"أغلب زبوناتي من الموظفات اللواتي يحرصن يوميا على اقتناء كميات من الخبز والفطائر"، تقول بائعة الخبز الأربعينية بصوت مُنخفض وهي تمُدُّ أربع قطع لزبونة أمامها، قبل أن تستأنف: "بتُّ أعرف ما ترغب فيه كل زبونة من زبوناتي، ويحدث أن يوصينني بعدد مُحدد من الفطائر والمخبوزات، فلا أتأخر في تلبية طلباتهن وإرضائهن". تختلف ظروف كل واحدة من مئات النساء الممتهنات لبيع الخبز و"الرغايف" و"البغرير" ومختلف أنواع الفطائر، إلا أن ما يجمع بينهن جميعا هو رغبتهن في إعالة أسرهن وعائلاتهن والرفع من مستواهن المعيشي، ولو تطلب الأمر مكوثا لساعات طويلة في الأزقة وعلى جنبات الرصيف. "الله يْعز سيدنا رَمضان"، تقول ربيعة "مولات المسمن"، متحدثة عن الرواج الذي تعرفه بضاعتها استعدادا للشهر الكريم وخلاله، مشيرة إلى أن العمل ينطلق منذ الساعات الأولى ليوم الصيام، عبر تحضير كل أنواع المخبوزات التي تزين مائدة الإفطار، إضافة إلى أنواع أخرى من قبيل "عجينة البيتزا" و"الكريب" و"الكيش"، وتقول: "ترتفع وتيرة العمل وتفتح أبواب الرزق، وننتظر شهر رمضان الكريم بفارغ الصبر؛ فلا يفصلنا عنه سوى شهرين ونصف". أما نوال، وهي صاحبة محل لبيع الخبز التقليدي والفطائر، فتعود بذاكرتها إلى سنوات خلت، لتقول: "بدأت من الصفر، كنت أساعد والدتي على عجن الخبز والذهاب به نحو السوق، كانت المسكينة تستيقظ في الخامسة صباحا تعجن وتُخمِّر وتذهب به نحو الفرن لتوزعه باكرا على الأسواق والمقاهي والمحلات التي تهيئ وجبات الفطور". اليوم، إلى جانب نوال طاقم يتكون من ثلاث نساء ورجلين، يعملون جميعا على إعداد الخبز التقليدي بأنواعه، زيادة على "المسمن والبغرير والكيكة والحلويات والحرشة وغيرها من أنواع المخبوزات"، لتنهي كلامها بالقول: "الحمد لله، الوالدة تقاعدت وأنا من يقوم على تلبية حاجيات البيت، كما أن بيوتا مفتوحة بسبب هذا المحل". تلتقط شابة وهي تعدّ "الحرشة" خيط الكلام وتقول: "الاشتغال داخل المحلات نعمة، يظل خيارا أفضل بكثير من العمل على مستوى المقاهي أو على ناصية الشارع، فلا نسلم من الكلام البذيء من طرف بعض الباعة، حتى إن منهم من يراود البائعات ويتحرش بهن بدون أدنى حياء"، مضيفة: "الناس طوب وحجر وكثير من الزبائن يعاملوننا بكل احترام"، خاتمة كلامها بالقول: "هاحْنا صابرين عْلى وُدْ طرْف دْيالْ الخبز".