هذا المقال يأتي في سياق حملة مخزنية مسعورة للحد من التقارب الحاصل بين اليسار والعدل والإحسان ووأد كل حوار بينهما، وقد لاحظ الجميع كيف استهجن الإعلام الرسمي مسيرة 11 يونيو المجيدة وحصر منظميها في جماعة العدل والإحسان "المحظورة" وقلة قليلة من اليسار الراديكالي حسب تعبيرهم، وبالطبع تلقف " اليسار المعتدل " الرسالة وشارك بعض مناضليه الأقلام المأجورة في حملتهم هذه. في هذا السياق تأتي مساهمة سعيد زريوح عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد . في ملف الوطن الآن تحت عنوان: اليسار والعدل والإحسان .. أو في انتفاء شروط التحالف لتفتح نقاش اعتقدنا انه تجووز منذ مدة حيث أكد عبر المقال المذكور أن التقاء جماعة العدل والإحسان مع اليسار على كون النظام السياسي المغربي استبداديا وتنتفي معه شروط التداول السلمي على السلطة لا يمثل أرضية قوية لبناء تحالف بينهما، وحسب رأيه لا يمكن التحالف بين مشروعين متناقضين، فالجماعة تتبنى مشروع بناء دولة الخلافة واليسار يريدها دولة مدنية وإقناع الجماعة للتخلي عن هذا المشروع لم يجدي نفعا رغم كل المحاولات .... ملاحظة أولى، أن لا أحد يتحدث الآن عن تحالف بل هو مجرد تنسيق في محطات نضالية، وبالطبع هذا التنسيق هو ثمرة حوار فكري، عبر لقاءات تواصلية وزيارات واستزارات بين الجماعة وباقي الأطراف، وفي تقديري قد يتطور لما هو أبعد إذا استشعر الجميع خطورة المرحلة ودقتها وبادر الجميع لمزيد من بناء جسور التواصل، وتجديد الصورة الذهنية المرسومة لذا كل طرف بطمأنة متبادلة وتقديم تنازلات ضرورية تفضي لبناء الثقة والعيش المشترك. ثانيا، أن التنسيق بين اليسار والعدل والإحسان سياسيا وليس إديولوجيا، بمعنى أن الاصطفاف هو على أرضية من مع الفساد ومن ضده وليس عقاديا أو ما شابه ذلك. ثالثا، إذا كان الجميع متفق حسب قول الكاتب أن النظام مستبد ويستحيل التداول على السلطة من داخله.... فما سر دخول حزبهم للبرلمان، وما سر التقائهم وتنسيقهم مع الأحزاب الصفراء والزرقاء وحتى مع من لا لون لهم، أم أن قرار منع التنسيق يخص جماعة العدل والإحسان وكفى. رابعا ، أنا أجد صعوبة في فهم قول الكاتب أنهم يحاولون إقناع الجماعة بالتراجع عن مشروع دولة الخلافة، لا أفهم كيف بأحد أن يطالبني بالتخلي عن هويتي والانسلاخ عن جلدي، فلكل طرف أن يتبنى المشروع المجتمعي الذي يراه موافقا لمرجعيته، ويبقى التنافس مشروعا بين الأطراف، ولكل حظه في إقناع الجماهير.... خامسا، وبالنسبة للخلافة فقد أكدت العدل والإحسان لأكثر من مرة وعلى لسان أمينها العام أنها تريد إقامة دولة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، أما الأسماء والمسميات فغير مهم، ورغم ذلك ولمن أراد الاطلاع سأسوق لكم بعض ما جاء في إحدى ندوات الجماعة حول هذا الموضوع : الدولة الدينية والدولة المدنية، لا تعنينا نحن المسلمين، لأنها مصطلحات غربية تخص غير المسلمين، فالدولة الدينية هي الدولة الكهنوتية أو الثيوقراطية، والتي كانت موجودة في أوروبا في العصور الوسطى عصور الظلام بالنسبة للغرب، وكان يحكمها الباباوات باسم الحق الإلهي او التفويض الإلهي، اذ كان هؤلاء الباباوات يعتبرون أنفسهم متصلين مباشرة مع الإله دون واسطة، لذلك انتشر الجهل والفقر والظلم والحرمان في المجتمعات التي حكمتها الكنيسة لقرون طويلة، وبقيت كذلك إلى أن قامت الثورات وفصلت الدين عن الحياة، وأوجدت عقيدة الحل الوسط بين رجال الدين ورجال السياسة، فأوجدت السلطة الروحية المتمثلة برجال الدين، ومكانهم في الكنيسة، وأوجدت السلطة الزمنية لرجال السياسة ومكانهم في الحكم والدولة، ومن هنا وجد ما يسمى بالدولة العلمانية التي تقصي الدين عن الحياة، وتقوم على فصل الدين عن الحياة والدولة والمجتمع.. أما الخلافة في اعتقادنا فتمثل هدف واقعي وضرورة استراتيجية لنهضة الأمة المسلمة وقوتها. ولعل تجربة الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوربي ليست عنا ببعيد، فهذا الأخير رغم اختلاف لغات دوله والتاريخ الدموي والحروب الطاحنة في الماضي القريب، لم تمنعه من إقامة تكتل سياسي واقتصادي وعسكري. قواعد وإعلان مبادئ لدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية ”: الخلافة " 1- النظر في قضية الحكم مفوض إلى الخَلق ولا يدخل في مسمى العقائد. 2- يُقَيم الاختلاف في مجال الحكم بمقاييس الخطأ والصواب لا بمقاييس الكفر والإيمان. 3- لم ينشئ الرسول صلى الله عليه وسلم دولة كي تحكمها عائلته ولذلك لم يستخلف ولم ينص على أحد بعينه كي يخلفه. 4- ولاية العهد شكل من أشكال اغتصاب الحكم ومصادرة حق الأمة في اختيار من يحكمها. 5- يتذرع الاستبداد بمسوغات شرعية من آيات وأحاديث تستعمل في غير محلها ويساء استغلالها، لاسيما آية طاعة أولي الأمر، وأحاديث السمع والطاعة. 6- أولو الأمر المأمور بطاعتهم في الآية المعروفة هم الحكام العاملون بالعدل، والعلماء الآمرون بالعدل. 7- أحاديث السمع والطاعة فيها ما يدعو إلى طاعة مطلقة، وفيها ما يدعو إلى طاعة مقيدة والمعروف في قواعد الأصول أن المطلق يحمل على المقيد فلا طاعة مطلقة لحاكم. 8- بلغت الأمة الإسلامية من النضج مبلغا لم يعد من المقبول أن يظل الحكم مرهونا بمزاج الحاكم الفرد مهما كان صالحا، فلا بد من مؤسسة تراقبه وتحاسبه. 9- في التاريخ الإسلامي كانت السلطة العلمية في يد علماء عاملين وملتحمين بشعوبهم ولم يمثلوا “إكليروسا” يحتكر النطق باسم الله وتأويل الدين. 10- إن الاستبداد أثر في مدارس السلوك ومجالات اشتغال العلوم، في السلوك بإشاعة التصوف التبركي المنعزل عن الاهتمام بالشأن العام للناس والمزكي للسياسات الظالمة، وفي مجالات اشتغال العلوم بتضخم القول في الشأن العبادي وضموره في الفقه السياسي وحقوق الناس، لذلك لا بد من ممارسة اجتهاد تجديدي لتوفير المهاد النظري للدولة المدنية. 11- الحاجة إلى تفعيل دور العلماء بضمان استقلاليتهم، والانفتاح على الأغيار والمخالفين وأصحاب الخبرة والتجربة. 12- البيعة ذات صبغة تعاقدية اشتراطية وليست إرادة تحكمية فوقية. 13- البيعة الدينية هي غير البيعة السياسية، فالأولى كانت منشئة للدخول في الدين الجديد، وهي التي كان عدم الوفاء بها ارتدادا إلى محاور الولاء الجاهلي والقبلي والعشائري، أما الثانية فالوفاء بها يتوقف على وفاء الحاكم بشروط التعاقد، وإلا فعدم الوفاء بها من حق أي أحد بدون وصاية ولا إكراه.