مقدمة تعد ظاهرة الترادف في اللغة العربية من بين الظواهر اللغوية التي تضفي على العربية ميزة خاصة إلى جانب الظواهر اللغوية الأخرى حيث تعتبر هذه الظاهرة وسيلة من بين الوسائل التي أغنت المعجم العربي حتى أمسى العربي يستطيع التعبير عن المعنى الواحد بأكثر من لفظ دون حدوث لبس في الفهم وقد اهتم اللغويون القدامى بهذه الظاهرة وألفوا فيها رسائل بينوا من خلالها معنى الترادف وأسبابه وفوائده كما وجد منهم من أنكر الترادف وقال ببطلانه واستحالة وجوده في اللغة العربية. فما مقصودهم بظاهرة الترادف؟و كيف تعاملوا معها ، وما موقفهم منها. 1-تعريف الترادف أ-الترادف لغة الترادف: لفظ مشتق من الفعل: رَدِفَ، أو المصدر: الردف، والردف: ما تبع الشيء. وكل شيء تبع شيئاً، فهو رِدْفُهُ، وإذا تتابع شيءٌ خلف شيء، فهو الترادف والجمع الرادفى. يقال: جاء القوم رُدافى أي بعضهم يتبع بعضاً. والترادف: التتابع. وقد فسّر الزجاج قوله تعالى: «بألفٍ من الملائكة مُردفين »(1) معناه: يأتون فرقة بعد فرقة. وقال الفراء: مردفين: متتابعين. والمترادف: كل قافية اجتمع في آخرها ساكنان، سمي بذلك لأن غالب العادة في أواخر الأبيات أن يكون فيها ساكن واحد، فلما اجتمع في هذه القافية ساكنان مترادفان كان أحد الساكنين ردف الآخرولاحقاً به.(2) وقال أحمد ابن فارس"الراء والدال والفاء أصل واحد مطرد،يدل على اتباع الشيء، فالترادف :التتابع والرديف الذي يرادفك(3). ب-الترادف اصطلاحاً أما مفهوم الترادف اصطلاحا فهو دلالة كلمتين أو أكثر على معنى واحد وهذا ما نجده في تعريف السيوطي(ت911 ه) الذي أفرد للترادف فصلا خاصا من كتابه (المزهر في علوم اللغة و أنواعها)سماه "معرفة المترادف"وعرفه بقوله نقلا عن الإمام فخر الدين"هو الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد قال :واحترزنا بالإفراد عن الاسم والحد فليسا مترادفين وبوحدة الاعتبار عن المتباينين كالسيف والصارم فإنهما دلا على شيء واحد لكن باعتبارين:أحدهما على الذات والآخر على الصفة والفرق بينه وبين التوكيد أن أحد المترادفين يفيد ما أفاده الآخر كالإنسان والبشر وفي التوكيد يفيد الثاني تقوية الأول والفرق بينه وبين التابع أن التابع وحده لايفيد شيئا كقولنا:عطشان نطشان" (4 ) وعرفه الجرجاني (ت816ه)في كتابه (التعريفات) بقوله "المترادف ما كان معناه واحدا وأسماؤه كثيرة وهو ضد المشترك، أخذ من الترادف الذي هو ركوب أحد خلف آخر، كأن المعنى مركوب واللفظان راكبان عليه كالليث والأسد...»(5) وعرفه بتعريف آخر فقال"الترادف :هو عبارة عن الاتحاد في المفهوم،وقيل :توالي الألفاظ المفردة الدالة على شيءباعتبار واحد" (6).أما محمد بن القاسم الأنباري (ت 327ه) فقد جعله أحد ضربي كلام العرب، (ت 327ه) فقد جعله أحد ضربي كلام العرب، وذلك بعد كلامه عن الأضداد والمشترك اللفظي، قائلاً: «.. وأكثر كلامهم يأتي على ضربين آخرين: أحدهما أن يقع اللفظان المختلفان على المعنيين المختلفين، كقولك: الرجل والمرأة، والجمل والناقة، واليوم والليلة، وقام وقعد، وتكلم وسكت، وهذا هو الكثير الذي لا يحاط به. والضرب الآخر أن يقع اللفظان المختلفان على المعنى الواحد، كقولك: البُرّ والحنطة، والعَيْر والحمار، والذئب والسيد، وجلس وقعد، وذهبَ ومضى"(7). فمن خلال هذه التعريفات يمكننا القول بأن الترادف في مفهومه الاصطلاحي يراد به دلالة كلمتين أوأكثر على معنى واحد، و بعبارة أخرى اشتراك كلمتين مختلفتين أو أكثر في الدلالة على معنى واحد. 2-الاختلاف حول ظاهرة الترادف اختلف موقف اللغويين القدامى حول ظاهرة الترادف حيث تراوح موقفهم بين مثبت لوجود الظاهرة في العربية-وهوالغالب- وبين منكر لها،ويمكن أن نلمح هذا الخلاف من خلال مانقله السيوطي في كتابه (المزهر)حكاية عن العلامة عز الدين بن جماعة في شرح (جمع الجوامع) قوله : "حكى الشيخ القاضي أبو بكر بن العربي بسنده عن أبي علي الفارسي قال كنت بمجلس سيف الدولة بحلب وبالحضرة جماعة من أهل اللغة وفيهم ابن خالويه فقال ابن خالويه :أحفظ للسيف خمسين اسما فتبسم أبو علي وقال :ماأحفظ له إلا اسما واحدا"(8) ،فهذا النص يبين لنا اختلاف وجهات النظر حول ظاهرة الترادف بين علماء اللغة حيث يمثل فيه ابن خالويه الفريق القائل بالترادف وأبو علي الفارسي الفريق المنكر له. وممن أنكر الترادف كذلك أحمد ابن فارس متأثرا بشيخه ثعلب حيث قال في كتابه( الصاحبي في فقه اللغة) في (باب الأسماء وكيف تقع على المسميات) :"ويسمى الشيء الواحد بالأسماء المختلفة نحو : السيف والمهند والحسام.والذي نقوله في هذا : أن الاسم واحد وهو السيف،وما بعده من الألقاب صفات ،ومذهبنا أن كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى،وقد خالف في ذلك قوم فزعموا أنها وإن اختلفت ألفاظهم فإنها ترجع إلى معنى واحد،وذلك قولنا :(سيف،وعضب،وحسام). وقال آخرون :ليس منها اسم ولا صفة إلا ومعناه غير معنى الآخر،قالوا :وكذلك الأفعال نحو :مضى،وذهب وانطلق،وقعد،وجلس،ورقد،ونام،وهجع. قالوا : ففي (قعد)معنى ليس في( جلس )وكذا القول فيما سواه. وبهذا نقول، وهو مذهب شيخنا أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب. واحتج أصحاب المقالة الأولى بأنه : لو كان لكل لفظة معنى غير معنى الأخرى لما أمكن أن يعبر عن شيء بغير عبارته.و ذلك أننا نقول في (لا ريب فيه ) :(لا شك فيه) فلو كان الريب غير الشك لكانت العبارة عن معنى الريب بالشك خطأ،فلما عبر عن هذا بهذا علم أن المعنى واحد. قالوا :وإنما يأتي الشاعر بالاسمين المختلفين للمعنى الواحد في مكان واحد تأكيدا ومبالغة كقوله : وهند أتى من دونها الناي والبعد قالوا :فالنأي هو البعد. ونحن نقول :إن في( قعد) معنى ليس في( جلس)...أما قولهم :إن المعنيين لو اختلفا لما جاز أن يعبر عن الشيء بالشيء فإنا نقول :إنما عبر عنه عن طريق المشاكلة ولسنا نقول :إن اللفظتين مختلفتان فيلزمنا ماقالوه وإنما نقول :إن في كل واحدة منها معنى ليس في الأخرى"(9). فهذه كما يتضح هي حجج الرافضين للترادف وجلهم ينطلق من مبدأ كون اللغة توقيفية النشأة لأن «واضع اللغة حكيم، لا يأتي فيها بما لا يفيد صواباً، فهذا يدل على أن كل اسمين يجريان على معنى من المعاني، وعين من الأعيان في لغة واحدة، فإن كل واحد منهما يقتضي خلاف ما يقتضيه الآخر، وإلا لكان الثاني فضلاً لا يحتاج إليه. وإلى هذا ذهب المحققون من العلماء، وإليه أشار المبرّد في تفسير قوله تعالى: «لكلّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً »(10) قال: فعطف شرعة على منهاج، لأن الشرعة لأولى الشيء والمنهاج لمعظمه ومتّسعه»(11). أما القائلون بالترادف فهم الغالبية العظمى ومن بينهم بالإضافة إلى من سبق ذكرهم عند -تعريفنا للترادف-ابن جني(ت346 ه)حيث أشار إليه في كتابه (الخصائص) في (باب في استعمال الحروف بعضها مكان بعض) مستدلاً به على وقوع الترادف بقوله: «وجدت في اللغة من هذا الفن شيئاً كثيراً لا يكاد يحاط به»( وفيه يحكم على من يُنكر ان يكون في اللغة لفظان بمعنى واحد، ويحاول أن يوجد فرقاً بين قعد وجلس، وبين ذراع وساعد، بأنه متكلّف(12)..وقال آخرون"إنا للترادف واقع،وله فوائد،وهو قول كثير ممن ألف في هذا الباب كابن خالويه،والفيروزبادي،وغيرهم(13().وقال الأصفهاني "وينبغي أن يحمل كلام من منع على منعه في لغة واحدة فأما في لغتين فلا ينكره عاقل"(14).ويذكر الدكتور أحمد مختار عمر في كتابه(علم الدلالة)أن أصحاب الترادف كانوا فريقين : «الأول: وسّع في مفهومه، ولم يقيّد حدوثه بأي قيود، والثاني: كان يقيِّد حدوث الترادف، ويضع له شروطاً تحدُّ من كثرة حدوثه، ومن الأخيرين الرازي الذي كان يرى قصر الترادف على ما يتطابق فيه المعنيان بدون أدنى تفاوت»(15) . 3-أسباب وقوع الترادف قال السيوطي في كتابه (المزهر) :(قال أهل الأصول :لوقوع الألفاظ المترادفة سببان : أحدهما أن يكون من واضعين، وهو الأكثر بأن تضع إحدى القبيلتين أحد الاسميين والأخرى الاسم الآخر للمسمى الواحد من غير أن تشعر إحداها بالأخرى،ثم يشتهر الوضعان،ويخفى الواضعان،أو يلتبس وضع أحدهما بوضع الآخر وهذا مبني على كون اللغات اصطلاحية.و الثاني :أن يكون من واضع واحد وهو الأقل) (16). 4- فوائد الترادف للترادف عند القائلين به عدة فوائد ترجح ماذهبوا إليه وترد على من يقول بمنع وقوعه في اللغة العربية،ومن بينها ما يلي مما ذكره السيوطي : - أن تكثر الوسائل إلى الإخبار عما في النفس فإنه ربما نسي أحد اللفظين،أو عسر عليه النطق به. - التوسع في سلوك طريق الفصاحة،وأساليب البلاغة في النظم والنثر وذلك لأن اللفظ الواحد قد يتأتى باستعماله مع لفظ آخر،السجع والقافية والتجنيس والترصيع وغير ذلك من أصناف البديع ولا يتأتى ذلك باستعمال مرادفه مع ذلك اللفظ. - المراوحة في الأسلوب،وطرد الملل والسآمة. - قد يكون أحد المترادفين أجلى من الآخر فيكون شرحا للآخر الخفي وقد ينعكس الحال بالنسبة إلى قوم دون آخرين. - تبديل اللفظ الخفي بلفظ أجلى منه. خاتمة: نستشف من خلال هذا العرض ، أن الترادف أمر لا يمكن إنكاره وينبغي التسليم بوقوعه في العربية كما أن الخلاف الذي نشب بين علماء اللغة حول ماهية الترادف يعود بالأساس إلى أهميته البالغة، و لذلك يجب على دارس اللغة العربية العناية به لأن كثيرا من معاني ودلالات المفردات في النص العربي قديمة وحديثة، تتوقف معرفتها بشكل دقيق على الإحاطة بموضوع الترادف. الهوامش: 1-سورة الأنفال،الآية 9 2- ابن منظور (ت711 ه): لسان العرب، مادة (رد ف): 9/114 116، دار صادر، ودار بيروت، لبنان، 1374ه 1995م. 3-أ حمد بن فارس (369ه)، معجم مقاييس اللغة، 503/2 4- جلال الدين السيوطي (ت 911ه)، المزهر في علوم اللغة وأنواعها1/388، تحقيق محمد أحمد جاد المولى، وآخرون، دار الفكر، بيروت، د.ت. 5- الشريف الجرجاني، علي بن محمد (ت 816ه): التعريفات، ص199، بدمشق 1958 6- الشريف الجرجاني، علي بن محمد (ت 816ه): التعريفات، ص56، مكتبة لبنان، د.ت، بيروت، 1969م. 7 – الانباري محمد بن القاسم : الأضداد: ص 67 تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم، دائرة المطبوعات والنشر في الكويت، 1960م. 8- جلال الدين السيوطي (ت 911ه)، المزهر في علوم اللغة وأنواعها1/405. 9- أحمد بن فارس (369ه)، الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها 59-61تحقيق عمر فاروق الطباع، ط1، مكتبة المعارف، بيروت، 1414ه /1993م ، والمزهر1/403-405. 10-المائدة،الآية 48 11-أبو هلال، العسكري، الفروق اللغوية: ص11، حققه حسام الدين القدسي، دار الكتب العلمية،بيروت، (د.ت). 12- ابن جني، الخصائص، ج2، ص310،حققه محمد علي النجار، دار الهدى، بيروت (د ت). 13- جلال الدين السيوطي (ت 911ه)، المزهر في علوم اللغة وأنواعها405/1 14- جلال الدين السيوطي (ت 911ه)، المزهر في علوم اللغة وأنواعها405/1 15- عمر، أحمد مختار، علم الدلالة : ص217218، مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع، الكويت،1402ه/1982م. 16- جلال الدين السيوطي (ت 911ه)، المزهر في علوم اللغة وأنواعها 1/405-406. *باحث في التراث اللغوي بالغرب الإسلامي