بسم الله الرحمن الرحيم لاشك أن المغرب بلد إسلامي عريق، وكل الدول التي حكمته بدءا بالأدارسة و مرورا بالمرابطين و إلى الدولة العلوية الشريفة إنما حكمته باسم الشرعية الإسلامية، ولما جاء الاستعمار حاول طمس معالم الهوية الإسلامية بالمغرب وتغيير بنية الدولة القائمة على المرجعية الإسلامية لينشر فيهم العلمانية اللادينية، فكان من الطبيعي أن يتصدى المغاربة لهذه المحاولة البائسة اليائسة، وكان من الطبيعي أن يُكَوِّن الاستعمار حفنة من العلمانيين يحملون فكره ويرفعون لواءه ويتغذون على فتات أفكاره. وقد شكل مشروع الدستور حلبة صراع بين القوى العلمانية اللائكية، وبين حماة الهوية الإسلامية في المملكة المغربية، ولهذا كان من البدهي أن تسعى كل طائفة للضغط لكي تثبت في مشروع الدستور ما يناسب مرجعيتها وفكرها وانتمائها. وفي هذا الصدد كان تأكيد الفعاليات الإسلامية الوطنية على ضرورة الابقاء على الهوية الاسلامية في مشروع الدستور، وترسيخها والتحذير من المساس بها أو تبخيسها أوتوهين الطابع الإسلامي للمملكة المغربية، مع المطالبة بالتنصيص على منزلة الشريعة الإسلامية في منظومة التشريع والتقنين. بصفتها من لوازم هذه الهوية وهو ما يعني ضرورة إلغاء كل ما يطدم معها من قوانين وسياسات. وهذه مطلب سيضل قائما لأنه من مستلزمات هذه الهوية. وبالمقابل سعى العلمانيون لمحو كل ما يمت للهوية الإسلامية بصلة، ومن طالع المذكرات التي تقدمت بها الأحزاب والجمعيات الحاملة لشعار العلمانية للجنة المكلفة بإعداد الدستور رأى من ذلك العجب العجاب. 1- دستور 1962: * تم التنيص قي التصدير على أن "المملكة المغربية دولة إسلامية " * وجاء في الفصل السادس أن "الإسلام دين الدولة" * وتم التأكيد على أن "النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن أن تتناولها المراجعة. كما في الفصل 108 2- دستور 1970: تم الإبقاء على الفصول السابقة و إضافة الحصانة البرلمانية مع تقييدها بجملة أمور منها عدم المجادلة في الدين الإسلامي. كما في الفصل 37 3- دستور 1972: لا جديد فيه بهذا الخصوص سلبا ولا إيجابا. 4- دستور 1992: أيضا لا جديد فيه بهذا الخصوص. 5- مشروع الدستور الجديد (2011): أ- الحفاظ على تضمنه الدستور السابق من أسس للهوسة الإسلامية: حافظ مشروع الدستور على ما تضمنته الدساتير السابقة من أسس للهوية الإسلامية فقد جاء فيه: * "المملكة المغربية دولة إسلامية " كما في التصدير زاد تأكيدها في الدستور الجديد بجعل التصدير " جزءا لا يتجزأ من هذا الدستور." وفي هذا ولا شك زيادة ترسيخ لإسلامية المغرب. * وفي الفصل الثالث وهو السادس سابقا ثم تثبيت العبارة السابقة نفسها وهي أن " الإسلام دين الدولة" * وتم الإبقاء على تقييد الحصانة البرلمانية بعدم المجادلة الدين الإسلامي.في الفصل 64 * كما تم التأكيد على عدم إمكان تناول المراجعة الدستورية للأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، كما في الفصل 175 * وتم الإبقاء على إمارة المؤمنين التي طالب بعض العلمانيين بإزالتها من المشروع لا لشيء إلا لأنها تستمد قوتها من الإسلام وبقاءها يشكل ترسيخا لإسلامية الدولة المغربية، وكم كنا نود أن يتم التنصيص على البيعة الشرعية التي هي الرباط الأوثق الذي يربط مؤسسة إمارة المؤمنين بالشعب المغربي وهذا ما جرى عليه المغاربة باعتبارهم يتوفرون على أقدم ملكية في العالم من لدن المولى إدريس وإلى يومنا هذا . هذه أمور كانت مثبتة في دستور 1992 تم الإبقاء عليها ضدا على الإرادة اللائكية التي عبر عنها العلمانيون في وسائل الإعلام وفي مذكراتهم التي تقدموا بها للجنة المنوني. ب- والجديد في هذا الدستور: 2- المنع من تأسيس الأحزاب التي يكون من بين أهدافها المساس بالدين الإسلامي،. كما في الفصل السابع. وهذا التفسير غاية في الأهمية لأنه يبين لنا ما ينبغي أن تضطلع به الدولة و مؤسساتها في: 5- "التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة" كما نص عليه الفصل 31. هذه الهوية هي ما عبر عنها الدستور أيضا بالثوابث و جعل الدين الإسلامي في طليعتها كما في التصدير. وهذه الثوابت التي سبق أن أسها وأساسها الإسلام هي ما قيد به مشروع الدستور في فصله التاسع عشر المساواة بين الجنسين في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية،وقيد بهذه الثوابت أيضا في الاتفاقيات والمواثيق الدوليةالمصادق عليها من قبل المغرب فلم يعتبر منها إلا ما كان "في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها." كما في الفصل 19 وكما في التصدير. وأذكر وأكرر أن هذا التنصيص على الهوية المغربية الإسلامية وعلى ثوابت المغرب لم يكن لها ذكر في الدساتير الأربعة السابقة. وإذا كان حرص المجتمع بكل أطيافه على ما في الدستور نابع من التطلع للعدل والحرص على سيادة الأمة وريادتا، وتقدمها وازدهارها فإن الإسلام وحده الكفيل بكل ذلك لأنه من عليم خبير وهو الخالق للبشر والعليم بما يصلحهم (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) . ويحسن في هذا الصدد إيراد جاء في رسالة الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله للمؤتمر الدولي حول السيرة النبوية بإسلام أباد سنة 1985 " لقد كان المسلمون سادة هذا العالم يوم كانوا يدركون حقيقة الإسلام، ويتبعون سنة رسولهم المصطفى عليه السلام، وينهجون في حياتهم كلها نهج سيرته، فازدهرت دنياهم، وامتد سلطان دينهم إلى آفاق المعمور إشعاعا وإرشادا وتعميما لمبادئ الخير والحق والسلام." وأملنا أن يتم إعمال هذه الدرة الحسنية في حياة المسلمين وفي قوانينهم ودستورهم في قابل الأيام. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما