مع اقتراب عيد الفطر، في بلد يرزح نحو نصف سكانه تحت خط الفقر، لم يجد كثير من السودانيين حيلة سوى "القوقو"، ذلك الاسم الشعبي الذي يطلق على الملابس المٌستعملة التي يبيعها تجار متخصصون، في مختلف أنحاء البلاد. ورغم أن تجارة الملابس المُستعملة تعود إلى سنوات بعيدة، إلا أنها ازدهرت بفعل الصدمة التي تعرض لها الاقتصاد، عندما انفصل جنوب السودان، مستحوذا على 75% من حقول النفط، في 2011. وكانت العائدات النفطية تدر 50 % من الإيرادات العامة، و80 % من النقد الأجنبي، اللازم لتغطية الوارادات، ومن أهمها، الملابس، في بلد مُتضعضعة فيه صناعة النسيج، كسائر الصناعات. ووسط خطط تقشف متتابعة، كان آخرها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما زادت الحكومة أسعار الوقود بنسبة 30 %، ارتفع التضخم إلى مستويات قياسية، بلغت 45 %، قبل أن تشهد الأشهر الماضية تعافيا في حدود 34 %. والمفارقة في ملابس "القوقو"، أن أغلبها يعود إلى كبريات الماركات العالمية، إذ تصل البلاد بالأساس ضمن قوافل إغاثية من عواصم غربية، قبل أن تضل طريقها إلى الأسواق. وهو يشير إلى بضاعته من "القوقو"، المعروضة على طاولة خشبية في أحد شوارع السوق العربي، أحد أكبر أسواق العاصمة الخرطوم، قال التاجر، لقمان السر، إنها "تصلنا في العادة من مدينة نيالا"، أكبر مدن إقليم دارفور، الواقع غربي البلاد، وتطحنه حرب أهلية منذ 2003. وفي تعليقه للأناضول، أضاف السر أن هذه الملابس تُحمل إلى دارفور ضمن قوافل إغاثية من دول أوروبية لصالح النازحين، لكنها "تصل الأسواق عبر سماسرة". وبالنسبة إلى هاشم موسى، أحد الزبائن الذين مروا على طاولة "السر"، فإن هذه الملابس "تمتاز بأسعار زهيدة، تقل عن الأزياء الجديدة بمقدار النصف أو أكثر". وتتراوح أسعار القطعة الواحدة من هذا الصنف، ما بين 40 – 60 جنيهاً، أي ما يعادل 2.2 – 3.3 دولار أمريكي، وفقا لسعر السوق السوداء، الذي يتعامل به أغلب الموردين، ويقارب ثلاث أضعاف السعر الرسمي، البالغ 6.7 جنيه للدولار الواحد. وما يحفزّ موسى، الذي كان يختار بعض الملابس لأطفاله، بمناسبة العيد، أنها "قادمة من أوروبا، وأغلبها ماركات عالمية". وفيما تشن السلطات حملات لمنع هذا النوع من التجارة لدواع "صحية"، يجادل البائع، فيصل عبد الرحمن، في إفادته للأناضول، بأن بضاعتهم "تصل بحالة جيدة، ونقوم بغسلها وكيّها، قبل عرضها للبيع". لكن اختصاصي الأمراض الجلدية، عبد الغفار عبد الله، يحذر من "الأمراض الجلدية الخطيرة التي تجلبها هذه الملابس، مثل الحساسية والبهاق والجرب". وشارحا وجهة نظره، أضاف عبد الله أن "تكديس هذه الملابس لفترات طويلة، يجعلها عرضة لحشرات ضارة، مثل القمل والقراد". وفي تصريحه للأناضول، ربط اختصاصي الأمراض الجلدية بين "القوقو" و"أمراض نادرة، ظهرت مؤخرا، كالربو والأكزيما والجزام". وبالمقابل، يرى موسى أن العامل الحاسم في توقف الناس عن شراء "القوقو"، هو "تحسن الوضع الاقتصادي، وليس المحاذير الصحية".