المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    موظف بالمحكمة الابتدائية بطنجة خلف القضبان بتهمة النصب وانتحال صفة    الكشف عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة    المغرب يستعد لإطلاق 5G لتنظيم كان 2025 ومونديال 2030    ينحدر من إقليم الدريوش.. إدانة رئيس مجلس عمالة طنجة بالحبس النافذ    الفتح الرباطي يسحق النادي المكناسي بخماسية    أمن البيضاء يتفاعل مع مقطع فيديو لشخص في حالة هستيرية صعد فوق سقف سيارة للشرطة    رابطة حقوق النساء تأمل أن تشمل مراجعة مدونة الأسرة حظر كل أشكال التمييز    بوريطة : العلاقات بين المغرب والعراق متميزة وقوية جدا        ميداوي يقر بأن "الوضع المأساوي" للأحياء الجامعية "لا يتناطح حوله عنزان" ويعد بالإصلاح    الملك محمد السادس يعزي أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي    "البيجيدي": حضور وفد اسرائيلي ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب استفزاز غير مقبول    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    "نيويورك تايمز": كيف أصبحت كرة القدم المغربية أداة دبلوماسية وتنموية؟    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    متضررون من الزلزال يجددون الاحتجاج على الإقصاء ويستنكرون اعتقال رئيس تنسيقيتهم    حملة اعتقال نشطاء "مانيش راضي" تؤكد رعب الكابرانات من التغيير    دياز يثني على مبابي.. أوفى بالوعد الذي قطعه لي    "بوحمرون" يستنفر المدارس بتطوان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء            الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    أخبار الساحة    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط        فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعترافات‮ ‬في‮ ‬أوانها
نشر في هسبريس يوم 01 - 08 - 2011

"هذا الكتاب – مسار في تجربة اليسار- الذي تقدمه "هسبريس" لقرائها خلال شهر رمضان الفضيل، ليس رواية من خيال حاول كاتبها أن يرسم فضاءات لشخصيات فاعلة من ورق، بل إن الكتاب، وإن حاولنا أن نجد له تصنيفا ك"سيرة ذاتية" أو "سيرة ذاتية روائية" أو "رواية" لو جاز لنا ذلك، يبقى جنسا أدبيا يتداخل فيه الخيال والحقيقة، والجمال والقسوة، شخصياته ليست من ورق، بل هي من لحم وشحم وعظم ودم، هي شخصيات حقيقية رسمت بخيالها وفكرها وطوباويتها.. أفقا لانتظار مجتمع الكرامة والحرية والعدالة.. فكان الاختطاف والتعذيب والسجن في درب مولاي الشريف وعين قادوس بفاس والسجن المدني بالقنيطرة وغيرها من معتقلات العار ضمن سياق ما بات يعرف في الأدبيات السياسية المغربية بسنوات الجمر والرصاص.
الكتاب "مسار في تجربة اليسار- لصاحبه الدكتور المصطفى المريزق، ميزة رئيسة، فضلا عن كونه تسجيلا لحقبة من تاريخ المغرب الاجتماعي والسياسي، فالكتاب يرسم أيضا تحولا في الفكر السياسي المبني على قناعات راسخة مؤسسة على النقد المزدوج بعبارة المرحوم عبد الكبير الخطيبي، فالكتاب هو تجربة جميلة وقاسية، جميلة في قساوتها على النفس، وقاسية في جمالها على روح الفكر والابداع عموما..
هي الدعوة إلى إثارة النقاش والحوار الحضاري العقلاني لتقييم ما تحقق، وما لم يتحقق..على مستوى الحلم/ الطوبا، كما على مستوى الواقع في الآن ذاته".
هسبريس
************
اعترافاتات‮ ‬في‮ ‬أوانها
منذ اللحظات الأولى من عقد تسعينيات القرن الماضي، انفتحت أمام الفاعلين السياسيين، والنقابيين والجمعويين المغاربة آفاق جديدة وواسعة، للنضال الديمقراطي، من داخل المؤسسات ومن خارجها، كما انفتحت أمام الدارسين والمتتبعين للشأن العام المغربي مجالات متنوعة وآفاق واسعة، للبحث في الوقائع الاجتماعية المتنوعة وفي طبيعتها وأسبابها. وكان الجديد بالمساهمة الكبيرة للعديد من الرواد المغاربة، الملتزمين وغيرهم، في تفسير هذه التطورات الجماعية التي عاشها المغاربة على جميع المستويات، قبل هذه المرحلة وبعدها، واهتمامهم بقضايا التغيير‮ ‬في‮ ‬بلادنا.
فبعد التجارب السياسية الكبرى التي شهدتها بلادنا واتساع نطاق التغيرات في المجتمع المغربي، المقرون باتساع مساحة الحريات العامة، غدا واضحا أن المهم، ليس فقط الإطلاع على تاريخ "العظماء"، ولكن الاهتمام أيضا بالأنشطة الموحدة للعديد من التجارب السياسية والنقابية والجمعوية،‮ ‬مهما‮ ‬كانت‮ ‬قوتها‮ ‬وحجم‮ ‬مساهمتها. ‬وتتحدد‮ ‬قيمة‮ ‬هذه‮ ‬التجارب‮ ‬في‮ ‬أفعالها‮ ‬ذات‮ ‬القيمة‮ ‬الاجتماعية‮ ‬والإنسانية،‮ ‬وما‮ ‬خلفته‮ ‬في‮ ‬المجتمع‮ ‬من‮ ‬تراكم‮ ‬فكري‮ ‬وثقافي‮ ‬ونضالي. ‬
من هذا المنطلق، يعتبر الاهتمام بتجارب الأفراد والجماعات مسألة مهمة لفهم نشاط وتطور هذه التجارب، وليس مجرد مجاراة للموضة "الثقافية" التي أصبحت تقوم، ضد كل بريق أمل، بدل الانكباب على دراسة كل أشكال الاستحواذ والسيطرة واحتكار موضوعات "الرأسمال النضالي"، من لدن أولئك الذين يريدون فرض مكانتهم وعلاقاتهم الرمزية بكل الأشكال، لينسبوا التاريخ لهم، من خلال فرض الحقيقة الجزئية لجماعة ما أو مجموعة معينة، كما لو كانت حقيقة عامة تسري على جميع التجارب والجماعات.
لقد بات إذكاء روح النقد واستخدام أسلحة العلوم الاجتماعية وأدواتها، من الآليات اللازمة لإغناء تاريخنا الحديث، عن طريق كشف الوقائع والأحداث والعلاقات اللازمة، وتمكين الرأي العام منها، لكي لا نسقط في "عبادة التجارب"، من خلال تخليد أعيادها، وتقديس رموزها، والاحتفال‮ ‬بأبطالها‮ ‬لإضفاء‮ ‬المشروعية‮ ‬عليها،‮ ‬وإعادة‮ ‬إنتاج‮ ‬بنيتها،‮ ‬والحفاظ‮ ‬على‮ ‬وضعية‮ ‬زعمائها‮ ‬داخل‮ ‬الحقل‮ ‬السياسي‮ ‬أو‮ ‬تحسين‮ ‬تلك‮ ‬الوضعية. ‬وهو‮ ‬ما‮ ‬يؤدي‮ ‬في‮ ‬العديد‮ ‬من‮ ‬الأحيان‮ ‬إلى‮ ‬صراعات‮ ‬مواقع‮ ‬قاسية.
نعم، لقد بات من المؤكد أن التجارب السياسية التي ساهم فيها اليسار المغربي، بمختلف مشاربه منذ مطلع السبعينات، جسدت منذ الوهلة الأولى عدم التجانس في قيادتها، وضمت بين صفوفها، وداخلها عناصر ذات اتجاهات سياسية متباينة، بل مختلفة ومتناقضة أحيانا.
كما‮ ‬أن‮ ‬الاستقطابات‮ ‬التي‮ ‬فرضتها‮ ‬المرحلة‮ ‬آنذاك،‮ ‬قد‮ ‬تزامنت‮ ‬مع‮ ‬أحداث‮ ‬جديدة‮ ‬لم‮ ‬يسبق‮ ‬للمغرب‮ ‬أن‮ ‬عاشها‮ ‬من‮ ‬قبل،‮ ‬والتي‮ ‬أدت‮ ‬إلى‮ ‬تغييرات‮ ‬مهمة‮ ‬في‮ ‬موازين‮ ‬وعلاقات‮ ‬القوى‮ ‬الداخلية‮ ‬المؤثرة‮ ‬في‮ ‬الصراع.
كان من الضروري، بعد استكمال حلقات التحالفات الطبقية المتعاقبة، أن يتسع تنظيم اليسار المغربي ويضيق، وكان من الطبيعي أن يتأرجح مناضلوه يمينا أو يسارا، غير أن تفسير تلك الظواهر يكمن في مغرب السبعينات من القرن الماضي.
لقد كان من الصعوبة وضع حدود فاصلة وواضحة بين المكونات الأساسية لحركة اليسار المغربي، خاصة وأن غالبية القيادات اليسارية كانت من أصول بورجوازية صغيرة، وظلت حريصة على الاحتفاظ بعلاقتها الوثيقة مع الفئات الاجتماعية التي تنتمي إلى هذه البرجوازية الصغيرة والاعتماد‮ ‬عليها. ‬وربما‮ ‬هذا‮ ‬ما‮ ‬يفسر‮ ‬التناقض‮ ‬القائم‮ ‬بين‮ ‬سلوك‮ ‬اليساريين‮ ‬من‮ ‬جهة‮ ‬والفكر‮ ‬الذي‮ ‬يعلنون‮ ‬عنه‮ ‬من‮ ‬جهة‮ ‬أخرى.
تبنت قواعد اليسار الجذري المغربي مواقف جريئة، رغم احتلالها الموقع الأصغر والأضعف داخل العائلة اليسارية المغربية الكبرى، وتأثرت بشكل متفاوت بالفكر الماركسي، رغم حرصها على التوازن بين الفئات المختلفة من البورجوازية الصغيرة، لكن حالة الضياع والتمزق والتناحر، ساعدت‮ ‬على‮ ‬تفكيك‮ ‬خلاياها‮ ‬وعجلت‮ ‬بسقوطها‮ ‬حيال‮ ‬الانهيارات‮ ‬والخيبات‮ ‬التي‮ ‬شهدتها‮ ‬بعض‮ ‬مناطق‮ ‬العالم.
إنها مرحلة عسيرة من تاريخ المغرب، عانى فيها الشعب وقوى التحرر والتقدم معاناة كبيرة ومختلفة، عُرّفت في الأدبيات السياسية المغربية بسنوات الجمر والرصاص. كانت اعتقالات واختطافات ونفيا وتعذيبا على يد الجلادين، وكانت معاناة تعرض لها مئات من الشباب والرجال والنساء‮ ‬داخل‮ ‬أقبية‮ ‬السجون‮ ‬السرية‮ ‬والعلنية،‮ ‬على‮ ‬امتداد‮ ‬خريطة‮ ‬المغرب.
كُتب عن هذه المرحلة الكثير، منذ مطلع الثمانينات حتى لا يطالها النسيان، من روايات، وشهادات ومذكرات، كشفت عن العديد من الحقائق التي ظلت مجهولة وغامضة، عرت أسماء السجانين والمحققين، وقد خلفت إرثا ثقيلا يستحق كل الانتباه، وأدبا مقاوما، ممانعا ومشاكسا، شجع الضحايا وعائلاتهم على النبش في "العمق المشترك" رغم اختلاف التجارب، والمذاهب، والألوان، والمعتقدات السياسية، والانتماءات الجغرافية، تأكيدا على الأهم من الخصوصيات الفكرية والإديولوجية للكتابة عن المعاناة. لعل ذلك يفتح المجال أمام التجارب التي ظلت مجهولة لدى الرأي‮ ‬العام،‮ ‬مثل‮ "‬النهج‮ ‬الديموقراطي‮ ‬القاعدي‮"/ ‬فصيل‮ ‬الطلبة‮ ‬القاعديين،‮ ‬في‮ ‬الجامعات‮ ‬المغربية.
لقد خلفت هذه التجربة تراثا نضاليا حقيقيا لم يكتب بعد، لم يتم الاهتمام به من قبل المهتمين بهذا النوع من التجارب. إنها تجربة جيل جديد من اليساريين الشباب، كانوا في حركة اعتراض ملموسة وشاملة بمواجهة المؤسسة: الدولة، والحزب، والجامعة، والنظام الدولي برأسماليته‮ ‬واشتراكيته... ‬إلخ.
كانت وحدة النضال، ووحدة الجيل، وشمولية "الظاهرة القاعدية" من أجل البحث عن الديمقراطية الضائعة، رهان هؤلاء المناضلين في فاس ووجدة، ومراكش، والرباط، وتطوان، ومكناس؛ بحيث كانت الديمقراطية ضائعة في كل مناحي الحياة، في القرية والمدينة، وفي المدرسة والجامعة، والحزب‮ ‬والدولة.
احتضنت تلك التجربة، منذ ولادتها، تيارات اليسار الجذري كلها، ولم تكن تميل إلى التجزؤ إلى مجموعات جغرافية أو سياسية أو ثقافية، إلا مع انسداد الآفاق وتفاقم الأزمة، بل كانت بمثابة أداة التنبيه واختراق المجهول القادم، من عنف، وتطرف، وبطالة وتهميش لأبناء الطبقة الشعبية،‮ ‬وأبناء‮ ‬الطبقة‮ ‬العاملة‮ ‬والبورجوازية‮ ‬الصغيرة‮ ‬الذين‮ ‬دخلوا‮ ‬الجامعات‮ ‬والمعاهد‮ ‬العليا. ‬
تم الاستغناء عن دور الجامعة والتخلص تدريجيا من إشعاع الجامعيين، واحتكار البحث العلمي والتكنولوجيا، والإبقاء على كل ما يعيد إنتاج الاتجاهات المحافظة في الدولة والنخب والمجتمع، بدلا من تحسين نوعية التعليم، ومد الطلاب والمدرسين بالعون المادي والمعنوي، فكانت استجابة‮ ‬الطلاب‮ ‬تجربة‮ ‬أدت‮ ‬واجبها‮ ‬النضالي‮ ‬كاملا،‮ ‬بأدوات‮ ‬موضوعية‮ ‬وصارمة،‮ ‬مهما‮ ‬كانت‮ ‬صغيرة‮ ‬ومتواضعة،‮ ‬لكنها‮ ‬ساهمت‮ ‬في‮ ‬خلق‮ ‬تراكم‮ ‬حقيقي،‮ ‬والتراكم‮ ‬يساهم‮ ‬في‮ ‬ولادة‮ ‬التاريخ،‮ ‬كما‮ ‬يقول‮ ‬المؤرخون.
يجعلنا‮ ‬الإطلاع‮ ‬على‮ ‬تفاصيل‮ ‬تلك‮ ‬التجربة‮ ‬وغيرها‮ ‬من‮ ‬التجارب‮ ‬اليسارية،‮ ‬فاهمين‮ ‬لواقعنا‮ ‬الحالي‮ ‬بشكل‮ ‬أفضل،‮ ‬لكي‮ ‬لا‮ ‬نستمر‮ ‬في‮ ‬حالة‮ ‬الضياع‮ ‬والتمزق‮ ‬والتعصب‮ ‬والتناحر.
ولأنها تجربة تستحق الانتباه، وجب على كل من شارك فيها، من قريب أو بعيد، أن يدلي بشهادته حتى لا تضيع منا ذاكرتنا. ذاكرة أولئك الذين أدوا ضريبة النضال والاعتقال في مختلف سجون البلاد: فاس، والرباط، والقنيطرة، ووجدة، ومراكش، والدار البيضاء، وطنجة، ومكناس... إلخ. ‬وانسحبوا‮ ‬في‮ ‬صمت‮ ‬وتواضع‮ ‬كما‮ ‬قال‮ ‬الطاهر‮ ‬محفوظي‮ ‬في‮ ‬يوميات‮ ‬من‮ ‬سنوات‮ ‬الرصاص‮ "أفول‮ ‬الليل".
فكيف‮ ‬ننتزع‮ ‬من‮ ‬زمن‮ ‬التقلبات‮ ‬الكثيرة‮ ‬والتحولات‮ ‬العميقة‮ ‬هذا‮ ‬الوقت،‮ ‬للكتابة‮ ‬عن‮ ‬المعاناة،‮ ‬والدفاع‮ ‬عن‮ ‬التجربة،‮ ‬أمام‮ ‬الانهيارات‮ ‬وأزمة‮ ‬الديمقراطية؟
كانت جامعة ظهر المهراز بفاس، قصيدة، وقصة، ورواية، وأغنية، ولوحة، وشهادة، أبطالها هم مناضلوها، حفروا بشغبهم مضايق عميقة في نقابتهم "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، وانصرفوا إلى ما ينفع البلاد والعباد، يغالبون التيارات الصاخبة والمضطربة ويبحثون بين المسالك عن فجر‮ ‬صادق.
لقد كتب الكثير عن "سنوات الجمر والرصاص"، ومازالت الساحة الأدبية المختصة والمهتمة بأدب السجون، تنتظر المزيد من الشهادات، والمحكيات، والسير الذاتية، والأفلام السنيمائية، والقصص والروايات، حيث العديد من الأحداث، والوقائع والتجارب لم يكتب عنها إلا القليل، أو لم‮ ‬يُكتَب‮ ‬عنها‮ ‬البتة.
وهذه أجزاء من ماض يحثنا على التعرية والحفر والتفكيك، من أجل الحفاظ على ما تبقى من المحتويات الثقافية والإنسانية لتجربتنا، وعلى الأبعاد والروابط الاجتماعية التي مازالت تجمع بيننا، حتى نتحرر، كما يقول محمد أركون، مما يتلقاه المخيال الاجتماعي أثناء الصراعات السياسية،‮ ‬ليدافع‮ ‬عن‮ ‬هوية‮ ‬كل‮ ‬ذاكرة،‮ ‬دون‮ ‬أن‮ ‬يهتم‮ ‬بالرجوع‮ ‬إلى‮ ‬القاعدة‮ ‬الثقافية‮ ‬والتقليدية‮ ‬التي‮ ‬تشترك‮ ‬فيها‮ ‬الذاكرات.
وهذه الأسباب، وأخرى حرضتني طبعا، ودفعتني إلى تدوين هذه التجربة الوثيقة، عبر هذه المحاولة المتواضعة، وإثارة الانتباه للتجربة القاعدية الغنية بنضالات العشرات من مناضلين أعطوا لفصيل الطلبة القاعديين وللحركة الطلابية المغربية كل ما كانوا يملكون... من زهو، واندفاع،‮ ‬وفوران،‮ ‬والتزام‮ ‬وإيمان‮ ‬بقيم‮ ‬الحرية‮ ‬والديمقراطية‮ ‬والمساواة.
جمعت مصلحة الجماهير الطلابية مناضلات ومناضلين من مختلف مدن المملكة، فوجدوا أنفسهم ذات يوم مطاردين، ومختطفين، ومعتقلين أو مستشهدين، لأنهم آمنوا بالتغيير والتقدم، ولأنهم اختاروا أن يكونوا في طليعة المدافعين عن الشعب المغربي.
لقد اخترت ركوب هذه المغامرة عن طواعية، لإخراج هذه المذكرات لحيز الوجود. وقد أصيب وقد أخطئ، وقد أغفل هذه الحادثة أو تلك، وقد أنسى واقعة أو معلومة ما... المهم هو المساهمة في التعريف ببعض المحطات من التجربة، التي عشتها جنبا إلى جنب مع العديد من المناضلين، وتكسير الصمت الذي ظل يحيط بتجربة القاعديين، إما من أجل تهميش تاريخهم، أو لمبررات واهية، بسبب ما يسمى "احترام التجربة والالتزام"، أو عدم الرغبة في نشر أي شيء قد يستفيد منه العدو أو الخصم! لكن لن يحول كل ذلك دون الاعتراف أمام مرآة الحياة بهذه التجربة.
لقد كتبت هذه المذكرات أثناء المنفى الاختياري الذي عشته في باريس. وإذا كنت في هذه المذكرات (الجزء الأول) قد تحدثت عن ما قبل الاعتقال وعن سنوات الاعتقال، فلأنني سأنشر، في الأمد القريب، مذكرات أخرى (الجزء الثاني)، سأتحدث فيها عن مرحلة ما بعد الاعتقال إلى حدود‮ ‬عودتي‮ ‬من‮ ‬فرنسا‮ ‬واستقراري‮ ‬بمدينة‮ ‬مكناس،‮ ‬والتحاقي‮ ‬بحزب‮ ‬الأصالة‮ ‬والمعاصرة‮ ‬أمينا‮ ‬عاما‮ ‬جهويا‮ ‬على‮ ‬جهة‮ ‬مكناس‮-‬تافيلالت.
إنه مسار تجربة شخصية، ماتزال حية في وجداني وموشومة في ذاكرتى حتى العظم، وليست استعادة أحداث ماضية فقط. لأنها مسار تجربة، لسبر أغوار تلك الأحداث بنوع من التأمل والنقد والمراجعة، وليست كتابة تاريخية للتجربة. إنها مسار في قلب تجربة سياسية وفكرية وثقافية... شهدت صراعات لاعقلانية، بين فصائل الحركة الطلابية وبدرجة أكثر مع الإسلاميين، دفع ثمنها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، والعديد من الطلبة المناضلين باهظا، إذ أن نزعات التفرد والهيمنة أدت إلى عمليات عنف وعنف مضاد، كما حصل مع مناصري "الكراس"، والطلبة الإسلاميين، ووجهات‮ ‬نظر‮ ‬سياسية‮ ‬أخرى. ‬لكنها‮ ‬مرحلة‮ ‬امتازت‮ ‬بالعفوية،‮ ‬والصدقية‮ ‬والشجاعة،‮ ‬والجرأة،‮ ‬واسترخاص‮ ‬النفس،‮ ‬والدفاع‮ ‬عن‮ ‬القيم‮ ‬والمثل،‮ ‬رغم‮ ‬النواقص‮ ‬والثغرات.
مكناس،‮ ‬أبريل‮ ‬2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.