من تندرارة إلى الناظور.. الجهة الشرقية في قلب خارطة طريق الغاز بالمغرب    هولندا.. تحقيقات حكومية تثير استياء المسلمين بسبب جمع بيانات سرية    شبكات إجرامية تستغل قاصرين مغاربة في بلجيكا عبر تطبيقات مشفرة    هولندا تقرر تمديد مراقبة حدودها مع بلجيكا وألمانيا للتصدي للهجرة    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" ببني شيكر.. والدرك يفتح تحقيقات معمقة    أخنوش يمثل أمير المؤمنين في مراسم جنازة البابا فرانسوا    البرغوثي في مؤتمر الPJD: استشهد أو جرح من سكان فلسطين 10%... تخيلوا أن يحدث ذلك لدولة عربية    بنهاشم يقود أول حصة تدريبية للوداد    تتويج الفائزين في مباريات أحسن رؤوس الماشية ضمن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2025    كرانس مونتانا: كونفدرالية دول الساحل تشيد بالدعم الثابت للمغرب تحت قيادة الملك محمد السادس    المغرب يحرز 5 ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول من النسخة ال46 لبطولة إفريقيا للجيدو    جلالة الملك يهنئ رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة بالعيد الوطني لبلادها    بدء مراسم تشييع البابا فرنسيس في الفاتيكان    اعتذار على ورق الزبدة .. أبيدار تمد يدها لبنكيران وسط عاصفة أزمة مالية    ولاية أمن الدار البيضاء توضح حقيقة فيديو أربعة تلاميذ مصحوب بتعليقات غير صحيحة    ماذا يحدث في بن أحمد؟ جريمة جديدة تثير الرعب وسط الساكنة    مناظرة تحدد ملامح جمهور المستقبل    بنكيران: لا أرشح نفسي لقيادة "العدالة والتنمية" .. والقرار بيد المؤتمرين    المرتبة 123 عالميا.. الرباط تتعثر في سباق المدن الذكية تحت وطأة أزمة السكن    انطلاق المؤتمر الوطني التاسع ل"البيجيدي" وسط شعارات تطالب بإسقاط التطبيع    المعرض الدولي للنشر والكتاب يستعرض تجربة محمد بنطلحة الشعرية    لقاء يتأمل أشعار الراحل السكتاوي .. التشبث بالأمل يزين الالتزام الجمالي    الشافعي: الافتتان بالأسماء الكبرى إشكالٌ بحثيّ.. والعربية مفتاح التجديد    شوكي: "التجمع" ينصت إلى المواطنين وأساسه الوفاء ببرنامجه الانتخابي    المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة يبدأ تحضيراته الأخيرة لكأس إفريقيا بمصر    توقعات أحوال الطقس لليوم السبت    مصدر أمني ينفي اعتقال شرطيين بمراكش على خلفية تسريب فيديو تدخل أمني    كيوسك السبت | القطب المالي للدار البيضاء الأول إفريقيا وال 50 عالميا    فليك: الريال قادر على إيذائنا.. وثنائي برشلونة مطالب بالتأقلم    سيرخيو فرانسيسكو مدربا جديدا لريال سوسييداد    مؤتمر البيجيدي: مراجعات بطعم الانتكاسة    الصين تخصص 6,54 مليار دولار لدعم مشاريع الحفاظ على المياه    الهلال السعودي يبلغ نصف نهائي نخبة آسيا    فعاليات ترصد انتشار "البوفا" والمخدرات المذابة في مدن سوس (فيديو)    وثائق سرية تكشف تورط البوليساريو في حرب سوريا بتنسيق إيراني جزائري    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    من فرانكفورت إلى عكاشة .. نهاية مفاجئة لمحمد بودريقة    أخنوش يمثل جلالة الملك في جنازة البابا فرانسوا    مجلس جهة طنجة يشارك في المعرض الدولي للفلاحة لتسليط الضوء على تحديات الماء والتنمية    جريمة مكتملة الأركان قرب واد مرتيل أبطالها منتخبون    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    قطار التعاون ينطلق بسرعة فائقة بين الرباط وباريس: ماكرون يحتفي بثمرة الشراكة مع المغرب    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    مذكرة السبت والأحد 26/27 أبريل    مهرجان "كوميديا بلانكا" يعود في نسخته الثانية بالدار البيضاء    على حمار أعْرَج يزُفّون ثقافتنا في هودج !    الملك يقيم مأدبة عشاء على شرف المدعوين والمشاركين في الدورة ال 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رد بخصوص النبوة المحمدية في التوراة
نشر في هسبريس يوم 29 - 04 - 2017

اسمح لي، في البداية، بأن أقول لك بأنني ما كنت لأرد على مقالك الذي عنونته ب"بشارة محمد ﷺ في الكتب المقدسة" (المنشور يوم الثلاثاء 18 أبريل 2017) لو أنك لم تذكر اسمي في سياق ردك عليّ؛ فأنا لست داعية مسيحيا كما تعلم، ولا مُثقفا من المثقفين الجدد كما يدعي البعض كذلك، بل أنا مجرد مستفز للميولات المعرفية وفاضح للإدلوجة المستترة بعباءة الدين والتدين، ومنتقد صمت وكتمان ما يعلمُه هؤلاء الإيديولوجيون من حقائق بخصوص هذه المسألة التي عالجناها في خمسة مقالات عبر هذا المنبر المتميز (هسبريس).
نريد، من خلال هذه المقالات، أن نفكر سويا بطريقة ذكية؛ لأن التفكير بطريقة ذكية في العشيرة العلمية يؤدي إلى حلول بعض الإشكاليات العالقة.. فدعنا نفكر، صديقي الباحث، بطريقة ذكية؛ لأن عقولنا لم تتدرب على إنتاج الأفكار "المفاهيم" (concept)، حسب اللغة اللاتينية، التي تعني أيضا "الحمل الذي للولادة"..
دعنا ننتج المفاهيم؛ لأن عقولنا عقيمة لا تفعل شيئا غير كونها تلتفت يمينا وشمالاً باحثة عن موضوع تنفث سمومها فيه بالنقد الذي صار أرخص مهنة لمن يريد النقد، بدون استعمال آليات الحوار والجدال البناء.. إنه الإنسان المَوْتور الذي لم يستفد كثيرا من توفره على عقل عملي وعلمي.
لقد انتقلت من النزعات العقلانية بالتراث الإسلامي والمذاهب الإسلامية، صديقي محمد أكديد، إلى حقل معرفي ليست لك دراية به؛ وهو مقارنة الأديان، حيث إنك تقول إن عبارة "تَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ" التي أتت بالتثنية (33: 2) إنها نبوة عن نبي الإسلام؛ وهو ما حذا بنا أن ندحض هذه الدعوى.. فما لا تعلمه، صديقي الباحث، وأمثالك من الباحثين المجتهدين أن مفردة "ظهر" هي بصيغة الماضي؛ فلو أن سفر التثنية استعمل صيغة المُستقبل "سوف يظهر في جبل فاران"، لقلنا ربما هناك رأي ما يجب الانتباه إليه، لكن استخدام صيغة الماضي "ظهر" يبرهن أن هذه العبارة تصف حدثاً مضى، وهو التجلي بسيناء.. فحين كان الله موشكاً أن يكشف عن ذاته في سيناء لم ينزل النور السماوي على نحو مفاجئ وكأنه صاعقة، بل هبط بلطف كاشفاً عن نفسه تدريجياً من قمة أحد الجبال ثم إلى الآخر، حتى وصل إلى موضع إقامته في سيناء. وهذه الفكرة متضمنة في الفقرة: "جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ:" (التثنية 33: 2)..
لاحظوا جيداً أن تعبير "لهم" يشير إلى إسرائيل، وانظروا أيضاً إلى الوصف الدقيق في قوله أنه "ظهر" من فاران لأنه الأكثر بعداً، ولأن سعير أكثر قرباً قال "أشرق"، وسيناء الذي كان الوجهة الذي حل به المجد، قيل :"وَحَلَّ مَجْدُ الرَّبِّ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ" (الخروج 24: 16)، "جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ" (التثنية 23: 2).
وهكذا، وصفت القاضية دبورة الوحي من سيناء بأن النور تمشى رويداً رويداً من جبل إلى جبل، فقالت: "يَا رَبُّ بِخُرُوجِكَ مِنْ سِعِيرَ، بِصُعُودِكَ مِنْ صَحْرَاءِ أَدُومَ، الأَرْضُ ارْتَعَدَتِ. السَّمَاوَاتُ أَيْضًا قَطَرَتْ. كَذلِكَ السُّحُبُ قَطَرَتْ مَاءً، تَزَلْزَلَتِ الْجِبَالُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ، وَسِينَاءُ هذَا مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ" (قضاة 5: 4 - 5).
وأما استدلاله بقوله: "يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لَهُ تَسْمَعُونَ." (التثنية 18: 15)، والقول إن البعض ألبس عليهم ذلك، وبعضهم زالت عنه الشبهة بقوله: "من وسطك"، وأن لولا قوله: "من وسطك من إخوتك"، لكان ذلك دليلاً. وهنا، ينبغي أن نستعمل أذهاننا ونفهم ما يقوله الكاتب، ولنتذكر أنه لا حق لنا في أخذ مقطع عن سياقه واستدلال نتائج منه، فعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار العبارات والجمل السابقة واللاحقة كي نسبر أغوار المعاني التي يقصدها الكاتب قبل أن نقوم بأية استقراءات؛ فلو كان الأمر على غير ذلك النحو، لبدا ممكناً حتماً أن الكتاب المقدس حظر طاعة أي نبي، وحرم الإيمان بالمعجزات، وذلك عن طريق الاستشهاد بالفقرة الكتابية "وتعبدوا آلهة أخرى"، ويمكن تقديم أمثلة توضيحية أخرى كثيرة، فمن الخطأ تفسير آية بعينها بمعزل عن سياقها.
ومن أجل أن نستوعب على نحو مُطلق الفقرة أو الآية التي هي موضوع مقالنا هذا، أي "يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلي"، من الضروري أن نتحقق من سياقها؛ فبداية المقطع الذي تأخذ الآية منه، تتضمن تحريماً لأعمال الكهانة والعرافة والتنبؤ والتنجيم والسحر والتعويذ وما شابه... فهذه الأمور يؤمن مجاورو الشعب الإسرائيلي القديم أن بإمكانهم التنبؤ بمسار الأحداث المُستقبلية، وأخذ التدابير الوقائية الضرورية تحسباً لها.. وحيث إن الرب حذر الشعب الإسرائيلي القديم من أن يتعامل بهذه الأساليب، حيث قال له إن الآخرين يعتقدون أنهم يعرفون ما سيحصل قبل وقوعه بهذه الطرق، أما أنت فليس عليك محاكاتهم ومعرفة المُستقبل بهذه الطرق، إنما النبي الذي سأقيمه لكم سينبئكم بما هو عتيد، وسوف تصيب كل أقواله ولن يخيب أيَا منها، وهكذا ستعرفون المُستقبل دون الالتجاء إلى أعمال الكهانة والعرافة والتنبؤ والتنجيم والسحر والتعويذ وما شابه.
إن معنى قوله "وسطك" يعني من بينكم، أي هذا النبي يكون منكم.. أكثر من ذلك، فإن كلمات "من وسطك، من إخوتك، مثلي" تعبر عن فكرة مفادها أنه سيكون واحداً منكم، أي يهودياً. وقد أضيفت كلمة "مثلي" تحديداً لتعني أن نسل يعقوب هم وحدهم المعنيون بالأمر. أما عبارة "من إخوتك" بحد ذاتها فربما أنه أسيء فهمها، إذ اعتبر أنها تشير أيضاً إلى عيسو وإسماعيل، حيث نجد أن إسرائيل يخاطب عيسو بالأخ، كما على سبيل المثال في الآية: "هكَذَا يَقُولُ أَخُوكَ إِسْرَائِيلُ" (العدد 20 :14). يرى بعض الباحثين الإسلاميين بعد أن حذفوا الآيتين الأولى والثانية: "ستكون كاملاً لدى الرب إلهك، إن هؤلاء الأمم الذين تخلفهم يسمعون للعائفين والعرافين وأما أنت فلم يسمح لك الرب إلهك هكذا"، واكتفوا فقط بالآيات التي تبتدئ بقوله :"أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك"، أن النبي المقصود في هذه النبوة هو نبي الإسلام محمد، وليس الرب يسوع المسيح حسب القراءة المسيحية، وقد بنوا قراءتهم على الافتراضين التاليين:
1- أن الإخوة المقصودين في العبارة "من وسط إخوتهم" هم العرب بنو إسماعيل 1
2- أن الله سيضع كلامه في فم النبي الموعود، "و أجعل كلامي في فمه"، وهي إشارة إلى ذلك النبي العربي.
إن هذه النبوة تتكلم عن مجيء الرب من سيناء وإشراقه من سعير، وتلألؤه من فاران، فقبل موت موسى النبي أخذ يبارك أسباط إسرائيل الاثني عشر ويذكرهم بأعمال الله العظيمة التي عملها معهم طوال رحلة الخروج من مصر، ويعرفهم بماهية الرب "يهواه"، مانحا البركة، وهذا ما تحدث عنه الإصحاح الثالث والثلاثون بسفر التثنية عن البركة الفردية الخاصة بكل سبط من أسباط بني إسرائيل الاثني عشر، إذ يبدأ الإصحاح بقوله: "وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته فقال: "جاء الرب (يهوه) من سيناء وأشرق (يهوه) لهم من سعير، وتلألأ (يهوه) من جبل فاران وأتي من ربوات القدس ("مربيبوت قودش" باللغة العبرية)، وعن يمينه نار شريعة لهم" (التثنية 33: 1 - 2) وموسى النبي في هذه الفقرات الكتابية يذكر بني إسرائيل بتجلي الله لهم في رحلة الخروج من مصر إلى أرض كنعان بهذه المناطق الثلاث التي تقع جميعها في طريق هذه الرحلة، أي فيما بين مصر وفلسطين. ومن ثمّ، فهي لا تمثل نبوة مُستقبلية ولا تشكل بركة قادمة، وإنما تذكر بعمل الله معهم طوال رحلة الخروج التي استمرت أربعين سنة. وهذا أسلوب معتاد في الكتاب المقدس يذكر الله به شعبه مؤكدا أنه إله حي، يتدخل في التاريخ ويظهر نفسه لهم.. وعلى سبيل المثال، يقول المرنم "لأَنَّهُ هُوَ إِلهُنَا، وَنَحْنُ شَعْبُ مَرْعَاهُ وَغَنَمُ يَدِهِ. الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ، فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي مَرِيبَةَ، مِثْلَ يَوْمِ مَسَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ، حَيْثُ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمُ. اخْتَبَرُونِي. أَبْصَرُوا أَيْضًا فِعْلِي." (مزمور 95: 7 - 9)، ومريبة في سيناء هي المكان الذي تمرد فيه الشعب على موسى وهارون، وأظهر الله مجده بأن أخرج لهم من الصخرة ماء "هذَا مَاءُ مَرِيبَةَ، حَيْثُ خَاصَمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الرَّبَّ، فَتَقَدَّسَ فِيهِمْ" (العدد 20 : 13).
ويقول الكتاب عن تجلي الرب (يهوه) لهم في سيناء: "وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ، وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ الأَتُونِ، وَارْتَجَفَ كُلُّ الْجَبَلِ جِدًّا، فَكَانَ صَوْتُ الْبُوقِ يَزْدَادُ اشْتِدَادًا جِدًّا، وَمُوسَى يَتَكَلَّمُ وَاللهُ يُجِيبُهُ بِصَوْتٍ، وَنَزَلَ الرَّبُّ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ، إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ، وَدَعَا اللهُ مُوسَى إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ. فَصَعِدَ مُوسَى." (سفر الخروج 19 : 18 – 20).
لقد تكلمت، صديقي الباحث، عن منطقة "فاران" التي ذكرت عدة مرات بالعهد القديم، قائلاً بأنها نبوة عن نبي الإسلام؛ لكنك لم تعطينا الموقع الحقيقي لفاران - فأين هو الموقع الحقيقي لفاران؟
بالرغم من وضوح المعنى والقصد في الفقرات الكتابية السابقة، فإن بعض الكتاب من الإخوة المُسلمين (الأحمديين) الذين استقيت منهم معلوماتك قالوا إن "مجيئه من سيناء يعني إعطاءه التوراة لموسى، وإشراقه من سعير يعني إعطاءه الإنجيل للمسيح، وتلكؤه من فاران يعني إنزاله القرآن على نبي الإسلام، لأن فاران من جبال مكة" 2. ويقولون أيضاً إن إسماعيل قد نشأ في برية فاران (التكوين 21: 21). ومن المعلوم تاريخياً أنه نشأ في مكة المكرمة في الحجاز 3.
وقد اختلف هؤلاء الكتاب والباحثون في تحديد موقع فاران ولم يتفقوا على شيء؛ فقد قال رحمة الله الهندي، وهو بالمناسبة أحد المُنظرين لنبوة نبي الإسلام من خلال التوراة، إن فاران جبل بمكة "استعلانه من جبل فاران تعني إنزاله القرآن، لأن فران جبل من جبال مكة"، هكذا دون توثيق! وقال محمد الشرقاوي إنها بلاد الحجاز نفسها، "فاران هي بلاد الحجاز التي هاجر إليها إبراهيم وولد فيها النبي" 4، ولم يذكر لنا خريطة تدل على ذلك! ولما وجد إبراهيم خليل أحمد أنه لا يوجد لا جبل ولا بلد في بلاد الحجاز تُسمى باسم فاران قال إنها مجرد مجاز "فاران مجاز عن الأرض التي سكن فيها جد الرسول الكريم سيدنا إسماعيل". وعندما وجد حجازي السقا هذه الاستنتاجات غير مجدية، فقد حاول تأويلها بقوله إن فاران سُكنى بني إسماعيل، وحيث إن إسماعيل له بركة، وقد ظهر في بني إسماعيل نبي في مكان سُكناه وانتشر دينه شرقاً وغرباً، فيكون المعنى بالتلألؤ من جبل فاران يُشير إلى بدء بركته 5! وقال بشيري زخاري إنها برية من جبال مكة "فاران برية من ثلاثة جبال بمكة هي أبو قيس وقيعان وجبل حراء، وفيها سكن إسماعيل" 6! وليته يدلنا على خريطة واحدة أو مرجع واحد يثبت صحة زعمه! وقال أبو عبيد الله القضاعي، في كتابه "تخطيط مصر"، إن: "فران، والطور كورتان من كور مصر القبلية، وفاران من قرى صفد سمرقند ويُنسب إليها منصور الفاراني"، ولم يقل هنا إن فاران جبل بمكة إلا ياقوت في كتابه "المُشترك وضعاً والمختلف صقعاً"، إذ يشير إلى أن "فاران اسم جبال مكة، وقيل اسم جبال الحجاز".
وبالرجوع إلى ما كتبه حجازي السقا في كتابه "نبوءة محمد"، أنه ينقل عن ابن تيمية قوله: "وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أن فاران هي مكة" 7. وهنا نسائل الناقل والمنقول عنه - متى وأين وفي أي مرجع قال أهل الكتاب أن فاران هي مكة؟.
يقول المُسلمون: "نزل جبرائيل بالقرآن الكريم على قلب محمد ليكون من النبيين"، أليس هذا تصديق لنبوة موسى "وأجعل كلماتي في فمه". ويرى أيضاً هؤلاء المُسلمون أن أسلوب كلام القرآن وطريقة نطقه وجمله وكلماته وحروفه كلها من كلام الله باللفظ والمعنى؛ فالقرآن بالنسبة إليهم هو الكتاب الوحيد الذي تنطبق عليه هذه الصفة 8. وقال البعض مُستشهدين بما جاء في التثنية (34: 10) :"وَلَمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى الَّذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهًا لِوَجْهٍ،"، وقد نقلها كاتب إضمار الحق 9،"ولم يقم بعد ذلك" 10، مضيفا كلمة "ذلك". كما نقلها بعض القدماء مُحرفة هكذا "لا يقوم في بني إسرائيل نبي مثل موسى" 11، لتوحي بأنه لن يخرج من بني إسرائيل نبي مثل موسى، وبالتالي يكون المقصود هو نبي المسلمين، وليس المسيح الذي جاء من بني إسرائيل، وقالوا "لو كان المراد بهذه النبوة المسيح لقال: أقيم لهم نبياً من أنفسهم".
ويضع هؤلاء المُسلمون بعض المماثلات بين موسى وبين نبي الإسلام، وهي كالآتي:
- كان لكل منهما والدان (أب وأم)، أمًا المسيح فله أم وليس له أب بشري.
- ولد كلُ منهما ولادة عادية بالأسلوب الطبيعي، ولكن المسيح خُلق بالقدرة الإلهيًة المميزة.
- كل منهما تزوج وأنجب ذرية وكان له عائلة، أما المسيح فلا.
- بدأ كلُ منهما رسالته في سن الأربعين، أما المسيح فقد بدأ رسالته في سن الثلاثين 12.
- كان كل منهما مُسلَماً به كنبي من شعبه، أما المسيح فقد رفضه اليهود.
- كان كل منهما نبياً وزعيماً وقائداً لمعارك حربية، وكانت لهما السلطة التنفيذية.
المراجع:
1- انظر كتاب "إظهار الحق" للشيخ رحمة الله الهندي / المجلد الثاني (ص 199 – 200).
2- انظر كتاب "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" لابن تيمية / المجلد الثالث (ص 3000) و"الكنز المرصود في قواعد التلمود" تقديم: أحمد حجازي السقا (ص 86 – 89).
3- نبوءة موسى عن البركة الموعودة في أرض فاران" منفذ بن محمود السقار.
4- محمد الشرقاوي، كتاب "محمد في بشارات الأنبياء" (ص 24).
5- نبوءة محمد لحجازي السقا (ص 63 – 64).
6- بشري زخاري في كتابه "محمد رسول الله" (ص 63).
7- للاستزادة من ما قلناه هنا، المرجو العودة إلى كتاب "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" لابن تيمية / المجلد الثالث (ص 300).
8- انظر كتاب "القرآن المجيد على ما جاء في العهد القديم والجديد" مهما محمد فريد (ص 71 – 72).
9- الكاتب الهندي إظهار الحق، تعمدنا هنا تحوير اسمه ليرى للقارئ كما عرفناه من خلال كتاباته المضمرة لحقيقة المسيحية.
10- انظر كتاب "إظهار الحق" للشيخ رحمة الله الهندي / المجلد الثاني (ص 202).
11- انظر كتاب "هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى" لابن القيم الجوزية / دار القرآن (ص 71).
12- كلم الرب موسى وهو ابن الثمانين، حسب سفر الخروج.
* عضو المكتب التنفيذي لمركز الدراسات والأبحاث الإنسانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.