في الحوار التالي، يشرح د. سعيد رمضاني، أخصائي الأمراض الجلدية والتناسلية، لقراء «المساء»، مخاطر أشعة الشمس وسبل الوقاية منها، وكذا الأمراض والإصابات التي تكثر في الصيف.. ثم يتوقف طويلا عند المخاطر التي تنجم عن استعمال مواد التجميل المهربة على الصحة، خصوصا منها كريمة تبييض البشرة. – بداية دكتور رمضاني، دعنا نفهم: بشكل عام، لماذا تجب حماية الجلد من الشمس؟ قبل الحديث عن الحماية، أريد أن أذكر القارئ ببعض البديهيات الطبية. فالشمس لها منافع على جسم الإنسان، أهمها فيتامين (D)، كما لها تأثير إيجابي على حالته النفسية، لكن لها كذلك أضرار متى عرض الإنسان جسمه لأشعتها من دون اتخاذ الاحتياطات الضرورية. ومن أوخمها، نذكر إصابة الجلد بالشيخوخة المبكرة أو السرطان. لقد كان الناس يعتقدون بأن للشمس منافع فقط. وهكذا ظهرت خلال عقدي الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي موضة أخذ حمامات شمسية (bains de soleil). ولكن بعد سنوات على انتشار هذه الموضة، بدأت في الظهور حالات سرطان الجلد والشيخوخة المبكرة للجلد. فانتبه العلماء إلى أن أشعة الشمس تمثل مشكلا ولا تحمل فقط فوائد للجسم. ومن ثمة نبهوا إلى ضرورة الحماية منها. إن أشعة الشمس تنقسم حسب موجاتها إلى واضحة، وتحت الحمراء وما فوق البنفسجية. وهذه الأخيرة تنقسم بدورها إلى ثلاث فئات: Aو Bو C. وتعتبر (C) خطيرة على صحة الإنسان، لكنها والحمد لله تتوقف قبل وصولها إلى الأرض بفضل تصدي طبقة الأوزون لها. أما الأشعة فوق البنفسجية من نوع (B)، فهي التي تعطي للجلد اللون الأسمر (bronzage)، وتكون أكثر توافرا في فصل الصيف. ويمكن الحماية منها باستعمال المظلات الشمسية والملابس وزجاج السيارة. لكن أخطر أنواع الأشعة فوق البنفسجية على الإطلاق هي التي من نوع (A (، وتكون في كل الفصول ولا توقفها للأسف لا السحب ولا زجاج السيارة. وينتج عن تعرض الجلد لها إصابته بالشيخوخة المبكرة وبالسرطان. – ما هي النصائح التي يمكن أن تقدمها للوقاية من أشعة الشمس، وبشكل خاص لمرتادي الشواطئ والمنتجعات المائية؟ أولا، ينبغي بشكل عام تفادي التعرض لأشعة الشمس في الأوقات التي تكون فيها قوية ومباشِرة، أي بين 11 صباحا و4 بعد الزوال. وبالنسبة للمصطافين، لا ينبغي أن يتعرضوا للشمس أكثر من ساعة إلى ساعتين. وبعد الانتهاء من الاستحمام، ينصح أن يرتدوا ملابسهم ولا يتركوا أجسامهم عارية تحت الشمس. أما الأجزاء التي تبقى معرضة للشمس كالوجه واليدين، فينبغي تغطيتها بكريمة للحماية من أشعة الشمس. – في هذا الصدد، تعج الأسواق بكميات وماركات متنوعة من كريمات الوقاية من الشمس، التي تحمل بيانات مختلفة ومعقدة، كيف يمكن للمستهلك أن يجد ضالته بينها؟ فعلا هناك وفرة وتنوع يجعلان الإنسان يصاب بالحيرة. وبالنسبة لمعايير الاختيار، أشير أولا إلى أن هناك رمزا يسمى SPF أو IP وهو يشير إلى معامل الحماية من الأشعة فوق البنفسجية(UVB) ، وهو معامل الحماية من الاسمرار. ولكي نوضح للقارئ أكثر، لنقل إنه إذا كان يلزم لشخص 10 دقائق للاسمرار تحت الشمس في ظروف عادية، ويستعمل كريمة تحمل رمز SPF2 فإن لون جلده سوف يكسب اسمرارا بعد ضعف المدة العادية، أي بعد 20 دقيقة. بمعنى أن الكريمة تؤخر اسمرار الجلد لمدة 20 دقيقة. وكلما ارتفع رقم المعامل ارتفعت مدة الحماية التي توفرها الكريمة، فمثلا إذا كانت علبة الكريمة تحمل الرمز SPF50، فيعني ذلك أنها توفر 500 دقيقة من الحماية من أشعة الشمس (أي حوالي 8 ساعات) قبل أن يكتسب الجلد اسمراره، بالنسبة لحالة الشخص الذي افترضنا أن جلده يكتسب اسمرارا خلال 10 دقائق تحت الشمس في الأحوال العادية. لكن الحماية من أشعة الشمس لمدة 500 دقيقة لا ننصح بها إلا في حال الإصابة ببعض الأمراض الجلدية أو بالنسبة للأشخاص الصُّهب (les roux) أي الناصعي البياض، الذين يكون لون شعرهم طبيعيا أحمر. وأعتبر بأن الكريمة التي تحمل الرمز SPF30 أي توفر حماية لمدة 300 دقيقة، كافية بالنسبة للشخص العادي؛ مع تكرار دهن الجلد بها كل ساعتين. وهذا النوع من دهن الحماية من الأشعة فوق البنفسجية الذي تحدثنا عنه (UVB)، لا يحمي من الأشعة من نوع (A)، التي أذكر مرة أخرى بأنها الأكثر إضرارا بالجلد. ولذلك يجب أن يكون مسجلا على علبة الكريمة أنها تحمي كذلك من (UVA) وأن توفر على الأقل معامل حماية رقم 30، بمعنى أن يكون مدونا على العلبة الرمز SPF30 أو IP30. ولكي تكون الكريمة فعالة، ينبغي استعمال كمية كافية منها على الأقل ربع ساعة قبل الخروج إلى الشمس، ونصف ساعة قبل الاستحمام في البحر أو المسبح أو غيرهما. ولأن الكريمة تتفاعل مع الشمس، فإن مفعولها يضعف بعد ساعتين. ولذلك ينبغي تكرار دهن الأجزاء من الجسم المعرضة للشمس كل ساعتين بالنسبة للمصطافين، ودهنها ثلاث مرات في اليوم بالنسبة للأيام العادية. وبالنسبة للأشخاص الذين يفضلون استعمال كريمات الوقاية من الشمس التي تلون الجلد (écrans teintés) ، فهي جيدة، لكن نشير إلى أن لها تأثيرات جانبية، منها أنها قد تؤدي إلى ظهور البثور الدهنية التي تملأ ثقوب الجلد(الريش). ولذلك ننصح بعدم تكرار كريمات الوقاية الملونة للجلد والاكتفاء باستعمالها للراغبين والراغبات فيها خلال المناسبات فقط. – من واقع تجربتك بصفتك طبيبا أخصائيا، ما هي الإصابات الجلدية التي تكثر في فصل الصيف؟ هناك فعلا إصابات تكثر في الصيف، أبرزها الحروق الجلدية التي تنجم عن طول فترة تعريض بعض المصطافين لأجسامهم عارية للشمس لأول مرة، بعد أن ظلت محتجبة عنها لمدة طويلة. في أغلب الأحيان يكون احتراق الجلد من الدرجة الأولى، ويتمثل في احمرار شديد شامل لأجزاء الجسم التي تعرضت للشمس. وهذا النوع من الإصابات يكون في العادة دون خطورة، بحيث يكفي ترك الجسم بعيدا عن الشمس ليوم أو يومين مع دهنه بحليب مرطب لكي يتعافى الجلد. لكن بعض الإصابات تكون أكثر خطورة وينتج عنها احتراق للجلد من الدرجة الثانية. وقد تؤدي في الحالات الشديدة إلى الموت نتيجة الاجتفاف؛ أي فقدان جسم المصاب لكميات كبيرة من السوائل. ولذلك ينصح بأن يعرض المصطافون أجسامهم تدريجيا لأشعة الشمس في الأيام الحارة إلى أن تعتاد عليها، لا أن يقضوا يومهم الأول بكامله تحتها، حتى لو كانت فترة عطلهم قصيرة. فضلا عن ذلك، هناك إصابات أقل خطورة وترتبط بالعطل الصيفية، كالجروح التي تنجم عن المشي فوق الصخور أو عن دوس بعض الأحياء البحرية التي تتسبب في إصابات مؤلمة. وهناك كذلك الحروق التي تتسبب فيها بعض الحيوانات البحرية، مثل قناديل البحر. – وماذا عن الأمراض المرتبطة بفصل الصيف؟ من أبرز الأمراض التي يشتكي منها الناس في الصيف هناك البهاق. فخلال الصيف يزيد تعرق الجسم والبهاق له علاقة مباشرة بكمية العرق التي يفرزها الجسم. فهناك من الناس من لديهم استعداد وراثي للإصابة بالبهاق أكثر من غيرهم، وعندما يكثر تعرقهم بفعل حرارة الصيف، تظهر على جلدهم بقع البهاق. ونذكر هنا بأنه لا يمكن اعتبار البهاق مرضا، فهو مجرد إصابة جلدية عادية وتعالج بسهولة من طرف الأخصائيين. – ينطبق هذا على البهاق بنوعيه؟ البهاق هو نوع واحد، لكنه يكون إما أسمر بالنسبة للمناطق من الجسم التي تغطيها الثياب باستمرار، أو أبيض بالنسبة للمناطق المعرضة للشمس. – المعروف عن المواد التجميلية الخاصة بالجلد أن أسعارها مرتفعة، ما يدفع كثيرين إلى اقتناء المواد المقلدة بسبب ضعف القدرة الشرائية. فهل ينطوي استعمالها على مخاطر محتملة؟ لنبدأ من طريقة عرض تلك المواد تحت الشمس، ما يعرضها لحرارة عالية قد تكون في الغالب بين 20 و25 درجة. والمعروف أن أي بضاعة تتعرض لأشعة الشمس لمدة طويلة تتغير خصائصها. فحتى كريم الوقاية الذي تصنعه مختبرات عالمية معروفة إذا تركته وأنت في البحر تحت الشمس لمدة عشرين دقيقة فقط، فإنه يفسد. وبالتالي فإن مجرد عرض تلك المواد للبيع في الشارع ومباشرة تحت الشمس يجعلها غير صالحة للاستعمال، بل ومضرة بالصحة. أما بالنسبة للمكونات التي تصنع منها تلك المواد التجميلية المقلدة غير الخاضعة للمراقبة، فعلبها لا تحمل بيانات تشير إليها، ولا إلى الجهة المصنعة لها. لكن تحليلها يكشف بأنها تحوي أحيانا عناصر أولية سامة، وبعد أن يدهن بها الجلد تتسرب من خلاله إلى الكلي والكبد لتتلفهما. وفي هذا الصدد، أشير إلى أن هناك من مستعملي تلك المواد المقلدة من تلفت كليتاه بعد سنوات، ولا يعلم سبب ذلك. للأسف يكثر انتشار هذه المواد المهربة التي لا نعرف دائما مكوناتها بشكل كاف ودقيق، وتباع على أساس أنها توفر حماية للجلد بينما لا تتكون بعض تلك المواد المقلدة سوى من الفازلين مع عطر. وقد لاحظنا أن بعضها تسبب لمستعمليه في الإصابة بأمراض الحساسية الجلدية. احذروا مواد التجميل المهربة هناك مجموعة من مواد التجميل الرخيصة، التي تستعمل لتبييض بشرة الوجه، والتي تقبل عليها المراهقات بشكل واسع في المغرب. ويحذر مركز محاربة التسمم دائما من خطورتها. ما هي بالضبط المخاطر التي تنجم عن استعمالها؟ بداية أود أن أشير إلى أن السعي إلى تبييض الوجه هو ظاهرة جديدة ودخيلة على ثقافتنا، حملتها إلى عقول بناتنا الأفلام والمسلسلات حيث البطلة تكون غالبا بشرتها بيضاء. وسعيا إلى التماهي معها، تبحث المراهقات على الخصوص، عن تبييض بشرتهن بجميع الطرق التي يسمعن بها. لكن تلك الطرق تكون خطيرة للأسف،على المديين المتوسط والبعيد. وفي هذا الإطار، يستغل تجار المواد المهربة تلك الرغبة لدى المراهقات من أجل تسويق مواد تجميل سامة، من خلال مافيا توزعها وتنتشر عناصرها وسط المجتمع، وتشمل بين عناصرها بعض النساء اللاتي يسوقنها من خلال طرق الأبواب في مقابل نسبة من الأرباح، أو مبالغ مالية، أو هدايا. وحسب متابعتي للموضوع، فقد اكتشفت أن بعض النساء يخترن بين التلميذات من تكون بشرتها طبيعيا بالمواصفات التي تحلم بها جميع الفتيات، فيقدمنها لزبوناتهن المحتملات على أنها حصلت على بشرتها باستعمال مواد تبييض الوجه التي يتاجرن فيها. ومن أجل إقناع الزبونات يدعين بأنهن يستوردن تلك المواد من كندا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية أو هولندا، بينما هي مهربة في الواقع من طايوان، حيث تنتجها شركة معروفة هناك، وبإمكان أي كان أن يتصل بها ويطلب أن يصنعوا له ما يشاء، خارج أية مراقبة كانت ويحملونها له إلى المغرب. وتكمن خطورة مواد تبييض البشرة المهربة في كونها تعطي نتائج سريعة: نعومة البشرة وبياضها في مرحلة أولى، مع اختفاء مدهش لحب الشباب. وما يؤدي إلى الحصول على تلك النتائج السريعة، هو احتواء تلك المواد على ثلاث مواد خطيرة. أولها مادة الكورتيزون التي تستعمل في علاج الكزيما. وهي مادة خطرة تؤدي إلى ترقيق طبقة الجلد. وثانيها هو الزئبق الذي يبيض البشرة، وهو للتذكير مادة سامة قد تنتج عنها مشاكل صحية في الدماغ إذا استعمل لمدة طويلة. ثم هناك مادة ثالثة تدخل في تركيب مواد تبييض البشرة وتسمى علميا إيدروكينون (hydroquinone)، وتعمل بدورها على تبييض البشرة. لكنها في تلك المواد المهربة تستعمل بشكل عشوائي، حيث يحتمل أن تحتوي على جرعة كبيرة منها، ما يجعلها خطيرة على صحة مستعملاتها. إن هذه المواد التي أشرنا إليها تعطي نتائج سريعة، لكن بعد مرور أسابيع يصبح الوجه عرضة للحساسية كلما تعرض لأشعة الشمس أو الحرارة. فعندما تخرج المرأة التي استعملتها إلى الشمس دون حماية، أو تذهب مثلا إلى الحمام، ينتفخ وجهها بشكل مفاجئ. ولا تعرف بأن ذلك في الحقيقة ناتج عن حساسية أصابتها بها كريمة تبييض الجلد. وبعد مرور أشهر أو سنوات (حسب درجة سُمك جلد الضحية) تبدأ المشاكل الحقيقية التي سوف ترافق الضحية لبقية حياتها. ومنها كذلك ظهور «كلف» وحبوب على الوجه لا علاج لهما. – لقد سبق أن كانت مواد تبييض الجلد المهربة موضوع بحوث علمية في كل من السعودية ومصر وفرنسا، أكدت جميعها وجود تلك المواد الخطرة التي ذكرنا في الكريمة التي أشرت إليها في سؤالك. وفي المغرب أجريت في حدود علمي دراسة وحيدة قامت بها جمعية في الدارالبيضاء، وأكدت النتيجة نفسها. إذن ما هو الحل كي نواجه هذه الآفة ونحمي بناتنا؟ إن الحل في نظري وقائي، ويكمن في أن نقنع أولئك المراهقات بعدم استعمال مواد تبييض الجلد بتاتا، وأن يفتخرن ببشرتهن السمراء. ولمن تعاني من حب الشباب عليها أن تعلم بأنه ملازم بشكل عادي لمرحلة المراهقة يختفي بعدها بنسبة 90 في المائة، وبالتالي ينبغي تركه يختفي بشكل طبيعي عند بلوغ سن 18. أما إذا كان منتشرا بكثرة في وجوههن بشكل يضايقهن، فهناك أدوية تعالجه. ونفس الأمر نقوله بالنسبة إلى «الكلف» الذي يرتبط ظهوره مؤقتا لدى المرأة بفترة الحمل، ثم يختفي بشكل طبيعي بعد الوضع. لكن «الكلف» الذي ينتج عن استعمال مواد تبييض البشرة لن يزول إلا بعملية معقدة ومكلفة ماديا، نقوم من خلالها بثقب جلد الوجه بالليزر للتخلص من ذلك «الكلف» الذي تسببت فيه مواد تبييض البشرة. وهذه الإصابات نصادفها يوميا في عملنا، للأسف. المساء