تجسد المسيرة الفنية للفكاهي الساخر أحمد السنوسي –بزيز- واقع السخرية السياسية في المغرب، ومنظور السلطة إليها. فمن المعروف أن الثنائي بزيز وباز قد ظهر على الساحة الفنية في منتصف السبعينات ضمن الثنائيات الفكاهية التي تكونت ضمن هذه الفترة، كالثنائي عاقل ومعقول والزعري والداسوكين وغيرهم. وقد حظي هذا الثنائي بإقبال من طرف الجمهور الذي تعود على مشاهدته كل رمضان وهو يعالج بقالب ساخر مواضيع اجتماعية تهم بالأساس صعوبات الحياة المعيشية من غلاء أسعار المواد الاستهلاكية، وارتفاع أثمنة الكراء، وانتقاد بعض المظاهر السلبية التي تعرفها بعض قطاعات المهن الحرة كالطب الخاص. كما بدا أن السلطة كانت مرتاحة للتعامل مع هذا الثنائي، بدليل دعوته لتنشيط بعض الحفلات العمومية بما في ذلك دعوته للترفيه على الجنود والضباط بالمناطق الصحراوية ليستمعوا لتندر هذا الثنائي على بعض الشخصيات القيادية سواء بموريتانيا أو الجزائر. لكن بمجرد تحول بزيز، بعد افتراقه عن الحسين بنياز –باز- إلى تناول قضايا تنتقد بعض الأوضاع السياسية بالمغرب، بدأت السلطة تعمد إلى التضييق على العروض الساخرة لهذا الفكاهي. وقد ظهر ذلك واضحا من خلال قيامها بمصادرة الأسبوعية الساخرة التي أصدرها بزيز في سنة 1983. فقد كتب الصحافي الفرنسي تيكوا بهذا الصدد ما يلي: "بتكون هذا الفنان في مدرسة جاك لوكوك، التي تدرب فيها لمدة سنة بباريس، بدأت مواقفه أكثر راديكالية. فقد أصبحت سكيتشاته تقلق ونشاطه يزعج السلطات، الشيء الذي جعلها تعلن عليه الحرب؛ بحيث قامت بمصادرة أسبوعيته الساخرة الهدهد بعد صدور بعض أعدادها، وكلف مدير تحريرها بزيز قضاء أيام عدة بولاية أمن الدارالبيضاء لاستنطاقه...". وهكذا بدأت معاناة بزيز مع السلطة التي واصلت التضييق على أعماله الساخرة؛ حيث تم منع تقديم سكيتشاته في القناة الأولى أو الثانية منذ سنة 1988. مما اضطر هذا الأخير إلى اللجوء إلى رحاب الكليات والجامعات لتقديم عروضه الساخرة التي تنتقد بعض الأوضاع السياسية السلبية السائدة مع ما كان يرافق ذلك من إجراءات أمنية. ونتيجة لهذا الوضع، فكثيرا ما كان هذا المنع يطال حتى العروض التي كان يقدمها بزيز في القاعات العمومية. لكن يبدو أنه رغم كل أشكال المنع وأنواع التضييق والحصار، فقد حظي بزيز، كفنان ساخر، بشعبية كبيرة، خاصة بين أوساط الطلبة والمثقفين، من خلال ليس فقط مشاركته في بعض المهرجانات والأسابيع الثقافية التي كانت تنظمها تعاضديات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، سواء بالجامعات المغربية أو بالخارج، أو من خلال تنظيم بعض العروض الساخرة في القاعات العمومية التابعة لبعض الجماعات المحلية، بل أيضا من خلال مجموعة من الأشرطة التسجيلية. وفي هذا السياق كتب الصحافي الفرنسي تيكوا ما يلي: "يبدو من المفارقة أن هذا الصمت الذي فرض على هذا الفنان لم يؤثر بشكل كبير على شهرته داخل بلده. بل على العكس؛ فالرقابة قد ساهمت وحافظت على شهرة بزيز. فهو معروف أكثر من شخص الوزير الأول في الشارع العام. كما أن شهرته تجاوزت حدود البلاد؛ حيث إن المهاجرين المغاربة بالخارج عادة ما يتعرفون عليه (...) فبزيز هو الملك الآخر في ما يخص المسرح الشعبي المغاربي. فشعبيته لا تتغذى فقط من العروض القليلة التي يقدمها، بل من أشرطة هذا الفنان الساخر التي يتم تداولها في سوق الكاسيط بأثمان مناسبة". أما الباحث حسن البحراوي فقد أشار بهذا الصدد إلى ما يلي: "أمام ظروف الحجز هاته، التي ظلت تمنع السنوسي من تقديم أعماله في عروض حية للعموم، أو مسجلة للتلفزيون، نجده قد اهتدى إلى وسيلة لاطلاع جمهوره على ما ينجزه تباعا من عروض ساخرة (...) وهي طريقة الكاسيط المسموع، والموزع تجاريا في الأسواق، وقد تم له باستخدام هذه الطريقة بلوغ الأوساط الواسعة من المهتمين الذين رحبوا بهذا الأسلوب العملي الذي انتهجه الفنان السنوسي في تصريف إبداعه من السخرية اللاذعة التي تحولت مع مرور الوقت إلى موعد دوري يضربه لمحبيه وعشاق فنه". ويمكن تلخيص الأعمال الساخرة التي سجلها بزيز في مجموعة من الأشرطة، نذكر من أهمها: عرس الذيب (في جزأين)، والسوارت، والفيزا والباليزا ، ومسمار جحا، والماء في الرملة، والوحلة، وبورشوة ، وسهرة الأخبار. وتضمنت هذه الأشرطة، التي سجل جلها أمام الجمهور، لوحات ساخرة ينتقد فيها بزيز بعض الأوضاع السلبية لمظاهر سياسية واجتماعية كتشدد السلطة في مراقبة المواطنين وكبت حريتهم في التعبير، والفساد المستشري في مختلف دواليب الدولة، والقمع المسلط على المعطلين والهجرة بمختلف أشكالها. بالإضافة إلى مواضيع أخرى تهم الوضع السياسي العربي كالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والعدوان الأمريكي على العراق. وغالبا ما تكون هذه الأشرطة عبارة عن مونولوجات حول مواضيع آنية عدة أو تغمز إلى قضايا طفت إلى المشهد السياسي، واستأثرت باهتمام الرأي العام الوطني مثل قضية العميد الممتاز ثابت في سنة 1993، أو إجراء الانتخابات التشريعية لسبتمبر 2002، أو بعض الإجراءات التي اتخذتها حكومة اليوسفي، كالتحقيق في ملف الاختلاسات التي عرفها القرض العقاري والسياحي، والقرض الفلاحي، أو القمع الذي طال بعض مسيرات ومظاهرات المعطلين ذوي الشواهد العليا، إلى غير ذلك من قضايا الساعة التي تعرفها الساحة الوطنية. أما طريقة بزيز في تناول هذه المواضيع، فغالبا ما تجمع بين المونولوج والموسيقى والأغنية بلغة شعبية وبسيطة. وبهذا الصدد كتب تيكوا أن "بزيز هو مزيج بين كوليش (Coluche)، ودارفوتو (Darvoto)، وفردناند راينو (Fernant Raynand). فعلى غرار رايمون ديفوس (Raynand Devos)، فإن فكاهة بزيز تجمع بين مونولوجات مطعمة بقطع موسيقية. فهو يتكلم كما يغني ويغير ملابسه كما يغير شخصيته، ويقفز من العربية إلى الفرنسية. أما سخريته فتتكون من مجموعة من المواضيع المستوحاة من الحياة البسيطة واليومية لمواطنيه. فبزيز يلعب بالكلمات، ويعلق على الأحداث السياسية والاجتماعية (...) ويتخذ من بعض المظاهر السلبية للحياة الإدارية والسياسية كالرشوة، والعراقيل الإدارية، وانعدام العدالة، وازدراء الحكم للشعب، والبطالة، مادة للإضحاك والتسلية". وبالرغم من صعوبة تصنيف المواضيع التي تناولها بزيز ضمن هذه الأشرطة وترتيبها في خانات محددة نظرا لافتقادها لوحدة الموضوع وتشتتها في لوحات متعددة، فيمكن مع ذلك موضعتها ضمن المحاور التالية: السخرية السياسية من الهاجس الأمني للسلطة لقد شكل الهاجس الأمني ثابتا من ثوابت الاستراتيجية المخزنية. فمنذ الستينات من القرن الماضي انحصر همّ السلطة في مراقبة السكان وضبط حركاتهم. وهكذا كلفت الأجهزة الأمنية بتجميع المعلومات ووضع تقارير يومية ترفع إلى أعلى سلطة بالبلاد. وقد تم تشكيل عدة أجهزة عصرية للقيام بهذه المهمة؛ حيث أسندت لمديرية الدراسات والمستندات مهمة جمع المعلومات تتعلق بالمحيط العسكري وكل ما يتعلق بالتهديدات الأجنبية، وكلفت المديرية العامة للأمن الوطني بالاستعلامات العمومية. لكن بالموازاة مع هذه الأجهزة العصرية، بقيت السلطة تعتمد على أجهزة تقليدية توظف فيها شبكة من المقدمين والشيوخ التي تنقل المعلومات حول تحركات السكان داخل المقاطعات والأقاليم إلى السلطات المحلية (من قواد وعمال وولاة) والتي تقوم بنقلها إلى السلطات المركزية المتمثلة في وزارة الداخلية. هذه الوزارة تقوت صلاحياتها ونفوذها في عهد وزير الداخلية السابق إدريس البصري، الذي بسط سيطرته على مجموعة من القطاعات الوزارية بما في ذلك قطاع الإعلام الوطني وعلى مختلف القنوات الإذاعية والتلفزية. وهكذا تم في منتصف الثمانينات ضم قطاع الإعلام إلى وزارة الداخلية التي أصبحت تتحكم في ما يذاع وينقل من برامج إخبارية أو ثقافية أو فنية أو غيرها. لذا فقد تندر بزيز على هذا الوضع ومن هذه الوضعية المتردية التي آلت إليها برامج دار الإذاعة والتلفزة المغربية. ففي سكيتش بعنوان "الكاميرا شاعلا" يسخر الثنائي بزيز وباز من جو الشك والريبة الذي تتعامل به السلطة بمختلف أجهزتها مع السكان. وهكذا صور السكيتش هذا الجو المشحون من خلال سؤال باز، الذي مثل دور صحافي بالتلفزة، وبزيز، الذي مثل دور مواطن عادي، حول وضعية السوق وأسعار الخضر، منبها إياه إلى أن الكاميرا "شاعلا"؛ حيث رد هذا الأخير بأنه يشكر التلفزة وبأن الكل على ما يرام، فالأسعار جد رخيصة وثمن اللحم قد وصل إلى درجة أن قام أحد الجزارين بإعطائه "سقيطة" بدون مقابل، ليستفهم إن كانت الكاميرا مازالت شاعلا، وإن كان مازال يظهر في الكاميرا فيرد الصحافي بالإيجاب وأنه مازال "تحت التسجيل"، ليستمر "المواطن" في تعداد مظاهر "الرفاه" الذي ينعم فيه السكان؛ فوسائل الصحة متوفرة إلى درجة أن السكان هم الذين لا يريدون أن "يمرضوا" في حين إن وزارة الصحة تقوم بمهامها على أحسن وجه. لكن عندما ينبه الصحافي المواطن إلى أن الكاميرا قد "انطفأت" وتوقفت عن "التسجيل"، تبدأ المكاشفة؛ حيث يعبر كل واحد منهما عن جو الخوف من السلطة السائد بين المواطنين إلى درجة أن الصحافي عندما سأل أحدهم إن كان "الحمام سخون" رد عليه ب"الله أعلم". أما "المواطن" فبعدما تأكد من "انطفاء الكاميرا" بدأ يسرد ما وقع له من طرف بعض أجهزة السلطة المحلية، عندما أراد فقط الحصول على عقد الازدياد من المقاطعة الحضرية ليجد نفسه مورطا في قضية أمن دولة. فقد قال للصحافي بأنه سئل من طرف أحد المواطنين الذي يعتزم الحج إلى بيت الله الحرام إن كان بإمكانه أن يحمل معه طنجرة الضغط، الكوكوت مينوت، فاقترب منه أحدهم، وهو يضع نظارتين على عينه ليستفهمه عن كلمة "الضغط" التي تفوه بها. وبالرغم من محاولته الدفاع عن براءته من كل تأويل "سياسي" لهذه الكلمة إلا أن ذلك لم يشفع له، فتم اعتقاله وبدأ التحقيق معه واستنطاقه حول الأسباب والأهداف "السياسية" التي حركته لاستخدام كلمة "الضغط" بكل ما تعنيه من شحنة "تمردية" أو مدلولات "ثورية". وحتى يصف الثنائي الدرجة القصوى التي بلغتها الأجهزة الأمنية في الاستخبار والتجسس، والتي لم تسلم منها حتى أحلام المواطنين، يروي بزيز على لسان أحد المواطنين حلمه الوردي الذي قمع من طرف السلطة من خلال المونولوج التالي، "حلمت بأن النوار ناض في الشانطي، والكارينات مابقاوش، والحوت خرج يلعب في الرملة، وأصبحت حقوق الإنسان مصانة حتى أصبحت السلطة هي التي تشتكي من المواطن (...) وأنا أحلم دخل علي أحدهم ليسألني لماذا أحلم مثل هذا الحلم فأجبته إن الحلم هو اللي حلمني، فقال لي أنت المسؤول". ومن خلال هذا السكيتش يتندر بزيز على الهاجس الأمني الذي يحرك أجهزة السلطة، والطرق المتخلفة التي مازالت تستعملها للحصول على المعلومات وتجميعها مما أشاع الخوف بين السكان وقلص من هامش حرية التعبير إلى درجة أصبح فيها ليس فقط الحلم هو الممنوع بل كل شكل من أشكال "فتح الفم". وهكذا سخر بزيز في سكيتش آخر من ذلك المخبر الذي سأل أحد العمال الذي كان ينتظر الحافلة لماذا يتفوه؟ فأجابه بأنه تعبان، فرد عليه بأنه ليس من حقه أن يتفوه ليلة الإضراب، وبالتالي فهو متهم "بالتفوه المقصود المؤدي إلى الإخلال بأمن الدولة". وفي "عرس الذيب" يجدد بزيز سخريته من هذه الظاهرة محذرا من أن الإنسان لا يجب أن "يفتح فمو إلا عند مول الضراس"، بل حتى عند هذا الأخير فإن الأمر لا يخلو من مخاطر، فقد اكتشف أحدهم بأنه قد وضعوا له جهازا للتنصت وهو يعالج أسنانه عند طبيب الأسنان. أما المقاهي، فهي المكان المفضل "للتبركيك"، فيكفي أن تدخل مقهى لترتشف كوب قهوة حتى تجد "أذنا" تحت فنجان القهوة تقوم بالتنصت عليك. ولكي يوصل بزيز سخريته من "تجسس السلطة" إلى مداها، فقد حكى بأن عدوى هذه الظاهرة قد انتقلت حتى إلى الأسماك والحيتان المغربية. وهكذا تضمن سكيتش حول الإحصاء لوحة ساخرة حول أن "الحوت المغربي" قد قام بانتفاضة تحت الماء احتجاجا على شباك الأساطيل الأجنبية التي تنهب أعماق البحار، فشاهد بزيز، وهو تحت الماء، حوتا "بركاكا" يقوم بتسجيل أسماء الحوت المساهم في هذه الانتفاضة. أما في شريط "عام الضباب" فقد ركز بزيز على انتقاد "ثقافة الصمت" السائدة داخل المجتمع المغربي والتي تكرسها الأجهزة الإيديولوجية للدولة. فمنذ الصغر يلقن التلاميذ كيف يقفلوا أفواههم وينصحوا "بزم فامهم" وترسيخ المثل العربي السائد "الصمت حكمة" في أذهانهم. كما يتم ترديد أمثال شعبية كلها تحث على التزام الصمت، كمثل "سبق الميم تنجى"، ومثل "الفم المسدود ما يدخل ليه ناموس"، إلى غير ذلك من الأمثال التي تكرس كلها ثقافة الخوف التي تخدم السلطة وتسهل عليها ضبط وانقياد الناس، وينتقد بزيز هذه الظاهرة ويسخر منها بشدة، منبها إلى مخاطرها "داقا ناموس الخطر" ومحذرا من أنه بهذه الثقافة الذي تخنق حرية التعبير، فإننا سنكون الشعب الوحيد من بين شعوب الدنيا الذي يعرف إلى أين يسير، " فحنا كنعرفو بأننا غادين للهاوية". السخرية السياسية من فساد السلطة أثار بزيز في العديد من سكيتشاته أو مونولوجاته الهزلية ظاهرة الفساد التي تعشش ضمن دواليب الدولة وأجهزة السلطة، مركزا بالأساس على الرشوة وتزوير الانتخابات كانعكاس جلي لهذا الفساد السياسي. تزوير الانتخابات من المعروف أنه منذ أن انتهج النظام المخزني الأسلوب الديمقراطي من خلال إجراء انتخابات دورية، سواء على الصعيد التشريعي أو البلدي، كان يثار إبان كل عملية انتخابية التشكيك في نزاهتها إما بانتقاد تدخل أجهزة الدولة في عملية توزيع المقاعد على الأحزاب المتنافسة، من خلال نظام ما يسمى بالكوطا، أو استنكار مساندة رجال السلطة لهذا المرشح أو ذاك، أو التنديد بشراء الأصوات. وقد بقيت هذه الظاهرة مستفحلة حتى بعد تدشين ما سمي بالتناوب وتعيين حكومة اليوسفي التي رفعت مجموعة من الشعارات التي ركزت على الشفافية والنزاهة الانتخابية، بالموازاة مع رفع حكم "العهد الجديد" شعار المفهوم الجديد للسلطة. فقد أسفرت انتخابات 2002 عن مجموعة من الخروقات تجسدت في انتشار ظاهرة شراء الأصوات التي ثبت اللجوء إليها من طرف جل الأحزاب التي شاركت في هذه العملية، بما في ذلك أحزاب المعارضة السابقة التي كانت تندد بالتزوير في العقود الماضية كالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال... ولعل هذه المفارقة السياسية هي التي حاول بزيز أن يقتنصها ليسخر بشكل لاذع من تناقضات هذه المرحلة، والفروق الشاسعة بين شعارات النزاهة والشفافية وممارسات التزوير وشراء الذمم. لذا فقد تندر بزيز على هذه المفارقة عبر مجموعة من السكيتشات التي لجأ فيها إلى مقاطع غنائية وحوارية تقطر سخرية وتهكما. ففي شريطه الساخر بعنوان عام الضباب، يقوم بزيز بالتندر على "شفافية" انتخابات "التناوب" و"نزاهتها" من خلال مقطع غنائي يردد فيه ما يلي: هاك أخوي هاك الكوطا في الحكاك التحريش المشترك تينادي بالتراضي عطي لهذا عطي لذاك عطى لآخر لحداك ما حدي ديما معاك ها أنت ديما ناضي شوف النزاهة في البوق والشوهة في الصندوق آشدار ذاك التوافق وصل دار القاضي وهكذا، فإن انتخابات "العهد الجديد والتناوب" لم تسفر، في نظر بزيز، إلا عن تكريس "النخبة البرلمانية" نفيها التي نجحت في الحفاظ على مقاعدها داخل برلمان "التناوب" بسبب لجوئها إلى توزيع المال وشراء الذمم. وقد تندر بزيز على هذا الوضع من خلال المقطع الغنائي الذي يقلد من خلاله أحد "نواب" المرحلة السابقة وهو يتباهى "بنجاحه" في انتخابات "التناوب"، حيث يتغنى ساخرا بما يلي: أنا بعد ضامن غرفتي تنسخى بالمال في التناوب حاط رجليتي مع صحاب الحال. كما سخر بزيز من "الشفافية" التي أدت في آخر المطاف إلى تكريس النخبة السياسية نفسها التي نهبت ثروات البلاد لعدة عقود؛ حيث تحولت "بقدرة قادر" إلى موقع "المعارضية"، وجندت كل إمكانياتها المالية لتحتل إما مقاعد داخل البرلمان أو حقائب ضمن ما سمي بحكومة التناوب التي ترأسها أحد زعماء المعارضة الاتحادية عبد الرحمان اليوسفي. وبالتالي، فقد سخر بزيز من هذه الظاهرة التي وصفها بمسمار جحا دلالة على أن الأمور ستبقى على ما هي عليه من تزوير وبيع وشراء للذمم رغم كل الشعارات التي أطلقتها حكومة "التناوب"؛ فصناديق الاقتراع، تحولت إلى "صناديق الاقتراح". وفي هذا الإطار، انتقد بزيز هذه الوضعية من خلال مقاطع غنائية ساخرة تضمنها شريطه "مسمار جحا" بعنوان الاستقامة يقول فيها: سمعنا الاستقامة قادمة جايا تتهاما محزمة وعلى لخواض هاجمة كيف جرى تتحامى على الكلمة اللي في الذمة ياك تفقتو زعما مايكون الزايد تما دغيا كولتو مرحا زيد أمسمار حجا بغاوني درك كمارتي هذا محال شري بلاصتي على الخطفة عوال حاني راسي على مصلحتي تنخدم الهبال الهمزات هما عنايتي باقي ما يتكال وقد سخر بزيز في الشريط نفسه بشكل لاذع من نظام الغرفتين الذي كرسه دستور 1996؛ حيث اعتبره تكريسا "للسمسرة السياسية". وهكذا صور في مشهد ساخر كيف يقوم "سمسار" الانتخابات بعرض "مزايا" الغرفة الأولى والغرفة الثانية، مجيبا على أسئلة أولئك الذين يريدون "الإقامة" في هاتين الغرفتين، غامزا إلى أن "المطبخ" هو الذي لا يمكن القرب منه لأن فيه "تطبخ" الأمور المهمة وتصنع الأغلبيات البرلمانية و"تفبرك" فيه الخريطة السياسية في المغرب. وقد سمحت هذه السمسرة السياسية" ببقاء الوجوه ذاتها واحتفاظها بمقاعدها تحت قبة البرلمان في الوقت الذي كان ينتظر فيه الناس ذهابها إلى غير رجعة. الشيء الذي عبر عنه فنان الشعب الساخر في شريطه "مسمار جحا" من خلال أغنية "الخاتم" التي تضمنت المقاطع التالية: حتى دركنا ذاني وكلنا زادوا خلفة لكن البعض هاهما ثاني هاذ المرة فخفة السي فلان ما براني عيان شاداه السخفة والأخ التزوير اللساني عديم الكلمة والعفة رجل بها برلماني ورجل محطوطة فالغرفة أنت وأخذها صحة وخى رافضك الأمة غير البارح يا سلام ترفعوا صباع التهم التزوير طبخ الأرقام واليوم قضي باشما لا تزرب لا تنحاز قسني واتبع لغراز قديم جديد الجهاز باقي بين الأرض والسما. كما سخر بزيز من تشبث "نوابنا" بمقاعدهم البرلمانية "الوثيرة"، ورغبتهم الدفينة في "خلودهم" على كراسيهم؛ حيث أظهر ذلك من خلال شريط "السوارت" الذي تهكم من خلاله على بعض مستشاري "الغرفة الثانية الذين عبروا عن سخطهم من نظام القرعة الذي فرض عليهم التخلي عن مقاعدهم وحلول آخرين محلهم، فقد صورهم بزيز وهم متجمهرون أمام البرلمان "يقرؤون اللطيف" ويطالبون بإرجاعهم إلى مقاعدهم منددين بنظام "السويرتي" هذا الذي كانوا أول ضحاياه. تفشي الرشوة ركز بزيز بشكل كبير على ظاهرة الرشوة المتفشية في المجتمع المغربي. فقد سخر من هذه الظاهرة السياسية في عدد من أشرطته كمسمار جحا، والسوارت وبورشوة. ففي شريط السوارت، أشار بزيز متهكما إلى قضايا الاختلاسات التي طالت مجموعة من المؤسسات المالية كالقرض الفلاحي، والقرض العقاري والسياحي؛ حيث غمز ساخرا إلى أنه قد "تم اكتشاف من يأكل القرودا، قرد الفلاحة وقرد السياحة". أما في شريط مسمار جحا، فهو يسخر من رفع شعار محاربة الرشوة بدل محاربة المرتشين، فالرشوة ليست شخصا متحركا بل هو سلوك يميز النخبة السياسية المغربية التي استلذت الحصول على الامتيازات مقابل سكوتها وصمتها. وقد سخر بزيز من هذا السلوك ومن الرشاوى السياسية التي تقدم من طرف المخزن إلى فئات النخب السياسية؛ حيث عبر عن ذلك بلعبه على الكلمات الذي يتقنه بشكل جيد من خلال استخدام تعبير "هاكla ferme et la ferme"؛ بحيث إذا كان المثل العربي يقول إن السكوت من ذهب، فالسكوت في النظام السياسي المخزني هو من "ذهب وفرما"، بحسب بزيز. وفي شريطه "بورشوة"، سخر بزيز من ظاهرة تهريب الأموال إلى الخارج التي تقوم بها بعض الشخصيات السياسية؛ حيث يصور ذلك من خلال سكيتش هزلي يدور حواره بين جمركي وبين أحد المواطنين المقيمين بالخارج نقتطف منه ما يلي: الجمركي: أش مخرج؟ المواطن: مخرج عيني، أش مخرج، خليتو لينا منخرجو، الاستثمار خص التمارا بعدا. الجمركي: هزكمو أش دير تحت كمو، هزكمك كلب الحدود شمك. الجمركي متوجها إلى المواطن: علاش ماعندك الباليزاباش نقلبوها خارج طويل، وأش دير في ديك الرزمة؟ المواطن: هاز كمشة من تراب البلاد ليشمها أولادي اللي حاركين في الخارج باش يشموه ونرجعو. الجمركي: أشحال هذي وأنت تخرج تراب البلاد، غدي تكون خرجت أربعة جبال من البلاد، وأشحال من كدية خرجت، شحال من كمشة، وجباد الفاكتوراه. الجمركي: وحتى هاذ السنان اللي مخرج راهم معادن ديال البلاد من الفضة والذهب والدياموند، ولفوسفاط، أنت مهرب كبير للتراب الوطني. المواطن: أنتم شتوني غير أنا اللي باغي نهرب كمشة ديال التراب، ماشتوش العمراني مول الخميرة، أنتم بغيتو ديرو مني كبش الفداء، وسيدي أنا ما خارجش وغدي نتدفن أنا والتراب في البلاد. من خلال هذا السيكتش يغمز بزيز إلى ظاهرة تهريب الأموال إلى الخارج وتورط مجموعة من الشخصيات السياسية والاقتصادية في تهريب ثرواتها إلى بلدان أجنبية مثل فرنسا وغيرها لوضعها في حسابات بنكية خاصة واقتناء عقارات باذخة في هذه البلدان دون أن تضبطها السلطات المكلفة بمراقبة الحدود الوطنية إلا فيما ندر، في الوقت الذي يتم فيه تفتيش المواطنين العاديين من مهاجرين وطلبة وغيرهم، ومحاولة ابتزازهم من خلال إما التهديد بتعقيد مسطرة تفتيشهم ومراقبتهم أو رضوخهم لدفع "رشاوى وإتاوات" على ما يحملونه من بضائع وسلع. كما تعرض بزيز في الشريط نفسه بسخريته المعهودة إلى عملية التطهير التي دشنتها السلطة في منتصف التسعينات وأشرف عليها وزير الداخلية السابق إدريس البصري، والتي عكست إلى حد كبير استشراء ظاهرة الرشوة ضمن كل القطاعات الحيوية للدولة، وأثبتت أن هناك شبكة من العلاقات الإدارية والاقتصادية والسياسية التي حولت الممتلكات العامة إلى مجال للنهب والإثراء غير المشروع وتهريب أموال الدولة إلى خارج البلاد. وهكذا تضمن هذا الشريط سكيتشا هزليا تهكم فيه بزيز بجرأة نادرة على الفئات التي اغتنت من هذه الظاهرة بكل أشكالها، وراكمت ثرواتها من التلاعب بالقانون واستغلال النفوذ، الشيء الذي جعله يطلق عليها بدل اسم البرجوازية نعت "البرشواشية" التي يصنفها إلى "برشواشية" كبرى، و"برشواشية" متوسطة و"برشواشية" صغرى مكلفة فقط بالسخرة. ولا يتوقف بزيز عند هذا الحد، بل صور من خلال السكيتش "رعب" هذه البورشواشية من عملية التطهير التي بدأت تطال بعض أعضائها وتستنجد بولي نعمتها "مولاي بورشوة" لكي يخلصها من هذه "المحنة". "فمولاي بورشوة" كما يصوره بزيز بأسلوبه الساخر "تيموت على الدهنة، وكان فيلسوف كبيرا يأخذ الكثير والقليل (...) مولاي بورشوة عندو صنادق هنا وليه، وعزيز عليه ليكيد". وفي قالب ساخر يصور بزيز كيف تستنجد هذه "البورشواشية" "بمولاي بورشوة" وتطلب منه حمايتها وتستأجر به من خلال ترديد بعض عبارات "المزاوكة": أمولاي بورشوة أهيا سيدي بورشوة ها العار آمولاي بورشوة نجيبو القهوة سنين وعوام وحنا نحلبو واش بصاح بغاو يحيدوا لينا البزولة. وقد أثرت هذه العبارات في "مولاي بورشوة: الذي طمأن هذه "البرشواشية" بأن عملية التطهير لن تمسهم بسوء، وإنما ستصيب فقط بعض المغضوب عليهم من طرف المخزن أو بعض أكباش الفداء لذر الرماد في العيون؛ حيث ينهي بزيز سكيتشه بمقطع غنائي يطمئن فيه "مولاي بورشوة" "بورشواشيته" مرددا فيه ما يلي: نطق سيدي بورشوة قال يا أعز الإخوة أنتم فوق القانون لا فاكتورة لابون ولأجلو هذا الغزوة الحويط الصغير يودي. السخرية السياسية من حكومة التناوب كما أثارت عملية التناوب اهتمام العديد من المختصين والمحللين السياسيين وشكلت مواضيع لدراساتهم ومقالاتهم، وشكلت هذه العملية مادة دسمة لسخرية بزيز. فقد تهكم في العديد من سيكتشاته وعروضه الهزلية على حكومة التناوب وتعرض لبعض مظاهر التناقض التي واكبتها مستهزئا من شعاراتها وخطابها حول تغيير الأوضاع السياسية وممارساتها التي تكرس الواقع المخزني. وبالتالي فقد كان 'التناوب السياسي' بالنسبة إليه ليس في العمق إلا تناوبا على الحقائب وتناوبا على الزراويط. التناوب على الحقائب تعرض بزيز في عروضه الساخرة إلى الكيفية "المفبركة" التي تم بها تشكيل حكومة التناوب وإسنادها إلى المعارضة الاتحادية بزعامة عبد الرحمان اليوسفي، وتكليف الأغلبية التي كانت مشكلة من ما كان يسمى بأحزاب الإدارة للقيام بمهمة المعارضة. وهكذا تندر بزيز في شريطه الساخر "مسمار جحا" على ما سماه بعملية "التوانب"، والتي من خلالها تحولت "صناديق الاقتراع" إلى "صناديق الاقتراح"، أو كما نعتها فناننا الساخر "بصنادق العجب". ومن خلال هذه العملية تم تشكيل حكومة اليوسفي التي ضمت "زخرفة حزبية" متباينة الألوان والأطياف، وضمت ائتلافا حكوميا جمع بين أحزاب الكتلة وأحزاب كانت تنعت بأحزاب الإدارة؛ وذلك بفضل ما سماه بزيز "حساب الإدارة". ووفق هذا "الحساب الإداري" تم توزيع الحقائب الوزارية خاصة على بعض الشخصيات القيادية في المعارضة الاتحادية بعدما أعياها "طول الانتظار" و"معاناة النضال"، أو ما نعته بزيز متهكما "بالندال". وفي هذا الإطار يشخص هذا الفكاهي "التعب النضالي" لبعض هذه الشخصيات المعارضة؛ حيث قلد في ذلك إحدى هذه الشخصيات وهي تقول ما يلي: "أنا بغيت نولي محترم، أنا عييت من الندال، بغيت نركب في المرسي دريس"، كما يتهكم بزيز في شريطه الساخر "الوحلة" على أن معطلا قد دخل على أحد هؤلاء الوزراء الاتحاديين الذي طالما وعد الناس بتحسين أوضاعهم المعيشية، وطلب منه أن يجد له عملا، فأجابه الوزير بأن عليه أن يصبر، فهو قد بقي عاطلا لمدة طويلة قبل أن يصبح وزيرا. وفي الشريط نفسه، سخر بزيز من المعاناة اليومية التي يتكبدها هؤلاء الوزراء الجدد وهم يحاولون التأقلم مع وضعيتهم المخزنية الجديدة، فهم يجدون صعوبة كبيرة في ارتداء اللباس الرسمي، سواء من خلال انتعال البلغة المخزنية أو ارتداء الجلباب أو في وضع ربطة العنق أو الكرافتا. كما يجدون صعوبة كبرى وهم يمتطون سيارات الدولة الفارهة، فبعضهم مازال لم يصدق بعد بأنه من الممكن "أن يركب باحترام ووقار" في المقاعد الخلفية لهذه السيارات؛ حيث نكت بزيز بهذا الصدد على أن بعض هؤلاء الوزراء كانوا حينما يركبون مثل هذه السيارات يصيبهم الخوف الشديد وكأنهم مقبوض عليهم. بالإضافة إلى أن هؤلاء الوزراء مازالوا لم يتعودوا على نظام الحياة المخزنية من مراسيم واستقبالات وحفلات عامة؛ حيث طالب بزيز متهكما بضرورة أن "يتم الصبر" عليهم حتى يتمكنوا من "هضم" الأطباق "المخزنية" الشهية وأنواع المأكولات الجديدة التي لم يألفوا بعد تناولها. كما انتقد بزيز بشكل لاذع الكيفية التي تم بها تناسي الشعارات والبرامج التي كانت تدعو إليها حكومة اليوسفي، وكيف "ولات الحقيقة حقيبة". وبدل أن يقوم أعضاء هذه الحكومة بالعمل على تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للجماهير الواسعة التي كانت تحلم بالتغيير مع تعيين حكومة اليوسفي، رفع بعضهم شعارات جوفاء مثل تخليق الحياة العامة أو تغيير العقلية السائدة. وبهذا الصدد يتهكم بزيز من هذه المقولة متندرا على أنه إذا كان الأمر لا يتعلق فقط إلا بتغيير في العقلية، فقد كان من الأنسب الحفاظ على الوزراء القدامى والاكتفاء فقط بتغيير عقلياتهم، وأن الأمر لا يتطلب كل هذه العملية إلا إذا كان الهدف من ذلك هو الحصول على المكاسب والتناوب على الامتيازات. وهو ما رجحه بزيز عندما حاول، كعادته، اللعب على الكلمات وتهكم ساخرا من أن شعار التغيير في العقلية هو في واقع الأمر هو "لعق لي لعق ليك، ولعق لي مزيان، باش نبنيو دولة اللعق والقانون". وهكذا، فبالنسبة لبزيز فعملية التناوب في مجملها وعمقها لا تعدو أن تكون عملية تناوب على الحقائب الوزارية بما تمثله من امتيازات واستفادة في وقت يتم فيه تكريس الفوارق الاجتماعية وتكريس الوضعية المتردية للجماهير الكادحة من فقر وتهميش وبطالة وأمية. وقد أبرز بزيز ذلك من خلال بعض المقاطع الغنائية التي يسخر فيها من هذه الوضعية التي التقى فيها التزوير بالتغيير من خلال ما سمي بالتوافق. وهكذا عكست أغنية الصفحة هذا الوضع من خلال ما يلي: جمعوا وطويوا الصفحة وخيطو بالدمع الجرحة وباش ماكان قضيوا ولا تعمروا طرحة ودركوا الفقر بالفرحة ونومو جايعيين أيام الجوع اعطات الطوع حلموا ونويوا ما تلويوا غير الصفحة أحياك الحين يا بلادي حتى التزوير تخشى في التغيير هاودني أنا التناوب على الزرواطة في شريط "الوحلة" ركز بزيز على ظاهرة الفقر المتفشي وسط الجماهير العريضة من الشعب، متسائلا ما إذا لم يكن ذلك ناتجا عن مسلسل التفقير. فكثرة الفقراء لا ترجع إلى الفقر كقدر ومكتوب، بل إلى وجود فئات استغلت تفقير الفئات الشعبية لكي تغتني على حسابها وتراكم ثرواتها. فبزيز يرفض بشدة أن يكون الفقر قد كتب على الفقراء، منتقدا أولئك الذين يرددون بعض الأمثال التي تبرز هذا الواقع وتكرسه كمقولة "شي عطاتو وشي فقراتو"، مستنكرا أن "الدنيا" لا يمكن أن تكون موافقة على تفقير الناس، ساخرا، وهو يتلاعب كعادته بالكلمات، من أولئك "المفقرين الكبار"، أي المفكرين الكبار، الذين يبررون هذا الوضع كنتيجة حتمية للمكتوب، فالمكتوب لا يمكن في نظره أن يتوافق مع "الجيب المثقوب". كما انتقد في هذا السياق سياسة التفقير هذه التي أدت إلى انتشار التسول وامتهان هذه الحرفة على مختلف المستويات، والتي علمت الناس، خاصة الفقراء منهم، فن "السعاية"؛ حيث هناك من "يسعى" بلحمه، "وشي كيسعى بأطفاله"، وهناك من يسعى ببناته، محرضا إياهن على ممارسة البغاء، خاصة مع سواح الخليج. وحتى يؤكد هذا الوضع، حاول استلهام مقطع "فكروني" لأم كلثوم ليقلبه – كعادته-إلى دندنة ساخرة مرددا "فقروني، فقروني" دلالة على أولئك الذين يساهمون في تكريس التفقير وتوسيع دوائر الفقر والتهميش. وبعد ذلك، يتعرض للإجراءات التي تم اتخاذها من طرف حكومة التناوب برئاسة عبد الرحمان اليوسفي، والتي كان من أبرزها تفعيل قانون التصريح بالممتلكات التي حاولت هذه الحكومة تنفيذه؛ حيث سخر بزيز في سكيتش هزلي من هذا الإجراء الذي لم يتم تطبيقه بشكل فعال من خلال توجيه الخطاب إلى الفقراء بضرورة التصريح بفقرهم، و"بمفتقراتهم" مادام أن الأغنياء قد صرحوا بممتلكاتهم. وهو هنا يحاول أن يشخص واقعا مقلوبا لإثارة السخرية والضحك. وقد انتقل بعد ذلك للسخرية من وجبات الحريرة الرمضانية التي كانت تقدم في بداية العهد الجديد تحت إشراف مؤسسة محمد الخامس التي اهتمت بتوزيع وجبات الفطور عند مقدم كل رمضان على المحتاجين والمعوزين. ففي سكيتش هزلي يشخص بزيز دور أحد المسؤولين يؤنب محتاجين قصدوه لمساعدتهم بأنهم قد وزعت عليهم وجبات الحريرة، وبالتالي فإن نصيبهم قد شربوه حريرة وما عليهم إلا أن "يدركوا زلايفهم"، وأن الحكومة ستعمل على الحفاظ على "الحريرة" في "الطرموس" حتى تبقى سخونة لتوزيعها على كل محتاج وفقير. ولا يقتصر بزيز على انتقاد حكومة اليوسفي لتكريسها وضعية التفقير بشعارات وإجراءات سطحية، بل يحتج بشدة لكونها قد واصلت سياسة القمع والتنكيل، خاصة ضد المعطلين الشباب الذين يتظاهرون ويعتصمون للمطالبة بحقهم في الشغل. وفي هذا الإطار سخر بزيز من حكومة اليوسفي التي لم تعمل إلا على تكريس التناوب على استخدام الزرواطة. وهكذا أشار هذا الفكاهي في شريط "السوارت" إلى أن التناوب الذي حصل في المغرب لم يكن إلا "تناوبا" على "الزرواطة". لذا قلد بزيز أحد وزراء هذه الحكومة وهو يقدم اقتراحا بضرورة صنع 1200 زرواطة في المغرب بدل استيرادها من الخارج؛ وذلك للحفاظ على رصيدنا من العملة الصعبة، ويتبجح قائلا بأن "حنا عندنا زرواطة التوافق ضربو الفوق والتحت". أما في شريط "الوحلة"، فقد ردد بزيز أغنية بعنوان "اسوارت الوقت" ينتقد فيها ساخرا مظاهر التنكيل والقمع التي يتعرض لها المعطلون وهم يواصلون تظاهراتهم لمطالبتهم بحقهم المشروع في العمل، يقول فيها: افكاك لوحايل إمتا تفكنا منك طال الحال غالق دافع خالع قاحم حاشر داك المنخر في كل مسأله غير مطيح الباطل ظلك ناشرو ايمان وشمال جامع مانع هاجم ما تغفل سوق ولا تفوتك دلاله واش الكل ليك متنازل أنت سوارت الوقت وأنت لقفال اذهب واحجب وغبر من تم سد عليك وحسم وبلا بهدله المعتصم والعاطل اللي تململ من لهراوة لابد ينال سالخ مالخ هالك هادم أش تغير السوسة في الجدر تنخر وكاله احنا غير كلنا ليه وهو يدير ما با غى خفنا العين لا تأذيه ويزلوقه البلاغي نوبتو تتسنى فيه لابد هاد الصوله في يمو تتسالا نوض جمع راسك دابا يا حابس لنفوس المال والشطابة أسوس أخويا سوس وعموما يعتبر بزيز من خلال مونولوجاته الهزلية، التي استخدم فيها كل وسائل التهكم من نكت ومفارقات وأمثلة ومقاطع غنائية، من رواد السخرية السياسية الشفوية بالمغرب. فقد تناول بالسخرية كل المظاهر السلبية التي تعج بها الحياة السياسية بالمغرب وأشكال الفساد السياسي التي تلطخ وجه النظام السياسي المغربي من رشوة، وتزوير للانتخابات واستغلال النفوذ، والإثراء غير المشروع، مما جعله عرضة للإقصاء والتهميش من طرف مختلف شرائح السياسيين، بما فيها تلك التي تقلدت مقاليد الحكومة قبيل وفاة الملك الحسن الثاني. فرغم اتساع هامش حرية التعبير وتطور نظام الحريات الفردية والعامة بالمغرب في ظل ما سمي بالعهد الجديد، فقد تمت مواصلة الحصار على أعمال هذا الفنان ليس فقط بسبب مواقفه السياسية من خلال مساندته للقضية الفلسطينية والقضية العراقية وبعض قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، بل لأنه بالأساس كان لا يتورع عن السخرية من كل المظاهر السياسية السلبية، و"الانتقام" للشعب من خلال الضحك على نخبه الحاكمة وتحويل مثالبها وقصورها ومظاهر عجزها إلى مادة للسخرية العمومية والجماهيرية، مما أثار عليه سخط عدد من الوجوه السياسية، بما فيها تلك التي كانت تسانده قبل تسلقها إلى دواليب الحكومة، والتي أصبحت بدورها مادة جديدة لسخريته اللاذعة وانتقاده الساخر. فهي لم تع جيدا أن سخرية بزيز هي موجهة قبل كل شيء إلى طبيعة النظام السياسي والجوهر المخزني للسلطة بغض النظر عن الوجوه أو الشخصيات التي تمارس هذه السلطة. وقد أكد بزيز هذا المنحى من خلال تصريحه لمجلة الأحداث بقوله: "أنا كفنان ساخر من حقي أن أسخر من العمل السياسي والانتخابات ومن كل ما يقع في المغرب، فالسخرية لا حدود لها إذ هي تكره الخطوط بكل ألوانها، سواء كانت حمراء أو صفراء أو زرقاء؛ ذلك أنني مصاب بعمى الألوان في حرية التعبير وأكره القيود التي تقيدني. الإنسان لا يجب أن يخجل من كونه مناضلا سياسيا، لكنني لست سياسيا محترفا، ولكن من حقي أن أسخر من السياسة".