"الرحمة هي جوهر القانون، ولا يستعمل القانون بقسوة إلا الطغاة" شكسبير بدعم من الاتحاد الأوربي، احتضن المغرب نهاية شهر يونيو، الجمع العام السنوي للائتلاف الدولي ضد عقوبة الإعدام.. إنها بادرة محمودة،رغم أن المغرب لم يصادق على اتفاقية الأممالمتحدة لإلغاء هذه العقوبة المخجلة في تاريخ البشرية، صحيح أن الدولة لم تنفذ عقوبة الإعدام رغم إصدار أحكامها منذ 1994، لكن لا شيء يمنع في حالة عدم التنصيص القانوني على إلغاء هذه العقوبة المتوحشة.. من العودة إلى تنفيذها في ظروف استثنائية.. فلدينا 103 محكوم بالإعدام ولو أن مدير مديرية الشؤون الجنائية والعفو محمد عبد النبوي بشرنا بأن المغرب في طريقه إلى إلغاء عقوبة الإعدام.. وامتلك الشجاعة الكافية ،وهو المسؤول الأول في وزارة العدل عن الشؤون الجنائية ،ليقول: "أنا شخصيا مع إلغاء عقوبة الإعدام". للأسف فإن المجتمع المدني والحقوقي لم يبد اهتمامه بما أسماه الفقيه القانوني تارغيت "باللهو الأليم الحزين بأرواح المذنبين"، أما أحزابنا السياسية والتي قاسى بعض زعمائها من الحكم بالإعدام، فإن المطالبة بإلغاء هذه العقوبة من القوانين المغربية، تبدو آخر شيء على جدول أعمالها! "حكمت المحكمة حضوريا على المتهم بالإعدام، رُفعت الجلسة" في سطر واحد يصدر القاضي قراراً بوضع حد لحياة متهم، لا يجب الاكتفاء بتعطيل تنفيذ الأحكام بعقوبة الإعدام، إذ حسب باحثين حقوقيين، فإن القانون الجنائي وقانون الإرهاب والقانون العسكري يتضمن ما مجموعه 866 جريمة يعاقب عليها بالإعدام، وهذا تضخم خطير، قياساً إلى دولة تسعى إلى ملاءمة تشريعاتها الوطنية مع المواثيق الدولية.. وينص دستورها لأول مرة على مبدأ الحق في الحياة . لقد استمعت في أكثر من مناسبة إلى محامين وممثلين في البرلمان، للأسف، يدافعون على إبقاء العمل بعقوبة الإعدام، لنحاول أن نجادلهم هنا، بالتي هي أحسن، في حججهم التي يعتمدونها، إنها لا تخرج في كل الأحوال عن ذات الأسباب التي اعتمدها المتشبثون بالعقوبة القصوى، أهمها: - الردع، قصاص العدالة من المجرمين، فإيقاع العقاب القاسي القاضي بحرمان المجرم من أهم حق إنساني هو حقه في الحياة، من شأنه أن يردع غيره من المنحرفين.. إن حكاية الردع مجرد خرافة، فلا تأثير لعقوبة الإعدام على انخفاض أو ارتفاع الجريمة، خاصة أن القانون المغربي مثلا، يمنع تنفيذ حكم الإعدام بشكل علني، إلا إذا قرر وزير العدل خلاف ذلك.. وفي عام 1886 نُفذ حكم الإعدام في حق 167 متهما في سجن بريستول، وثبت أن 164 منهم شاهدوا عقوبة الإعدام، فأين هو الاعتبار؟ أليست رؤية تنفيذ عقوبة الإعدام محركاً لغرائز الموت وشهوة القتل؟ فالإعدام لا يلقن أي درس لكل المستهترين بأرواح البشر وقيم المجتمع الإنساني! - تطمين المجتمع وإرضاء الرأي العام، الكثير من الحقوقيين المغاربة لا يؤمنون بالقدرة التخويفية لأحكام عقوبة الإعدام، لكنهم مع مردوديتها على سيكولوجية الجماهير وأعراف وتقاليد المجتمع.. إن الأمر يتعلق فقط بإدعاء عاطفي، فالرأي العام ليس بنية قارة، صحيح أن الناس يتهيَّجون أمام جرائم بشعة وقد يطالبون بقتل المجرم.. لكن نحن لسنا بصدد عملية انتخابية أو قرار سياسي، فالتاريخ يحفظ لنا أن السياقات الثقافية أو الاجتماعية أو السياسية، والتهييج الانتقامي يحول أفعالا تافهة إلى جرائم قصوى تتطلب القصاص عبر القتل بإسم القانون ووقاية المجتمع من شر الجناة.. لذلك كان ألبيركامو محقا حين قال: "ليس القانون هو الذي يقرر بدقة الحالات التي ينبغي أن يصدر فيها الحكم بالموت، بل الزمان وصدف الجغرافيا والأعراف والتقاليد".. إن الرأي العام يمكن تهذيبه وتحسيسه بوحشية عقوبة الإعدام.. لقد كان خطأ فظيعاًَ إصدار وتنفيذ الحكم بالإعدام على العميد ثابت، الذي قتله السياق السياسي والإعلام الوطني ،وتلك جريمة لا تقل خطورة عن الجرائم التي اقترفها ثابت، لأن هذا القتل بدم بارد لنفس بشرية، هذا الإعدام البربري والوحشي، والذي يتم بإسم الله والوطن والملك هو جريمة، ولعل إحساس البشرية بعقدة ذنب عقوبة الإعدام هو الذي جعلها تستعمل وسائل العلم والتكنولوجيا، ليكون قتل الدولة المشرعن أكثر رأفة ورقة. وهؤلاء المدافعون عن بقاء عقوبة الإعدام، هم أقل رأفة من الدكتور غيوتان مكتشف المقصلة (لاغيوتين)، الذي كان يدافع عن اختراعه الرحيم الذي سلب أرواح الكثيرين، قائلا: "إن المحكوم عليه لا يشعر بشيء، وأكثر ما هناك برودة خفيفة في العنق"! إن الأمر أشبه بملهاة بشرية.. كيف لمجتمع يريد الانتقام من مذنب أن يفكر في راحته وعدم إحساسه بالألم لحظة تنفيذ عقوبة الإعدام؟! ثم في عصر التمدن والحضارة كيف يستمر الحديث عن تكفير المذنب عن جرمه، وتسديده لديون المجتمع، والعدالة أخذت مجراها، ونال القاتل جزاءه بالموت.. إن الكثير من غرائز الانتقام والقتل البدائي تتخفى وراء الكلمات المهذبة، وعلينا فضحها، لنقول لا لبقاء عقوبة الإعدام بالمغرب. وحين نصل إلى إثارة أمر احتمال الخطأ القضائي، فإن العديد ممن دافعوا عن بقاء عقوبة الإعدام وإن حصروها في أمور محدودة أمثال المحامي مصطفى الرميد، لا يجدون سوى تأويل النص الديني.. في إسبانيا اليوم، أثيرت بحدة قضية مهاجرين مغربيين حكمت عليهما إسبانيا الديمقراطية في ملف اغتصاب وسرقة وقتل، ب 20 سنة سجنا في أواسط الثمانينيات، بإسبانيا التي لا يخضع قضاتها إلى التعليمات، واكتشف اليوم أن الجناة الحقيقيين ظلوا أحراراً لمدة 15 سنة، فيما قضى حميد نحبه داخل السجن وأفرج عن عبد الرزاق مؤخراً.. لو كانت إسبانيا تطبق عقوبة الإعدام، لما استطاع القضاء إصلاح الخطأ الذي ارتكبه، وفي أمريكا هناك حكايات دامية عن أشخاص حوكموا بالإعدام ونفذ فيهم وبعد ذلك ظهرت براءتهم وبرز الجناة الحقيقيون. وبفرنسا لازال إسم ساعي البريد "لوزيرك" في قضية بريد ليون، يسكن اللاشعور الجمعي للفرنسيين، لقد تم إعدام الرجل خطأ.. يرى الخبير القانوني "أوليفكروا"، الذي طبق حساب الاحتمالات على إمكانية الخطأ في الحكم القانوني عام 1860، أن حوالي بريء واحد يحكم عليه من بين 257 محكوماً.. هل تبدو لكم النسب ضعيفة.. ضعوا أنفسكم مكان المحكوم بعقوبة الإعدام خطأ، وسترون أي جرم نرتكب بالسكوت عن بقاء العمل بعقوبة الإعدام بالمغرب!