مع بداية السنة التي رحلت أمس، عرف ملف الإعاقة تجاذبات وتقاطبات بين الدولة، في شخص وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، والجمعيات العاملة في ميدان الإعاقة. وتمحور التفاعل، الذي يمكن وضعه في خانة الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية، حول قضايا في صلب معيش أزيد من مليونين ونصف من المغاربة. وكان أهم ملف حصل بشأنه جدال يمكن وصفه بالحاد هو مشروع القانون الإطار 97-13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة؛ حيث عرف صراعا بين الوزارة وبعض الاتحادات الجمعوية التي اعتبرته التفافا على تنفيذ الالتزامات الدولية للمملكة. ولعل أبرز لقاء حصل فيه ما يمكن تسميته بالتفاوض بين الوزارة وجمعيات المجتمع المدني ذلك الذي احتضنه مبنى البرلمان، ونظمته لجنة القطاعات الاجتماعية، بحضور وزيرة التضامن بسيمة الحقاوي، وكان بمثابة فرصة لتعديل النص التشريعي والتوافق بشأنه. كما عرفت سنة 2016 جمودا في ملف التشغيل للأشخاص في وضعية إعاقة؛ إذ لم تخل شوارع العاصمة الرباط من المعطلين المكفوفين الذين حاولوا في العديد من المرات اقتحام الوزارة وبعض المؤسسات الحزبية، كما حدث بمقر حزب الحركة الشعبية، احتجاجا منهم على مرسوم وزاري للوزير الحركي محمد مبدع، وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، بخصوص تنظيم مباراة موحدة لتنزيل "كوطا" 7 في المئة. ومازال المكفوفون في بحث عن الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية حتى بعد صدور المرسومين الحكوميين، ولا زالوا يمارسون شتى مظاهر الاحتجاج ببيع المناديل الورقية والتسول المقنّع، في مظهر قد يسيء على صورة المغرب في المنتظم الدولي، خاصة أن المملكة صادقت على انضمامها للاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة. وتميزت سنة 2016 بتأجيل زيارة المقررة الأممية المكلفة بملف الإعاقة إلى المغرب بسبب اختلاف حول برنامج الزيارة، وهو ما سارعت بعض الجهات إلى اعتباره انفعالا من المسؤولة الأممية على السياسة الحكومية في مجال تدبير ملف الإعاقة على مدى خمس سنوات. أما الحدث الأبرز الذي يمكن اعتباره محفوظا في سجل وزارة التضامن، فتمثل في تجهيز بعض المرافق الحيوية في مدينة مراكش بالولوجيات المعمارية في مشروع مولته الحكومة اليابانية عن طريق البنك الدولي؛ وذلك بهدف تسهيل التنقلات الحضرية لذوي الإعاقات وتحفيز السلطات العمومية في المدن الأخرى لإنجاز ولوجيات مماثلة. وبخصوص التعليم، فقد ضخت وزارة الحقاوي في صناديق الجمعيات منحا لدعمها في هذا المجال، الشيء الذي يرى فيه بعض المتابعين مزيدا من التنصل من طرف الدولة من ملف حساس وتفويته إلى منظمات المجتمع المدني التي تشتكي هي الأخرى من ضعف التمويل والدعم العمومي، مع تعقيدات في المساطر الإدارية للاستفادة منه. وشملت الخطة الحكومية لوزارة التضامن انفتاحا يمكن اعتباره غير مسبوق، رغم بعض الملاحظات في تنزيلها، ونقصد هنا صندوق دعم التماسك الاجتماعي الذي أضيف إلى فئة المستفيدين منه ذوو الإعاقات عبر شقين؛ يعنى أولهما بدعم التعليم؛ أي الجمعيات والمراكز، وثانيهما يهتم بخلق بعض المشاريع الصغرى لإدماج الأشخاص المعاقين في سوق التشغيل الذاتي. إلا أن تنزيل هذا المشروع، الذي يعد سابقة في مجال تدبير ملف الإعاقة، تعوقه مشاكل مرتبطة بالأساس بتفويت التدبير الإداري لمؤسسة التعاون الوطني، التي لا تعي طرق تنظيم مثل هذه المشاريع الاستراتيجية، ناهيك عن ارتكاز مقاربتها كمؤسسة تمارس الإحسان العمومي عبر توزيع الدعم الاجتماعي على بعض الفئات الهشة، وبالتالي غياب البعد الحقوقي في رؤية هذه المؤسسة لملف الإعاقة. ولعل ذوو الإعاقات المختلفة يستقبلون السنة الجديدة وكلهم طموح وعزيمة على مواصلة تغيير الواقع الذي يمكن وصفه بالصعب، والذي يظهر زخما في الإنتاج التشريعي دون ملاحظة أثر ذلك على حياتهم اليومية في مجالات أساسية في مقياس المواطنة الكاملة المبنية على الحق والواجب؛ وذلك على مستويات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والولوج إلى الشغل والتحرك بحرية، واستقلالية تامة في القرار الفردي، باعتبارهم مواطنين ينبغي أن يعيشوا بكرامة.