في استمرارية لما نهجته الحكومات السابقة في تدبير ملف الإعاقة ووضعه في أدنى سلم الأولويات، جاءت حكومة سعد الدين العثماني لتخصص لهذا الملف حصة ضئيلة من برنامجها؛ فلم يتجاوز ذكر الأشخاص في وضعية إعاقة في البرنامج، الذي جرى تعميمه بعد عرضه أمام البرلمان بغرفتيه، جملتين تلخصان حجم الملف في تصور القائمين على تدبير الخمس سنوات المقبلة من زمن هذا الملف الاجتماعي. واختلفت مقاربة ملف الإعاقة في البرنامج الحكومي من ناحية المفهوم بين الوازرة الوصية على قطاع الصحة وبين وزارة التضامن، حيث اعتبرت وزارة الحسين الوردي هذه الشريحة عبارة عن فئات لها احتياجات خاصة عندما تناول البرنامج المقاربة الصحية للإعاقة؛ وهو ما ينم عن توجه إحساني رعائي حسب الفاعلين المدنيين. فيما جاء المصطلح الحقوقي في الجملة التي خصصت لوزارة التضامن بوصفهم أشخاصا في وضعية إعاقة، لكن يحتاجون إلى الدعم والمساندة، حسب نص البرنامج. وتعليقا على التباين الواضح في المفاهيم والمقاربات، قال سعيد الحنصالي، أستاذ باحث في ميدان الإعاقة، إن المغرب عليه أن يحدد ضمن أية مقاربة سيدبر الملف؛ فاستعمال مصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة أصبح متجاوزا ونسخته الاتفاقية الدولية المتعلقة بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والتي صادق عليها المغرب وعلى البروتوكول الاختياري الملحق بها، حسب قول المتحدث. كما ذهب الباحث ذاته، في تصريح لهسبريس، إلى كون المفاهيم المختلفة تحيل على تباين في مقاربة الملف من لدن الفاعلين العموميين داخل الحكومة، معتبرا مفهوم ذوي الاحتياجات الخاصة مصطلحا يحيل على المقاربة الإحسانية التي ناضلت الجمعيات الفاعلة قصد تغييرها وبالتالي النزوع نحو المقاربة الحقوقية التي تضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمشاركة الفعالة لهذه الشريحة في المجتمع. وتضمّن البرنامج الحكومي، بالإضافة إلى الفقرة الخاصة بالإستراتيجية الصحية لذوي الإعاقات، جزءا آخر مرتبطا بما أسمته اللجنة التي صاغت البرنامج الحكومي بداية تفعيل القانون الإطار 97،13، المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها، خاصة تفعيل ما يعرف بحصة 7 في المائة من المناصب المالية المخصصة للأشخاص في وضعية إعاقة. وعلى العكس من قلة ما التزمت به الحكومة الجديدة في مجال الإعاقة، أشارت مصادر مقربة من اللجنة التي أشرفت على البرنامج الحكومي إلى كون ما تقدمت به وزارة التضامن والأسرة والمساواة والتنمية الاجتماعية كان مشروعا متكاملا لمعالجة معظم مشاكل الإعاقة، حيث أوضحت المصادر ذاتها الراغبة في عدم كشف هويتها أن وزارة الحقاوي قدمت خمس نقط محورية في مجال الإعاقة غابت ثلاث منها في البرنامج الحكومي؛ وهي تنزيل السياسة العمومية المندمجة للإعاقة، واعتماد مخطط العمل الوطني المرتبط بها، وكذا تجويد التعليم بالنسبة إلى هذه الفئة. وفي مجال التشغيل، وخاصة ما يرتبط بكوطا 7 في المائة، علق رشيد الصباحي، رئيس التنسيقية الوطنية للدفاع على حقوق المكفوفين وضعاف البصر، بالقول إن "إعادة التأكيد على تنفيذ هذا الحصيص الخاص، كما طرحه البرنامج، هي إعادة إنتاج ما كان في السابق؛ وهو ما سيجرنا إلى مآس جديدة في زمن حكومة العثماني، لأن هذه المناصب الخاصة لم تخرج بعد عكس المباريات العادية، وهو ما سيجعل المعطلين أمام وضعية مستمرة للمعاناة في شوارع الرباط". وأشار الإعلامي والفاعل الجمعوي إلى أن "الحكومة لا تولي أي اهتمام لهذه الشريحة. ويتضح هذا التقصير من خلال الجمل المحدودة في البرنامج؛ في حين أنهم يشكلون قوة ديمغرافية مهمة، حيث يصل عدد المواطنين في وضعية إعاقة إلى حوالي مليونين ونصف المليون، بالإضافة إلى أسرهم"، يقول الصباحي الذي أضاف أن "عدم الاستفادة من هذه الكفاءات هو خسارة للدولة". ويخلص رئيس التنسيقية الوطنية للدفاع على حقوق المكفوفين وضعاف البصر، في تصريح لهسبريس، إلى النتيجة الآتية: "إذن، خمس سنوات أخرى من التأجيل والتملص من المسؤولية؛ إن لم نتحرك كمجتمع مدني"، على حد وصف المتحدث. ومن زاوية أكاديمية، اعتبر سعد الإسماعيلي، الباحث في السياسات العمومية، أن ملف الإعاقة ما زال يتذيل سلم المشاكل العمومية التي تدخل إلى أجندة الفاعلين العموميين، مسجلا أن ملف الإعاقة لم يرق بعد إلى مصاف القضايا المحرجة للدولة كما هو الشأن بالنسبة إلى قضية النساء والمساواة، حيث يجد المغرب نفسه مضطرا لتنفيذ الإجراءات التي تطالبه بها المنظمات الدولية للحفاظ على تصنيفه والاستفادة من القروض. وأوضح الباحث في السياسات العمومية، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "أدوار المجتمع المدني مركزية في الدفع بملف الإعاقة ليصل إلى درجة المشكل العمومي وبالتالي يجد الفاعل السياسي نفسه مجبرا على إيجاد آليات لحلحلة المشكل؛ حتى لا يتحول إلى أزمة مجتمعية تنجم عنها مطالب أخرى وتجلب تضامنا مجتمعيا واسعا، على حد قول المتحدث. وجوابا عن سؤال حول أولوية الحكومة المقبلة في تنزيل مقتضيات القانون الإطار 97، 13، صرح سعيد الحنصالي بأن الأولوية ينبغي أن تعطى للتعليم وتجويده والتقليص من الهدر المدرسي لدى التلاميذ في وضعية إعاقة، ودعم التمدرس عبر الزيادة في حجم الدعم المقدم مع هيكلة الأقسام المدمجة والمراكز، مشددا على ضرورة إيجاد حل للإدماج المهني لذوي الإعاقات؛ وذلك عبر تفعيل النسبة الخاصة وتوقيع اتفاقيات للشراكة بين الدولة وبين القطاع الخاص.