على بوابة إفريقيا، التي يعتبرها مختصّون "مستقبل الاقتصاد العالمي"، تقف ألمانيا، وهي قوة اقتصادية عظمى أخرى، تبحث عن موطئ قدم لتنافس بقية القوى، سواء التقليدية الناشطة في القارة، مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية، أو الناشئة، كالصين والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية. دخول مفاجئ ونشط تسجّله القارة السمراء لفاعل جديد؛ إذ تستعدّ ألمانيا لتنظيم أول منتدياتها الاقتصادية الإفريقية في مدينة فرانكفورت، يوم 23 مارس المقبل، بهدف تعزيز الروابط الاقتصادية مع الدول الإفريقية، وخلق نوع من الألفة بين تلك الدول والشركات الألمانية. وهو حدث رأى خبراء اقتصاديون أنه يؤشّر على مرحلة جديدة في إفريقيا، تتسم باحتدام المنافسة بين القوى الناشطة في القارة، مع انضمام ألمانيا إلى السباق، في خطوة يعتقدون أنها تشكّل نقطة تدارك بالنسبة لأكبر قوة اقتصادية أوروبية، في مجال التعاون الاقتصادي متعدد الجوانب في القارة السمراء. جولة ميركل الباحث والخبير الاقتصادي التشادي أنطوان دودجيدانغوا لفت الانتباه إلى أن رغبة ألمانيا المفاجئة في إعادة الحياة إلى علاقاتها الاقتصادية مع البلدان الإفريقية تأتي عقب جولة إفريقية قادت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في أكتوبر الماضي، إلى كل من مالي والنيجر وإثيوبيا. واعتبر أن "جولة ميركل، التي استغرقت ثلاثة أيام، مكّنت الوفد المرافق لها من إدراك أن برلين متأخرة في سباق القوى العظمى نحو القارة، خاصة في مجال الاستثمار، لاسيما وأنهم لاحظوا أيضا توسّع الاستثمارات والتبادل التجاري للقارة مع قوى مثل الصين والهند وفرنسا وبريطانيا". وبالنسبة للباحث التشادي فإن "أخذ برلين زمام المبادرة لتنظيم منتدى إفريقي-ألماني يعتبر مؤشرا جيدا بالنسبة للاقتصادات الإفريقية، نظرا لما تحمله من مزايا متعددة ذات صلة بنقل المهارات التكنولوجية وتعزيز التبادل التجاري". وهو توجّه يكشف أيضا، وفق "دودجيدانغوا" أن "مناخ الأعمال في إفريقيا يثير أطماع مجمل القوى الغربية العظمى، وهو ما من شأنه أن يمثّل فرصة للحكومات ورجال الأعمال الأفارقة لتلبية الدعوة والمشاركة في مثل هذه المنتديات الاقتصادية الداعمة لمبدأ الشراكة المربحة للجانبين". إفريقيا.. الرابحة الخبير الاقتصادي التشادي أنطوان دودجيدانغوا اعتبر أنه "في جميع الحالات، فإن البلدان الإفريقية ستكون الرابحة؛ فألمانيا بصدد البحث عن أسواق جديدة ومشاريع استثمارية جديدة، وهي، تبعا لذلك، في حاجة إلى المواد الأوّلية الإفريقية". وخلص إلى أن "المنتدى الألماني-الإفريقي سيمكّن الأفارقة من إدارة المنافسة بين القوى الباحثة عن أسواق جديدة في إفريقيا". وشدد على "حاجة البلدان الإفريقية إلى البناء على النموذج الألماني للتنمية". ولفت الخبير الاقتصادي التشادي إلى أن "الخبرات الألمانية في مجال النموّ التكنولوجي هي الأكثر تطوّرا". وعن الاستفادة التي يمكن لإفريقيا تحقيقها من التقارب الألماني-الإفريقي، أجاب: "هي بلا شك نقل الخبرات الألمانية في مجال التجهيز الزراعي". الاستثمارات الألمانية مبدٍ تفاؤلا حيال مستقبل التعاون الألماني-الإفريقي، قال محمد سليمان غوني، رجل أعمال تشادي، في حديث صحافي، إن "الاستثمارات الألمانية في إفريقيا ستتضاعف ثلاث مرات خلال عامين في حال وسّع رجال الأعمال الألمان من استثماراتهم لتشمل مجالات أخرى، علاوة على السيارات والكمبيوتر". وسنويا، تستثمر ألمانيا 10 مليارات يورو في أفريقيا، 90% منها في ثلاث دول فقط، هي جنوب أفريقيا ونيجيريا والجزائر، ولا تتعدى أنشطة الشركات الألمانية في أفريقيا 2%. وبحسب بيانات منشورة على موقع "جيرمنأفريكا" الإلكتروني، بلغت المبادلات التجارية بين ألمانيا وإفريقيا، في 2013، نحو 60 مليار دولار، في حين تجاوزت معاملات القارة مع الصين عتبة ال 200 مليار دولار. أرقام هزيلة للمبادلات الإفريقية مع ألمانيا يرجعها مختصّون إلى مجالات برلين الاستثمارية المحدودة للغاية مع القارة السمراء. غوني، المدير التنفيذي لشركة "غاز كوم-تشاد"، اقترح "توسيع الاستثمارات الألمانية لتشمل أنشطة أخرى، منها تكنولوجيا الاتصالات الحديثة، والمواد الخام، مثل الذهب واليورانيوم والنفط، إلى جانب معالجة المنتجات الأساسية، مثل القطن والكاكاو والفول السوداني والصمغ العربي، بما يمكّن من رفع المبادلات التجارية الثنائية". صورة الألمان الخبير الاقتصادي التشادي عيسى عبد الماموت يرى أن "ألمانيا اختارت الوقت المناسب لإنعاش استثماراتها في إفريقيا، خصوصا وأن المؤشرات الكلّية لبعض اقتصادات القارة تظهر استعدادا لتحقيق النمو الاقتصادي". وهي مؤشرات اعتبر أنها تجلّت في "ظهور طبقة وسطى أوسع، والتزام بعض الحكومات بتحويل موادها الخام محليا، علاوة على الاستقرار المسجّل منذ 10 سنوات في دول مثل نيجيرياوجنوب إفريقيا وكينيا ورواندا وتشاد". ووفق دراسة للبنك الإفريقي للتنمية، صدرت في 27 أكتوبر 2014، فإن نحو 370 مليون إفريقي؛ أي ما يعادل ثلث سكان القارة، ينتمون إلى الطبقة الوسطى. واعتبر عبد الماموت أن "ألمانيا تنطلق في غزوها للأسواق الإفريقية معتمدة على صورتها القوية لدى الأفارقة؛ فرجال الأعمال من الشباب في القارة يشعرون، وعلى نحو متزايد، بالضجر من أنظمة جمع الثروات الفرنسية والإنجليزية". لكنهم بالمقابل، يضيف الخبير التشادي، "يقدّرون روح التفاني في العمل المعروفة لدى الألمان، ويعتقدون بوجود احتمالات كبيرة بأن الشراكة الألمانية الإفريقية ستكون أكثر ديناميكية من غيرها، وهذا ما يصب في صالح مستقبل مشرق لهذا التقارب الاقتصادي والحضاري بين ألمانيا وإفريقيا".