كما توقع العديد من المتتبعين والمهتمين بالشأن السياسي المغربي، شكّل الخطاب الملكي بمناسبة حلول الذكرى ال18 لتربع الملك على العرش لحظة مفصلية في تصويب بوصلة سفينة المغرب في الاتجاه الصحيح. كما اعتبر الخطاب زلزالا مدويا يضع الممارسة السياسية المغربية في قفص الاتهام ويحدد نقاط ضعفها وتجاوزات النخب السياسية التي كانت السبب في العديد من الإخفاقات وأسهمت في تعميق الهوة بين المواطن وبين المؤسسات السياسية والإدارية وعمّقت الإحساس بضعف الثقة في الفاعل السياسي المغربي. الخطاب الملكي لم يكن هو الأول من نوعه في تعرية الواقع السياسي وتوجيه النخب السياسية إلى شوائب الممارسة السياسية وتنزيل بنود الدستور وتقريب الإدارة من المواطنين والحرص على الحكامة الجيدة والشفافية، حيث كان العاهل المغربي قد تحدث في الكثير من الخطب السابقة عن ضعف الأداء التشريعي ونبّه إلى عدم اعتبار الانتخابات مجرد لعبة سياسية مفرغة المحتوى ودعوة الأحزاب إلى الابتعاد عن الحسابات السياسوية الضيقة والتسلح بالمواطنة الحقة وخدمة الوطن والصالح العام. لكن الخطاب الملكي الأخير يؤسس لمرحلة جديدة ثورية تتجاوب مع مخرجات الحراك السياسي الذي عرفته مدينة الحسيمة، وكان مختلفا من حيث الشكل ونقديا من حيث المضمون، حيث لم يتحدث كالعادة عن حصيلة السنة على الصعيد الداخلي ولم يتطرق إلى قضايا السياسية الخارجية وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية، وهو لم يكتف أيضا بتشخيص أمراض الجسم السياسي المغربي، وإنما أعمل ممقولة أن آخر الدواء الكي، أي استئصال الأمراض عندما دعا إلى تفعيل المفهوم الدستوري الذي يؤكد على ربط المسؤولية بالمحاسبة. الإدارة العمومية.. مؤسسات بعقلية متكلسة وفاسدة كان الخطاب الملكي واضحا بشأن تخلّف الإدارة المغربية وعدم كفاءة العديد من الموظفين فيها وغياب الثقافة المواطنة لديهم؛ وهو ما يدفعهم إلى الاستهتار بحقوق المنتفعين ومصالحهم. حسب منطوق الخطاب الملكي، لا تنقص المغرب التشريعات والقوانين المتطورة لضمان المردودية الجيدة وتسريع خدمات الإدارة والحصول على رضا المواطن وثقته؛ لكن ما يعوز عمل هذه المؤسسات هو كفاءة الموظف وانعدام القناعة الصميمة لخدمة الصالح العام، دون تذمر أو انزعاج أو طلب مقابل، مما أسهم في استشراء الفساد الإداري وقبول الرشاوي التي تحولت في الكثير من الأحيان الى حق مكتسب وأمر عادي مقبول اجتماعيا من قبل كل شرائح المجتمع. وهذا ما يطرح مسألة القيم والنظام الأخلاقي في الإدارة العمومية وتخليق الفاعل الإداري، وهي في الحقيقة إشكالية معقدة يصعب الجزم بوجود حلول جاهزة لها. فعن أية قيم سنتحدث إذا كان الكثير من الموظفين يعتبر أن العامل المادي هو المحدد لأداء المهام في الإدارة العمومية وليس الولاء والانتماء؟ ويواجه الموظف في المقابل سيادة عقليات جامدة ومركزية القرارات الإدارية من قبل مسؤولين يتحكمون في المسار الإداري للموظف ولا يدعون له مجالا للإبداع أو الابتكار بحجة هرمية السلطة وضرورة الامتثال لتنفيذ القرارات دون مناقشة أو اعتراض وغياب آفاق واضحة للموظف مع انعدام الحوافز والشفافية في الترقي وضمانات التطور الوظيفي. من جهة ثانية، يجد المواطن المغربي في الكثير من الأحيان نفسه ضحية قرارات فوقية ينقصها التبرير وغياب العدالة الاجتماعية والمساواة في الانتفاع من خدمات المرافق العمومية. لقد تحولت الإدارة المغربية إلى كابوس حقيقي للمواطن المغربي الذي يعاني من المهانة والاحتقار والتمييز كلما لجأ إلى خدمات المؤسسات العمومية، لكون بعض الفاعلين الإداريين الذين لا يتحلون بخصائص المواطنة الحقة يعتبرون العمل الإداري مصدرا للتكسب والمرابحة وليس خدمة المواطن والوطن ويديرون المصالح الإدارية بعقلية رجعية وانتهازية. وتظل البيروقراطية القاتلة وضعف المردودية من أخطر أمراض الإدارة المغربية، وهذا ما أشار إليه العاهل المغربي من خلال عقده للمقارنة بين القطاع الخاص القائم على الفعالية والنجاعة وعلى آليات المتابعة والمراقبة والتحفيز وغياب هذه الآليات والتدبير الجيد والمردودية في القطاع العام، كما ألمح إلى ضعف عمل المراكز الجهوية للاستثمار وضعف جذبها للاستثمارات وتلكؤها في تنفيذ المشاريع، وفي مقدمتها دعم المشاريع التنموية في المناطق الهشة وذات الاحتياج البنيوي الشديد. وهذا ما يتطلب إعادة النظر في المساطر الإدارية للاستثمار والتخفيف من حدتها واستعمال المرونة والسلاسة والتبسيط لجلب المزيد من الاستثمارات الجهوية وتحفيز المستثمرين وخدمة مخططات التنمية التي يمكن اعتبارها إجمالا إيجابية وواعدة؛ لكنها تحتاج إلى تفعيل عقلاني. إن المتن الدستوري والتشريعات، مهما تقدمت وارتقت إلى مصاف القوانين المتقدمة في العالم، تحتاج إلى عقلية ناضجة وسلوك حضاري ورسالة قيمية راقية من قبل الفاعل الإداري والسياسي لتطبيقها، والعمل على احترامها، وإلا فإنها تتحول إلى مجرد كلمات ميتة بدون روح ولا جدوى من وجودها. لقد حققت العديد من الدول المتقدمة، وبعض الدول العربية منها، نجاحا كبيرا في تطبيق الإدارة الرقمية الذكية التي تحكم في مجملها بضوابط ومناهج عمل متطورة تحد من تصلف واستبداد النخب الإدارية وتسرع من وتيرة الخدمات عبر استخدام تطبيقات وأساليب التواصل الحديثة التي قلصت من زمن اللجوء الفعلي إلى الإدارات واختصرت المسافة بين الإدارة وبين المرتفقين تطبيقا لمفهوم القرب الإداري. يشكل التطبيق المحكم للجهوية المتقدمة في شقها التنموي والاقتصادي، الرافعة الحقيقية للتنمية في المغرب العميق؛ وذلك بتخويل الجهات الإمكانات الحقيقية للإقلاع الاقتصادي وتحقيق التوازن بين الأقاليم التي تعرف ديناميكية اقتصادية كبيرة والتي تتجلى في محور طنجة-مراكش، وباقي الجهات التي ما زالت تفتقد لأبسط الشروط الضرورية للتنمية المستديمة، ويضطر ساكنتها التوجه إلى العاصمة والمدن الكبرى للاستفادة من الخدمات الإدارية والاقتصادية وللتظلم من غيابها في مناطقهم، وكما ورد في الخطاب الملكي؛ "فالمناطق التي تفتقر لمعظم المرافق والخدمات الصحية والتعليمية والثقافية، ولفرص الشغل، تطرح صعوبات أكبر، وتحتاج إلى المزيد من تضافر الجهود، لتدارك التأخير والخصاص، لإلحاقها بركب التنمية"، ناهيك عن ما يشوب التدبير الجماعي في الوحدات الترابية المغربية من خروقات كبيرة ترجع إلى سوء تطبيق نظام اللامركزية وعدم التركيز الإداري الذي راهنت عليه الدولة المغربية منذ إخراج الميثاق الجماعي سنة 1976 إلى حيز الوجود. إذن، يمكن اعتبار أن ضعف الإدارة المغربية مرده إلى إشكالات حقيقية تتعلق بالانحرافات القيمية والأخلاقية التي وصفها العاهل المغربي بخيانة الأمانة وسوء التدبير الإداري وانعدام الضمير وغياب الحكامة الجيدة وطنيا ومحليا وضعف الإنتاجية. وهذا ما يتطلب خلق آليات صارمة للرقابة وتغيير عقلية الموظف الإداري وجعله صلة وصل حقيقية ناجحة بين الإدارة وبين المواطن، وليس كائنا انتهازيا يفتقد للابداع والقدرة على التواصل وتمكينه من مواكبة التطور وتحيين العمل الإداري مع المتطلبات الواقعية واحترام مبادئ دولة الحق والقانون والالتزام بالشرعية والمشروعية بما فيها تعليل كل القرارات والابتعاد عن التأويلات الخاطئة والعشوائية للنصوص القانونية. المؤسسات الدستورية.. إفلاس دور الوساطة إن غياب مؤسسات الوساطة في التاثير على مجريات الحراك السياسي في الريف، والفشل في التعاطي مع قضايا التنمية هو غيض من فيض، يعكس مدى ضعف هذه المؤسسات في الإندماج والانصهار في النسيج الاقتصادي والاجتماعي المغربي، حيث سقطت جل الأحزاب المغربية في اختبار ممارسة السلطة، وتميزت جل الحكومات المتعاقبة بعدم القدرة على إنتاج مبادرات قوية وفاعلة تشهد على تأثير الأحزاب في المشهد السياسي المغربي، وظلت المؤسسة الملكية منتجة لكل المشاريع الناجعة من خلال إعادة توظيف دور جديد للمؤسسة الملكية ومشروعيتها التاريخية التي تشكل مصدر إجماع لكل المغاربة؛ وذلك عبر إطلاق مشروع التنمية البشرية والمفهوم الجديد للسلطة ومحاربة الهشاشة والفقر -الفضاء الاجتماعي الذي كانت تحتكره بعض الجماعات الإسلامية والدعوية- ومشاريع اقتصادية كبرى ورهانات التوجه نحو الشراكة مع إفريقيا التي تشهد على دينامية ملكية استطاعت أن تضع المغرب في الواجهة كفاعل إقليمي في إفريقيا وتوجت بالعودة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي. لم يكتف الملك محمد السادس في خطاب العرش بالتلميحات والإشارات الضمنية، بل وجه اتهامات مباشرة إلى الأحزاب السياسية، حينما أشار إلى لعب الحكومة والبرلمان والأحزاب دور المتفرج الذي يطبل ويزمر لمكتسبات الدينامية الملكية ونجاحها في العديد من المشاريع داخليا وخارجيا، ويكتفي بالإيماء إلى القصر في حالة الإخفاق، دون امتلاك روح المبادرة والقدرة على الفعل وترجمة الشعارات والبرامج الانتخابية إلى مشاريع تنموية تسهم في مسلسل التنمية في المغرب من جهة وتتكامل مع مجهودات المؤسسة الملكية لتسريع دوران عجلة التنمية من جهة ثانية. إن ما يمنع الأحزاب السياسية والحكومات المنبثقة عنها اعتبارها مؤسسات فاعلة ومواطنة مرده تحولها إلى كيانات سياسية مزيفة وشكلية لا تمثل المواطن ولا تحظى بثقته وعزوف الكثير من الشباب عن المشاركة في الانتخابات " الأغلبية الصامتة" وكذا الانخراط في الأحزاب السياسية التي انشغلت عن تأطير المواطن والاهتمام بشؤونه، بالمزايدات السياسية والصراعات المقيتة، وعدم تجديد خطابها السياسي وقياداتها ونخبها والتمسك بعشوائية التسيير الحزبي والفشل في احترام قواعد الديمقراطية الداخلية؛ وهو ما يعكس تحول هذه الأحزاب إلى دكاكين لتسويق التزكيات ودعم النخب والأعيان والأسر المستفيدة من الريع الانتخابي. وتعكس مؤتمرات الأحزاب والنقابات واقعا فارقا يعكس هيمنة الزعماء والقادة وتمسكهم بمواقعهم، وخلق نخب مرتزقة تقتات من موائدهم بعيدا عن الخط النضالي الذي كانت له جاذبية كبيرة وتجاوبا شعبيا وخاصة لدى الأحزاب التقدمية في فترة الثمانينيات والتسعينيات. فشلت هذه الأحزاب الباهتة في تعبئة وتأطير المواطنين والالتصاق بقضاياهم ومشاكلهم اليومية التي صارت تتدحرج ككرة الثلج لتتحول إلى قنابل موقوتة تهدد السلم الاجتماعي، وهذا ما أسهم في جعل المؤسسة الملكية في مواجهة الشارع المغربي بعد اندلاع الاحتجاجات الاجتماعية في الريف. لقد فقدت الكيانات الوسيطة مصداقيتها وانحدرت إلى حضيض الممارسة السياسية، حيث لم تقدم الحكومات المتعاقبة أية خطط اقتصادية ومبادرات خلاقة لإعادة الثقة والاطمئنان إلى المواطن المغربي، وسجلت حكومة عبد الإله بنكيران أدنى معدلات النمو، كما فشلت حكومة سعد الدين العثماني في مواجهة الحراك السياسي في الريف، بل وأسهمت في تأجيج الأوضاع بعد الحديث عن أجندة الانفصال وتخوين جهات معينة تنشط داخل الحراك. إن غياب روح المبادرة والالتزام والتواصل لدى معظم الأحزاب جعلها تتستر وراء المؤسسة الملكية وتستظل بظلها، بعدما نجح النظام السياسي في استقطابها وتدجينها وتشتيتها وانشقاق معظم تياراتها عن بعضها البعض. هذا الاختراق أسهم في تبخيس الأحزاب وجعلها مؤسسات فارغة المحتوى بعد الإجهاز على مصداقيتها واختياراتها الحرة وتكرار الخطابات نفسها التي لا تنفع ولا تجدي وبعدها عن هموم المواطن وحضورها في المناسبات الانتخابية فقط. مع أنه لا يمكن إنكار الدور التاريخي للعديد من الأحزاب المغربية في صنع تاريخ المغرب المعاصر، حيث شكلت مدرسة مغربية بامتياز أسهمت في تخريج نخب سياسية كانت نموذجا في الالتزام والوطنية والمصداقية؛ وهو ما يشعر المواطن بالحيرة والشفقة من الحال الذي وصلت إليه معظم الأحزاب السياسية التي تتصارع من أجل المقاعد والريع الانتخابي بدل أن تشارك في تعبئة وتأطير المواطنين وإنهاء حالة اليأس وانعدام الثقة في المؤسسات وعدم اليقين في الجدوى والفائدة من وجودها. أية حكامة أمنية؟ يمكن اعتبار أن الخطاب الملكي لامس الجرح في الممارسة السياسية المغربية وكشف عورات تدبير الشأن العام مع ذكر الاختلالات البنيوية القيمية والأخلاقية التي تحول دون إنتاج ممارسة ديمقراطية سليمة، ما أدى إلى ارتفاع وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية في الريف، ووضعت القوات العمومية في امتحان عسير مفاده تحقيق التوازن بين متلازمة الحرية/احترام القانون، أي ممارسة الاحتجاج بالطرق السلمية، وهو حق يكفله القانون، وضمان أمن البلاد واستقرارها، وصيانة مصالح الناس وحقوقهم وحرياتهم، مع عدم المساس بهيبة الدولة؛ وذلك في ظل تعطل وفشل مؤسسات الحكامة المحلية المتمثلة في المنتخبين من رؤساء المجالس الجهوية ورؤساء الجماعات المحلية وممثلي السلطة في الإقليم، حيث فشلت في ترقيع الحلول وفي تنفيذ استراتيجية التدبير الجهوي الناجح. إن مساءلة مؤسسات الحكامة الأمنية بخصوص ملف المعتقلين والانفلات الأمني في منطقة الريف لا يمكن أن يغيب عن الأذهان البعد الشمولي للأمن متعدد الأبعاد الذي لا تشكل فيه المؤسسات الأمنية إلا الجزء الصغير من جبل الثلج العائم، ويحتم مسؤولية باقي الفاعلين في القطاعات المختلفة من التعليم والصحة والسكنى والأوقاف وغيرها من القطاعات الحيوية؛ ذلك أن نجاح المبادرات التنموية والارتقاء بالجهات وتحقيق التوازن الاقتصادي بينها (القوة المرنة) قد يغني عن اللجوء إلى الإجراءات والتدابير الأمنية الزجرية (القوة الصلبة) وعن المتابعات القضائية وما لها من انعكاسات سيئة على الضمير الجمعي، حيث تسهم في المزيد من الاحتقان الاجتماعي والكراهية لكل مؤسسات الدولة؛ وفي مقدمتها القوات العمومية والمصالح القضائية. اختيارية المسؤولية وضرورة الرقابة والمحاسبة إن نجاح مسيرة التنمية البشرية والإجتماعية والمساواة والعدالة الاجتماعية في المغرب لن يتحقق، حسب تعبير العاهل المغربي، دون تغيير في العقلية ودون نخب سياسية واعية مؤهلة لتدبير الشان العام. كما أن تقلد المناصب والمسؤوليات هو اختياري وليس قرارا جبريا وباب الاستقالة يظل مفتوحا لكل من له الجرأة السياسية على الاعتراف بالخطأ وسوء التدبير وعن الحصيلة المخيبة للآمال للساكنة والشعب المغربي قاطبة. في اعتقادي، إن الخطاب الملكي يؤكد على ربط المسؤولية وبالمحاسبة، الأمر الذي الذي تم تجاهله سابقا، على اعتبار أن العديد من المسؤولين تورطوا في قضايا فساد وتبديد أموال عمومية ولم تتم متابعتهم، بل وتمت مكافئتهم بتقلد مناصب اكبر وأهم بدعم من اللوبيات والأوساط المتنفذة في البلاد. لقد أصبح من الضروري وضع النخب السياسية أمام مسؤوليتها التاريخية في القيام بواجبها الوطني إزاء بلدها وتحمل عواقب قراراتها في حالة الإخفاق والفشل في تدبير الشأن العام، بسبب استغلال النفوذ والاغتناء والكسب غير المشروع وأن تشكل موضوعا للمحاسبة والمتابعة القضائية وفق مبدأ دولة الحق والقانون والعدل الذي هو أساس الملك. لا شك في أن غياب الآليات الرقابية على ممارسة السلطة وتدبير الشأن العام في المغرب ومسالة الولاءات ومنطق الترضيات يرخي بظلاله على الممارسة السياسية المغربية، ويترك فراغات كبيرة لا تستطيع ملأها كل لجان التفتيش والمراقبة.. ولهذا، فمن النادر جدا متابعة ومعاقبة كبار المسؤولين في المغرب، على الرغم من ثبوت الاتهامات بشأنهم. يبدو أن الإرادة الملكية قوية بشأن تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة على غرار الديمقراطيات الغربية وكشف كل الخروقات التي تسيء إلى العمل السياسي ولتدبير الشأن العام؛ فالمغرب لا يحتاج إلى أنصاف الحلول ولا إلى أشباه الرجال، بقدر حاجته إلى الشرفاء والصادقين المخلصين لهذا الوطن الذي يختزل كل معاني الهوية والانتماء والشرف والكرامة الإنسانية. بعد هذا الخطاب الملكي الثوري، الذي يشكل خارطة طريق جديدة في درب الإصلاح التنموي في المغرب وقراءة واقعية للأعطاب السياسية في المشهد السياسي المغربي، يتوقع أن العديد من المبادرات قد تعقب صرخة الغضب النقدية الواضحة في الخطاب والمتماهية بشكل صريح مع الحراك السياسي في الريف، ويلزم تطبيق كل إصلاح مقبل بروح المسؤولية ومتابعة المفسدين وإبعاد كل المتحملقين حول السلطة من عديمي الكفاءات وانتهازيي الفرص، مع جعل مصلحة الوطن والمواطن أسمى الغايات التي يلزم إدراكها.