مع حلول الثلاثين من مارس من كل سنة، يسائل الأشخاص في وضعية إعاقة الدولة عن إنجازاتها وحصيلتها في هذا المجال، ويطرحون مطالبهم التي تستمد روحها من المقاربة الحقوقية في ملفات عدة، كالتشغيل والتعليم والصحة والحماية الاجتماعية. بهذه المناسبة، تحل بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والتنمية الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال، ضيفة على جريدة هسبريس، في حوار حول وضعية الإعاقة في المغرب خلال الولاية الحكومية الماضية، ولنسائلها حول تشغيل الأشخاص المعاقين، وتعليمهم، وهل حققت السياسة العمومية الخاصة أولى ثمارها؟ .. هذا الحوار يأتي في سياق زمني تشرف فيه الولاية الحكومية على النهاية، هل تجد بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والتنمية الاجتماعية، نفسها راضية عما قدمته لذوي الإعاقة؟ وما الذي تبقى كأولوية للحكومة المقبلة؟ موضوع الإعاقة هو من المواضيع التي تحتاج إلى مرابطة وتخطيط وقوانين وتشريعات، وهو كذلك في حاجة ماسة إلى الإحصائيات؛ فالإعاقة كمجال ينبغي أن يرتكز على المقاربة الحقوقية تتسم بالجرأة، وتمكن ذوي الإعاقات من حقوقهم، وتضمن مكتسباتهم. لما جئت إلى الوزارة، كان أول ملف وضعت عليه يدي هو ملف الإعاقة، كان مشروع قانون خاص بالنهوض بحقوق ذوي الإعاقة لكن كان من الضروري أن يكون عليه توافق؛ حيث من اللازم أن يصاغ بشكل جيد وينتح عن روح الدستور؛ وذلك حتى يكون قانونا يضمن الحقوق لهذه الفئة. هناك جهد بذل ليخرج هذا القانون الإطار، وقد نشر الآن في الجريدة الرسمية، وهو متركز في السياسة العمومية المندمجة لملف الإعاقة، لدينا سياسة عمومية تحقق الالتقائية في التعليم والتشغيل والصحة... ما الذي تبقى للإنجاز؟ بقيت لدينا النصوص التنظيمية وبطاقة المعاق وتفعيل كوطا 7 في المئة في المناصب العمومية، نحن في مرحلة الإنجاز؛ حيث نحتاج إلى خروج المراسيم التطبيقية للقانون الإطار حتى يصبح ملموسا. أما ملف التشغيل، ففي 2016 أخرجنا مرسوما يلزم بتطبيق كوطا 7 في المئة ليلج ذوو الإعاقة إلى الوظيفة العمومية. هذا في حد ذاته إنجاز. دعني أقول لك إننا في لحظة إجراء هذا الحوار، أحدثت اللجنة الوزارية المكلفة بتطبيق المرسومين، وستعقد لقاءاتها ابتداء من الأسبوع المقبل. وهي لجنة يرأسها رئيس الحكومة، وتضم وزارة التضامن والمالية والوظيفة العمومية. وهي التي ستشرف على المباريات الخاصة. تسألني عن المنتظر، وهذه كلها ملفات تنتظر تنزيلها، لا أنسى ملف الولوجيات الذي يعد ملفا ضروريا. انطلقنا في مراكش ومازالت بقية المدن، والمكتب الوطني للسكك الحديدية أطلق خدمة الولوجيات بشراكة مع وزارة التضامن، وعلى الفاعلين الآن أن يستفيدوا من مخططات المدن التي جهزناها، ما ينتظر في هذا الملف هو تنفيذ القانون. ما الذي بقي في ملف التعليم الخاص بذوي الإعاقات؟ لقد رفعنا دعم الوزارة للجمعيات في مجال التعليم؛ إذ كان المبلغ المرصود لا يتجاوز 17 مليون درهم، واليوم أصبح الدعم مرفوعا، وليس محددا في أي سقف، حتى يتمكن الأطفال في وضعية إعاقة من الاستفادة من حقهم في التعليم. نحن وصلنا إلى هنا، هذا هو المنجز، لكن نحتاج إلى القانون الإطار للتربية والتعليم؛ لأن الرافعة الرابعة من الاستراتيجية مخصصة لتعليم ذوي الإعاقة. في نظري لا يمكن الاستغناء عن المراكز التي راكمت تجربة كبيرة في مجال تربية وتكوين الأطفال في وضعية إعاقة. ينبغي دعمها وتمكينها من أداء خدماتها للمجتمع؛ لأنها ليست خدمات بيداغوجية، بل هي خدمات مواكبة لعمل المدرسة العمومية. إن سرنا بهذا المنطق، فدعني أقول لك هذه حزمة من الإنجازات أعطتنا حزمة أخرى من الانتظارات. لنتحدث بشكل تقني لنشخص الوضع ولننطلق من أكثر الملفات راهنية، وهو ملف التشغيل. يتساءل المعطلون أو العاطلون، أو دعينا نسميهم طالبي الشغل، عن مآلهم وهم يناضلون منذ 7 سنوات. هل سينتظرون المرسوم واللجنة الوزارية وكل هذه الإجراءات؟ ألا ترين أنه مسار طويل ومضنٍ؟ الأمور تأتي تدريجيا. في 2012، لم يكن عندنا شيء ملموس في هذا المجال، لكن الآن هناك منجزات حقيقية ستؤطر عمل الدولة تجاه الأشخاص في وضعية إعاقة. وفي 2016، لدينا قانون ولدينا مرسوم، وفي هذه المرحلة الانتقالية أحدثنا اللجنة الوزارية لتسهيل الأمر. اتفقنا كقطاع وصي مع رئاسة الحكومة على ألاّ يرخص لأي قطاع أن ينظم مباراة إلا إذا خصص مناصب خاصة بذوي الإعاقة. هذا الأمر ضبطناه. طبعا الممارسة قد تظهر بعض الاختلالات، لكن ما يفرحني هو أن هذه المناصب المتبقية للأشخاص في وضعية إعاقة، التي لم تستهلك في المباريات الخاصة، لن تذهب للحق العام، بل ستضاف إلى المناصب الخاصة المقبلة، وهذا جيد بالنسبة لي. المباريات ستنطلق هذه السنة، أشدد على هذه المعلومة، واللجنة انطلقت في عملها، وسيستفيد المعنيون من حقهم في الولوج إلى المناصب العمومية. طيب، فلننتقل إلى التشغيل الذاتي. وهنا نفتح بوابة دعم المشاريع المدرة للدخل التي يدعمها صندوق التماسك الاجتماعي. هناك من يعزو هذا البطء في التنفيذ والاستفادة إلى انعدام ضبط التعاون الوطني لملف الدعم، وبالتالي نتج عنه تأخر في التوصل بالمنح لحاملي المشاريع، ما رأيكم؟ صندوق التماسك الاجتماعي أخذ منا وقتا طويلا لنحيط بمحاوره كاملة، وهي دعم المشاريع الذاتية والتعليم والمعينات التقنية. وفي غياب الأذرع الميدانية للوزارة لم نجد سوى التعاون الوطني ووكالة التنمية الاجتماعية؛ استعننا بالتعاون الوطني لتنفيذ هذه العملية. في الحقيقة كان البطء في البداية، وهو راجع في اعتقادي إلى كون الوزارة لا تريد أن تدعم مشاريع ذاتية فقط، بل الهدف هو خلق مقاولات صغرى للتشغيل الذاتي حتى لا نعيد تجارب الدعم الماضية، التي يعلم الكل مصيرها. نريد من خلال هذا الدعم أن يحقق الشخص استقلاليته. كيف نحقق الاستقلالية؟ هل ب60.000 درهم سنخلق مقاولة ذاتية؟ نعم، هناك من انطلق بأقل من ذلك. هذا الدعم هو اختبار للشخص المستفيد، فإن هو نجح قد ننتقل معه إلى المرحلة الثانية من الدعم ليصبح صاحب مقاولة ذاتية حقيقية. في البداية لم نتجاوز، خلال العام الأول، 40 مشروعا، والآن لدينا أزيد من 400 مقاولة ذاتية يديرها أشخاص في وضعية إعاقة. وهذا رقم محترم جدا. دعني أغتنم الفرصة لأحث المقاولات الخاصة على أن تساهم بنسبتها في تشغيل ذوي الإعاقة. هذه المقاولات ينبغي أن تساهم في ما يعرف بالدور الاجتماعي للمقاولة. قد يصعب الأمر إذا حددنا كوطا لهذه الشركات في القانون، لكننا فضلنا أن يكون التوافق بين الحكومة والقطاع الخاص لإيجاد منافذ أخرى إلى سوق الشغل بالنسبة إلى الأشخاص في وضعية إعاقة. إذن فاليوم لدينا المرتكزات لننطلق في التنزيل. بالنسبة للتعليم هناك ثلاث مستويات؛ الأول له علاقة بالمراكز التي تظل تعوض الدولة في هذا المجال، والمستوى الثاني هو مسألة الأقسام المدمجة التي تطرح إشكاليات حقيقية؛ حيث أغلق العديد منها، ناهيكم عن نقص الأطر، وفي التعليم دوما يعتقد الناس أن تعليم الأشخاص المكفوفين ليس من مسؤولياتكم، على اعتبار أن هذه الشريحة تتكفل بها المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين، وهي جمعية مدنية، كيف تردون على كل هذه الإكراهات؟ وزارة التضامن تنسق مع وزارة التربية الوطنية، وانتبهنا إلى حاجاتنا إلى أطر مؤهلة ومتخصصة في مجال الإعاقة، نحن دخلنا في مشروع لتكوين مكونين في مجال الإعاقة بشراكة مع مؤسسة دولية وجامعة. لا أريد أن أفصح عن المشروع الآن، هي فقط إشارات وستتضح لكم الصورة قريبا. إذن، فنحن نعي حاجة المجال إلى أطر وسنعمل على توفيرها. أما بخصوص المنظمة العلوية، فهي جمعية كبيرة قامت بأدوار مهمة ومازال المغرب محتاجا إليها وإلى غيرها، لكن هذا لا يعفي الدولة من دورها. ينبغي لهذه الجمعية أن تشتغل بشروط عمل جديدة وأن تكون مكملة لدور الدولة كباقي المراكز، دور الجمعيات هو المواكبة وليس النيابة عن الدولة في تحمل المسؤولية تجاه ذوي الإعاقات. بالتزامن مع اليوم الوطني للشخص في وضعية إعاقة، هل من رسالة توجهينها عبر جريدة هسبريس إلى الإعلام الذي يساهم بشكل كبير في تغيير الصور النمطية حول الإعاقة؟ الإعلام بدأ ينتبه إلى قضية الإعاقة في السنوات الأخيرة؛ فهو يساهم في توعية المجتمع، كما ينتقد مكامن الخلل في العمل الحكومي، ويقدر تجارب ذوي الإعاقة. وكل هذه أدوار للإعلام وهو يقوم بها، ولكن لازال أمامه شوط طويل ليستكمل مهامه في خدمة المواطنين. على الإعلام أن يهتم بالحقوق الفئوية، وينبغي أن يستحضر بعد الإعاقة كما هو منصوص عليه في القانون، ويجب أن يساهم الإعلاميون في تغيير رؤية المجتمع إلى تيمة الإعاقة.