تغييب الأمازيغية عن تسمية شوارع العروي تجلب انتقادات للمجلس الجماعي    مكافحة القنص الجائر.. تحرير 52 محضرا في الفترة ما بين 20 شتنبر و20 أكتوبر الجاري    توقيف 3 أشخاص متورطين في قضية إلحاق خسائر مادية بممتلكات خاصة وحيازة السلاح الأبيض    غوتيريش يشيد باحترام المغرب لوقف إطلاق النار وبالتعاون النموذجي للقوات المسلحة الملكية مع المينورسو    كمال كمال ينقل قصصا إنسانية بين الحدود المغربية والجزائرية في "وحده الحب"    أخنوش يضع الشغل أولوية حكومته.. وبركة يقول إن المواطن يحتاج إلى تدابير ملموسة (فيديو)    قمة الجولة السابعة بين الجيش والرجاء تنتهي بالتعادل    مديرية الأمن الوطني تكشف عن مختلف الأرقام المتعلقة بالاختبارات الكتابية لولوج مختلف أسلاك الشرطة    الجيش الإسرائيلي يعلن القضاء على هاشم صفي الدين خليفة حسن نصر الله    تعادل الرجاء والجيش بالدوري الاحترافي        سلطات الجديدة، تسمح بحضور الجماهير في مباراة الدفاع الحسني الجديدي والمغرب التطواني    البطولة الوطنية.. التعادل السلبي يحسم موقعة "الكلاسيكو" بين الرجاء الرياضي والجيش الملكي    حملة مقاطعة واسعة تعيد الشاب بلال إلى جادة الصواب    توقيف فرنسي من أصول غينية بالدار البيضاء مطلوب دولياً بتهمة الاتجار بالمخدرات    تعديل حكومي يتوقع أن يطيح بوزراء بارزين ويستقبل وجوها جديدة    رئيس الفيفا يشكر المغرب على استضافة النسخ الخمس المقبلة من كأس العالم للسيدات لأقل من 17 عاما    الداخلة: البحرية الملكية تعترض مركبا على متنه 38 مرشحا للهجرة غير النظامية    من أوحى له بمقترح التقسيم؟    خلال 3 سنوات ونصف رفعت مديونية الخزينة من 885 إلى 1053 مليار دهم    ‬المؤتمر العالمي حول الذكاء الاصطناعي ودور المغرب في تنفيذ اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية    "النقد" يتوقع نموا بنسبة 2.8 % بالمغرب    توقعات احوال الطقس : انخفاض درجة الحرارة بمنطقة الريف    حادث يلقي بزوجة شيبو في الحراسة النظرية        منتخب الشاطئية ينهزم أمام مصر (2-3)    لمجرد يروج لأغنيته الجديدة "صفقة"    المستوطنون يقتحمون الأقصى في رابع أيام "ما يسمى عيد العرش"    النصر للشعب الفلسطيني وكل المدعمين له ..    إسرائيل مستمرة في "خطة الجنرالات" التهجيرية    زيارة وفد جائزة خليفة التربوية للمغرب    حكام الجزائر يتامى «الاستفتاء» يغمغمون    تقسيم دي‮‬ ميستورا‮ ‬وزوبعة‮ ‬صحراوية‮    المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب .. توقيع عقد لنقل الغاز الطبيعي عبر أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي    زيارة ماكرون للمغرب افتتاح لعصر جديد في العلاقات الجيوسياسية والاقتصادية بين البلدين    وفاة الداعية فتح الله غولن "عدو أردوغان اللدود"    رحيمي الأعلى تنقيطا في قمة الهلال والعين        فيروس جدري القردة يثير القلق في ألمانيا بعد تسجيل إصابة جديدة    المحفظة العمومية تضم 271 مؤسسة ومقاولة عمومية    شبهات حول برنامج "صباحيات 2M" وإدارة القناة مطالبة بفتح تحقيق    بلينكن يصل إلى "إسرائيل" لإحياء محادثات وقف إطلاق النار    إعادة تأهيل مرضى القلب: استعادة السيطرة على الصحة بعد حادث قلبي    المكسرات صديقة المصابين بداء السكري من النوع الثاني    جامعة حماية المستهلك تطالب بفرض عقوبات على المخالفين في استيراد اللحوم    الأولمبياد الإفريقية في الرياضيات.. الذكاء المنطقي الرياضي/ تتويج المغرب بالذهبية/ تكوين عباقرة (ج2) (فيديو)    الصحراء المغربية.. غوتيريش يعرب عن قلقه إزاء عرقلة الجزائر للعملية السياسية    الصادرات المغربية.. تحسن تدريجي في المحتوى التكنولوجي    أسعار الذهب تواصل الارتفاع وسط حالة من عدم اليقين    كوريا الشمالية تنفي دعم روسيا بجنود    النموذج المغربي في "إدماج الإسلاميين" يحصد إشادة واسعة في منتدى أصيلة    وهي جنازة رجل ...    رحيل الفنان حميد بنوح    دوليبران.. لم تعد فرنسية وأصبحت في ملكية عملاق أمريكي    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب الريف والعالم 20 صحافة الإنجليز تتنصّل من دعم "ريافة"
نشر في هسبريس يوم 15 - 06 - 2017

سلسلة مقالات يومية يسلط من خلالها الدكتور الطيب بوتبقالت الأضواء على صفحات مجيدة من تاريخ المغرب المعاصر؛ ويتعلق الأمر هنا بالأصداء العالمية التي خلفتها حرب الريف (1921-1926) عبر ردود الفعل المتضاربة والمواقف المتناقضة التي سجلتها الصحافة الدولية إبان هذه الفترة العصيبة التي تعرضت فيها حرية وكرامة المغاربة للانتهاك السافر والإهانة النكراء.
لقد برهن أبناء الريف عبر انتفاضتهم البطولية في مواجهة العدوان الاستعماري الغاشم عن تشبثهم الدائم بمقومات الهوية الثقافية المغربية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، وعن فخرهم واعتزازهم بالانتماء الحضاري إلى مغرب مستقل ذي سيادة غير قابلة للمساومة.
إن أبناء الريف، بشهادة كل مكونات الرأي العام الدولي في هذه الفترة التاريخية ما بين الحربين، أعطوا دليلا قاطعا من خلال دفاعهم المستميت عن الحرية والكرامة أن المغرب بلد يسكنه شعب أصيل لا يرضخ أبدا للذل والهوان مهما كلفه ذلك من ثمن.
الصحافة البريطانية تدعم الاستعمار الفرنسي وتنفي تعاطفها مع الريفيين
من المعروف عن الانجليز برودة أعصابهم في سلوكاتهم اليومية وحتى في تعاملهم مع الأحداث الجارية. وليست هذه مجرد كليشيهات متداولة، بل إنها تكاد تكون عنصرا من عناصر طباعهم حتى على مستوى المؤسسات. وعلى أي، فإن الحكومة البريطانية أبدت نوعا من الحيطة والاحتراز الدبلوماسي بشكل هادئ في تعاملها مع القضية الريفية. وكانت الصحافة الانجليزية تعكس هذا الموقف إلى حد بعيد. كان بديهيا أن تدافع بريطانيا عن مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية في المغرب عامة وفي منطقة جبل طارق خاصة. ولكونها قوة استعمارية عظمى، كانت بريطانيا كذلك حريصة كل الحرص على مراقبة التوازنات الكولونيالية وتدبير الأزمات بشكل يتماشى والحفاظ على مركزها ومكتسباتها في هذا المجال؛ فقد كان يربطها بفرنسا اتفاق دبلوماسي كولونيالي معروف ب"الوفاق الودي" الذي تم إبرامه يوم 8 أبريل 1904. وهذا معناه أن كل الترتيبات الدبلوماسية المتعلقة بالريف يجب أن تراعى المصالح البريطانية، مع التقيد باحترام الاتفاقيات السابقة في إطارها العام، ومن ضمنها وثيقة الحماية الموقعة في فاس بتاريخ 30 مارس 1912.
كان هذا على الصعيد الرسمي، أما على مستوى الشارع البريطاني فإن اهتمامه بأحداث الريف لم يكن ملحوظا إلا بعد إعلان فرنسا دخولها الحرب ضد الريفيين، شأنه في ذلك شأن قطاعات واسعة من الرأي العالمي. كما أن الصحافة العالمية في مجملها لم تخصص تغطية ذات أهمية للمنطقة الشمالية المغربية إلا منذ بداية العدوان المزدوج على الريفيين. وهكذا جاء في جريدة الدايلي تلغراف بتاريخ 24 أبريل 1925 مقال تحت عنوان: "عبد الكريم والفرنسيون/حالة خطيرة"؛ وهو مقال يدعم بكل وضوح الاستعمار الفرنسي، ويفيد بأن السلطات الفرنسية كانت مستعدة لتوقيع اتفاق ذي صبغة محلية مع عبد الكريم «خدمة للسلام». لكن صاحب المقال يستدرك محللا هذا التوجه، مبينا أنه لو حدث ذلك لكانت مراجعة مفهوم نظام الحماية حتمية.
ولم يتطرق المقال إلى موقف الريفيين، وإنما ثمن أطروحات الدعاية الفرنسية الرسمية: "ولكن من المستحيل أن يستمر الحال على ما هو عليه الآن، وإلا فستتمكن وحدات عبد الكريم من نشر الرعب والخراب في مناطق يعتبر السلطان والفرنسيون هم المسؤولون عن استتباب الأمن فيها. وأما في باقي مناطق المغرب الفرنسي فإن الأمن يخيم عليها أكثر من أي وقت مضى".
بعد أسبوع على نشرها هذا المقال، عدلت الجريدة قليلا من موقفها لتوحي بأن مستقبل القوى الاستعمارية في المغرب أضحى غامضا، وأن احتمال الرجوع إلى نقطة الصفر أصبح واردا. وتحت هذا العنوان الرباعي "الهجوم الفرنسي في المغرب/ عبد الكريم كبش فداء المؤسسات المالية/ وضع سياسي خطير/ احتمال وقوع تكرار أحداث الدارالبيضاء"، كتب محررها الدبلوماسي مقالا تطرق فيه إلى التطورات المتسارعة للمشاكل التي تواجه الاستعمار الأوربي في المغرب، والتي يقول عنها إنه تمت الإشارة إليها قبل ستة أشهر من تحرير مقاله هذا. وكان صاحب المقال ينبئ بحدوث أزمة دولية جديدة بشأن المغرب لأن في نظره "من المحتمل أن يضرب العسكريون عرض الحائط بترتيبات الدبلوماسيين".
وأضاف المحرر، الذي كان توقيعه بثلاثة أحرف ترمز إلى هويته، فقرة تحت عنوان فرعي تم تخصيصها للاستعدادات الإعلامية الدعائية في فرنسا يقول فيها: "تم حث الصحافة على إعطاء العالم انطباعا يدل على أن فرنسا لم تكن بتاتا لديها نية التدخل في الريف، لكنها وجدت نفسها مرغمة على ذلك. كل هذه الأشياء كانت جاهزة ماعدا المبرر. بعدئذ تدخلت انجلترا لدى الخارجية الفرنسية وبلغتها أنه في حالة ما إذا توغلت الجيوش الفرنسية في المنطقة الممنوحة لإسبانيا، فإن تعقيدات ستنجم عن ذلك. وهكذا تم العدول عن المغامرة".
وفي معرض حديثها عن «الوضع في الريف» نشرت وستنمستر كازيت، يوم 6 ماي 1925، خبرا ورد في اليوم نفسه في جريدة الدايلي تلغراف، تنتقد فيه جزءا كبيرا من الرأي العام الفرنسي الموالي لفكرة التوسع الكولونيالي الفرنسي في المغرب، دون الأخذ بعين الاعتبار مصلحة بريطانيا الإستراتيجية في منطقة جبل طارق: "إن اتجاه بعض الشرائح من الرأي العام الفرنسي التي ترى أن الفشل الإسباني يخلق وضعا جديدا في المغرب معروف جدا. إلى درجة يتحتم معها شيء من التحفظ في ما يتعلق بالأنباء التي تقول إن الريفيين اجتازوا حدود المنطقة الفرنسية. لا أحد في انجلترا يصدق مطلقا الأطروحة التي ترى أنه في حالة عدم قدرة الإسبانيين على فرض الأمن في منطقتهم ستتولاها فرنسا. ومن غير المحتمل أن تتبنى الحكومة الفرنسية هذه السياسة، اللهم إذا كانت استفزازات عبد الكريم أكثر مما يمكن احتماله".
وفي جريدة التايمز ليوم 7 ماي 1925 كتب مراسلها الخاص من مدريد مقالا تناول فيه تحليلا للرأي العام الإسباني تجاه حرب الريف، وقال إنه رغم الاهتمام الواضح للشارع الإسباني بالعمليات الفرنسية الإسبانية المشتركة في الريف إلا أن الإسبانيين لا ينظرون إلى المشكل المغربي في المنطقتين كقضية واحدة. وهذا التحليل بطبيعة الحال يدعم الموقف الانجليزي. وكتبت صحيفة الدايلي نيوز، يوم 12 ماي 1925، مقالا افتتاحيا تطرقت فيه إلى «فرنسا والمغرب». وطبعا، عندما يذكر اسم المغرب في الإعلام الكولونيالي والأدبيات الكولونيالية عموما، كان ذلك يعني قبل كل شيء حاضر ومستقبل المصالح الإمبريالية فيه؛ لأنه موضوعا للتاريخ وليس طرفا مساهما في صنعه...!
وفي 15 ماي 1925، كتبت جريدة مورنينج بوسط مقالا تروج فيه لدعاية استعمارية جد مستهلكة، مفادها أن هناك عناصر مرتزقة تعمل لصالح المقاومة الريفية. وهكذا أشارت هذه الجريدة إلى ما يلي: "لم يعد سرا الحديث عن وجود خبراء عسكريين ألمان وروس من بين ضباط عبد الكريم". والواقع أن الدعاية الفرنسية استطاعت فعلا تمرير هذا الادعاء وتضخيمه بهدف الانتقاص من قدرة الريفيين على اعتمادهم على أنفسهم والحط من مستوى قدراتهم الذاتية على التنظيم المتطور، وبالتالي فإن هذه الدعاية تهدف إلى إقناع الرأي العام بأن فرنسا إذا ما سجلت خسائر هامة في الريف، وقد سجلتها فعلا، فلأنها لا تحارب الريفيين فقط بل كذلك عملاء لهم بأس شديد في فنون الحرب الحديثة.
واتضح للعالم في ما بعد أن هذه الادعاءات كانت مجرد أكاذيب. وهكذا كانت أنظار الصحافة الانجليزية متجهة أساسا إلى منطقة النفوذ الفرنسي لمتابعة تطورات الوضع، مع التركيز على كل ما كان من شأنه أن ينعكس سلبا أو إيجابا على المصالح الاستعمارية البريطانية العامة.
وقبل استسلام عبد الكريم بأيام معدودة، باح دبلوماسي انجليزي للمقيم العام الفرنسي بالرباط، تيودور ستيج، بأن الحكومة البريطانية تنهج في المغرب سياسة واضحة لبلوغ هدفين: من جهة، الحفاظ على حريتها في منطقة جبل طارق، ومن جهة ثانية حماية مصالحها الاقتصادية في الإمبراطورية الشريفة. وبناء على هذه الاعتبارات الإستراتيجية والاقتصادية، أكد الدبلوماسي الانجليزي للمقيم العام أنه لا يجب إغفال كون انجلترا، تماما كما هو الحال بالنسبة لفرنسا، قوة كولونيالية لها مستعمرات إسلامية، وعليه فإن مصالح انجلترا مرتبطة بالمصالح الفرنسية: كل انتفاضة تعرفها منطقة إسلامية محتلة لا بد وأن يكون لها تأثير على مناطق أخرى من العالم الإسلامي المحتل. ولهذا يقول الدبلوماسي الانجليزي، فإن انجلترا تعتبر من قبيل العبث ما ذهبت إليه بعض الصحف الفرنسية التي تنسب لانجلترا تعاطفها مع الريفيين.
إلى حد ما، يمكن القول إن الصحافة الانجليزية تبنت هذا الموقف الرسمي ودافعت عنه بطرقها الملتوية، وكانت أقل اندفاعا في تناولها للقضية الريفية من الصحافة الأوربية بشكل عام. كما أن تحليلاتها كانت مبنية على افتراض استمرارية الوضع الكولونيالي.
* أستاذ التاريخ المعاصر وعلوم الإعلام والاتصال بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة- طنجة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.