهاجرين من آثار سلبية بعضها ناتج عن الأزمة الاقتصادية وبعضها الغالب يكتسي - للأسف الشديد - طابعا مزمنا ناتجا عن تراكمات واختلالات بنيوية شابت خلال عقود من الزمن ملف تدبير الشأن العام المتعلق بالجالية وقضايا الهجرة. إذا كانت غالبية الإجراءات والتدابير الحكومية التي اتخذت أو أعلن عن اتخاذها منذ عقود بخصوص الجالية المغربية قد صدرت على شكل شعارات عامة تتخذ من الطابع التحفيزي مطية لها سهلة المنال، وهدفت في غالب الأمر إلى تحقيق مصلحة الدولة قبل الاهتمام في الأساس بمصلحة المغاربة المهاجرين، وسعت إلى تحفيز الجالية على مضاعفة تحويلاتها من العملة الصعبة وإلى تشجيع استثماراتها في المغرب ومشاركتها في مشاريع وأوراش التنمية، وهدفت إلى غير ذلك من المصالح التي وإن كانت في حقيقة الأمر حيوية واستراتيجية وتهم التنمية الاقتصادية والبشرية للوطن، فإن الضرورة تحتم اليوم أن تكون مقاربة شؤون الجالية من طرف الجانب الحكومي متوخية أيضا وبالأساس مصالح المغاربة المهاجرين، وذلك بتحفيزهم على سبيل المثال عبر تسهيلات وامتيازات تتلاءم وحجم مساهمتهم في هذه التنمية حتى يكون مجال المصلحة متبادلا وتكون الفائدة مشتركة. * السيد شكراط، هناك عدة مؤسسات تتنوع مهامها وتتقاطع في اتجاه خدمة شؤون الجالية المغربية ومن ضمنها الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بشؤون المغاربة المقيمين بالخارج ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج ومؤسسة محمد الخامس للتضامن ومجلس الجالية المغربية بالخارج، فما هو الدور الذي يقوم به هذا الأخير ضمن لائحة المؤسسات المذكورة ؟ ** مجلس الجالية الذي أحدث في إطار العناية الخاصة التي يوليها جلالة الملك محمد السادس للمواطنين المغاربة المقيمين بالخارج ولهيئاتهم المدنية جاء ثمرة برنامج الاستشارات مع المجتمع المدني الذي كان طرفا في بلورة رؤية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في إطار البحث عن مقاربة جديدة تشاركية لتدبير ملف مغاربة العالم. وقد تطلبت تلك الاستشارات إقامة أربع مناظرات كبرى وأكثر من60 ندوة واجتماعا شملت 20 بلد إقامة للمغاربة بالخارج، وتمت موافاة كثير من الفعاليات المدنية والجمعوية باستمارات خطية وأخرى عبر الانترنيت، وعقدت لقاءات مع الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني، كما استعان المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وقتئذ بآراء القطاعات الحكومية والمؤسسات المتدخلة في تدبير شؤون الهجرة والجالية، وتم له الاستئناس بآراء عدد كبير من جمعيات المغاربة المهاجرين والشخصيات التي طلبت من المجلس الاستماع إليها، بحيث عرف هذا المسلسل التشاوري إشراك ومساهمة الآلاف من الفاعلين الجمعويين والسياسيين والمنتخبين والمبدعين والمقاولين والمسؤولين الدينيين والباحثين الذين دونت آرآؤهم وملاحظاتهم واقتراحاتهم في تقرير المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي رفع رأيه الإستشاري لجلالة الملك وعلى أساسه حددت مواد الظهير المؤسس لمجلس الجالية المغربية بالخارج. فبعدما انتظرنا وقتا طويلا كي يجتهد مجلس الجالية في اتجاه تطوير المهمة الاستشارية المناطة به ووضع استراتيجية وطنية استشرافية للسياسات العمومية في مجال تدبير شؤون الهجرة والجالية، يتضح اليوم للجميع غياب الاستراتيجية المطلوب وضعها رغم أن ولاية المجلس قد دامت أكثر من خمس سنوات. فلا يمكننا إلا أن نطالب هذا المجلس بعد ولايته التي انتهت عمليا وقانونيا بإعداد و تقديم الإجابات العمومية الملائمة للمطالب المتعلقة بمغاربة الخارج، لأن هؤلاء المغاربة، بعد مسلسل الإقصاءات الذي يعانون منه بسبب عدم وجود ممثلين برلمانيين منتخبين ينوبون عنهم لدى أهل القرار ببلادنا، ويسبب عدم قيام مجلس الجالية بواجب تقديم الرأي الإستشاري خاصة بعدما صدر الدستور الجديد ومرت الانتخابات التشريعية دون مشاركة أفراد الجالية فيها انطلاقا من مواقع إقامتهم بالخارج ، وفي هذه المرحلة السياسية الحساسة بالذات التي تمر بها بلادنا في سياق ما أفرزه الربيع العربي من شعارات ومطالب، لم يجدوا كمواطنين مغتربين خارج أرض الوطن سوى الجمعيات والمجتمع المدني كهيئات وسيطة للدفاع عن مصالحهم والتعبير عن آرائهم واختياراتهم عن طريق فعاليات مدنية وجمعوية وطنية مشهود لها بالتطوع والتضحية في خدمة ورعاية شؤون ومصالح الجالية بالخارج. إن قافلة المجتمع المدني لمغاربة العالم سائرة بثبات في طريق فرض التشاركية والمشاركة لأبناء المغرب المقيمين بالخارج، انسجاما مع المرحلة التي يجري التأسيس لها ببلادنا والتي تعتمد على تثمين دور المجتمع المدني الذي ارتقى به المشرع المغربي دستوريا إلى أن جعله مصدرا مقترحا للتشريع. فلا بد من العمل على رد الإعتبار للهيئات المدنية بالخارج وجعل حد لحالة الإقصاء والدونية التي لحقتها من تجاهل مجلس الجالية لها، وهو الذي من المفروض والواجب عليه أن يعزز التواصل معها في إطار إعداد المجلس لمشوراته ومقترحاته من أجل تمكين الجالية المغربية من تمثيلية ديمقراطية حقة وذات مصداقية داخل المؤسسات النيابية الدستورية الوطنية. فلا يمكن إنكار العمل الجبار الذي قامت وتقوم به جمعيات مغاربة الخارج في تأطير الجالية المغربية وفرض حضورها في الساحة الوطنية والدولية في أكثر من مناسبة، سواء من خلال وقفاتها ومسيراتها الاحتجاجية والدفاعية بخصوص وحدتنا الوطنية والترابية في مختلف العواصم العالمية، أو من خلال إسهاماتها التطوعية في المشاريع الاجتماعية والتنموية ببلادنا، أو عبر حملاتها التي شاركت من خلالها في النقاشات الوطنية مثل تلك التي تمت حول مقتضيات دستور 2011 أو من خلال تعبئتها لمغاربة العالم في العديد والعديد من المناسبات نصرة للقضايا الوطنية. ونظرا لماسلف ذكره، تظل المؤسسات الوطنية المكلفة بشؤون الجالية المغربية مدعوة الى دعم مبادرات الفاعلين الجمعويين المغاربة بالخارج ومشاريعهم، والسعي إلى الاستماع إلى آرآئهم وانتقاداتهم وحمل أنشطتهم إلى الجهات المعنية بها ونقل مطالبهم إلى المؤسسات العمومية التي يهمها الأمر. بل من الواجب على مجلس الجالية عقد لقاءات للتواصل مع المواطنين المغاربة بالخارج علما بأن عددا كبيرا من هؤلاء يعتقدون -عن جهل أو عن خلط - بأن مهمته تكمن أساسا في الدفاع عن ملفاتهم وشؤونهم الشخصية والخاصة كالسكن والتجمع العائلي وغيرها من المشاكل والملفات التي تهمهم في حياتهم اليومية، بينما الظهير الملكي المحدث للمجلس يحدد مهام واختصاصات هذا الأخير في كونها استشارية واقتراحية قبل كل شيء. ولهذا، يبدو حريا بمجلس الجالية أن يتحرك في إطار برنامج تواصلي مع الفعاليات المدنية المقيمة بالخارج والجمعيات المؤطرة للجالية، لكي يوضح لمغاربة الخارج ما يجب توضيحه من مغالطات يكون في الغالب سببها انعدام الرؤية الواضحة وغياب الفهم القويم والإدراك السليم للمهام والاختصاصات المنوطة رسميا بمجلس الجالية حسب ما بينه نص الظهير الملكي المؤسس له. * السيد شكراط، بعدما مر أكثر من خمس سنوات على إحداث مجلس الجالية هل لك من رأي حول حصيلة أشغاله منذ تأسيسه إلى اليوم ؟ ** يمكن القول بأن هناك مهاما قد نص عليها الظهير المؤسس لمجلس الجالية وعهد بها إلى تشكيلته الحالية ولاتزال النتائج المتعلقة بإنجازها غير معروفة وغير مصرح بها رسميا وبصفة علنية. ويتعلق الأمر على الخصوص بمسألة إعداد الضمانات الكفيلة بتمكين أبناء الجالية المغربية بالخارج، حيثما كانوا، من حقوق المواطنة الكاملة عبر رفع توصيات تخص الضمانات اللازمة لاختيار مجلس مقبل يتمتع بمزيد من التمثيلية، وكذلك بتوفير الشروط الكفيلة بضمان تمثيلية حقة وشاملة للمواطنين المغاربة في الخارج في كافة مجالات الحياة العامة الوطنية وفي مختلف المؤسسات النيابية الوطنية وعلى رأسها البرلمان. كما أننا ليس لنا علم بما يدور حول مهمة المجلس الحالي المتعلقة بإعداد مشوراته ومقترحاته الخاصة بتحديد تركيبة وكيفية تنصيب المجالس المقبلة، وبالتالي ليس بالإمكان توقع النتائج المحتملة لمهمته تلك. كل ما يمكن قوله هو أن هذا المجلس الذي دامت ولايته أكثر من خمس سنوات لم يعلن بعدها عن اقتراحه للصيغة الأكثر ملاءمة لتشكيله في الآجال المقبلة، ولم يوضح بعد ما إذا كانت هذه الصيغة ستحتاج إلى اعتماد إحدى الوسيلتين، التعيين أوالانتخاب، أو كلتيهما، لتحديد وتنصيب تشكيلة المجالس المقبلة بنسب متباينة ومحددة، أو الاكتفاء بما تم في مرحلة التأسيس أي انتقاء وتعيين الأعضاء لمدة ولاية كاملة من ضمن الشخصيات المغربية الأكثر تأهيلا للإسهام في الإنجاز الجيد لمهام المجلس. وقد أضحى اليوم عدد كبير من جمعيات المغاربة بالخارج يعبر عن عدة تساؤلات بخصوص أشكال التمثيلية والمشاركة السياسية التي تسعى بلادنا إلى إقرارها في باب التدبير الديمقراطي لشؤون الجالية، بحيث أنها أضحت تطرح تساؤلاتها على النحو التالي : هل سيكون هناك إقرار لشكل من أشكال المشاركة الديمقراطية المرتكزة على التمثيلية النيابية أم سيبقى المجال مفتوحا فحسب للمشاركات السياسية والمدنية الفردية والإسهامات التطوعية لأفراد الجالية ؟ هل ستكتفي بلادنا بالإبقاء على مجلس الجالية كمؤسسة تختص لوحدها بتمثيل الجالية المغربية لدى الفرقاء الحكوميين ومختلف الهيئات والمؤسسات الدستورية والنيابية الوطنية أم ستعمد الدولة إلى إقرار نمط الاقتراع لكي ينبثق عن نتائجه مستشارون برلمانيون يمثلون الجالية المغربية في المؤسسة التشريعية المغربية خلال النتخابات المقبلة ؟ متى وكيف سيستكمل مجلس الجالية تشكيلته الحالية ؟ وكيف ستحظى الأجيال الجديدة لمغاربة الخارج بحق مشاركتها السياسية وتمثيلها لدى المؤسسات الدستورية والنيابية الوطنية انطلاقا من مواقع إقامتها في بلدان الإقامة ؟ إذا كانت مثل هذه التساؤلات الصادرة عن الفعاليات المدنية وجمعيات المغاربة بالخارج لا تسمح بإهمالها في حق أبناء جاليتنا على الخصوص وفي حق بلادنا على العموم، فإن من الواجب اعتبار التعبير الصادر في شأنها بمثابة مطلب ينشد تفعيل صيغة اخرى من صيغ الدفاع عن حقوق الجالية المغربية ومصالحها خارج وداخل أرض الوطن. مطلوب إذن من مجلس الجالية أن يسعى إلي تحصيل الآراء والاقتراحات الصادرة عن مختلف النخب المغربية والجمعيات وفعاليات المجتمع المدني المغربي بالخارج في شأن الإعداد لتنصيب التركيبات المقبلة للمجلس. خاصة وأن المادة 25من الظهير الشريف المحدث لمجلس الجالية في تركيبته الحالية تنص على كونه يتولى مهمة " تعميق الدراسات والاستشارات اللازمة ليرفع إلى نظر جلالة الملك اقتراحات وجيهة بشأن تصوره لتركيبته والكيفيات الأكثر ملاءمة لاختيار أعضائه، ويتعين على المجلس الحرص على ضمان أفضل وأنجع تمثيلية للمغاربة بالخارج". ولهذا يبدو حريا بالمجلس أن ينظم نقاشات موسعة بخصوص هذا الشأن العام وأن يشرك فيها مختلف المهتمين بالأمر من الجمعيات وفعاليات المجتمع المدني المغربي بأرض المهجر وكذا المعنيين به على مستوى أرض الوطن عبر تنظيم ندوات موضوعاتية يشارك فيها مغاربة العالم حسب مجالات اهتمامهم أو اختصاصهم أو حسب بلدان إقامتهم. وعليه، فالمجلس مدعو إلى الإسهام في تيسير سبل المشاركة الواسعة والمنظمة والفعالة لمغاربة الخارج في الحياة الديمقراطية للمملكة، أخذا بعين الاعتبار التجارب المقارنة لبعض البلدان عبر العالم التي تنظم مثل تلك المشاركة. ويتعلق الأمر بتدبر نوعية وحجم التمثيل السياسي لمغاربة الخارج ضمن المؤسسات الوطنية النيابية، وضبط شروط ممارسة حقي التصويت والترشح أو فقدانهما، وتجنب تنازع الجنسيات، وتحديد حالات التنافي المرتبطة بمختلف أوضاع المهاجرين، وإيجاد أنماط الاقتراع وطرائق التصويت عن بعد، الملائمة لأوضاع مغاربة العالم في بلدان الإقامة. ولا زلنا ننتظر مع المنتظرين توصيات وإشارات ومقترحات مجلس الجالية المغربية خاصة وأن مدة ولايته المحددة بموجب الظهير الشريف المؤسس له قد انتهت . *ما هي في رأيك أنسب مؤسسة نيابية دستورية يمكن أن تتحقق عبرها للجالية المغربية مشاركتها السياسية في إطار تمثيلية ديمقراطية ناجعة وذات مصداقية ؟ ** إذا كان لابد من الحديث عن المواقع الممكنة الوجود لتمثيل الجالية المغربية داخل المؤسسات النيابية الوطنية، فإنني أرى من الأنسب والأنجع أن يأتي مجلس المستشارين على رأسها، حيث أن عددا من أعضاء هذا المجلس ينتخبون من داخل مؤسسات مهنية وهيئات ومجالس نيابية أخرى. واحتضان مجلس المستشارين لنواب عن الجالية المغربية بالخارج لايمكن أن يحصل دون إسهام جمعيات المغاربة المهاجرين المتواجدة مقراتها خارج أرض الوطن في الإعداد لهذه التجربة النيابية، بحيث وجب اعتماد أنجع التجارب التي مارستها وكرست السبق إليها بعض الديمقراطيات الأجنبية، ونجد مثالا عنها في بعض المؤسسات الفرنسية وبالأخص منها مجلس الشيوخ، خاصة وأن تمثيل الجالية المغربية على صعيد المؤسسات النيابية الدستورية الوطنية ظل منعدم الوجود منذ انتهاء الولاية البرلمانية لسنة 1984، كما أرى من الأنسب والأنجع أن يحتضن مجلس المستشارين ممثلين عن الجالية المغربية بعدما يتم الإعداد القانوني والمادي اللازم لتأطير وتفعيل هذه التجربة النيابية لفائدة مغاربة العالم. لقد ارتأيت تقديم هذه المقترحات لأنني أراها متماشية في الوقت الراهن مع الإطار العام للسياسة الشمولية التي تنهجها بلادنا في باب العناية بأحوال الجالية المغربية، بحيث تتخذ هذه السياسة كمرجعية لتفعيلها توجيهات صاحب الجلالة المضمنة في خطبه السامية الموجهة إلى الأمة ومن ضمنها خطاب 6 نونبر 2005 الذي أعلن جلالته من خلاله عن قرارات تتعلق بإحداث مجلس الجالية وإقرار حق تمثيل الجالية المغربية بالبرلمان، وإحداث دوائر انتخابية بالخارج، وتمكين الأجيال الصاعدة ضمن مغاربة العالم من الترشح والتصويت في الاستحقاقات الانتخابية طبقا لمبدإ المساواة في المواطنة. وأرى أن الوقت قد حان لكي يرفع مجلس الجالية إشارة ترمي إلى تحقيق هذا المشروع الديمقراطي الشمولي خاصة بعدما تم التنصيص عليه في الدستور الجديد. إذا كان البعض يعتبر عن خطإ مشاركة الجالية المغربية في الانتخابات غاية يسعى أفراد الجالية إلى بلوغها في حد ذاتها للوقوف عندها دون تجاوزها لإدراك مقاصدها، فقد وجب القول بأن هذه المشاركة مطلوبة ومقصودة كوسيلة لتمكين الجالية من ممارسة مواطنتها كاملة غير مبثورة، ولهذا فإن مشاركة مغاربة الخارج في الحياة السياسية بوجه عام يجب أن تعتبر وسيلة لا غاية في حد ذاتها فحسب. وما مطالبة جمعيات مغاربة العالم بتفعيل الحكومة والبرلمان لمواد الدستور الجديد بموجب قوانين تنظيمية من الواجب إصدارها في هذا الباب إلا وسيلة لتمكين الجالية المغربية من كامل حقوقها، وذلك تشجيعا لإسهامها المتواصل في خدمة المصالح العليا لبلادنا بشكل يساعد هذه الأخيرة على إدراك غاياتها الاستراتيجية، بدءا بتكريس انفتاحها السياسي والديمقراطي وصيانة هويتها ووحدتها الترابية والوطنية وبلورة سياساتها الاقتصادية والتنموية ونشر إشعاعها الثقافي والحضاري على الصعيد الدولي، خاصة بعدما تأكد أن للكفاءات المغربية المقيمة بشتى أنحاء العالم رغبة في الإسهام انطلاقا من مواقع إقامتها في البرنامج التنموي العام وفي الانقتاح الديمقراطي والإصلاح السياسي الذي انخرط فيه المغرب انخراطا أكيدا ولا رجعة فيه. * السيد شكراط،صرح رئيس الحكومة خلال إجابته على أسئلة النواب البرلمانيين في جلسة 8 ماي المنصرم بأن الحكومة المغربية سعت إلى مواكبة مغاربة العالم المتضررين من الأزمة العالمية، هل تلمسون لدى أفراد الجالية بحكم نشاطكم الجمعوي مدى تأثير هذه المواكبة على وضعيتهم في خضم الأزمة الحالية التي تشهدها فرنسا كغيرها من دول الإقامة ؟ ** إن الطرح المتناول بخصوص مواكبة مغاربة العالم المتضررين من الأزمة العالمية من طرف الأبناك المغربية بواسطة إعادة جدولة الديون المستحقة يبدو وكأنه طرح لا يتعدى - في باب المواكبة الاجتماعية - حدود النية والتعبير عن الاستعداد والرغبة فقط لاغير، لأن المضمون الفعلي والقرار الحقيقي والفعال لهذا الإجراء المعبر عنه يبقى من اختصاص المؤسسات البنكية ورهن مسؤوليتها ورهينة إرادتها وقرارها في قبول أو رفض الاستجابة للطلبات المقدمة إليها من طرف المغاربة المهاجرين المتضررين من الأزمة حين مراجعتها لجدولة ديونهم المستحقة. وفيما يخص التزام سلطات دول الإقامة بالعمل مع البلد الأصلي على إيجاد حلول للمشاكل الناجمة عن فقدان العمل او عدم تجديد وثائق الإقامة، فان الحسم فيه يبقى بيد سلطات دول الإقامة ورهن مسؤوليتها ورهينة قرارات قبولها أو رفضها للطلبات المقدمة إليها من طرف الحكومة المغربية، خاصة وأن دول الإقامة في أوربا تتخذ كمرجعية لها قبل البت في مثل هذه الشؤون ما توصي به أو تفرضه فرضا ترسانة الإجراءات والقرارات والقوانين الصادرة عن البرلمان الأوربي والمفوضية الأوربية. أما فيما يخص الإجراء القاضي بوضع الإدارات والمؤسسات الحكومية المغربية لشبابيك خاصة بمغاربة العالم، فإنه إجراء مطروح مبدئيا وبشكل صوري منذ مايزيد عن ثلاثة عقود من الزمن، بحيث من الملاحظ في أغلب الأحوال أن بعض الإدارات والمؤسسات العمومية تخرج إلى الوجود ابتداء من 15 يونيو وإلى غاية أواخر شهر شتنبر من كل سنة يافطات تضعها على واجهات مكاتبها بعد أن يكتب عليها عبارة " شباك خاص بأفراد الجالية المغربية بالخارج" ليتم في حقيقة الأمر ترك المكتب العارض لليافطة خاليا من كل وكيل إداري قادر على الإشراف بحزم وفعالية على تدبير شؤون أفراد الجالية، مما يجعل هؤلاء معرضين كغيرهم من المواطنين إلى ما هو مألوف من زخم وصخب وزبونية ومحسوبية وما إلى ذلك من أنواع الفوضى العارمة المشهودة عبر طوابير وجحافل المنتظرين أمام مكاتب الإدارات والمؤسسات العمومية، ويظل المغاربة المهاجرون العائدون إلى أرض الوطن خلال عطلتهم السنوية قابعين طوال ساعات وأيام وربما أسابيع أمام تلك المكاتب من أجل الحصول على خدمات إدارية قد لا يتطلب إسداؤها في حقيقة الأمر إلا بضع دقائق. يضاف إلى هذا أنه على مستوى التنسيق والتدبير التشاركي الهادف إلى اتخاذ القرارات الخاصة بالمغاربة المهاجرين، يتم في غالب الأمر تغييب الفعاليات الجمعوية والمدنية المغربية بالخارج علاوة على انعدام التمثيلية البرلمانية المفترض وجودها لإقرار الديمقراطية التشاركية الفاعلة والحقيقية التي قد يكون لها دور مؤثر وفعال اذا تم الأخذ بها فيما يتعلق بإحداث وتفعيل الإجراءات الهادفة إلى المواكبة الاجتماعية لأفراد الجالية. غير خاف على أحد أن هناك معيقات كثيرة تعترض سبيل المغربي المهاجر على الخصوص، وتتجلى في عدم تمركز القرار المتعلق بالإجابة على مختلف طلباته، بحيث أن هناك تعددا في الأجهزة والإدارات العمومية ومصالحها المعنية، وتداخلا في أدوارها يكاد يصبو إلى التناقض في بعض الأحيان، كما يأتي على ألسنة أفراد الجالية أن هناك سلوكات سلبية صارخة تصدر عن بعض وكلاء الإدارات العمومية التي يلجأ إليها المهاجر المغربي. وهذا من شأنه إعاقة عمليات الاستثمار وتنفير المواطنين المهاجرين من العودة والاستقرار ببلدهم والاستثمار فيه وتحويل أموالهم إليه. من جانب آخر، يمكن القول بأن الإجراءات والتدابير الحكومية المعلن عنها في باب المواكبة الاجتماعية للمغاربة المهاجرين من شأنها إيلاء مزيد من الاهتمام بأوضاع المغاربة المتواجدين داخل السجون بالخارج ، حيث أن هذا الشان يتطلب مزيدا من الدعم للمصالح الاجتماعية المتواجدة بالقنصليات المغربية من أجل مدها بالوسائل البشرية والمادية اللازمة لتمكينها من تنظيم زيارات دورية للسجناء المغاربة في سجون البلدان الأجنبية. الملف الاجتماعي الخاص بالجالية يفرض أن يكون هناك أيضا مزيد من العناية بوضعية القاصرين وبقضايا المرأة المغربية بالخارج وبأوضاع الطلبة المغاربة في المدارس والجامعات الأجنبية، كما يدعو إلى التكفل بنقل جنازات الموتى المغاربة لأجل الدفن في أرض الوطن بالنسبة للأسر غير القادرة على أذاء واجبات التأمين الخاصة بهذا الشأن. وعلى صعيد آخر، تظل عدة جمعيات مغربية بالخارج تنادي بالرفع من نسبة الكوطا الخاص بأفراد الجالية ذوي الدخل المحدود الراغبين في الحصول على سكن اجتماعي بالمغرب. وهذه كلها مواضيع اجتماعية لها جانب كبير من الأهمية ومن الواجب إيلاؤها الاهتمام الحقيقي. باستثناء ماذكر، إذا كانت هناك من سياسة حكومية جديدة في باب المواكبة الاجتماعية للجالية المغربية في ظل تداعيات الأزمة العالمية الحالية، فإن الضرورة توجب الإعلان عن مضامينها العملية، وتبيان آلياتها التحفيزية، القانونية والتمويلية، وعرض شروطها المفروضة، وبسط أهدافها المقصودة، حتى يتسنى لمختلف الشرائح المكونة للجالية المغربية المقيمة بالخارج، الراغبة في الإسهام بقدراتها وعطاءاتها وتجربتها وتكوينها في البرنامج التنموي العام بالمغرب أن تكون على علم واضطلاع بها قبل وأثناء إقدامها على إنجاز مشاريعها التنموية بأرض الوطن. إذا كان من الممكن أن يحسب في عداد انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية على الجالية المغربية بالخارج تراجع تحويلاتها المالية، وإقدام العديد من مغاربة العالم على بيع ممتلكاتهم لتسديد أقساط القروض المستحقة عليهم لفائدة المؤسسات البنكية والمصارف الأوربية، وتفشي ظاهرة البطالة بين أفراد الجالية في الخارج، فإنه من المفروض أن يحسب في عداد الإشكاليات البنيوية والاختلالات المتواصلة والرواسب المزمنة التي عاشها الملف الخاص بتدبير الشان العام المتعلق بالجالية منذ عقود غياب التدابير العملية في اتجاه التخفيض الضريبي (أو الاعفاء النسبي من الضريبة) عن الأملاك العقارية المعدة للسكن بالمغرب من طرف أفراد الجالية، وغياب الإجراءات اللازمة لمواجهة حجم التظلمات والشكايات التي تتردد على ألسنة مغاربة الخارج بخصوص التعقيدات التي تعترض طلباتهم الموجهة إلى المصالح الإدارية المغربية كطلبات الترخيص بالبناء وغيرها، والإشكاليات التي يجدونها داخل أرض الوطن بخصوص القضايا المرتبطة بتعرض ممتلكاتهم للسطو والترامي، والنزاعات التي يعانون منها كتلك المتعلقة بمستحقات الأكرية وخيانة الأمانة التي غالبا ما يكونون ضحيتها، وما إلى ذلك من أساليب النهب والابتزاز التي تعترض سبيلهم داخل أرض الوطن، علاوة على أنهم يكونون أيضا خارج المغرب عرضة في بعض الأحيان للاعتداءات العنصرية بسبب انتمائهم الأصلي والعرقي دونما أي تدخل لحمايتهم بصفتهم مواطنين مغاربة. من جانب آخر، يلاحظ أن أول اتصال لمغاربة الخارج مع أرض وطنهم خلال عودتهم لقضاء عطلهم أو لقضاء أغراضهم الخاصة يكون مع نقط المراقبة الحدودية للجمارك والشرطة، وهذا الاتصال الأول من المفروض أن يكون اتصالا إيجابيا وأن يتحقق بشكل طبيعي في إطار عملية العبور خصوصا في موسم العودة. إلا أنه من المؤسف أن تتناقل وسائل الإعلام الوطنية أنباء مخجلة حول السلوكات غير اللائقة ذات الصلة بالرشوة وسوء المعاملة الممارسة على أفراد الجالية من قبل عدد من عناصر الأمن والجمارك العاملين في عدد من المراكز الحدودية للمملكة، حيث أنه قبل سنة، أوردت وسائل الإعلام الوطنية أن جلالة الملك محمد السادس أمر بفتح تحقيق على إثر شكاوى تقدم بها عدد من المواطنين المغاربة المقيمين في الخارج بشأن تعرضهم لسوء المعاملة في عدد من نقط العبور، وأن جلالته قام شخصيا بمتابعة هذا الملف المسيء إلى صورة المغرب والمغاربةمن أجل تفادي تكرار مثل هذه الأعمال المشينة. هناك إذن من الإشكاليات ما يمكن حصره في عداد الانعكاسات السلبية التي فرضتها الأزمة الاقتصادية العالمية على أوضاع المغاربة المهاجرين، وهناك ما يجب اعتباره من قبيل نتائج التدابير غير المحكمة والسياسات غير الصائبة التي أثرت منذ زمن بعيد وبشكل سلبي ومزمن على أوضاع الجالية المغربية. * السيد شكراط، هل هناك مشاكل أخرى تهم مغاربة الخارج وتجب الإشارة إليها في هذا السياق ؟ ** بطبيعة الحال، هناك مشاكل متعددة أخرى نذكر من بينها التساؤلات المطروحة حول الخصاص في عمل الحكومة اتجاه وضعية النساء المهاجرات وأحوال المهاجرين المتقاعدين والمسنين، حيث أننا لا نعلم الدور الذي يقوم به مجلس الجالية في هذا المجال مع أنه يضم فريقا للعمل مكلفا بمقاربة النوع والأجيال الصاعدة، وفريقا آخر مكلفا بالسياسات العمومية وحقوق مستعملي الإدارة، وكل ما في الأمر أن المجلس عقد ندوة في ماي 2009 بالدار البيضاء تطرقت لموضوع المغاربة المهاجرين المتقاعدين والمسنين، وتم بعدها عقد عدد من الاجتماعات مع عدد من جمعيات مغاربة الخارج لم تحقق النتائج المرجوة من ورائها سوى تقريرا صدر في نفس الموضوع تحت عنوان "إدراك سن الشيخوخة في المهجر" . هناك من ضمن المشاكل التي تهم المغاربة المهاجرين المتقاعدين والمسنين مشكل انعدام نظام للتغطية الصحية بالمغرب خاص بهذه الفئة الاجتماعية، مع أن المصحات والعيادات المتعددة التخصاصات "les polycliniques" قد أنشئت أصلا لكي يستفيد أيضا من خدماتها الصحية العمال والتجار المغاربة المشتغلون بالخارج. وبالرغم من كون صندوق الضمان الاجتماعي المغربي يقوم بدور الوسيط بين هذه الفئة الاجتماعية وبعض صناديق التأمين عن المرض الأوربية والأجنبية نجد أن عددا كبيرا من مغاربة العالم يجهلون هذا الأمر بسبب انعدام التواصل بين صندوق الضمان الاجتماعي المغربي والمواطنين المغاربة المهاجرين. هناك أيضا من بين المشاكل التي يعرفها الجيل الأول من المهاجرين، مشكل غياب مصالح مغربية كفيلة بالعمل في إطار مهني ومؤسسي يتولى إحضار جثامين الموتى المغاربة من الخارج إلى أرض الوطن لأجل الدفن، علما بأن الأبناك لا تؤمن هذه الوسيلة للأشخاص البالغة أعمارهم أكثر من 65 سنة مع أنها تؤمن تحويلاتهم نحو المغرب، ويظل مغاربة الخارج يلجأون لحد الآن إلى استعطاف بعضهم البعض من أجل جمع المال الذي يمكنهم من نقل جثامين الموتى المغاربة لدفنها على أرض الوطن. وأخيرا، هناك مسألة أخرى وجبت إثارة الانتباه حولها وهي تخص اللجان الثنائية المختلطة المغربية – الأجنبية التي تعقد من حين لآخر، فإنها غالبا ما تقوم بأشغالها في تغييب تام لمنهجية التشاور مع مغاربة الخارج عبر الجمعيات والمؤسسات التي ينتمون إليها، خاصة وأن غالبية الموظفين والإداريين المشاركين في تلك اللجان لا يلمون الإلمام الكافي بالإشكاليات التي تعترض سبيل الجالية، بحيث يظل مطلوبا من المسؤولين المغاربة المشاركين في تلك اللجان الثنائية المختلطة أن يتطرقوا إلى المشاكل التي يعاني منها المغاربة المهاجرون غير الحاصلين على جنسيات دول الإقامة، كما يظل مطلوبا من الحكومة المغربية أيضا إيجاد منهجية للتشاور والتنسيق مع الفعاليات المدنية والجمعوية والفرقاء الاجتماعيين المغاربة بالخارج من أجل إعداد القرارات والسياسات العمومية المتعلقة بالمغاربة المقيمين بالخارج. من جانب آخر، أحدثت الدولة المغربية عدة آليات بقصد إشراك المغاربة المقيمين بالخارج في الحياة العامة الوطنية فكان من ضمنها - علاوة على الملفات التي تخص تأطير الهوية المغربية وتدبير الشأن الديني وتعليم اللغتين العربية والأمازيغية لأبناء الجالية بالخارج - ملفات لا تزال عالقة وتهم على الخصوص إنشاء مراكز ثقافية مغربية في بعض العواصم العالمية. فالبرنامج المتعلق بشؤون الجالية المغربية برنامج عام وشامل من المفروض أن تتولى إنجازه بشكل منسق فيما بينها كل من الوزارة المنتذبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون، ووزارة العدل والحريات، ووزارة الافتصاد والمالية، ووزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة، والوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج ومجلس الجالية المغربية بالخارج، حيث أن البرنامج المنتظر من هذه المؤسسات كلها يتطلب تكوين لجنة تتولى التنسيق فيما بين هذه الوزارات والمؤسسات لكي ترقى بأحوال الجالية نحو المسار الذي يتوخاه الجميع لأجل النهوض ببلادنا إلى مصاف أرقى وأفضل. لقد تأكد أن هناك رغبة قوية لدي أفراد الجالية المغربية في الإسهام انطلاقا من مقرات إقامتهم بشتي أنحاء العالم في البرنامج التنموي العام الذي انخرطت فيه بلادنا، لكن هناك مطلبا من مطالب أفراد جاليتنا لايزال عالقا لحد الآن، وهو يخص تمثيلهم في المؤسسات النيابية الوطنية وعلى رأسها البرلمان، وذلك تجسيدا لمبدإ المساواة في المواطنة على أرض الواقع بموجب الدستور والقوانين التنظيمية التي من المنتظر أن ترتبط به. إن المطلب الصادر في هذا الشأن عن جمعيات المغاربة بالخارج وجب اعتباره بمثابة مطلب ينشد تفعيل صيغة فعلية من صيغ الدفاع عن حق مغاربة العالم في المواطنة الكاملة غير المبثورة، وطريقة مثلى من الطرق التي تعنى بتدبير شؤون جاليتنا ومعالجة الإشكاليات والقضايا التي تعترض سبيلها وترمي إلى رعاية مصالحها داخل وخارج أرض الوطن. ولهذا، ينتظر من الحكومة المغربية أن تعمل جنبا إلى جنب مع مجلس الجالية المغربية بالخارج ومع مختلف المؤسسات النيابية الوطنية وعلى رأسها البرلمان من أجل بلوغ هذه الغاية في سياق التوجه السياسي والديمقراطي المنفتح الذي قرر المغرب نهجه لتحقيق مشروعه المجتمعي وإنجاح استراتيجيته الحالية وغاياته المستقبلية، خاصة في ظل الدستور الجديد لسنة 2011. هناك إذن عدة نقائص تجدر الإشارة إليها بكل جرأة ويمكن تداركها بكل تأكيد، علما بأن عدة شخصيات سياسية ومؤسسات وطنية وأجنية تنتقد اليوم الوتيرة البطيئة لتنزيل القوانين التنظيمية الكفيلة بتفعيل الدستور، إلا أنه يجب التذكير في هذا الصدد بأن الدستور الجديد منح المسؤولين السياسيين حكومة وبرلمانا مهلة 5 سنوات لإعداد هذه القوانين. * السيد شكراط، مرت قضية الصحراء المغربية في الآونة الأخيرة بامتحان عسير، فهل لكم من كلمة بهذا الخصوص ؟ ** الأحداث التي وقعت مؤخرا في مدن العيون والسمارة وبوجدور تدعو إلى القلق. لا يتعلق الأمر بمظاهرات سلمية ترفع مطالب اجتماعية أو سياسية، ولكن الأمر يتعلق باللجوء إلى أسلوب الاستفزاز وافتعال التوتر في المنطقة قصد استدراج قوات الأمن المغربية إلى ردود فعل عنيفة، تقوم باستغلالها الجهات الانفصالية لإثارة الرأي العام الدولي وجلب انتباه المنظمات الحقوقية الدولية المتعاطفة بشكل تلقائي مع خطاب المظلومية ومع مبدإ الحق في تقرير المصير. نجاح المغرب في تجنب مطالب بعض الجهات الأمريكية بإدراج مراقبة حقوق الإنسان ضمن مهام المينورسو، ونجاحه في إقناع أعضاء مجلس الأمن في تجديد مهمة المينورسو وفق رؤية متوازنة، دفع الطرح الانفصالي إلى تبني خيار تأزيم الوضع على الأرض، والعمل على إشعال المنطقة ودفع القوات العمومية إلى ردود فعل مكلفة على الصعيد الدولي، وتكييف أي تدخل أمني من طرفها لكيلا يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان. هناك مأزق حقيقي إذن، فمن جهة هناك ضرورة التحلي بأعلى درجات الحكمة والاتزان وعدم السقوط في منطق ردود الفعل العنيفة التي قد توظفها الآلة الدعائية في الجزائر وتتكفل بتسويقها في المحافل الدولية بعض المنظمات الدولية المتعاطفة مع أطروحة الانفصال، وهو ما قد يعيد المغرب إلى نقطة الصفر بعدما كسب جولة أبريل الماضي. وهناك من جهة أخرى، ضرورة الحفاظ على الاستقرار في الصحراء المغربية، وعدم السماح بأي انفلات أمني من شأنه المس بمكانة الدولة ومؤسساتها، ولذلك فإن من واجب القوات العمومية أن تسهر على حماية الممتلكات العمومية وصونها عن العبث أو الإتلاف. إنها معادلة دقيقة لا خيار للمغرب فيها إلا الاستمرار على نهج احترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا والسماح بحرية التعبير بما في ذلك الحق في التعبير عن آراء سياسية ولو أن في طياتها أفكارا زائغة وطائشة يفرزها التيار الانفصالي، والسهر في نفس الوقت على حماية المنشآت العامة وضمان الاستقرار وحماية أمن المواطنين بما في ذلك السلامة الجسدية للقوات العمومية. إن حقوق الإنسان كل لا يتجزأ. ومعادلة احترام حقوق الإنسان في الصحراء المغربية ينبغي أن تجمع بين مستلزمات الحفاظ على الوحدة الوطنية بإعمال أقصى درجات التناسبية في التصدي لبعض التصرفات الخطيرة التي من شأنها ان تمس بالحق في حياة المواطنين ومن بينهم رجال الأمن بطبيعة الحال، أو أن تسعى إلى تدمير الممتلكات العامة وإتلاف المرافق العمومية. وأن تعمل في نفس الوقت على حماية الحق في التظاهر السلمي وضمان حرية التعبير للجميع. وهنا تكمن حاجة منطقة الصحراء إلى نقاشات عمومية مسؤولة تتجاوز عقلية الوصاية التي سادت في المنطقة منذ عقود طويلة وتفسح المجال لأبناء الصحراء أن يتحاوروا فيما بينهم بكل حرية ويضعون كل شيء فوق الطاولة. لا بد للمجتمع المدني اليوم، وللمنظمات غير الحكومية أن تقوم بدورها كاملا في رصد واقع حقوق الإنسان في الصحراء، وأن تعمل على تنظيم الملتقيات والندوات والمحاضرات التي يشارك فيها الجميع دون إقصاء أو تهميش، والتفكير في الحلول الممكنة. لا بد للمغرب من كسب معركة الإنسان إلى جانب معركة الأرض، دون إغفال ضرورة المضي في الإصلاحات السياسية والديموقراطية وتقديم الإجابة العملية حول جدية المقترح المغربي القاضي بمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا يمكن سكان الصحراء بمختلف انتماءاتهم السياسية والقبلية بما في ذلك الصحراويين المغاربة المتواجدين بمخيمات تندوف من تدبير شؤونهم التشريعية والتنفيذية بكل حرية في إطار السيادة المغربية، وتوفير مناخ داخلي يسمح ببناء مغرب ديموقراطي موحد يتسع لكافة أبنائه ويغري الجميع بالانتماء إليه من الشمال إلى الجنوب. نحن أمام معركة الأرض والإنسان الصحراوي في زمن ما بعد الربيع العربي. الأرض حررها المغاربة بفضل عبقرية الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله ، وهي اليوم تحت سيادة المملكة المغربية. يبقى مطلوبا ضمن المطالب المشروعة حسن تدبير خيراتها لصالح كل المواطنين المغاربة وعلى رأسهم الصحراويين وليس لفائدة حفنة منهم فحسب. فبعد نشوة الانتصار المعنوي في المعركة الأخيرة التي أفضت إلى عدم توسيع مهمة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، أصبح من الضرورات الملحة إقناع المواطن الصحراوي المغربي بمقاربة ترابية جديدة تحفظ خصوصيته وكرامته. * السيد شكراط، أشكرك على تفضلك بإجراء هذا الحوار معنا وإلى فرصة قادمة بحول الله.