نشر حماد القباج مقالاً تحت عنوان: ماذا يعني تعزيز الهوية الإسلامية في الدستورالجديد؟ بالجريدة الإلكترونية " هسبريس"، بتاريخ: 4- 7- 2011، ضَمّنه قضايا قابلة للمناقشة، لأنه لا يكفي أن تتم الإحالة على الهوية الإسلامية في الوثيقة الدستورية لنقول إن الدولة القائمة إسلامية، بل المسألة تحتاج إلى تحديد طبيعة الإسلام المحال عليه في الدستور، فإذا استقرأنا مشروع الدستور الجديد المنشور في الجريدة الرسمية رقم: 5952 مكرر، بتاريخ: 17 يوليوز 2011، نجده قد أحال على الهوية الإسلامية في المواقع التالية: الإحالة الأولى: المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة... كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوئ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها... (الفقرة الثانية من الديباجة). الإحالة الثانية: تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح... (الفصل: 1). الإحالة الثالثة: الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية (الفصل: 3). الإحالة الرابعة: لا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني... ولا يجوز أن يكون هدفها المساس بالدين الإسلامي (الفصل: 7). الإحالة الخامسة: الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه. ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى المعتمدة رسميا، بشأن المسائل المحالة عليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة. (الفصل: 41). الإحالة السادسة: لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان، ولا البحث عنه، ولا إلقاء القبض عليه، ولا اعتقاله ولا محاكمته، بمناسبة إبدائه لرأي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه، ماعدا إذا كان الرأي المعبر عنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي، أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك( الفصل: 64). الإحالة السابعة: لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، وبالنظام الملكي للدولة، وباختيارها الديمقراطي، وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور (الفصل: 175). كل هذه الإحالات لا تجد فيها التنصيص على الإسلام كشريعة، لذلك لا يوجد أي فصل ينص على كون الإسلام مصدراً من مصادر التشريع. وهذا يدفعنا إلى إبداء أربع ملاحظات أساسية: الملاحظة الأولى: مشروع الدستور الجديد لا يتحدث عن الإسلام إلا كدين، وبتعبير آخر كشعائر وليس كشرائع. الملاحظة الثانية: الوثيقة الدستورية الجديدة عندما تتحدث عن الإسلام بهذه الصيغة، فهي تطرحه بمفهوم علماني، أي مجموعة من العبادات الشخصية(عقيدة)، وليس مجموعة من القواعد الناظمة لسلوك السلطة السياسية (الشريعة). الملاحظة الثالثة: الدستور الجديد يجعل الدين في خدمة الدولة باعتبار أن الإسلام هو دينها الرسمي، وهذا التنصيص لا ينفي الخيار العلماني لكون الأساس المركزي للعلمانية هي إطلاقية قيمة الدولة وبالتالي جعل كل شيئ في خدمتها بما في ذلك الدين. الملاحظة الرابعة: التنصيص على الدين الإسلامي في الوثيقة الدستورية يؤكد علمانية الدولة، وذلك على غرار بعض التجارب العلمانية التي تنص في دساتيرها و قوانينها صراحة على أن المسيحية هي ديانتها الرسمية كالدنمارك والنرويج وفلندا، وهو نفس الحال مع المسيحية الأنجليكانية في انجلترا، والمسيحية الأرثودكسية في اليونان وقبرص، والكاثوليكية كديانة رسمية في الدستور في كل من الأرجنتين وبوليفيا وكوستاريكا والسلفادور. فالدستور النرويجي مثلاً يتضمن العديد من المواد التي تشير إلى الأسس الدينية التي تبنى عليها مملكة النرويج، فالمادة الثانية تنص على ما يلي: " كل سكان المملكة يتمتعون بحق ممارسة دينهم بحرية. تعتبر الديانة الإنجيلية اللوثيرية الديانة الرسمية للدولة. وعلى السكان الذين يعتنقونها تربية أبنائهم عليها". وفي المادة الرابعة نقرأ: " ينتمي الملك إلى الديانة الإنجيلية اللوثيرية، ويجب عليه الحفاظ عليها وحمايتها". أما المادة 16من هذا الدستور وفق آخر صيغة بعد تعديل سنة 1995 فإنها تنص على أن الملك ينظم كل ما يتعلق بخدمات الكنيسة والشعائر العمومية والاجتماعات ذات الطابع الديني، ويحرص على أن يلتزم الأشخاص الذين يشتغلون في التعليم الديني بالمعايير الضرورية. كما نجد في المادة الثانية عشرة بأن "أكثر من نصف الوزراء يجب أن يكونوا معتنقين للديانة الرسمية للدولة". هذه المواد الصريحة في الدستور لم تجعل من النرويج دولة مسيحية، ما دامت السلطة تمارس فيها بقواعد وآليات مدنية علمانية، هذا ما يجعلنا نخلص إلى أن الإسلام الرسمي المنصوص عليه في الوثقة الدستورية هو الترجمة الفعلية للإسلام العلماني، إسلام يشدد على العقيدة ومستلزماتها من قواعد السلوك ولا يشير إلى الشريعة، هذا الإسلام هو الحاضر في أدبيات الفاعلين المنخرطين في ثقافة التوافق سواء كانوا سياسيين أو دينيين. وبالتالي فإن قول "لا" في الاستفتاء على الدستور، هو الطريق الواضح لكل من أصر على مواصلة دربه واستكمال رسالته في التحرر والانعتاق.