بيان الخارجية الفرنسية: فرنسا تجدد تأكيد موقفها الثابت الداعم لسيادة المغرب على الصحراء    المغرب-إستونيا: إرادة مشتركة من أجل شراكة مُعززة    العلوي: منازعات الدولة ترتفع ب100٪ .. ونزع الملكية يطرح إكراهات قانونية    توقيع اتفاقية شراكة بين وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة ومجموعة بريد المغرب لتعزيز إدماج اللغة الأمازيغية    بسبب تنامي العنف المدرسي الذي ذهبت ضحيته أستاذة بمدينة أرفود    ولد الرشيد يستقبل ريني هيرنانديز    اتفاقيات "جيتيكس" تدعم الاستثمار في "ترحيل الخدمات" و"المغرب الرقمي"    بركة: نفقد 50 مليون متر مكعب من الماء سنويا بسبب توحل السدود    أرسين فينغر يؤطر مدربي البطولة الوطنية    إشعاع النسخة 15 من سباق النصر بالرباط يتجاوز حدود الوطن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    توقيف سائق استعراضي لدراجة نارية في حالة عود    مصرع سائق وطفل في حادثتين متفرقتين بإقليم الحسيمة    تفكيك شبكة إجرامية متخصصة في تزوير وثائق التأشيرات بين وجدة وأحفير (صورة)    خريبكة تفتح باب الترشيح للمشاركة في الدورة 16 من المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي    فاس تقصي الفلسفة و»أغورا» يصرخ من أجل الحقيقة    شهادة أممية تزعزع رواية الانفصاليين.. الروسي إيفانكو يفضح أكاذيب بوليساريو والجزائر    دي ميستورا.. طيّ صفحة "الاستفتاء" نهائيا وعودة الواقعية إلى ملف الصحراء المغربية    عمر هلال.. آمل أن تكون الذكرى ال50 للمسيرة الخضراء نهاية نزاع الصحراء    الاتحاد الأوروبي يؤازر المغرب في تسعير العمل المنزلي للزوجة بعد الطلاق    حرس إيران: الدفاع ليس ورقة تفاوض    لقاء تشاوري بالرباط بين كتابة الدولة للصيد البحري وتنسيقية الصيد التقليدي بالداخلة لبحث تحديات القطاع    عمال الموانئ يرفضون استقبال سفينة تصل ميناء الدار البيضاء الجمعة وتحمل أسلحة إلى إسرائيل    إدريس علواني وسلمى حريري نجما الجائزة الكبرى للدراجات تافراوت    إخضاع معتد على المارة لخبرة طبية    التامني تنتقد السعي نحو خوصصة الأحياء الجامعية وتدعو لإحداث لجنة تقصي الحقائق حول أوضاع الطلبة    العُنف المُؤَمم Etatisation de la violence    من يسعى الى إفساد الاجواء بين الجماهير البيضاوية وجامعة الكرة … !    فرنسا: قرار الجزائر لن يمر دون عواقب    "ديكولونيالية أصوات النساء في جميع الميادين".. محور ندوة دولية بجامعة القاضي عياض    وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل في 2022 بسبب مقاومة الميكروبات للأدوية    دراسة أمريكية: مواسم الحساسية تطول بسبب تغير المناخ    فايزر توقف تطوير دواء "دانوغلبرون" لعلاج السمنة بعد مضاعفات سلبية    إدريس الروخ ل"القناة": عملنا على "الوترة" لأنه يحمل معاني إنسانية عميقة    الكوكب المراكشي يؤمّن صدارته بثنائية في مرمى "ليزمو"    الهجمات السيبرانية إرهاب إلكتروني يتطلب مضاعفة آليات الدفاع محليا وعالميا (خبير)    محمد رمضان يثير الجدل بإطلالته في مهرجان كوتشيلا 2025    فليك : لا تهاون أمام دورتموند رغم رباعية الذهاب    نقل جثمان الكاتب ماريو فارغاس يوسا إلى محرقة الجثث في ليما    وقفة احتجاجية للمحامين بمراكش تنديدا بالجرائم الإسرائيلية في غزة    اختبار صعب لأرسنال في البرنابيو وإنتر لمواصلة سلسلة اللاهزيمة    فاس العاشقة المتمنّعة..!    قصة الخطاب القرآني    المغرب وكوت ديفوار.. الموعد والقنوات الناقلة لنصف نهائي كأس أمم إفريقيا للناشئين    برادة: إصلاحات في تكنولوجيا التعليم قادرة على الاستجابة لحاجيات المغاربة المقيمين بالخارج في مجالي الابتكار والبحث    السغروشني: المغرب يتطلع إلى تصميم التكنولوجيا بدلا من استهلاكها    تضمن الآمان والاستقلالية.. بنك المغرب يطلق بوابة متعلقة بالحسابات البنكية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    غوتيريش: نشعر "بفزع بالغ" إزاء القصف الإسرائيلي لمستشفى المعمداني بغزة    أمسية وفاء وتقدير.. الفنان طهور يُكرَّم في مراكش وسط حضور وازن    ارتفاع قيمة مفرغات الصيد البحري بالسواحل المتوسطية بنسبة 12% خلال الربع الأول من 2025    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان: بين الفرص والتحديات الأخلاقية    خبير ينبه لأضرار التوقيت الصيفي على صحة المغاربة    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على بعد ملمتر واحد .. مفاجأة صاعقة في انتظار خالد
نشر في هسبريس يوم 08 - 06 - 2017

كيف يمكن أن يغيّر تردد على بعد ملمتر واحد فقط حياة شاب مغربي؟ كيف يمكن أن يسبب عدم مسح صديقة من فيسبوك في تغيّر دفة مركب الحياة بشكل كامل؟ من طنجة إلى بروكسل إلى السجن.. لوحة مسروقة من المتحف الأمريكي بطنجة ومحاولة استعادتها وتفاصيل أخرى كثيرة ومثيرة تزخر بها رواية "على بعد ملمتر واحد فقط" للكاتب عبد الواحد استيتو.. تابعوها على هسبريس طيلة شهر رمضان.
الفصل الثالث عشر:
لم يلتق خالد هدى مذ أرشدته في اليوم الأول إلى مكان الملتقى. يصعب عليه أن يصف وتيرة مرور تلك الأيام الخمسة.. أكانت بطيئة أم سريعة؟!
أحيانا كان يشعر بالحماس الشديد، خصوصا إذا ما راقته مداخلة ما، فيشتعل الأدرينالين في جسمه وتحمرّ أذناه ويرفع إصبعه طالبا الإذن بالكلام.
الملتقى كان منظما جدا. ترجمة فورية إلى ثلاث لغات: العربية، الفرنسية والإنجليزية. هكذا، وجد لسانه ينساب بالكلمات ويتحدث عن تجربته في ترجمة رواية "لوأوغلا" القصيرة إلى العربية، وأحيانا يتحدث عن رؤيته الأدبية لكتابات جي دي موبسان.
طبعا لم يقل لهم أنه ترجمها على إيقاع "الحلوى د كيكس" وكؤوس الشاي المنعنع، وأن قطته التهمت إحدى مسوداتها بعد أن اشتمت بها رائحة الجبن الأصفر..
في أحيان أخرى كان يمتزج لديه الحنين بالشعور بالوحدة. لم يفهم أكان هذا تأدّبا زائدا عن الحد من هدى، التي، ربما، فضلت تركه لملتقاه حتى لا يفقد التركيز. أم أن هناك شيئا لازال لم يفهمه؟!
لم يحاول الاتصال بها كي لا يكون وقحا. لحدّ الآن تصرفت هي معه بشهامة أنثوية نادرة. أتراه كان يعيش وهم الإعجاب بالذات الذي صور له أن هدى "تذوب عشقا في الأرض التي يمشي عليها"؟
لا... يجيب نفسه. لم يصل الأمر يوما إلى هذا الحد. صحيحٌ أن قناع التحفظ كاد يسقط بل سقط.. لكن في العقل والقلب لازال هناك مكان للتراجع.. صحيح أنه مكان ضيق حرج.. لكنه هناك .. شبيه بعجلة سيارة احتياطية قد تبدو، لسنوات، بلا جدوى.. لكنها – وقت اللزوم– تبدو ككنز.
في أحيان قليلة أخرى، كان يستعيد ذلك الشعور المشاغب الجميل الذي يذكره بأيام الدراسة الأولى.. يأخذ ركنا قصيّا مظلما، ويستمع بغير كبير تركيز لما يقولون، خصوصا بعد الغذاء وقت القيلولة..
تتراخى أعصابه، تتحجر عينيه ثم يغيب تماما عمّا حوله.. فقط لتوقظه التصفيقات من نومه وقد سقطت رأسه على كتفه وتدلى لسانه واللعاب يسيل من فمه.. فيصفق بحماس ليس إعجابا بما قيل طبعا، بل فرحا بانتهاء الأمسية.
لم يكن يمتلك مزاجا لربط أي علاقة مع الحاضرين.. كان هناك أديب من العراق وآخر من تونس. تبادل معهما أطراف الحديث من نوع ( آه – نعم – أرأيت؟ - سبحان الله – اعتن بنفسك)..
في الليل كان يتجول في الشوارع القريبة من مكان إقامته. ليس مستعدّا لكي يتوه في هذه اللحظة، وفي هذه المدينة بالذات التي يتحدث قومها لغة لا يعرف منها حتى الحد الأدنى للأمان اللغوي.. الحد الذي يسمح لك على الأقل بالسؤال عن احتياجاتك البيولوجية.. الحدّ الذي يضعونه في دليل سياحة أي بلد:
أنا لست من هنا!
أين أجد المطعم؟
أين أجد سفارة بلدي؟
أين أجد دورة المياه؟
وأسئلة أخرى شبيهة.. لهذا كان يحرص على عدم الابتعاد وعلى ذاكرته للعودة إلى مكان إقامته..
ذلك المقهى الصغير الذي فاجأه فعلا أن اسمه "كافي طنجة"!
تلك المكتبة الصغيرة التي تشتغل فيها فتاة مملوء وجهها بالنمش طوال النهار..
ذلك المحل في الركن الذي يبيع لعب الأطفال، وهكذا...
كذا كان يرسم خريطته الخاصة ليصل إلى شارع رئيسي يضج بالحياة، كان يمتعه أن يقضي فيه ما بقي من وقت فراغه وهو يتأمل الدنيا والناس.
عدد كبير من المغاربة يمرون أمامه.. يعرفهم بسيماهم. لسوء حظه - أو لحسنه - لم يتعرف أحدا ولم يتعرفه أحد.
في اليوم الأخير من الملتقى سلموه مظروفا به تعويضا محترما. لم يتوقع هذا أبدا ولم يفكر به. لكن يبدو أن هؤلاء الناس يقدرون قيمته..
لا يعرف لماذا ضحك بشدة عندما فكر في هذا الأمر.. يتذكر أن كاتبا عربيا كتب يوما:
(قال لي أحدهم: أريد الذهاب إلى بلد يعرف قيمتي الحقيقية..
فأجبته: ولماذا تصر على فضح نفسك؟ ابق هنا مستورا أفضل لك.. ففي الغرب من السهل أن يدركوا أي حمار أنت!!!)
يشاهد التلفاز بعيون شاردة تماما.. القناة المغربية تبدو له رائعة جدا في هذه الغربة القصيرة.. حتى وصلات الإشهار، التي يكرهها، يشاهدها وهو يبتسم.
كمْ هو كمُّ الأشياء التي أنت قادرة أيتها الغربة على جعلها تبدو جميلة؟
يسمع طرقا قويا على الباب فيطير من مكانه بسرعة وقلبه يخفق.. ما الذي يحدث؟!
يفتح الباب ويطل برأسه فقط من الفرجة.. رجال أمن هؤلاء؟!!
- بيست دو ميسطيغ كالد؟
- آي دونت أندرسطاند؟
- آر يوم مستر خالد؟
- يس.. آيام!!
يبرز له رجل الأمن ورقة استنتج منها أنها إذن بالتفتيش.. كانوا ثلاثة ً بنظرات صارمة جدا لا تقبل المزاح.. اضطر لفتح الباب وتركهم يدخلون وهو يغالب المفاجأة ويتساءل متى ينهض من هذا الكابوس بسرعة؟
اتجه أحدهم مباشرة إلى حقيبته.. أفرغها من الملابس بسرعة..
لاحظ خالد أنه رمى علب "ماروخا" بدون مبالاة، وتذكر، بدون وعي كبير، أن معاذ كان سيزوره غدا لأخذها..
بحذر شديد مزق رجل الأمن غشاء الحقيبة السفلي الداخلي بشفرة حادة..
بمزيد من الحذر قام بنزعه شيئا فشيئا حتى اقتلعه تماما..
وفي الأسفل هناك، تحت ذلك الغطاء.. كان يبدو آخر شيء في العالم يمكن أن يتوقعه خالد.. آخر شيء كان يمكن أن يحلم به يوما...
لوحة الزهرليزا.. أو "الموناليزا المغربية"..
وكأي شخص عاديّ يحترم نفسه، قام خالد بما عليه أن يقوم به...
هوى فاقد الوعي!!
لقراءة الفصل السابق: خالد يصل بلجيكا وهدى تصبح "غريبة" !
*روائي مغربي | [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.