2017-2021 (الجزء 2) 3/ التربية والتعليم والتكوين والبحث وآفاق العمل والتشغيل: خصّص برنامج حكومة العثماني المذكور، في باب أهدافه وتدابيره المستقبلية، حيزا مهمّا لمنظومة التربية والتكوين والتعليم العالي والبحث العلمي، ولقضايا الشغل والتشغيل والإدماج المهني (42+27 عمل حكومي)، وذلك على ضوء الرؤية الإستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي (2015-2030)، وتفعيلا لإستراتيجية التشغيل في أفق 2025 ؛ ولقد جال هذا البرنامج الطموح بين بشرى قرب اعتماد قانون إطار لتنفيذ إصلاح منظومة التربية والتكوين، وتحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص، وتطوير النموذج البيداغوجي، وتحسين حكامة المنظومة، وضمان محاربة فعالة للأمية، وإرساء منظومة متميزة للتعليم العالي والبحث العلمي، وتوفير تكوين مهني موجّه أساسا لتحقيق فرص التشغيل ؛ وفي جانب قضايا الشغل والتشغيل والإدماج المهني، وعد البرنامج الحكومي بالنهوض بالتشغيل وبعلاقات العمل، وبتوفير التحفيزات القطاعية والمجالية، وبتعزيز القابلية للشغل، وبإعادة النظر في بعض الانتاجات التشريعية المرتبطة بالشغل، وأخيرا بتوسيع وتحسين التغطية الصحية والحماية الاجتماعية لكافة فئات العمال ؛ وإن نظرة متمعّنة إلى هذه الإجراءات والتدابير التي بلغت كميا ما يقرب من 70 عمل حكومي موعود، ولو أنها إجراءات وتدابير، كما في مجموع البرنامج الحكومي المذكور، مكرّرة في بعض الأحيان، ومتداخلة في غالب الأحيان، وغير مرتّبة ومتسلسلة منطقيا في أحيان أخرى، فهي، على المستوى الشكلي على الأقل، قريبة إيجابيا من التقارير والتوصيات الأخيرة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، وكذا لروح الميثاق الوطني للتربية والتكوين ؛ غير أن ما يتبادر للذهن للوهلة الأولى أن هذا البرنامج الذي يدعو إلى ربط منظومة التربية والتكوين بالتشغيل لم يهيأ له قطبا وزاريا موازيا في تركيبته الحكومية الحالية، لأن قطاع التربية الوطنية والتكوين المهني يشتغل في موقع خاص، وقطاع التعليم العالي، رغم التحامه بالقطاع الأول، يعمل في موقع ثان مغاير، وقطاع التشغيل والإدماج المهني متمسّك باستقلاليته في موقع ثالث ؛ ولقد كان الأجدر، في إطار توحيد وتكامل السياسات العمومية القطاعية، إنشاء قطب وزاري واحد بثلاث وزارات منتدبة أو ثلاث كتابات للدولة في المجال. أما في ما يخص بعض المفاهيم والتسميات التقليدية التي استعارها - أو لنقل استنسخها - البرنامج الحكومي المذكور، كسائر باقي الحكومات السابقة، من مثل "البحث العلمي" ومثل "الشباب والرياضة" التي تواجهنا دوما ببعض الاستفزاز، فهي في غير محلّها المعرفي والواقعي، لأن البحث المراد، والمرتبط بقطاع التعليم العالي، ليس بالضرورة أن يكون بحثا علميا، وإلا أسقطنا كل البحوث الأخرى التي تنهل من مجالات معرفية وإنسانية وإبداعية كثيرة ؛ كما أن الربط الآلي لقطاع الشباب بالرياضة فيه تجنّي على الرياضة وعلى الشباب في نفس الآن، لأن الرياضة يجب أن تكون خدمة عمومية متوفرة للجميع، للأطفال والنساء والفتيات والشباب والأشخاص في وضعية إعاقة والأشخاص المسنين، علما أن بعض الأطباء في بعض الدول المتقدمة، نظرا لأهميتها العلاجية أو الوقائية، قد شرعوا في تضمين الرياضة والتنصيص عليها كتابة في ما يحرّرون من وصفات دوائية وعلاجية للمرضى. وإذا كان لا بد من تذكير القائمين على هذا البرنامج الحكومي في الموضوع ولو على سبيل المقارنة، فإن حكومة إدوارد فيليب الفرنسية الحالية، تحت قيادة رئيس الدولة الجديد إمانويل ماكرون، قد أنشأت كتابة دولة للرياضة فقط، وبشعار الرياضة للجميع، كما لم يغب عنها ربط القطاع الوزاري للتعليم العالي بالبحث وكذا بالابتكار، وليس بالبحث العلمي الذي فيه ضمنا وعلنا إسقاط لشرعية وجود ونفعية البحوث الأخرى. وبخصوص ظاهرة آفة الأمية التي ما زالت تعيق تنمية البلاد، ولو في حدود 30% الحالية حسب المعطيات الرسمية، فإن تأكيد البرنامج الحكومي على إرادته في انتهاج سياسة فعّالة لمحاربتها، وتخفيض نسبها إلى حدود 20% في أفق سنة 2021، فإن الإجراءين اليتيمين اللذين تنوي الحكومة، في ظرف خمس سنوات من عمرها الافتراضي، القيام بهما، والمتمثلين فقط في تقديم الدعم المالي واللوجستيكي والبشري للوكالة الوطنية لمحاربة الأمية بتعاون وشراكة مع مختلف الفاعلين، ومراجعة برامج محو الأمية حسب المعايير الدولية، لا يمكن فعلا لوحدهما أن يترجما إرادة حكومة العثماني المعلنة في محاربة الأمية، أو على الأقل التخفيف من حدتها وآثارها، ذلك أن هذه الظاهرة الاجتماعية في الواقع تحتاج وجوبا إلى إرادة سياسية واضحة، وإلى هيكلة بيداغوجية وأندراغوجية عصرية وفعالة، وإلى تدابير نهائية، علاجية ووقائية، لسدّ منافذ استمرار الأمية، وإلى بنيات تحتية ولوجستيكية وموارد كافية، وأخيرا إلى إقرار سياسة عمومية مندمجة لمرحلة ما بعد تجاوز الأمية الأبجدية، ذلك أن دعم الوكالة الوطنية المختصة، وإعادة النظر في برامج محو الأمية، مع ما لهذين الإجراءين من أهمية وأولوية، ليسا بالأمرين الكافيين لمواجهة حاجيات وانتظارات أفق 2021. وكذلك الأمر بالنسبة للتربية غير النظامية التي ينوي البرنامج الحكومي تعزيزها بأكثر من مليون مقعد للمنقطعين عن الدراسة، لأن الأصل في هذه القضية هو مآل مرحلة ما بعد التربية غير النظامية : هل بإعادة الإدماج النهائي في مسار الأسلاك التعليمية أو المهنية القائمة لأفواج الناجحين، أم سيظل هذا البرنامج، الذي تخصّص له الدولة فعلا قدرا كبيرا من المال العام، يدور في حلقة مفرغة بلا بداية ولا نهاية ؟ لقد تحدث البرنامج الحكومي في هذا الباب عن مشروع اليقظة التربوية، كآلية من آليات الخطوات الاستيباقية لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، كما تحدث في مقام آخر متعلق بمحاربة الفقر والهشاشة والإقصاء عن مشروع اليقظة الاجتماعية، وهي آليات علمية ومهنية للرصد والتتبّع والتشخيص واليقظة واقتراح البدائل، لكن نظرة البرنامج الحكومي تظل قاصرة ما لم يتم تجميع هذه الآليات الحكومية في آلية مؤسساتية واحدة، وكذا تجميع الجهود التي حكم عليها البرنامج الحكومي هذا بالعزلة والأحادية القطاعية لمواجهة آفات تربوية تعليمية واجتماعية كثيرة من قبيل الفشل الدراسي والهذر المدرسي والأمية الأبجدية والفئات الهشة إلخ. 4/ الخدمات الصحية : لقد كان عرض البرنامج الحكومي في مجال الصحة العمومية "واقعيا" وصريحا واقتصاديا في تنزيل برنامج مشروعه الصحي، ولم يشأ أن يدخل في مغامرة إنتاجية أو إبداعية جديدة غير محسوبة، بل اكتفى بالإعلان النهائي بأن برنامجه الصحي لفترة 2017/2021 سيكون فقط عنوان استكمال أوراش الإصلاحات والبرامج التي انخرطت فيها الحكومة السابقة، أي حكومة بن كيران، وخاصة في مجالات التغطية الصحية الشاملة، وتعزيز الولوج إلى الخدمات الصحية، وإصلاح الصحة العامة، بمجموع تدابير استمرارية بلغت 28 تدبيرا حكوميا. وهي بهذا الحسم السياسي أقفلت باب روح المبادرة والاجتهاد، واعترفت بأن سياق تركيبة مجتمع 2012/2016 بحاجياته الصحية الماضية وانتظارته الموازية هي نفسها التي سيعبّر عنها سياق تركيبة مجتمع 2017/2021 ! وإذا جاز لنا أن نترك هذا الأمر لحكم التاريخ، فإن العرض الصحي الاستمراري الذي بين أيدينا قد شابه خلط في الترتيب وتصنيف الأولويات، فلا يمكن الحديث عن التغطية الصحية الشاملة قبل الحديث عن تعزيز الولوج إلى الخدمات الصحية، وكذلك الأمر بالنسبة لموضوع تكريس صحة الأم والطفل الذي شاءت الأقدار أن يضعه محررو وثيقة البرنامج في المرتبة الثالثة، متبوعا بتعزيز الموارد البشرية الصحية، كأن إستراتيجية الدولة في المجال الصحي ستبقى محصورة في التغطية الصحية، وتقوية الولوج إلى الخدمات الصحية، والعناية بصحة الأم والطفل، وتعزيز الموارد البشرية الصحية فقط ؛ وحتى إذا استنطقنا التدابير الثمانية والعشرين التي جاء بها العرض الصحي في هذه المجالات المحددة، نجد تفصيلاتها مجرد تدابير عامة غير معلّلة وغير مرقّمة وغير محدّدة إلا في القليل منها، فمشروع المساعدة الطبية (راميد)، الذي كثر في شأنه كلام الحكامة والاستهداف والخدمات والأثر، غير ذي أولوية في البرنامج الحكومي، ومؤشر 90% للتغطية الصحية للساكنة المراد الوصول إليه بدل مؤشر 60% الحالي، يبقى مؤشرا كميا بالدرجة الأولى، ونحن في حاجة إلى من يدّلنا على مضمون هذه التغطية، وكيف ستكون ذات إفادة ملموسة بالنسبة لمستحقّيها، ورفع نسبة الولوج إلى الخدمات الصحية الأساسية من 60 إلى 100% ، - وحتى إذا كنا نريد أن نصفّق لهذه البشرى - يحيلنا على تسمية "الخدمات الصحية الأساسية"، وماذا يقصد البرنامج الحكومي بمصطلح "الأساسية"، وهل تقليص نسبة الوفيات لدى الرضّع من 27 إلى 20 لكل ألف ولادة مع نهاية سنة 2021 هو منتهى إرادة وطموح البرنامج الحكومي الذي سيواجه سنويا بسيف مؤشرات التنمية البشرية والتصنيف الدولي للبلاد الذي يقول مسؤولوه أنه ستكون له مكانته المتميزة في الدول الصاعدة ؟ وماذا عن الأمراض المزمنة والأمراض الفتاكة والأوبئة، وأمراض التغيّرات المناخية، والجيل الجديد من الأمراض النفسية والعقلية والمهنية، وماذا عن الصحة المدرسية والصحة الجامعية وصحة مراكز الاستقبال ومؤسسات التكفل بالغير، وماذا عن صحة الأشخاص في وضعية إعاقة والأشخاص المسنين والفئات الاجتماعية الأخرى في وضعية هشاشة، وماذا عن صحة القرب والبنيات التحتية واللوجستيكية والسياسة الدوائية التي جاء ذكرها محتشما في البرنامج الحكومي، وماذا عن الصحة الغذائية والصحة الرياضية وسلامة المواطنين، وماذا عن صحة البيئة والمحيط وتفاعلات التجمعات البشرية العشوائية ؟ لقد كان العرض الصحي للبرنامج الحكومي محدودا في الإستراتيجية وفي الرؤية وفي خطة العمل العامة، ومحدودا في حزمة التدابير والإجراءات التي ينوي البرنامج الحكومي تنزيلها في الخمس السنوات المقبلة، حيث لم تتعدى إجراءات وتدابير العرض الصحي الموعودة نسبة 6.45% من مجموع حزمة الإجراءات والتدابير المقترحة في البرنامج الحكومي في مجالاته الوطنية العامة، ونسبة 14.35% بالنسبة للشقّ الاجتماعي فقط. ولنا أن نتأمل جيدا في هذه المفارقات الحسابية التي قد تترجم أهمية العرض الصحي في برنامج حكومة العثماني الجديدة. 5/ قضايا تنمية العالم القروي والتأهيل والتوازن المجالي: إن الأكيد أن موضوع تنمية العالم القروي له أبعاد وواجهات مركّبة، يتداخل فيها السياسي بالاقتصادي بالاجتماعي بالثقافي بالقانوني بالبيئي والمجالي، إلا أننا في هذا المقام سوف لن نلامس إلا شذرات من البعد الاجتماعي لتنمية العالم القروي في علاقته بالتأهيل والتوازن المجالي، ولو أن البرنامج الحكومي برمّته، لم يخصّص الشيء الكثير لهذه التنمية القروية، خارج ما يعرف بصندوق "أخنوش" التنموي الذي تم إحداثه – والتحكّم قطاعيا في أمر الصرف فيه - في أواخر عهد حكومة بن كيران المنتهية ولايتها ؛ ذلك أن هذا البرنامج الحكومي الجديد، الذي سوف يرتكز، في مشروع تنميته القروية الموعود، على عطايا هذا الصندوق الثري القائم كما قلنا، سوف ينطلق اجتماعيا، كما يؤكد البرنامج، وبالإضافة إلى إقرار مخطط تنفيذي لتسريع إنجاز برنامج الصندوق المذكور، بتفعيل صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات في إطار قوانين تدبير الجماعات الترابية، وتعزيز البرامج الحالية الهادفة إلى فك العزلة عن العالم القروي والمناطق الجبلية، بتشجيع التمدرس والتكوين ومحاربة الأمية خاصة بالنسبة للفتيات، وتعزيز الداخليات ودور الطلبة والطالبات ومقرات الأساتذة ومهنيي الصحة ودور الضيافة قرب المراكز الصحية، بالإضافة إلى تفعيل برنامج وطني للمراكز القروية الناشئة، ورفع معدل الربط القروي بشبكة الماء الشروب والصرف الصحي. وإن هذه التدابير العامة الستة التي اكتفى بها البرنامج الحكومي في محوره الخاص بتعزيز التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي والمجالي، أظهر للمتتبعين أن تنمية العالم القروي، كما جاء في شكل ومضمون وثيقة البرنامج الحكومي المذكور، ليست أولوية الأولويات في العمل الحكومي المقبل رغم أهميتها الحيوية والإستراتيجية في ضمان التنمية المحلية والتنمية الوطنية والتنمية المستدامة للبلاد ؛ فصندوق برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية بالعالم القروي الذي تم إنشاؤه في عهد الحكومة السابقة بكلفة 55 مليار درهم موزّعة على سبع سنوات، لا نعرف هل هو ترجمة ميدانية للسياسة الحكومية السابقة، ونتيجة آلية لحصيلتها التدبيرية المسجّلة والحصرية، أم هو ترجمة ثانية لسياسة الحكومة الحالية التي عثرت عليه جاهزا كي يغنيها عن كثرة الكلام والوعود في هذا الباب ؟ وإجراءات ذات طابع اجتماعي موازي مثل دعم التمدرس والتكوين والتكفل بالغير وإنشاء مراكز اجتماعية للقرب، هل هي قادرة لوحدها على الإجابة الاجتماعية لإشكالات التنمية في العالم القروي المعزول ؟ صحيح أن البرنامج الحكومي، وإلى جانب مضمون فقرته الخاصة بتنمية العالم القروي ودعم التوازن المجالي، قد تحدّث في أقسام أخرى عما يشبه إجراءات وتدابير لفائدة ساكنة العالم القروي، ومنها إطلاق برنامج لتطوير التشغيل الذاتي ودعم حاملي المشاريع للشباب القروي، وإحداث برامج تكوين خاصة لتأهيل الحاصلين على الشهادات من أجل الإسهام في التنمية القروية، وإقامة فضاءات رقمية في العالم القروي لتشجيع الشباب على تطوير خدمات وأنشطة عن بعد، لكن هل هذه التدابير والنوايا المحمودة طبعا باستطاعتها فك العزلة عن العالم القروي، ودعم التأهيل والتوازن المجالي، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، ليس بالعالم القروي فقط، كما هي التسمية المغلوطة للصندوق ذي الخمسة والخمسين مليار درهم، بل بالعالم القروي بمقارنتها مع الوسط الحضري ؟ سنترك حصيلة الحكومة الحالية، بعد سنتين أو ثلاث سنوات على الأقل، هي التي تتحدث عن نفسها في هذا الباب، ولمحكمة التاريخ أن تقول لاحقا كلمتها النهائية. 6/ إمكانيات الولوج إلى السكن اللائق: في غمرة ترديد البرنامج الحكومي المذكور أنه برنامج استمرارية، إن لم نقل برنامج استنساخ وتزكية للبرنامج الحكومي الذي سبقه، وتدشين هذه الإرادة الاستسلامية غير المبرّرة بإعادة تثبيت وجوه وتجارب وزراء محظوظين على رأس وزارات وازنة أو غير وازنة، من بينها الفلاحة والصيد البحري، والصحة، والاقتصاد والمالية، والتنمية الاجتماعية، اكتفى البرنامج الحكومي هذا بإعادة إنتاج نفس خطاب الحكومة السابقة، وبحماس أقل، في مجال الولوج إلى السكن، حيث تحدث البرنامج كسلفه عن إرساء إستراتيجية وطنية شمولية ومندمجة في مجال السكن، ووعد في بيان مؤشرات بشائره بتقليص العجز السكني في أفق 2021 من 400 ألف إلى 200 ألف وحدة سكنية، رغم أنه تحدث في فقرة لاحقة عن إنتاج 800 ألف وحدة سكنية في أفق 2021 كذلك ! وعن محاربة السكن غير اللائق ودور الصفيح، وتأهيل الأحياء غير القانونية والبنايات المهددة بالانهيار، ودعم السكن الاجتماعي والتشاركي والتضامني، ودعم حصول الطبقة الوسطى على السكن إلخ، غير أنه في تدابيره الإحدى عشر المقترحة للنهوض بهذا المجال الحيوي، وباستثناء تقديم أرقام تقريبية لتسوية وضعية 60 ألف أسرة تعيش في دور الصفيح، وتأهيل الأحياء غير القانونية التي تأوي ما يفوق 200 ألف أسرة، ومعالجة حالات 37 ألف بناية مهددة بالانهيار، فهو لم يستعمل إلا قاموس الوعود والنوايا من مثل "تشجيع وإنعاش وتعزيز وتمكين وإعادة النظر وتبسيط..." في مواجهة ميادين شائكة وانتظارات عاجلة تخصّ التأطير الإداري والقانوني والتقني للولوج إلى السكن، والسكن الاجتماعي والتشاركي والتضامني، وسياسة التمويل والدعم الحكومي ؛ كما أنه لم يتطرق إلى مسألة كيفية إنجاز هذا البرنامج السكني الواعد، وما مدى نسب الإنجاز والالتزام في كل سنة مالية من السنوات الخمس المقبلة ؟ وما هي ضمانات وموارد وسندات التبسيط والتسريع والتمويل ؟ أي بعبارة أخرى أن البرنامج الحكومي هذا، في باب حق الولوج إلى السكن اللائق، وأمام أنظار البرلمان المغربي بمجلسيه، وعلى مسمع سبعة ملايين أسرة مغربية مترقّبة، لم يتعاقد مع الطرف الثاني إلا على النوايا والإطارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية العامة، بخانات وبيانات شبه فارغة، متعذرا بأن الفصل 88 من الدستور لم يطلب منه أكثر من ذلك للحصول على وثيقة التنصيب. 7/ السياسات الاجتماعية العمومية المندمجة: أكثر ما تفوّقت فيه هذه الحكومة الجديدة، كسابقتها التي قادت بنرجسية شعار الإصلاح في ظل الاستقرار، هو فتح الباب على مصراعيه لتناسل السياسات العمومية، والاستراتيجيات الوطنية، واللجن بين وزارية، لطمأنة الشعب المغربي ونخبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية بأن الحكومة الحالية ستعمل بفكرة وهدف وخطة ؛ فمن السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة وآليات تثبيت أجهزتها الترابية، إلى السياسة العمومية المندمجة الخاصة بالشباب، والسياسة الوطنية المتعلقة بالمسنين، والسياسة الحكومية المندمجة في مجال حقوق الإنسان، والإستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات، وإستراتيجية التشغيل، وخطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإستراتيجية النهوض بالصحة والسلامة المهنية، والإستراتيجية الوطنية المندمجة في مجال السكن وغيرها كثير، بالإضافة طبعا إلى إحداث آليات مؤسساتية، ولجن بين وزارية، سيعهد إليها بالتقييم الداخلي للسياسات العمومية والاستراتيجيات الوطنية والخطط العملية ؛ وكلها سياسات واستراتيجيات وخطط ستدور حتما في فلك تجارب الحكومات السابقة، والتي أقصى ما وصلت إليه إنجازاتها في الغالب هو إصدار التقارير وإعلان التوصيات، وسيبقى الأطفال على أرض الواقع بدون حماية، والشباب بدون أفق، ومعدل الفقر والجريمة والمخدرات والبطالة في تزايد، ومؤشرات التنمية البشرية والشفافية ومناخ الأعمال في تدنّي، إلا إذا تمت عقلنة إعداد هذه السياسات والاستراتيجيات العمومية، وتم تجميعها في أقطاب متناغمة، بآليات وتمويلات والتزامات محددة، وتم كذلك عدم اللجوء إلى تفريخ السياسات والاستراتيجيات الجديدة قبل الإفراغ من السياسات والاستراتيجيات المشابهة القائمة، وقبل تقييمها وتحديد حجم آثارها ؛ فالخطة الحكومية للمساواة مثلا التي ظلت حاضرة لخمس سنوات في تجربة الحكومة السابقة (2012/2016) بتمويل أوروبي، وقبل الحديث الحالي عن إقرار النسخة الثانية لهذه الخطة (2017/2021)، فإن المنطق التدبيري السليم للأشياء يقتضي إخضاعها إلى تقييم شامل، وإلى معرفة مآل 24 هدف و156 إجراء مرتبط بهذه التجربة شبه الفريدة على أرض الواقع. 8/ الوعاء التشريعي والتنظيمي والمؤسساتي: كل القضايا والعروض التي وردت في برنامج حكومة العثماني، والتي بمقتضاها نالت صلاحية الحكم وشرعية التدبير، هي في حاجة أولية إلى إطار قانوني وتنظيمي ومؤسساتي لإنشائها وتنزيلها أو تفعيلها. وبخصوص الشق الاجتماعي، فإن البرنامج الحكومي كان رائدا وطموحا وشجاعا في بلورة مداخل ومرجعيات هذا التنظيم والتدبير، عبر إعلانه الصريح اعتماد مجموعة من الآليات القانونية والتنظيمية الكفيلة بتقنين وعقلنة تسيير هذه المشاريع والأوراش، ومنها على الخصوص الدعوة إلى استكمال اعتماد القوانين التنظيمية المحالة على البرلمان الحالي (القانون المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، والقانون المتعلق بالمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي)، والعمل المستقبلي في شأن المصادقة على قانون جديد للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بمقتضاه تناط بهذه المؤسسة اختصاصات إضافية، منها الآلية الجديدة للوقاية من التعذيب، والآلية الوطنية للتظلّم الخاصة بالأطفال ضحايا الانتهاكات، والآلية الوطنية الخاصة بتتبع تنفيذ اتفاقية الأشخاص في وضعية إعاقة، وتعزيزه بآلية مكافحة كل أشكال التمييز، وتوفير ضمانات استقلال هذه الآليات، والالتزام بإعداد قانون خاص بالمؤسسات الكفيلةLes fondations ، وقانون خاص بالعاملين في مجال العمل المدني الطوعي، وتفعيل مقتضيات القانون الإطار المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، وكذا مراجعة مدونة الشغل، ومأسسة الحوار الاجتماعي على المستوى المركزي والقطاعي والمقاولات، ومراجعة منظومة التعيين في مناصب المسؤولية وفي المناصب العليا، وأخيرا دعم تنظيمات المجتمع المدني، وتعميم نشر لوائح المستفيدين من الدعم العمومي ؛ غير أن الحجم الكبير لهذه الترسانة القانونية والتنظيمية الموعودة، وبالنظر إلى تجربة الحكومة السابقة التي كانت تسابق الزمن السياسي ولم تستطع تنفيذ كامل مخططها التشريعي والتنظيمي، وظلت على ذمتها قوانين تنظيمية متعلقة بفصول الدستور، وقوانين وتنظيمات هيكلية أخرى معلّقة إلى اليوم، سيجعلنا نتخوّف صراحة من هذا الطموح الكبير، بل وسنشكّ في نسبة وقيمة الإنجاز، ونحن نعرف في الواقع أن احتمال غياب السند القانوني والمرجع التنظيمي لكل هذه المشاريع الاجتماعية أو المشاريع ذات الأثر الاجتماعي، لسبب أو لآخر، سيزيد من تعقيد العرض الحكومي في هذا الباب، وسيعطّل تنزيلها، وسيؤخر استفادة المواطنين من نتائج أوراشها. وفي الأخير، ومن باب الاستخلاص والاستنتاج الذي لابد منه، وجب التأكيد على أن التعاقد السياسي المبرم بين الحكومة والشعب لقيادة مشروع الحياة، كما لخّصه حدث هذا البرنامج الحكومي الجديد، تمّ على شكل هبة شيك موقّع على بياض، أنجزته أغلبية نواب الأمة نيابة عن كتلة الناخبين، وضدا في كتل الممتنعين والمقاطعين وحتى القاصرين. والآن لم يتبقّى للجميع إلا رجاء النية الخالصة والإرادة الحسنة لحكومة العثماني في إنجاز ما وعدت به من نوايا وآمال، والتعجيل مشكورة بإطلاق خطة عملها التنفيذية التي قالت عنها، فور فوزها بالرهان البرلماني مساء يوم الأربعاء 26 أبريل 2017، أنها ستكون مفصّلة ومرقّمة ومجدولة ومعلّلة، حتى وإن لم يطلب منها الفصل 88 من الدستور صراحة ذلك، أي أنها ستعمل بأصلها ربّما، وستنجز قريبا خطة ملحق الاتفاقية الموقّعة سلفا، ولو ألاّ أحد، في المغرب على الأقلّ، يعذر بجهله القانون !