انتقد الناشط الحقوقي أحمد عصيد أصحاب الرأي القائل بأنّ ما تمارسه التنظيمات الإرهابية، مثل "داعش"، من عنف لا علاقة له بالإسلام، قائلا "هذا نفاق؛ لأنّ كل ما تفعله "داعش"، كما قال أبو حفص، موجود في القرآن والحديث". وقال عصيد، في ندوة نظمتها التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان والائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان مساء الخميس بالرباط حول موضوع "التطرّف العنيف"، "أن يأتي الفقهاء ويقولوا إنّ أفعال "داعش" لا علاقة لها بالإسلام هذا أمر لا يمكن أن نصدِّقه". واستطرد الناشط الحقوقي أنّ "الواقع يتطلّب من الفقهاء المسلمين أنْ يقرّوا بأنّ هناك نصوصا دينية في الإسلام تحض على العنف، ولكيْ يقنعوا الناس برأيهم يجب أن يقولوا إنّ هذه النصوص الدينية جاءت في سياقات تاريخية معيّنة لم تعد موجودة الآن". وقدّم عصيد، في مداخلته، "الجذور الفكرية والثقافية للتطرف العنيف"، سواء العنف الممارس من لدن الجماعات المتطرفة والأفراد أم العنف الذي تمارسه السلطة، وقال إنّ أخطر أنواع العنف هو الذي يوصف بكونه ذهنية متأصلة في السلوك والتفكير، ويتم تصويره على أنه عنف "عادي". وفي هذا الإطار، استدلّ بالعنف الذي يطال مفطري رمضان في المغرب والذي وصفه ب"العنف الوحشي"، قائلا "حين يتمّ رَفْس مواطن لأنه أفطر رمضان، فهذا لا علاقة له بالدِّين؛ ولكنه عنف وحشي، والنَّاس يتسامحون معه ويروْنه أمرا عاديا". وحذّر عصيد من "التطبيع مع العنف"، سواء العنف الذي تمارسه الجماعات المتطرفة والأفراد أم العنف الذي تمارسه السلطة ضدّ النشطاء الحقوقيين ورجال الإعلام والمواطنين إبان التظاهرات، معتبرا أنّ اعتبار هذا العنف "عاديا" يشكل خطرا كبيرا على المجتمع. النوع الثاني من العنف، الذي قال عصيد إنه يكتسي خطورة كبيرة، هو ما سمّاه "العنف المقدّس الذي يتم إخفاؤه بتبريرات تستخدم الدين والثقافة، كما هو حال العنف ضد النساء". وفي هذا الإطار، انتقد المتحدث الحكومة، قائلا إنها لا تحرك ساكنا، وحين وضعت قانونا لمناهضة العنف جعلته قانونا فارغا؛ لأن الذين وضعوا هذا القانون يؤمنون بأنّ المرأة مِلْك للرجل". عصيد وضع ستّة جذور قال إنّ منها يتفرّع العنف المستشري في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، أوّلها التاريخ، قائلا إن من الأسباب الرئيسية لتفشي العنف في هذه المنطقة فشل مشروع التحديث من الداخل، إذ يُنظر إلى التحديث على أنّه مدسوس أو مُقحم وليس متأصّلا في تربة هذه البلدان. العامل الثاني الذي يرى عصيد أنّه يشكل منبعا للعنف هو الازدواجية التي تطبع سلوك الدولة وعجزها عن حسْم اختياراتها، حيث تتأرجح بين الحداثة والتقليدانية، معتبرا أنّ ذلك نتج عنه تمزق هوياتي أفضى في كثير من الحالات إلى العنف. ويُعدّ الاستبداد السياسي، حسب عصيد، من الأسباب الرئيسية للعنف في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وقال في هذا الإطار: "الأنظمة الاستبدادية لا تراعي سيادة الشعب، ولا تراعي حقوق الإنسان؛ وهو ما أدى الى خلق هوامش وأصوات احتجاجية تحوّلت إلى أشكال عنيفة بالتدريج". واعتبر الناشط الحقوقي أنّ من جذور العنف في هذه المنطقة عدم بروز الفرد كذات مفكّرة وحرة تملك حق الاختيار، ثم السياسات الخارجية للقوى العظمى، "التي استغلَّت فشل الدولة الوطنية المركزية في تدبير الخلافات القَبَليَّة والاثنية والعرقية بسبب فسادها؛ وهو ما فسح المجال للقوى العظمى لاستغلال هذا الجانب من أجل إثارة الكثير من الصراعات، يقول عصيد. ويرى الناشط الحقوقي أنّ وسائل التواصل الحديثة تعتبر جذرا من جذور العنف؛ "ذلك أنها زادت من انتشار العنف اللفظي والمادي، حيث تحولت هذه الوسائل في بلدان العالم الثالث إلى ترسيخ التخلف وتعميقه، وإشاعة الكراهية والبغضاء بين الناس"، على حد تعبيره. وقدم عصيد جملة من التوصيات لاجتثاث العنف في مجتمعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، داعيا إلى "تجديد مفهوم الإيمان، بأن يكون اختياريا، قائما على الاختيار الحر، وتحرص الدولة على حماية هذا الاختيار. كما دعا إلى ضرورة الكف عن اعتبار المسلمين الدين الإسلامي دولة، قائلا إن هذا الربط "يجعل من الدين آلية للصراع"، مضيفا "إذا أردنا أن نحفظ للدين قدسيته فيجب إخراجه من جبة السياسة، أما القول بأن الدين هو الدولة فهذا هو السبب الذي جعل الصراع في بلدان المسلمين لا يتوقف". عصيد دعا، أيضا، إلى محاربة ما وصفه ب"التدين الفلكلوري" القائم على المظاهر، قائلا "التدين الفلكلوري من أكبر بواعث التطرّف العنيف؛ لأن البعض يريد بواسطته السيطرة على الفضاء العام، بتنميط المجتمع، حيث يتيح هذا النمط من التدين تصنيف الناس وفق مظاهرهم، وحين يظهر إنسان مختلف يتم سحقه". وأشار عصيد إلى دراسة أنجزت في مصر، كشفت أن 85 في المائة من النساء المصريات محجبات؛ "ولكنّ أغلبهن يرتدين الحجاب خوفا من ردة فعل المجتمع في الفضاء العام وليس عن قناعة؛ لكن المفارقة هي أنّه في مقابل تزايد عدد المحجبات في مصر ارتفعت حالات الاغتصاب"، يقول عصيد. وأردف أنّ على الدولة أن تقوم بحملات تحسيسية مكثفة لمحاربة التطرّف العنيف، على اعتبار أن الاعتماد على المقاربة الأمنية وحدها غير كاف، داعيا إلى القطع مع الفهم التراثي للدين في برامج التعليم، وتعويض التربية الدينية بدروس الأخلاق التي تلقِّن للمتعلم مبادئ الاحترام والمساواة والأشياء الخيّرة، يختم المتحدث.