حينما نتحدث عن الفنان الساخر أحمد السنوسي، نتحدث عن مسار طويل من المنع والإقصاء.. انطلق بشكل «ممنهَج» في بداية تسعينيات القرن الماضي، وشمل عروضه الفنية في القاعات ووسائل الإعلام. وإذا كنا لسنا بصدد الحديث عن صيغ المنع التي يعرفها الجميع، فإنه يجدر بنا التذكير باستمرار مواقفه الداعمة لقضايا الشعب وللقضايا الوطنية والعربية، في مختلف المراحل التاريخية التي تمر بها الشعوب، على اعتبار أنه عضو في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان هو الذي يردد في أحاديثه دوما أن «الهدف الأسمى هو الحرية للجميع والحق في الاختلاف لجميع فئات المجتمع وليس السيطرة للجميع»... هدفه الأسمى هو الحرية للمجتمع (حرية التعبير، حرية الصحافة...) وكرامة الناس، وهي النظرة التي من المنتظَر أن يعبر عنها خلال الأيام القادمة عبر عروض في كل من تونس ومصر، بدعوة من المجتمع المدني وهيآته الحقوقية هناك. حينما نستحضر مسار هذا الرجل، نتذكر الموقف الرسمي للمنع الذي عبّر عنه الوزير الحالي للاتصال، خالد الناصري، الذي قال: «لا يمكن أن يمارس السنوسي السياسة في التلفزيون»... ونتذكر التضامن الدولي والوطني مع قضية منعه، التي امتد صداها إلى خارج المغرب. ورغم ذلك، فهو يردد دائما: «لقد مورس علي إقصاء ظالم، وهذه تضحية ضمن تضحيات جسام تجسدت في اعتقال واغتيال أو إقصاء عديدين»، ويتابع: «بالنسبة إلي، فهدفي هو أن تعم الحرية ربوع هذا الوطن، وأنا جزء من هذا الشعب، وإذا تداعى جزء منه، تداعى الجسد كاملا، ولهذا لم يعد يهمني أن أظهر على هذه التلفزة، التي أصبحت في «عزلة» لا تساير الشعب ولا العصر، ولهذا سأستمر في الإبداع وفي الدفاع عن الشعب والتضامن مع كل الحركات والهيآت التي تدافع عن الحرية والديمقراطية، بما فيها الجمعيات الأمازيغية العريقة، في انتظار أن تكون التلفزة مشترَكة للجميع، وفي انتظار أن يكون للجميع الحق في التعبير، ولا يهيمن على هذه التلفزة الرأي الوحيد ولا تقصى فيها الآراء المخالفة، مطلبي الأسمى هو الحرية للجميع»... فنان يستشرف المستقبل في عروضه الإبداعية، ظل أحمد السنوسي يعكس الواقع، يستشرف ما سيحدث، بدءا ب«عرس الديب» و«الماء في الرملة» و«مسمار جحا»، «الوحلة»، «راس الخيط»، و«مولاي بورجوا» و«الانتقام الديمقراطي» و«التناوب المفترى عليه»... والذي يقول عنه إنه كان تناوبا على المصالح وليس تداولا وتناوبا حقيقيا على السلطة... والآن، تبرز الكارثة وتظهر النتيجة، بجلاء، ويتضح أن التناوب الديمقراطي هو انتقال مصالح من جماعة إلى أخرى، والجماعة القديمة أضافت إليها مصالح جمة وتركت الشعب غارقا في مأساته وفي فراغ سياسي قاتل، ولهذا من الطبيعي أن يتفجر غضب الشباب ويمتد إلى كافة مكونات الشعب، ولهذا من الطبيعي أن ينضم إليه السنوسي، وهذا ما تجسد في عروضه ولقاءاته في الجامعة أو عبر جريدة «الهدهد» في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، والتي كان السنوسي يُعبّر من خلالها عن القضايا الحقوقية بشكل ساخر، مما عرضه للاعتقال، وهو يقول إن «الأمر عادي ولا أقدم نفسي كضحية، لأنني كنت أنتظر أكثر من ذلك، فقد كانت الحملات الظالمة لا تقصدني شخصيا، وإنما كانت تنشد محاربة ما أقدمه من فن ساخر يطرح أسئلة كبرى»... وتكفي العودة إلى أعماله الإبداعية لكي نكتشف عمق الأسئلة الكبرى التي تحتفظ بها ذاكرة الطلاب والعمال والحقوقيين، فقد دافع عن حرية التعبير في الصحافة وانصهر مع معاناة المعطلين والمُهَّمشين، إلى درجة أنه، في وقفة أمام الاتحاد المغربي للشغل في الرباط سنة 1996، كاد يفقد حياته بفعل التدخل العنيف الذي ما زال يحتفظ بآثاره وكذا ب«وسيلته»... وحينما يُطرَح عليه السؤال بخصوص العودة إلى التلفزيون، يقول «بزيز» إنه «فات الأوان وفات أوان الظهور ووصلتُ إلى نقطة لا رجعة فيها، ما لم تكن الحرية للجميع في وسائل الإعلام»: «يريدون أن ينسى الناس اسمي ويمحوه من ذاكرتهم الجماعية ويُدخلوني في دائرة النسيان، إلا أن أملهم قد خاب، لأن الناس قاطعوا التلفزة والإعلام العمومي»... وحينما اشتد الخناق على الفنان الساخر، في ظل استمراره في تضامنه مع المهمشين والمعطلين والمعتقلين وعائلاتهم، تدخلت الجمعيات في الخارج، والتي «فطنت» إلى رغبة السلطة في «إعدامه» رمزيا، كما فطنت إلى ذلك كبريات الصحف والمجلات والقنوات الدولية... وفي هذا الصدد، يقول إنه يجب ألا نبقى متفرجين أمام قضايانا، بل يجب أن ننصهر فيها، وطبيعي أن تتلو هذه المواقف هجومات ويحق لنا نتساءل: لماذا تهاجم السلطة السنوسي وتطيل أمد إقصائه؟ لأنها، ببساطة، تحارب سخريته، فهو رجل «تيْخرج الضّْحكة من البْكْية»، كما قال أحد المواطنين... ورغم كل المضايقات، ظل السنوسي ملتصقا بهموم بلده ولم يختر الهجرة، وهذا أمر طبيعي، لأن الرجل منسجم مع ذاته وغير عابئ ب«سهام» أعداء السخرية وبرغبة البعض في محاصرته و«قتله» رمزيا، من خلال منعه في وسائل الإعلام العمومي وتخويف المنتجين من التعامل معه... ويدافع السنوسي عن اختياراته بالقول: «في نظري، لا حياد في الفن والكتابة والإبداع، فأي عمل ليس محايدا، ما المانع من أن يخوض الفنان في السياسة؟ فأنا، كفنان، أعرف العديد من السياسيين الذي يمارسون «الفنون»، كفن التشكيل و«فن الخْطْفة».. فهل من المنطقي أن نطالب الفنان بألا يقدم فنا ساخرا؟ لا أحد يستطيع منعي من السخرية على السياسة ومنها، فالسياسة تحيط بنا من كل جانب، رغم ممارسة الدولة أسلوب التخويف من كلمة «السياسة»، بينما هي علم وفن، فأن تقدم عملا يسخر من العمل السياسي أو من البرلمان ليس سياسة وإنما هو سخرية من ظاهرة معينة، وحينما أقول إن الدولة تنتظر أن «أعتذر» لها، لأنها منعتني، وتنتظر من ضحايا خروقات حقوق الإنسان أن «يعتذروا» لها، لأنهم أضاعوا وقتها في تعذيبهم واختطفاهم، فهل هذه ممارسة للسياسة؟ هم يريدون أن ننتج ب«معاييرهم» وأذواقهم، لأن الرقيب يحلم أن نحلم «حلما يناسبه» لا «كابوسا يزعجه»... ثم لماذا يصفق البعض من الفن والفكر والثقافة الذي يمدح «منجزاتها» وديمقراطيتها «ديال بنعالي»!... نحن لسنا ضد الانتخابات، نحن ضد الطريقة التي تجري بها وضد تزويرها. ومقابل ذلك، نتابع بعض الأغاني في بلداننا تُمجّد الحاكم وترفعه إلى درجة الألوهية وتعدد مزاياه وإنجازاته العظمى، أليس هذا موقفا سياسيا متحيزا؟ أعتقد أن مفهوم السياسة، في نظر السلطة القمعية، هي السياسة التي تعارض وتنتقد السياسة الرسمية، والمشكل أن الساهرين (تايْسهرو مع راسهومْ) على الثقافة والاتصال (التي ألغيت في الدول التي تحترم نفسها) يمارسون سياسة تكميم الأفواه و«قطع الاتصال» مع ما يريده الشعب ومحاربة كل فكر وفن لا يسير في اتجاه ما تريده السلطة... لهذا، يشدد الفنان الساخر على أنه لا حياد في الفن: «نحن لا نقول أن يكون الفنان مكبر صوت إيديولوجيا، من حقي أن أتعاطف مع أي جهة وأن أقف إلى جانب شباب وحركتهم (20 فبراير) ومطالبهم، هذا حقي ولا أحد له الحق في أن يمنعني و«يوجه» تعاطفي ويعاقبني على مساندتي وتضامني مع حركة الشباب، لأن الإبداع الفني ليس انعكاسا للواقع وإنما هو إعادة صياغة الواقع بلمسة المبدع الفنان، فإذا عدنا إلى فترة بريخت وشكسبير وموليير والجاحظ وابن المقفع وغيرهم، سنجد، مثلا، أن لويس ال14 لا أحد يذكره إلا بعض المؤرخين، في حين بقيت فرنسا تصفق لموليير وبقينا نصفق للجاحظ ونعتبرهما فنانين معاصرين، وكذلك الشأن بالنسبة إلى كويا، الذي كان يرسم بورتريهات الملك وعائلته، قبل أن يتحول إلى رمز، بعدما رسم معاناة الناس والشعب وبقيت لوحاته شاهدة على فظاعة الإعدامات وسفك دماء الأبرياء في الحروب والغزوات... لهذا نقول إنه لا يمكن أن «نوجه» الفنان ونفرض عليه ما سيقوله، فإذا عدنا إلى أعمال هؤلاء العظماء، سنجد فيها «توثيقا»، بالصورة والريشة والكلمة، لمراحل الهمجية والطغيان، لكننا -للأسف- ما زلنا نعيش هذا الطغيان والهمجية من طرف بعض الأنظمة الدموية التي نصّبت شعوبها «أعداء» لها.. فهل من الحق أن نمنع فنا أو قصيدة أو عملا سينمائيا أو لوحة تشكيلية، مثلا، من توثيق ما يحدث الآن في بلداننا من فظائع؟ هذا زمن الانصهار مع مشاكل الناس والوقوف ضد الظلم إلى جانب الشعب، وعندما يعم «ربيع الحريات»، يمكن أن نناقش بشكل آخر القضايا الخلافية الأخرى، حاليا، لا يمكن إلا أن أتضامن مع حركة 20 فبراير، التي تقوم بمظاهرات سلمية. اليأس كلمة أمقتها ورغم المنع والمضايقة على الحرية وتهميش الشباب، يجب ألا ندع الإحباط والتردد يتسربان إلى دواخلنا وأن نحول اللحظة إلى قوة لتحقيق مطالب الشباب، وهي في نفس الوقت مطالب الشعب، واليأس كلمة أمقتُها وأكرهها، أما السخرية فهي «سلاحي»، ومن حق الفنان أن يختار لنفسه معسكرا ومعكسري هو الوقوف ضد الاستبداد والإقصاء واحتقار الناس وهيمنة الرأي الوحيد وخرق حقوق الإنسان، بمعنى آخر، معسكري هو الحرية»... حرية دافع عنها السنوسي وتضامن مع الإخوة في مصر وتونس وليبيا من أجلها، من خلال مداخلاته على العديد من الفضائيات، من بينها الفضائية التونسية، فضلا على الوقفات الاحتجاجية والمقالات الصحفية. إنْ سألته عن ماهية فنه، يجب السنوسي: «هو ضحك ليس هدفه التنفيس ووضع البلسم المهدئ على الجراح الغائرة، وإنما سخرية تطرح السؤال تلو السؤال وتمنح المتلقي مفاتيح عديدة ومداخل تضمن له الأحكام التي يمنعها الفنان عن نفسه. عبر العصور، عاش مبدعون وفنانون لحظات عصيبة، ففي السياسة، يُقتَل البريء، التاريخ العربي اضطُهِد ونُفي واغتيل فيه فنانون. حتى في الدول الغربية، مر الفنانون بفترات حالكة وتعرضت النخب لكل أشكال التهويل والتنكيل، بما في ذلك الفترة «المكارتية» في الولاياتالمتحدةالأمريكية الظالمة، ومورس العدوان على فنانين كبار، من بينهم شارلي شابلن، إذ بدأ بأعمال لم تكن مشحونة بالنقد اللاذع، بل كانت بمثابة «قفشات» ومواقف تزامنت مع بداية فترة التصوير، التي عرفت ضحكا بلا مضمون عميق، فكان في حاجة إلى دفعة جديدة، ومن تم انطلق الإبداع، ولكنْ نتيجة لذلك، دفعت «المكارتية» شابلان إلى الهجرة من أمريكا. كما تمت محاكمته، وهنا نستحضر حادثة محاولة تشويه سمعة هذا الفنان الكبير، بعد فيلم «الأزمنة المعاصرة»، حيث قدم على أنه «عدو» لأمريكا وللرأسمالية والإمبريالية، ووضعت في الفترة ذاتها «لوائح سوداء» للسينمائيين وكتاب السيناريو ومُنِع ممثلون من ولوج أستوديوهات هوليود... وهذا يسقط على بعض الفنانين الذين انتقدوا العدوان الإسرائيلي على فلسطين، إذ تم تشويه صورهم من طرف اللوبي الصهيوني وتم تهديدهم ب«القتل الرمزي» وبالطرد من هوليود، دون أن نتحدث عن بلداننا، فكل واحد «يغرد خارج السرب» ويحاول «التعبير» الفني عن مخالفته السلطة، «يُحاسَب» بقسوة إلى درجة استبعاده ومحاربته وتسخير وسائل الإعلام السلطوية لتشويه صورته.. فإسبانيا «الفرنكوية» مثلا، أعادت إنتاج محاكم تفتيش إيزايبلا الكاثوليكية.. ورغم هذه المضايقات والتهديد والمنع وتشويه صورة الفنان، فإن الأخير لا يجب أن يستسلم، لأن الجمهور هو «السيد» الحقيقي، إذ لم يمنع هذا فنانين إسبانيا في المنافي (منافي الداخل) من تقديم شهاداتهم عن عصرهم بأعمال فنية، فتحولت لوحة «غرتيكا»، لبابلو بيكاسو»، إلى رمز خالد لدور الفنان في سنوات القهر والطغيان، وبيكاسو نفسه كانت له مواقف وتصريحات وكان دائما مسانِدا لحقوق الشعب الإسباني ولحقوق كل الشعوب... عندما سخر بزيز من مبارك وبنعلي وتساءل أحمد السنوسي: «كيف ينبغي أن يكون موقفي، كفنان مواطن، وأنا أرى مبدعين أمريكيين وأوربيين وأفارقة ينتفضون ضد الحرب التي شنها المجرم جورج بوش في العراق وأفغانسان، بمشاركة الدول العربية، وعلى رأسها نظام مبارك المخلوع؟ وماذا سيكون موقفي وأنا أتابع أعمال المخرج الأمريكي مايكل مور، التي تصدّت لمَواطن الخلل العميق في المجتمع الأمريكي وسياسة بلاده، القائمة على التسلط؟.. الفنان يتتبع مواطن خلل مجتمعه ويمكن أن ينقل السياسة الظالمة إلى بلده عبر عمل إبداعي... فنان ملتحم بقضايا الجماهير ولعل السؤال الذي يطرحه الفنان أحمد السنوسي يستدعي «ترسانة» من الأجوبة، ولكنه يصر على مواقفه المساندة لقضايا وطنه، مع حرصه على أن يقترن ذلك بضبط أدوات اشتغاله وتمكنه من أدوات العملية الإبداعية، مضيفا في هذا الصدد: «يطلق علي البعض «فنان الشعب»، ومع اعتزازي بذلك، فإنني أفضل صفة «فنان مغربي»، إلا أنه على العكس من ذلك، أؤكد أن الشعب هو المبدع الحقيقي، فهو مُلهِمي، بدءا بوالدتي، جيراني وأبناء الدرب.. هي مرحلة تعلمت فيها الكثير ونقلت ذكرياتها إلى عروضي الفنية، فالشعب هو الخزان الذي لا ينضب»... ويقول السنوسي إن «إقصاءه» وتغييبه مجرد نقطة في بحر المشاغل الشعبية الشاسع، ف«قضيتي ذابت وسط قضايا الشعب ولم تعد بالنسبة إلي من الأولويات، فمتى أفلح الشعب في تحقيق التغيير والحرية، فإنني سأعانق ذلك النصر الثمين كثمرة ناضجة لنضالات مريرة خاضتها الجماهير على كافة الواجهات».. ولهذا، كان طبيعيا أن يكون من الأوائل الذين ساندوا «حركة 20 فبراير»، وهو الفنان الذي طالما اصطف إلى جانب المعطلين (وليس العاطلين) والمعتقلين السياسيين وكل ضحايا التعسف والقمع. ويتابع السنوسي قائلا، في بوحه الجميل ل«المساء»: «ما ينبغي التأكيد عليه هو أننا نعيش في مرحلة تتسم بتسارع وتيرة التاريخ، وهذا الانتقال إلى السرعة القصوى فاجأ الجميع، بما في ذلك النخب الوطنية والدولية، وفاجأ حتى من تتجسد مهمتهم في «رصد» التغييرات المحتمَلة، انطلاقا من كون السياسة هي فن التوقع... لقد ظلت نخبنا، لمدة طويلة، «تتفرج» على أحداث الآخرين، عاملة بالمثل الفرنسي القائل: «ça n'arrive qu'aux autres»، متناسية بذلك أنه من المستحيل إيقاف مجرى التاريخ، الذي هو كالنهر الجارف، لا يعود أبدا إلى منبعه... والخلاصة لما حدث ويحدث وسيحدث لاحقا أن الشعوب ليست كالزلازل والبراكين يمكن رصدها عبر سلم «ريشتر» أو سلم «ميركالي»، فهي لا تخضع لمقاييس أجهزة الرصد، وكل فرد في داخله «بركان»، ولا أحد يمكن أن يتوقع أين ومتى «سينفجر»، فلماذا الاستمرار والإمعان في تحقير الناس وإقصائهم وتهميشهم وتعطيل الكفاءات الشبابية، في مغرب تتفرج فيه الأغلبية المسحوقة والمعوزة على ثراء الأقلية الفاحش وغير الشرعي»؟!...
الفنان الساخر ينتقد مهاجميه في الوقت الذي اعتبر الفنان الساخر أن الفنانين التونسيين والمصريين الذين ساندوا الثورة، وقفوا إلى جانب شعبهم وأوصلوا «رسالة»، في كل الأحوال، عرفت طريقها إلى حيث يجب أن تصل، استغرب ممن يهاجم الفن الساخر في المغرب، عوض مهاجمة من يضيق صدرهم عن تقبل ذلك الفن، عكس ما يقع في بعض الدول التي أنضجت مسيرتها الديمقراطية وأقرت الحق في الاختلاف والحق في النقد وفي مجتمع تتفاعل فيه مختلف الآراء والأفكار، بعيدا عن أي رقابة قبيلة أو بعدية لوسائل الإعلام العمومي، التي تعاني في «الحالة» المغربية، من وضع شاذ، إلى درجة تحولت معها القنوات، التي يمولها دافعو الضرائب، إلى وسيلة «تعذيب»، لهذا أصبح المغاربة يمولون وسيلة تعذيبهم!... وأتعجب ل«المسيطرين» على قطاع الإعلام العمومي، الذين ما زالوا يعيشون في عصر ما قبل ثورة الاتصالات والمعلوميات، حيث ما زالوا يطورون منطق المنع والإغلاق. وقد نتج عن ذلك وضع شاذ لتلفزة أحادية الصوت وأصبح شعارها «لا صوت فوق صوتي»، رغم أن صوتها غير موجود وغير مسموع، لكنْ ترفع «سوطها» في وجه كل رأي مخالف، وفي وجه الشعب، فثورة الاتصالات جعلت العالم «قرية صغيرة»، فقد كان ممكنا أن يبيد ديكتاتور شعبه بالكامل، دون أن ينتبه إليه العالم، لكن هذا انتفى الآن، لأن أي ظلم أو خرق لحقوق الإنسان يُبَثّ ثوانيَّ بعد وقوعه، وكل أنحاء العالم تطالها «سلطة» كاميرا الهاتف المحمول، التي تنقل الأحداث إلى العالم... أقول إن المنع والإغلاق لم يعودا ضمن منظومة «الحلول»، كما أن الحوار من أجل الحوار ليس حلا، وإنما مجرد مناورة لربح الوقت وإطالة عمر القهر، فقد أصبح لدينا أناس «حرفتهم» هي الحوار الأبدي، يواصلونه إلى أن يتقاعدوا، فيما الحوار لم يسفر عن أي نتيجة، والسبب أن هناك من يسري في دمهم الرأي الوحيد والأوحد ويؤمنون بالحلول السهلة، من قبيل «الإغلاق»... وبلغة ساخرة، يتابع السنوسي: «طيب، أغلقوا ما تشاؤون، لكن ما بديلكم؟ ها هو «إعلامكم» الممسوخ، الذي توفرونه للجمهور، في الوقت الذي «يهاجر» الجمهور المغربي، بعيونه، إلى فضاءات الله «الواسعة»، في عصر صنعت فيه ثورة المعلوميات والاتصال وعيا جديدا يتناقض مع عقلية «نوضو تْركدو»... هناك جيل جديد قالوا عنه إنه عازف عن الانخراط السياسي والحزبي وإنه لا يعرف طريقا إلى مكاتب التصويت، لكن الحقيقة هي أن هذا الجيل من الشباب المغربي قاطع انتخابات 2007 بوعي وسبق إصرار (التي سخر منها السنوسي، في وقت سابق، خلال عرض «ألفين وشبعة: شبعة وُعودْ، شبعة عْمود، شبعة انتظاراتْ)...