أصدر المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تقرير حول " التربية على القيم بالمنظومة الوطنية للتربية و التكوين والبحث العلمي"، في الاسبوع الماضي، و هو التقرير الذي يحمل رقم (-1-17) ، ويعتبر كإحالة ذاتية، أي أن المجلس هو الذي بادر إلى إخراج هذا التقرير. وللإشارة فقط، فقد حظي بمتابعة إعلامية مهمة، حيث برمجت قناة "ميدي أن تيفي" وراديو "ميدي ان" حلقة "سؤال الساعة" لمناقشة خلفيات ومضامين التقرير وأهم التوصيات التي تفرعت عنه. وقد كنت من بين المدعويين لتقديم وجهة نظري في الموضوع، لكن بالنظر للحيز الزمني المخصص للحقلة، ونظرا لأن التقرير حمل الجديد، ويفتحنا على نقاش أوسع وممتد، أحببنا أن نساهم كتابة تجلية لبعض القضايا النقدية في التقرير، هذا مع التشديد أنها قراءة أولية وسريعة وتفاعلية نظرا لأهمية التقرير من جهة، ورغبة في استثارة نقاش أوسع مع بقية الفاعلين. من الناحية الشكلية، فإن التقرير، جاء مقسما على مقدمة عامة، وقسيمين، و توصيات. ففي المقدمة العامة، كان هناك حديث عن أهمية التربية على القيم، ودورها في المنظومة التربوية والتكوينية والعلمية، هذا علاوة على تحديد تعريف إجرائي لمفهوم القيم، بالإضافة إلى الحديث عن مختلف السياقات التي حفزت المجلس على إصدار التقرير. أما القسم الأول فقد خصص لبسط الواقع والتحديات، التي تعترض المنظومة القيمية، وكذا بعض المكتسبات التي تحققت في السنوات الأخيرة في هذه المنظومة. في حين حمل القسم الثاني، المبادئ الموجهة للتقرير، وكذا اهم المجالات التي وجب التفكير فيها لتقوية المنظومة القيمية بالمدرسة المغربية. أولا على مستوى مفهوم القيم و الخلفيات والسياق و الدواعي: 1-مفهوم القيم نعتقد أنه لا حاجة للوقوق في هذه القراءة عند تكرار ما جاء في التقرير، خصوصا في الحديث عن أهمية التربية على القيم في المنظومة التربوية، فهو من المسلمات والبديهيات التي لا يمكن أن يشكك أو يعترض عليها أي أحد. هذا علاوة على أنه ليس بحديث جديد في الحقل التربوي، فموضوع القيم، كان دائما حاضرا بشكل أو بآخر، في تقارير سابقة للمجلس، أو عند هيئات ومؤسسات وطنية ومدنية أخرى (المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تقرير الخمسينية، المعهد الملكي للأبحاث الاستراتجية، المركز المغربي للابحاث والدراسات المعاصرة...). بيد أن الذي يهمنا في هذه الوقفة، هو التحديد الاجرائي لمفهوم القيم، والذي انتهجه واضعوا التقرير. إذ كما يعلم الباحثون المتخصصون في موضوع القيم، أن أول إشكالية تواجهم هو القدرة على بلورة مفهوم إجرائي وعام وشامل وواضح وجامع للقيم، -خصوصا إذا ما استحضرنا التحيزات الايديولوجية التي تتعاطى مع هذه المفاهيم ومع ما يستتبعها من مرجعيات وخلفيات- وهنا يمكن أن نشير إلى أن القيم عند البعض، قد يحصرها فيما هو ديني مستمد من الدين الاسلامي، والبعض الآخر، قد يجعلها مرتبطة بالقيم الكونية والعالمية والحداثية فقط، في حين قد يذهب البعض إلى تجميعها في خليط لا متجانس من القيم المحلية والاقليمية والكونية. لكن بالتدقيق في التقرير، نجد أن واضعي التعريف، استحضروا مختلف هذه الحساسيات، وتواضعوا على تعريف محدد، حيث اعتبروا "أن القيم تفضيلات جماعية ومعيارية، تحيل على أساليب الوجود والتصرف، يرى فيها الأفراد أو الجماعات مثلا عليا... ، وهي تأخذ بعدا ثلاثيا: الأول معياري والثاني سلوكي، والثالث عملي". ولعل قراءتنا لهذا التعريف، هو ما يجعنا نستنتج أنه تعريف منهجي وعملي أكثر منه تعريف مخرق في "التقليداوية" أو "الاخلاوقية"، لأن تعبير "تفضيلات" هو تعبير سبق أن استعمله معدوا تقرير "البحث الوطني حول القيم الصادر في تقارير الخمسينية" وهو تجنيب المفهوم أية حمولة أخلاقوية أو دينية كما قد يتبادر للبعض. وربما أن هذا المفهوم قد اثار وسيثير عدة نقاشات أثناء تنزيل الرؤية. من جهة ثانية، فإن الملاحظة الأخرى التي تستحق التوقف، هو الحديث عن مرجعيات وروافد القيم، هل هي مرجعية دينية محضة؟ أم أنها تقليدية تراثية؟ أو تاريخية؟ أم حقوقية كونية؟ أم اقليمية ومحلية؟ في اختياره (التقرير) لتحديد هذه المرجعيات، نقرأ ما يلي: "تنهل القيم من مختلف مرجعيات المجتمع الدينية والتاريخية والسياسية والثقافية والحقوقية، ومن روافده المحلية والوطنية والاقليمية والعالمية". إن هذا التحديد، يحيلنا على إشكاليتين: الأولى، وهي أنه عام وفضفاض بحيث يجد فيه كل طرف ذاته على شاكلة التوافق الذي حظي به الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وأيضا وثيقة الدستور. أما الاشكال الثاني والمتفرع عن الأول، وهو مختلف التأويلات التي قد تعطى لهذه المكونات أثناء تنزيل توصيات التقرير، خصوصا ما يتعلق بإعادة النظر في المناهج والبرامج التعليمية والتكوينية، بل وفي المنظور النسقي للمرجعية التربوية برمتها. 2-الخلفيات والسياق و الدواعي: ربما من غير المستغرب أن يتم التفكير في إنجاز تقرير خاص بالتربية على القيم بالمنظومة التربوية، نظرا لحجم التحولات التي عرفها ويعرفها المغرب المعاصر. خصوصا ما تعلق بالوثيقة المؤطرة للمغاربة، وهي الدستور. وقد سبق وأن عبر العديد من الباحثين والمهتمين وأيضا بعض الجهات الرسمية وغيرها، عن ضرورة التفكير في فتح ورش مواءمة البرامج التربوية والمقررات والتكوينات مع روح الدستور، نظرا لما حمله في مبادئ وفصول تؤكد على قيم المواطنة والحرية والمساواة والانصاف بين جميع المواطنين وبين النساء والرجال وفق جدلية الحقوق والواجبات. بيد أهم التحولات التي عرفها المغرب، هو ما يقع في منظومته القيمية الفردية والجماعية والاسرية والعلائقية. فالعديد من المغاربة لم يعودوا متفقين على المنظومات القيمية التي تهيمن عليهم، سواء من طرف الاسرة، أو الدولة أو المجتمع، لانه تبث من خلال استقراء تجارب تاريخية سابقة-، أنه في حالات التحولات والانتقالات، كثيرا ما يتم إعادة تعريف وتحديد القيم المجتمعية والمشتركة، فما كان متفقا عليه بالامس قد لا يصبح كذلك، والعكس صحيح، لأن القيم ليست جامدة ومحنطة بل هي نسبية ومرنة، ومختلف الديناميات المجتمعية هي التي تعيد النظر في مصفوفاتها القيمية بين الحين والآخر. وبالموازاة مع ما سبق، فإن المغرب يعرف ديناميات أخرى، مرتبطة بتدفقات المهاجرين إليه، من أجناس وديانات وإثنيات ومذهبيات مختلفة عنه، وبالتالي كان لزاما إعادة فتح النقاش من جديد في موضوع القيم، بطرح جديد: أية قيم لأي مجتمع؟ وأي مجتمع لأية قيم؟ ثانيا: التربية على القيم إشكالات وتحديات في القسم الاول من التقرير، وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإنه خصص للحديث عن المكتسبات القيمية التي تحققت في المنظومة التربية، كإدماج قيم حقوق الانسان والبيئة في البرامج التعليمية، أو بشكل يفوقه بل ويضاهيه، من إرساء العديد من الهيئات التشريعية والمؤسساتية التي سعت لإدماج حقوق الانسان وقيم المساواة والتربية على المواطنة في المنظومة التربوية وبقية المؤسسات الدولتية المحايثة لها. إلا أنه بالرغم من كل ذلك، فإن واقع التربية على القيم، أفرز العديد من الاشكالات والمفارقات. لعل من بينها، هو "التفاوت بين أهداف البرنامج الدراسي وواقع الممارسة التربوية"، بمعنى أخرى تضخم في الخطاب وضعف في الممارسة. بيد أن أهم ما تم استجلاؤه في التقرير، باعتباره إحدى الإشكالات المزمنة التي لا زالت تعترض المنظومة القيمية في المدرسة المغربية، هو "التعارض وضعف الانسجام بين القيم والمبادئ، وعدم انسجام الاهداف المعلنة والاستراتيجيات التربوية وأجرأتها داخل المقاربة المنهاجية". ولعل هذا الاشكال، هو ما سبق أن تحدثنا عنه في مقالات سبق أن نشرناها في معاينتنا لواقع المنظومة التربوية. إذ ان وجود الغموض أو اللبس أو عدم الانسجام بين مكونات المنهاج وبين تأويل الفاعلين التربويين يفضي إلى نتائج عكسية على التنشئة التربوية للتلاميذ وللمتعلمين وللمواطنين بصفة عامة. وللتوضيح أكثر يمكن ان نعطي مثالا عن النقاش الحاد الذي ساد في الاوساط التربوية بعدما تم إدخال بعض التغييرات والتنقيحات على المنهاج الدراسي للتربية الاسلامية في بداية هذه السنة، خصوصا ما تعلق بوجود نصوص تقدح في تدريس الفلسفة وتشنع على ما يتعاطاها. من جهة أخرى، برزت إشكاليات أخرى، اثناء الممارسة التربوية بالمدرسة المغربية، من قبيل وجود "هوة بين الخطاب حول القيم والحقوق والواجبات، وبين الممارسة الفعلية لها". إذ أن الحاصل أن هناك تطور على مستوى إنضاج وثائق وكتب ومرجعيات ذات مضمون قيمي راق وكوني ومواطن، لكن بالمقابل، تتخلف الممارسات التربوية داخل الفصول وفي رحاب الجامعات ومؤسسات التكوين، عن ذلك، بالاستعاضة عنها بممارسات اقل ما يقال عنها أنها مناقضة لتلك التوجهات. وهو ما يتجلى في استفحال العديد من السلوكات والمواقف والممارسات اللامدنية: كالعنف والتمييز على أساس الجنس والزبونية والمحسوبية والتعصب والانحراف وما إلى ذلك. وبدون شك، فإن الآثار السلبية لكل تلك المواقف والسلوكات، تنعكس على بناء مواطنة حقة وفاعلة ومبدعة وخلاقة، ومنسجمة مع ذاتها ومع مجتمعها ومع الأخر ومع العالم ككل. وجذير بالذكر، ان أهم ما توقف عنده التقرير، هو التأكيد على فشل المنظومة التربوية والمدرسة بصفة خاصة على تحقيق الاندماج الاجتماعي والسياسي والثقافي للعديد من المواطنين المغاربة، وهو تحدي يجد مؤشراته الفاضحة في "ضعف وهشاشة الرابط السياسي والمدني في المجتمع" وفي ارتفاع نسب الهدر المدرسي والجامعي، للرأسمال البشري، بمعنى آخر، أن الوظائف الموكولة للمدرسة –نظريا- التنشئة الاجتماعية والتربية القيمية والتأهيلية، لا تتحقق بهذا القدر أو ذاك. مما يفضي إلى حالة من العجز والتأخر والتخلف الصارخ. ويمكن القول أن التقرير، بإثارته لبعض هذه الاشكالات، يجعلنا نستنتج من خلال قراءتنا الخاصة، أننا أصبحنا نعيش في حالة طلاق، وغياب الاحتضان بين المجتمع والمدرسة "فلا مجتمع يربي المدرسة ولا مدرسة تربي المجتمع". قد يعتبر البعض ممن يطلع على التقرير أنه اتسم بالجرأة في طرحه للاشكالات التي تعترض المنظومة التربوية، لكننا نعتقد عكس ذلك، فكون التقرير يأخذ على عاتقه فتح النقاش في مثل هذه المواضيع، فهو فعلا يقدم خدمة استشارية على قدر كبير من التقدير والتنويه، بيد أن ذلك، لا يمكن أن يحجب عنا الكشف عن المسكوت عنه في التقرير. فكيف يمكن شرح ذلك؟ إذا ما انتهجنا مقاربة نسقية للنظر في تفسير أهم الاسباب التي جعلت المدرسة المغربية تصل إلى مثل هذا الوضع المتردي في وظائفها الاجتماعية والقيمية والتأهيلية، فإننا سنساءل أولا مختلف السياسات العمومية التي انتهجت منذ الاستقلال إلى الآن والتي افتقدت للرؤية الاستراتيجية للنهوض بالقطاع، وذلك يبرز في مستوى التعامل مع المدرسة ونظرة الفاعلين السياسين وعلى رأسها الدولة لهذا القطاع. أضف إلى ذلك، ما وجود واقع سياسي –فعلا هو خارج المنظومة- لكنه مؤثر في مخرجاتها الكلية. هذا الواقع المتسم بالتردد والتخبط في القبول بالمنظومة الديقراطية ككل لا يقبل التجزيء أو التقسيط او التحايل. فالجميع يعلم اننا لا زلنا لم نعانق بعد مستوى الدمقراطية التي تسمح بالقول بأننا مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، وبأن الكل يخضع للقانون. وبأننا بلورنا مفهوما متكاملا وناضجا للمواطن ولفلسفته ولوجوده ولمكانته في الحياة. فلا زال العديد من المغاربة يعانون من التمييز لا على أساس الكفاءة والجدارة، بل على أساس الانتماء الحزبي أو السلطوي أو الاثني أو القرب او البعد من مراكز صناعة القرار. فكيف يمكن أن نقنع تلميذا بأن المغرب بلد حقوق الانسان، وهو يرى ويسمع ويعيش على وقع الخرق الدائم لحقوقه. ولكي أعطي مثالا على ذلك يمكن الاشارة إلى واقعة حدثت في إحدى المدن الصغيرة للملكة، حيث تم التدخل من طرف نيابة التعليم لصالح ابنة عامل الاقليم لكي يتم استقدام أستاذ مادة الرياضيات في التعليم الثانوي ليدرسها في ثانوية غير ثانويته الأصلية، بعدما كان يدرس في مؤسسة أخرى، والحاصل أنه كان قد بدأ يقدم دروسه لهؤلاء التلاميذ بعدما فوجئ الجميع بانتقاله إلى المؤسسة التي تدرس فيها ابنة عامل الاقليم. إن هذه الحادثة وغيرها، يؤشر على نظرة تمييزية للمواطنين، فهناك مواطنين من الدرجة الأولى، وآخرين في الدرجات الثانية والثالثة والرابعة. وعليه، فإن بالرغم من التطور الذي يعرفه المغرب في إرسال نموذجه الديمقراطي، فإنه بالمقابل، لا زال مشدودا ل"هابيتوس" السلطوية والتسلط، مما يفقد في كثير من الاحيان ثقة المواطن في مؤسساته السياسية أو التربوية وعلى رأسها المدرسة. في هذا التحليل المتواضع، قد يعترض علينا البعض، بانه بالرغم من وجود توترات خارج محيط المدرسة، فإنها قد لا تؤثر في العمل الداخلي لها. لكن بالنظر لطبيعة التشابك العلائقي الذي يجمع بين مؤسسة المدرسة وباقي المؤسسات المجتمعية الأخرى، فإن التاثير والتاثر لا محيد عنهما. وبالتالي، فإننا نعتقد أنه لا يمكن أن نحمل المدرسة أكثر مما تطيق، فالقيم التي تبنيها وجب ان تجد لها انعكاسا في الحياة العامة وفي مختلف الفضاءات الأخرى. فالمدرسة تربي المجتمع والمجتمع بدوره يربي المدرسة. هذه هي الجدلية التي نعتقد فيها، وإذا ما أمعنا في التغاضي عن ذلك، فهو ليس إلا وعيا شقيا نوهم به المجتمع. ثالثا: التوصيات و المقترحات يمكن القول، إن التقرير حمل مجموعة من المقترحات والتوصيات الوجيهة و الجديرة بالنقاش المجتمعي، من ذلك، أنه يدعو إلى تغيير في البراديغم الحاكم للتقييم الكلاسكي المعمول به حاليا، والذي يقوم على الاعتبار المعرفي، دومنا القدرة على تقدير وتثمين الجوانب القيمية والسلوكية في تقويم التلاميذ والمتعلمين والطلبة بصفة عامة. وهو في هذه التوصية، إنما يستلهم بشكل أو بأخر، ما توصلت إليه بعض التقارير الدولية (اليونسكو 2015) في دراستها لهذه الاشكالية. لكن السؤال الذي يطرح في هذا السياق، ما هي حدود وممكنات أجراة هذه التوصية، التيي ستقلب منظورنا الكلي للتقويم؟ وما هي الآليات والميكانزمات العملية لتنزيل ذلك؟ من جهة اخرى، يحمل التقرير توصية بإعداد "ميثاق تربوي تعاقدي وطني" يهم بالاساس كافة المتدخلين من فاعلين تربويين وفاعلين نقابين وساسيين وجمعويين. لأنه تبين من خلال بعض التجارب السابقة، أن غياب أو ضعف الاشراك قد يدفع في اتجاه عدم الاحتضان لكل ما يفرز عن هذه التقارير والخطط والبرامج. خصوصا على مستوى إعادة بناء المناهج والبرامج التربوية والتكوينية والعلمية. هذا علاوة على "وضع برنامج وطني وجهوي للتفعيل" وأخيرا، ولعله الأهم في نظرنا –نظرا للطبيعة المركبة للقيم- هو بلورة "إطار مرجعي عام لمنظومة القيم المستهدفة ومجالات التربية عليها". بالاستناد إلى مختلف المرجعيات الوطنية والدولية والاقليمية المتوافق بشأنها بين كافة الفرقاء والفاعلين. لكننا بقدر تثميننا لهذا الاقتراح، والذي من شأنه أن يخفف من حدة التأويلات للمصفوفات القيمية التي يمكن إدراجها في الاصلاح المستقبلي، فإن ذلك ما قد يفتحنا على "معارك" قيمية بين متخلف الفاعلين، خصوصا في القضايا الحساسة والتي تطرح مشاكل على مستوى الأجرأة. كمفهوم المساواة بين الجنسين ومسألة الإرث في الدين الاسلامي، ومسألة الحريات الفردية في مقابل الحقوق الجماعية، ومسألة حرية المعتقد والتدين في مقابل وجود نص واضح يقول بكون المغرب دولة إسلامية وليس بلد مسلم. هذا ناهيك عن وجود مجموعة من التحفظات حول إدراج مفاهيم التربية الجنسية في المدرسة العمومية بنظرة أكثر شمولية وأكثر عمقا مما هو معمول به حاليا. ومسألة تدريس الدين بالمدرسة العمومية، وعلاقته بباقي الاديان والعقائد والمذهبيات الأخرى، هذا إذا استحضرنا أن المدرسة المغربية لم تعد تستقبل فقط أبناء المسلمين بل هناك ديانات ومذهبيات أخرى موجودة بالمدرسة العمومية، ومن حقها أن تدرس الدين أو الأديان بما يتوافق مع منطلقاتها وحقوقها المشروعة. وبطبيعة الحال هناك العديد من الاشكالات التي ستنتصب في الأفق المستقبلي. أما من جهة أخرى، فنعتقد أنه لا يمكن التقدم في تنزيل هذه الرؤية أو غيرها من الرؤى الاستراتيجية، بدون دمقرطة الحياة السياسية وبدون توزيع عادل للثروات وإتاحة الحرية للجميع في المشاركة في بناء هذه الترسانة القيمية بما يحقق الجدل والنقد والمتبادل، وبما يتيح إمكانية تطوير أكثر عقلانية للمجتمع.