تقرير إخباري: العدالة الدولية تلاحق "أصدقاء الغرب" وتكسر حصانة الكيان الصهيوني    أشرف حكيمي يجدد عقده مع باريس سان جرمان حتى 2029    بتعليمات سامية من جلالة الملك ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    انطلاق عملية "رعاية 2024-2025" لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    مواجهات نارية.. نتائج قرعة ربع نهائي دوري الأمم الأوروبية    بعد الإكوادور، بنما تدق مسمارا آخر في نعش الأطروحة الانفصالية بأميركا اللاتينية    ولد الرشيد: رهان المساواة يستوجب اعتماد مقاربة متجددة ضامنة لالتقائية الأبعاد التنموية والحقوقية والسياسية    مجلس المنافسة يغرم شركة الأدوية الأمريكية "فياتريس"    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    المنتخب الليبي ينسحب من نهائيات "شان 2025"    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ارتفاع مؤشر التضخم في شهر أكتوبر    أداء سلبي في تداولات بورصة البيضاء    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    التنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب تدعو الزملاء الصحافيين المهنيين والمنتسبين للتوجه إلى ملعب "العربي الزاولي" لأداء واجبهم المهني    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم "داعش" بالساحل في إطار العمليات الأمنية المشتركة بين الأجهزة المغربية والاسبانية (المكتب المركزي للأبحاث القضائية)        تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    أسباب الفيتو الأمريكي ضد مشروع قرار وقف الحرب!    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب        دفاع الناصري يثير تساؤلات بشأن مصداقية رواية "اسكوبار" عن حفل زفافه مع الفنانة لطيفة رأفت    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    زنيبر يبرز الجهود التي تبذلها الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان لإصلاح النظام الأساسي للمجلس    وهبي: مهنة المحاماة تواجهها الكثير من التحديات    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !        تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيها الفيزازي "لفقيه لي نترجاو بركتو دخل الجامع ببلغتو"!!!
نشر في هسبريس يوم 23 - 07 - 2011


حوار بالسيف والقلم (9)
لا بد في البداية من إبداء هذه الملاحظات :
1 "لفقيه لي نترجاو بركتو دخل الجامع ببلغتو" . لاحظ القراء الكرام أن الفيزازي الذي يعد نفسه الحافظ لكتاب الله تعالى والفقيه المتبحر في علوم القرآن والحديث والداعية المتعاظم على غيره من الدعاة والأئمة باعترافه هو نفسه (كنت أكاد أخالف الجميع) .. يخطئ في آية قرآنية يحفظها العامة من الناس ويرددونها باستمرار ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ليحرفها الفيزازي وينسبها إلى الله تعالى في قوله "فربنا عز وجل يقول: {فاسألوا أهل العلم إن كنتم لا تعلمون} . أيجوز مثل هذا الخطأ من حافظ للقرآن وفاهم لمعانيه ومستوعب لمقاصده ؟؟؟ وما أراك إلا أعماك الحقد وأصمك البغض وطمس بصيرتك الهذيان ومسك الغرور وتملكك وسواس المدح الخناس فاختلط عندك الذكر بالعلم وتشابهت لديك أسماء الناس وصار جمال هو حسن وحسن هو جمال فجميعهم آل "البنا" . إنها لا تعمى الأبصار ياشيخ الفيزازي ، وكيف لبصرك أن يرى ما تكتب من أخطاء وقد عميت بصيرتك من شدة البغض والحقد والجنون والهستيريا . (الله يكون في عونك ، اختلطت عليك لعرارم) والله أشفق عليك يا شيخ من الحال التي صرت عليها بعد أن اختلطت عندك الأمور والأسماء والآيات . ماذا كنت فاعلا بي لو أني وقعت فيما أنت فيه الآن ؟ تجفف بي الأرض ؟ أليس كذلك ؟ أنا لن أفعل معك ما أنت فاعل معي . لكن أنبهك إلى أن هذا الخطأ لم يكن ليصدر عن شيخ "عالم" "عارف" . لهذا أنصحك "سير راجع سوارك" ودع النقاش الفكري لأصحابه ومن يمتلك أدواته .
2 أنت ياشيخ لم تأتيني بما كتبته بيدي في أي موضوع من المواضيع التي صادرتَ فيها على المطلوب (وهو هنا تكفيري أو ما شابهه) ، كل ما تفعله أنك تحملني أفكار وآراء من فتحت لهم جريدة الأحداث المغربية صفحاتها للنشر . ولعلمك ناقل الكفر ليس بكافر . هذا من ناحية ، ومن أخرى ، ما يطرحه الأستاذ العفيف الأخضر من آراء حول تطور الكائنات تلزمه هو وليس أنا ، وكان عليك أن تلتزم بالنهي القرآني (ولا تزر وازرة وزر أخرى) هذا إذا كنت فقيها عادلا ، ولي يقين أنك لستهُ . فضلا عن هذا ، فما قاله العفيف الأخضر في موضوع تطور الكائنات بما فيها الإنسان وفق نظرية داروين ، قال به عدد من الفقهاء والعلماء وعلى رأسهم الدكتور عبد الصبور شاهين في كتابه"أبي آدم" . ولا أظنك تجهل من يكون عبد الصبور شاهين ودرجاته العلمية . ثم كتاب "أبي آدم من الطين إلى الإنسان" للدكتور عمر شريف . وهو موجود بالمكتبات المغربية . بل إن المرحوم الملك الحسن الثاني استقبل د. عبد الصبور شاهين في عز الهجمة التي شنها عليه بعض فقهاء مصر ومكنه من إلقاء درس بين يديه ضمن الدروس الحسنية الرمضانية . وأردت بهذا التذكير أن أنبهك أن المغاربة (ملكا وحكومة وشعبا ) يقرون بحرية الفكر ولا ينزعون إلى فرض الوصاية على العقول وتنميطها لتخضع لقوالب الفكر الأحادي .
3 لن ينفعك التدليس والتلبيس من قول الحقيقة التي لا بد أن تعترف بها ولك أن تتراجع فيما بعد عنها ، وهي تكفيرك لفئات من المغاربة : الحكومة ، اليسار ، الاشتراكيين ، الديمقراطيين . خلافي معك أصله أنك تكفر غيرك في قضايا سياسية أو خلافية تتعلق بتأويل النص الديني وتطالب بقتلهم . وكان أولى لك أن تعلن تراجعك عن تكفير خصومك ولا شيء عليك ، أو كما يقول العامة ( ما عند مريضنا باس) . لكنك لم تفعل وأخذتك العزة بالإثم فحاولت عبثا صرف الأنظار عن تطرفك وتعطشك للدماء . فاليوم أنت تخوض جولات الجدال معي ليس دفاعا عن الإسلام ولا تحاول خداع القراء بهذا ، بل انتقاما لكرامتك . وهذا الذي جعلك أهوج غاضبا حانقا لا تسمع لمن ينصحك باللين في القول ولا بالتأدب في الحوار . كرامتك مرغتها أنت بفتاواك وتنطعك ، ولم تتعظ من منعك من الخطابة بالمسجد قبل اعتقالك بسنوات .وكانت تلك رسالة لم تفهمها ؛ مضمونها أنك فقدت صلاحيتك ولم تعد الدولة بحاجة إلى ترهاتك . ولمّا لم تفعل "جبتيها فراسك" بكل بساطة ووضوح .
4 الخلاف بيننا لا يحتاج إلى مناظرة ،بل إلى توضيح مقتضب وبسيط تعلن فيه أنك تراجعت عن تكفير خصومك وقبلت بالعمل السياسي وفق القوانين الجاري بها العمل . مما يعني أنك لم تعد تكفر البرلمان والديمقراطية والانتخابات . فضلا عن هذا ، المناظرة ليس لها شكل واحد ، وأنا اخترت أن أجادلك بهذه الطريقة التي نحن عليها الآن . ألا يحق لي أن أمارس حريتي في الاختيار ؟ إلى متى ستظل تفرض على الناس معنى الإسلام وطريقة تعبدهم وأسس تدبيرهم لمعاشهم ونمط تفكيرهم ؟؟؟
5 بالعدة التي أملك وهي السؤال والبحث استطعت بحمد الله دون منة أن أناصر مطالب النساء في رفع الظلم والحيف عنهن عبر سلسلة مقالات نشرتها منظمة العمل الديمقراطي الشعبي في كتاب بعنوان"مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية بين التشريع المساند والتشنيع المعاند" ، وقدم قطاعها النسائي نسخة من الكتاب إلى اللجنة الملكية الاستشارية التي عينها الملك محمد السادس لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية ، قدمت النسخة ليحاجج بها لدى اللجنة على كون مطالب النساء لا تصادم الشرع . والقضايا التي تناولتها في الكتاب تمت مراعاتها في مدونة الأسرة . فأين كنت أنت ياشيخ من تلك المطالب ؟ لماذا لم تناصر المرأة لرفع الظلم عنها ؟ ماذا قدمت للمرأة في معركتها من أجل الكرامة والحرية والمساواة في الإنسانية والمواطنة ؟
6 ظل الفيزازي يراوغ ويتهرب من الجواب عن الأسئلة التي طرحتها وكذلك القراء الكرام منذ بداية الجدال . ولا زالت ريمة على عادتها القديمة . فالمفروض في الفيزازي أن يتحلى بالشجاعة الأدبية ويعلن عن موقفه من القضايا مثار الجدال والسؤال .
على امتداد ردود الشيخ الفيزازي يزداد اليقين لدى الكثير من القراء الكرام الذين ذيلوا ردوده بتعاليقهم ، بأن الشيخ تكفيري دموي بالطبع والتطبع . وقد خلق لدى الكثير من القراء صورة منفرة عن الدين ومقززة عن مثل هؤلاء الشيوخ المتطرفين . بل إن إصرار الشيخ على سفك دماء الأبرياء بعد تكفيرهم هو رسالة صريحة إلى عموم المواطنين والأحزاب والهيئات الحقوقية والمدنية تكشف لهم عن الخطر الطالباني الذي يتهدد مستقبل البلاد والعباد إذا تمكن هذا التيار التكفيري من الحكم والغلبة . ولا يعتقد أحد أن الخلاف شخصي بيني وبين الشيخ الفيزازي ، بل هو خلاف بين مشروعين مجتمعيين : مشروع مجتمعي حداثي ديمقراطي متسامح ومنفتح على القيم الكونية ومتشبث بالهوية الدينية والحضارية واللغوية والعرقية المتعددة والغنية ، ومشروع مجتمعي يعصف بكل المكتسبات الحضارية ويؤسس لاستبداد ديني على النحو الذي طبقته حركة طالبات في أفغانستان . وإصرار الفيزازي على قتل المرتدين والكفار إنما هو الشجرة التي تخفي غابة الممارسات الوحشية التي يدخرها التيار السلفي التكفيري للمواطنين يوم يصير الحكم بيده لا قدر الله . إنه بفتاواه المتطرفة يستهدف كل القوى الحية التي تمنح المجتمع حيويته وتفاعله مع الثقافات والقيم الإنسانية . وأولى هذه القوى المستهدفة هي فئة الديمقراطيين واليساريين والاشتراكيين والحقوقيين لأنهم يشكلون القلب النابض للمجتمع ، وبفضل نضالاتهم وتضحياتهم يتمتع المغاربة بهذا الهامش المتميز من الحرية . والفيزازي هو من تركة عهد وظف فيه الملك الراحل الحسن الثاني فتاوى التكفير لمحاربة خصومه السياسيين خاصة من اليساريين والاشتراكيين والقوميين . وكان هذا نهجا سار عليه كثير من الحكام العرب . كانت إستراتيجية خاطئة يدفع المغرب اليوم ثمنها غاليا ( العمليات الإرهابية ، تغول قوى دينية قد تفقد الدولة السيطرة عليها خاصة بعد اختراقها لحركة 20 فبراير الخ) . ونفس الخطأ ارتكبته الدولة بدعمها للتيار السلفي الوهابي قصد توظيفه ضد المد الشيعي عقب ثورة الخميني ، وضد المد التنظيمي لجماعة العدل والإحسان على اعتبار أن التيار السلفي يكفر الشيعة والصوفية معا . فكانت النتيجة خلاف كل الحسابات : استمر النشاط الشيعي ، تغولت جماعة العدل والإحسان ، وخرج السلفيون عن الطاعة وتحولوا إلى تفجيريين يهددون النظام والدولة والمجتمع . والمقاربة الأمنية التي نهجتها الدولة سنة 2003 عقب الأحداث الإرهابية ، كانت بهدف تطويق الخطر الجهادي وإبطال مفعوله . وهاهو الشيخ الفيزازي يقر أنه تراجع عن كثير من أفكاره داخل السجن ، أي أنه خرج من السجن فاقدا للصلاحية ، بحيث لم تعد الدولة بحاجة إليه في مواجهة أعداء وخصوم النظام . فالنظام اختار المصالحة وإدماج خصوم الأمس في تدبير الشأن العام ، ولم يعد من خطر يتهدده سوى خطر التيار الديني بمكونيه : التكفيري الجهادي وجماعة العدل والإحسان . فماذا يبقى للشيخ الفيزازي من دور وقد استغنى عنه النظام وأفقده صلاحيته ؟ فالنظام الملكي أدرك أن الضامن لاستمراره واستقراره هو البناء الديمقراطي . فهل سيجاري الشيخ الفيزازي هذه التحولات ؟ لنعرضه على ميزان شرعه كما حدده بنفسه . ألم يقل الشيخ عن أحكامه ومواقفه من خصومه ( اعتمدت فيها الدليل المادي لبعض أعمالهم الخائنة, و أنزلت عليها الدليل الشرعي من الكتاب و السنة.( ؟ لنلاحظ ونستنتج :
1 الفيزازي يرفض الديمقراطية ويكفرها ويجعلها مناقضة للدين . وهذا قوله في انتقاده للشيخ القرضاوي
(والعجب كل العجب أنّ الدكتور يقرر في مقاله " أنّ من حقنا أن نقتبس من غيرنا من الأفكار والأساليب والأنظمة ما يفيدنا.. ما دام لا يعارض نصًّا مُحكماً، ولا قاعدة شرعية ثابتة..".
فكأنّ الديمقراطية عند الشيخ في أصولها وآليتها، لا تعارض نصًّا محكماً أو قاعدة شرعية ثابتة. في حين، وعلى نحو ما قرّرنا مما لاخلاف فيه عند كل من شمّ للديمقراطية رائحة، تصطدم هذه النِّحلة مع الدين كله، عقيدة ووسيلة وغاية.) . إذا كان الأمر كذلك فلماذا يعلن الفيزازي أنه سيشارك في العملية السياسية كما في قوله (أنني سأؤسس، إن شاء الله تعالى، حزبا إسلاميا متى توفرت لي بذلك الضمانات)، وإذا لم يتمكن فقد أعلن استعداده للانضمام إلى حزب العدالة والتنمية . والعمل السياسي يقتضي أحزابا تتنافس على أصوات الناخبين ، وصوت الناخب هو شهادة . بينما الشيخ سبق وأفتى بما يلي :
(إنّ لنا نحن المسلمين في هذا تفصيلاً، كما يعلم كل من يعرف الإسلام.. وقد سبق القول بأنّ الإنتخاب شهادة.. وهذه نقطة اتّفاق. والشهادة للتّذكير، تقتضي تحقق شروط وانتفاء موانع.. ومن شروطها العدالة، كما سبق. ومن موانعها الفسق، كما سبق أيضاً.. علاوة على شرط آخر، لا يعلم الصدق فيه إلاّ الله تعالى، وهو أن تكون الشهادة لله (وأقيموا الشّهادةَ لله) .
(ثم نأتي إلى كلمة "واجبه الإنتخابي" في جملته السابقة.. وأقول: إنها لغة دخيلة مستوردة، إلا أنها عند التقصّي والتّحقيق، أي عند معرفة أهداف الإنتخابات الديمقراطية ومنطلقاتها ووسائلها، لا تكون غير واجبة فقط، بل يكون الأداء لها، على نحو ما قرّرنا، مُحرّماً شرعاً، بل هو يُفضي إلى الردّة والخروج عن الإسلام، في حق من أصرّ واستمرّ مع مجيء البيّنة.) . السؤال هنا ما الذي جعل الشيخ يجيز ما كان يعتبره "محرما شرعا" ويصطدم "مع الدين كله، عقيدة ووسيلة وغاية "؟هل تغير الشرع أم تغير رأي الفقيه ؟ وهل تغير رأي الفقيه لتغير فهمه وفقهه أم لتغير مصلحته ؟ فإن كانت لتغير فهمه فقد كان جاهلا لشرع الله فلا يحق له التشدق بالعلم والمشيخة ، وإن كانت لتغير مصلحة الفيزازي فهو قد صار انتهازيا نفعيا برجماتيا ينشد مصلحته حيثما وجدت . والانتهازي النفعي البرجماتي مبدؤه "الغاية تبرر الوسيلة" . فما هي غاية الفيزازي اليوم بعد ما غير موقفه من الديمقراطية؟ خدمة الإسلام أم تحقيق مصلحة خاصة ؟ أجزم أن الفيزازي عينه على كرسي البرلمان ، وجاه البرلمان ، وفخامة البرلمان ووجاهة البرلمان ، وملايين البرلمان . ولم لا والمصلحة متبادلة بين السلفيين والإسلاميين ؟؟ ولا يمكن تحقيق طموح الشيخ وتطلعاته البرلمانية إلا عبر الانتخابات . والانتخابات لا تكون إلا بالتصويت . والقوانين تسمح للبالغين سن الرشد القانونية ( وليس الشرعية كما يطالب الشيخ ) بممارسة حق التصويت الذي يعتبره الشيخ شهادة لا تقبل إلا من "راشد شرعا" وليس من كل "من هب ودب " . إذا تشبث الفيزازي بموقفه الرافض للديمقراطية ولحق التصويت فإن نعمة "التبرلمانية" ستضيع والحلم سيتبخر . لهذا ، قرر الشيخ تغليب مصلحته على مصلحة"الشرع وثوابته" . وصارت الفتوى تدور مع دوران مصلحة وطموح الشيخ . إذن ما ذنب الذين كفرهم الشيخ وسبهم ونعتهم بأخس النعوت لا لشيء سوى أنهم طالبوا بالديمقراطية والحرية والكرامة . لنفترض أن ولي الأمر صدق الفيزازي وآمن بموقفه ومنع الأحزاب وحرّم الديمقراطية وأدخل البلاد في ديكتاتورية شاملة ، من سيتحمل الوزر ؟ وماذا سيفيد من ذهبوا ضحية فتاواه التحريمية والتكفيرية إن تراجع عليها ؟ أليس تلاعبا بالدين أن يكون الشيخ في كل يوم على رأي ؟
2 الفيزازي ينكر التحزب ويرفضه لأن التحزب تفتيت للأمة وتمزيق لأوصالها وتفريق دينها . كتب الشيخ الفيزازي منكرا كل تحزب ( وأقول لطلاب الحق بالمناسبة ( يقصد أعضاء جماعة العدل والإحسان) ، دونكم علماء الإسلام ودعاته ، خاصة أولئك الذين لا يساهمون في تفتيت الأمة بمزيد من التكتلات والهيئات والأحزاب .. والحذر كل الحذر من علماء السوء العاملين على هدم صرح التوحيد باسم التوحيد وطمس معالم السنة باسم السنة ، والقائمين خلف تمزيق المسلمين وتفريق دينهم وجعلهم شيعا ( كل حزب بما لديهم فرحون ) الروم 32 . .. فهي أحزاب وشيع مهما حاولنا التستر عليها بمصطلحات جميلة كالحركات الإسلامية وما شابهها ، فهذا إخواني وهذا سلفي وهذا تبليغي .. وإننا لنذوق المر من جراء هذه الانقسامات والتفيئات حتى صارت بعض هذه الجماعات يلعن بعضها ويفسق بعضها ويكفر بعضها .. والكل همه الدفاع عن عنوانه بدل دينه وتكثير سواد جماعته وتنزيه أميره إن لم أقل تقديسه)(ص 55) .ثم يتساءل ( وكم هي تلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي أمرت بالاعتصام بالكتاب والسنة ، ونهت عن التفرقة في الدين والاختلاف فيه ، فهل ندري مدى الجرم الذي نقترفه في حق أمتنا وديننا حينما نجعل من أهل القبلة أحزابا متباغضة وهيئات متعارضة ؟)(ص 55) . أين الفيزازي من كل هذه النصائح والمواقف الرافضة للتحزب والتجريح والقذف في التيارات الدينية الأخرى ؟ ألا يعد تمزيقا للأمة وتفتيتا لها أن يؤسس الفيزازي حزبا له ؟ أليس "جرما" في حق الأمة ؟ ألن يشارك في تفتيت الأمة بانضمامه إلى حزب العدالة والتنمية ؟ ألن يخالف الدين وتعاليمه وهو يختار التحزب ؟
كل مواقف الشيخ هذه تكفر التصويت والتحزب والديمقراطية ، ويدعي الفيزازي أنه يحكّم الشرع في حكمه . الإشكال هنا ليس في تغيير المواقف في حد ذاتها ، بل في تغييرها دون سابق إنذار ، أي دون تأصيل شرعي . ثانيا ، أن الفيزازي لا يترك لخصومه حقا في الاختلاف معه ، فهم إما مثله في القناعة والموقف فهم مؤمنون أو مخالفون له فهم خارج دائرة الإسلام . إنه شيخ تكفيري للجميع وعيبه أنه ينكر تطرفه وتكفيره هذا . فهو يصفي خلافه بتكفير خصومه لا بمناقشتهم . للجدال بقية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.